حكم رسول الله في اللعان 2
فصل
الحكم الثاني أن فرقة اللعان فسخ وليست بطلاق وإلى هذا ذهب الشافعي وأحمد ومن بقولهما واحتجوا بأنها فرقة توجب تحريما مؤبدا فكانت فسخا كفرقة الرضاع بأن اللعان ليس صريحا في الطلاق ولا نوى الزوج به الطلاق فلا يقع به قالوا كان اللعان صريحا في الطلاق أو كناية فيه لوقع بمجرد لعان الزوج ولم يتوقف على المرأة قالوا ولأنه لو كان طلاقا فهو طلاق من مدخول بها بغير لم ينو به الثلاث فكان يكون رجعيا قالوا ولأن الطلاق بيد الزوج إن شاء طلق وإن أمسك وهذا الفسخ حاصل بالشرع وبغير اختياره قالوا وإذا ثبت بالسنة وأقوال ودلالة القرآن أن فرقة الخلع ليست بطلاق بل هي فسخ مع كونها بتراضيهما تكون فرقة اللعان طلاقا
فصل
الحكم الثالث أن هذه الفرقة توجب تحريما مؤبدا لا يجتمعان بعدها أبدا قال حدثنا الزبيدي حدثنا الزهري عن سهل ابن سعد فذكر قصة المتلاعنين وقال رسول الله بينهما وقال لا يجتمعان أبدا وذكر البيهقي من حديث سعيد بن جبير عن ابن عمر عن النبي قال المتلاعنان إذا لا يجتمعان أبدا قال وروينا عن علي وعبدالله بن عباس رضي الله عنهم قالا مضت السنة في المتلاعنين لا يجتمعا أبدا قال وروي عن عمر بن رضي الله عنه أنه قال يفرق بينهما ولا يجتمعان أبدا وإلى هذا ذهب أحمد ومالك والثوري وأبو عبيد وأبو يوسف وعن أحمد رواية أخرى أنه إن أكذب نفسه حلت له وعاد فراشه بحالة وهي رواية شاذة شذ حنبل عنه قال أبو بكر لا نعلم أحدا رواها غيره وقال صاحب المغني وينبغي أن هذه الرواية على ما إذا لم يفرق بينهما فأما مع تفريق الحاكم بينهما فلا وجه النكاح بحاله قلت الرواية مطلقة ولا أثر لتفريق الحاكم في دوام التحريم فإن الفرقة الواقعة بنفس أقوى من الفرقة الحاصلة بتفريق الحاكم فإذا كان إكذاب نفسه مؤثرا في تلك القوية رافعا للتحريم الناشيء منها فلأن يؤثر في الفرقة التي هي دونها تحريمها أولى وإنما قلنا إن الفرقة بنفس اللعان أقوى من الفرقة بتفريق الحاكم لأن فرقة اللعان إلى حكم الله ورسوله سواء رضي الحاكم والمتلاعنان التفريق أو أبوه فهي فرقة الشارع بغير رضى أحد منهم ولا اختياره بخلاف فرقة الحاكم فإنه إنما يفرق وأيضا فإن اللعان يكون قد اقتضى بنفسه التفريق لقوته وسلطانه عليه بخلاف ما إذا على تفريق الحاكم فإنه لم يقو بنفسه على اقتضاء الفرقة ولا كان له سلطان وهذه الرواية هي مذهب سعيد بن المسيب قال فإن أكذب نفسه فهو خاطب من الخطاب أبي حنيفة ومحمد وهذا على أصله اطرد لأن فرقة اللعان عنده طلاق وقال سعيد جبير إن أكذب نفسه ردت إليه ما دامت في العدة
والصحيح القول الأول الذي دلت عليه السنة الصحيحة الصريحة
وأقوال الصحابة رضي الله عنهم وهو الذي تقتضيه حكمة اللعان ولا تقتضي سواه فإن الله تعالى وغضبه قد حل بأحدهما لامحالة ولهذا قال النبي عند الخامسة إنها أي الموجبة لهذا الوعيد ونحن لا نعلم عين من حلت به يقينا ففرق بينهما أن يكون هو الملعون الذي قد وجبت عليه لعنة الله وباء بها فيعلو أمرأة غير وحمة الشرع تأبى هذا كما أبت أن يعلو الكافر مسلمة والزاني عفيفة فإن قيل فهذا يوجب ألا يتزوج غيرها لما ذكرتم بعينه قيل لا يوجب ذلك لأنا لم نتحقق أنه هو الملعون وإنما تحققنا أن أحدهما كذلك في عينه فإذا اجتمعا لزمه أحد الأمرين ولا بد إما هذا وإما إمساكه ملعونة عليها قد وجب عليها غضب الله وباءت به فأما إذا تزوجت بغيره أو تزوج لم تتحقق هذه المفسدة فيهما وأيضا فإن النفرة الحاصلة من إساءة كل واحد منهما إلى صاحبه لا تزول أبدا فإن إن كان صادقا عليها فقد أشاع فاحشتها وفضحها على رؤوس الأشهاد وأقامها مقام وحقق عليها الخزي والغضب وقطع نسب ولدها وإن كان كاذبا فقد أضاف إلى ذلك بهذه الفرية العظيمة وإحراق قلبها بها والمرأة إن كانت صادقة فقد أكذبته على الأشهاد وأوجبت عليه لعنة الله وإن كانت كاذبة فقد أفسدت فراشه وخانته في نفسها وألزمته والفضيحة وأحوجته إلى هذا المقام المخزي فحصل لكل واحد منهما من صاحبه من والوحشة وسوء الظن ما لا يكاد يلتئم معه شملهما أبدا فاقتضت حكمة من شرعه حكمة ومصلحة وعدل ورحمة تحتم الفرقة بينهما وقطع الصحبة المتمحضة مفسدة فإنه كان كذبا عليها فلا ينبغي أن يسلط على إمساكها مع ما صنع من القبيح وإن كان صادقا فلا ينبغي أن يمسكها مع علمه بحالها ويرضى لنفسه أن يكون زوج فإن قيل فما تقولون لو كانت أمة ثم اشتراها هل يحل له وطؤها بملك اليمين قلنا لا له لأنه تحريم مؤبد فحرمت على مشتريها كالرضاع ولأن المطلق ثلاثا إذا اشترى لم تحل له قبل زوج وإصابة فهاهنا أولى لأن هذا التحريم مؤبد وتحريم الطلاق مؤبد
فصل
الحكم الرابع أنها لايسقط صداقها بعد الدخول فلا يرجع به عليها فإنه إن كان صادقا استحل من فرجها عوض الصداق وإن كان كاذبا فأولى وأحرى فإن قيل فما تقولون لو وقع اللعان قبل الدخول هل تحكمون عليه بنصف المهر أو يسقط جملة قيل في ذلك قولان للعلماء وهما روايتان عن أحمد مأخذهما أن الفرقة إذا كانت بسبب الزوجين كلعانهما أو منهما ومن أجنبي كشرائها لزوجها قبل الدخول فهل يسقط تغليبا لجانبها كما لو كانت مستقلة بسبب الفرقة أو نصفه تغليبا لجانبه وأنه المشارك في سبب الإسقاط والسيد الذي باعه متسبب إلى إسقاطه ببيعه إياها فهذا فيه قولان وكل فرقة جاءت من قبل الزوج نصفت الصداق إلا فسخه لعيبها أو فوات شرط شرطه فإنه يسقط كله وإن كان هو الذي فسخ لأن الفسخ منها وهي الحاملة له عليه ولو كانت الفرقة بإسلامه فهل يسقط عنه أو على روايتين فوجه إسقاطه أنه فعل الواجب عليه وهي الممتنعة من فعل ما يجب فهي المتسببة إلى اسقاط صداقها بامتناعها من الإسلام ووجه التنصيف أن سبب من جهته فإن قيل فما تقولون في الخلع هل ينصفه أو يسقطه قيل إن قلنا هو طلاق نصفه وإن قلنا هو فسخ فقال أصحابنا فيه وجهان أحدهما كذلك لجانبه والثاني يسقطه لأنه لم يستقل بسبب الفسخ وعندي أنه إن كان مع أجنبي وجها واحدا وإن كان معها ففيه وجهان فإن قيل فما تقولون لو كانت الفرقة بشرائه لزوجته من سيدها هل يسقطه أو ينصفه قيل فيه وجهان احدهما يسقطه لأن مستحق مهرها تسبب إلى إسقاطه ببيعها والثاني لأن الزوج تسبب إليه بالشراء وكل فرقة جاءت من قبلها كردتها وإرضاعها من إرضاعه نكاحها وفسخها لإعساره أو عيبه فإنه يسقط مهرها فإن قيل فقد قلتم إن المرأة إذا فسخت لعيب في الزوج سقط مهرها إذ الفرقة من جهتها إن الزوج إذا فسخ لعيب في المرأة سقط أيضا ولم تجعلوا الفسخ من جهته فتنصفوه جعلتموه لفسخها لعيبه من جهتها فأسقطتموه فما الفرق قيل الفرق بينهما أنه إنما المهر في مقابلة بضع سليم من العيوب فإذا لم يتبين كذلك وفسخ عاد إليها كما ولم يستوفه ولا شيئا منه فلا يلزمه شيء من الصداق كما أنها إذا فسخت لعيبه لم إليه المعقود عليه ولا شيئا منه فلا تستحق عليه شيئا من الصداق
فصل
الحكم الخامس أنها لا نفقة لها عليه ولا سكنى كما قضى به رسول الله وهذا موافق في المبتوتة التي لا رجعة لزوجها عليها كما سيأتي بيان حكمه في ذلك وأنه لكتاب الله لا مخالف له بل سقوط النفقة والسكنى للملاعنة أولى من سقوطها لأن المبتوتة له سبيل إلى أن ينكحها في عدتها وهذه لا سبيل له إلى نكاحها في العدة ولا بعدها فلا وجه أصلا لوجوب نفقتها وسكناها وقد انقطعت العصمة كليا فأقضيته يوافق بعضها بعضا وكلها توافق كتاب الله والميزان الذي أنزله ليقوم بالقسط وهو القياس الصحيح كما ستقر عينك إن شاء الله تعالى بالوقوف عليه عن وقال مالك والشافعي لها السكنى وأنكر القاضي إسماعيل بن إسحاق هذا القول إنكارا وقوله من أجل أنهما يتفرقان من غير طلاق ولا متوفى عنها لا يدل مفهومه على أن مطلقة ومتوفى عنها لها النفقة والسكنى وإنما يدل على أن هاتين الفرقتين قد يجب نفقة وسكنى وذلك إذا كانت المرأة حاملا فلها ذلك في فرقة الطلاق اتفاقا وفي الموت ثلاثة أحدها أنه لا نفقة لها ولا سكنى كما لو كانت حائلا وهذا مذهب أبي حنيفة في إحدى روايتيه والشافعي في أحد قوليه لزوال سبب النفقة بالموت على وجه لا عوده فلم يبق نفقة قريب فهي في مال الطفل إن كان له مال وإلا فعلى من تلزمه من أقاربه والثاني أن لها النفقة والسكنى في تركته تقدم بها على الميراث وهذا إحدى عن أحمد لأن انقطاع العصمة بالموت لا يزيد على انقطاعها بالطلاق البائن انقطاعها بالطلاق أشد ولهذا تغسل المرأة زوجها بعد موته عند جمهور العلماء حتى الرجعية عند أحمد ومالك في إحدى الروايتين عنه فإذا وجبت النفقة والسكنى الحامل فوجوبها للمتوفى عنها زوجها أولى وأحرى
والثالث أن لها السكنى دون النفقة حاملا كانت أو حائلا وهذا قول مالك وأحد قولي إجراء لها مجرى المبتوتة في الصحة وليس هذا موضع بسط هذه المسائل وذكر والتمييز بين راجحها ومرجوحها إذ المقصود أن قوله من أجل أنهما يفترقان من طلاق ولا متوفى عنها زوجها إنما يدل على أن المطلقة والمتوفى عنها قد يجب لهما والبيت في الجملة فهذا إن كان هذا الكلام من كلام الصحابي والظاهر والله أنه مدرج من قول الزهري
فصل
الحكم السادس انقطاع نسب الولد من جهة الأب لأن رسول الله قضى ألا يدعى ولدها وهذا هو الحق وهو قول الجمهور
أجل فوائد اللعان وشذ بعض أهل العلم وقال المولود للفراش لا ينفيه اللعان لأن النبي قضى أن الولد للفراش وإنما ينفي اللعان الحمل فإن لا يلاعنها ولدت لاعن لإسقاط الحد فقط ولا ينتفي ولدها منه وهذا مذهب أبي محمد بن حزم عليه بأن رسول الله قضى أن الولد لصاحب الفراش قال فصح أن كل من ولد على ولد فهو ولده إلا حيث نفاه الله على لسان رسوله أو حيث يوقن بلا شك أنه ليس ولم ينفه إلا وهي حامل باللعان فقط فبقي ما عدا ذلك على لحاق النسب قال قلنا إن صدقته في أن الحمل ليس منه فإن تصديقها له لا يلتفت إليه لأن الله يقول ( ولا تكسب كل نفس إلا عليها ) الأنعام 164 فوجب أن إقرار الأبوين يصدق نفي الولد فيكون كسبا على غيرهما وإنما نفى الله سبحانه الولد إذا أكذبته الأم هي والزوج فقط فلا ينتفي في غير هذا الموضع انتهى كلامه وهذا ضد مذهب من يقول إنه لا يصح اللعان على الحمل حتى تضع كما يقول أحمد وأبو والصحيح صحته على الحمل وعلى الولد بعد وضعه كما قاله مالك والشافعي ثلاثة ولا تنافي بين هذا الحكم وبين الحكم بكون الولد للفراش بوجه ما فإن الفراش قد زال وإنما حكم رسول الله بأن الولد للفراش عند تعارض الفراش ودعوى الزاني دعوى الزاني للولد وحكم به لصاحب الفراش وهاهنا صاحب الفراش قد نفى الولد
فإن قيل فما تقولون لو لاعن لمجرد نفي الولد مع قيام الفراش لم تزن ولكن ليس هذا الولد ولدي قيل في ذلك قولان للشافعي : وهما روايتان منصوصتان عن أحمد
إحداهما أنه لا لعان بينهما ويلزمه الولد وهي اختيار الخرقي والثانية أن له أن يلاعن لنفي الولد فينتفي عنه بلعانه وحده وهي اختيار أبي ابن تيمية وهي الصحيحة فإن قيل فخالفتم حكم رسول الله أن الولد للفراش قلنا معاذ الله بل وافقنا حيث وقع غيرنا في خلاف بعضها تأويلا فإنه إنما حكم بالولد للفراش حيث ادعاه الفراش فرجح دعواه بالفراش وجعله له وحكم بنفيه عن صاحب الفراش حيث نفاه عن وقطع نسبه منه وقضى ألا يدعى لأب فوافقنا الحكمين وقلنا بالأمرين ولم نفرق باردا جدا سمجا لا أثر له في نفي الولد حملا ونفيه مولودا فإن الشريعة لا على هذا الفرق الصوري الذي لا معنى تحته ألبتة وإنما يرتضي هذا من قل نصيبه ذوق الفقه وأسرار الشريعة وحكمها ومعانيها والله المستعان وبه التوفيق
فصل
الحكم السابع إلحاق الولد بأمه عند انقطاع نسبه من جهة أبيه وهذا الإلحاق يفيد زائدا على إلحاقه بها مع ثبوت نسبه من الأب وإلا كان عديم الفائدة فإن خروج منها أمر محقق فلا بد في الإلحاق من أمر زائد عليه وعلى ما كان حاصلا مع النسب من الأب وقد اختلف في ذلك فقالت طائفة أفاد هذا الإلحاق قطع توهم انقطاع نسب الولد من الأم كما انقطع من وأنه لا ينسب إلى أم ولا إلى أب فقطع النبي هذا الوهم وألحق الولد بالأم هذا بإيجابه الحد على من قذفه أو قذف أمه وهذا قول الشافعي ومالك وأبي حنيفة من لا يرى أن أمه وعصباتها له وقالت طائفة ثانية بل أفادنا هذا الإلحاق فائدة زائدة وهي تحويل النسب الذي كان أبيه إلى أمه وجعل أمه قائمة مقام أبيه في ذلك فهي عصبته وعصباتها أيضا عصبته مات حازت ميراثه وهذا قول ابن مسعود ويروى عن علي وهذا القول هو الصواب لما أهل السنن الأربعة من حديث واثلة بن الأسقع عن النبي أنه قال تحوز المرأة مواريث عتيقها ولقيطها وولدها الذي لاعنت عليه ورواه الإمام أحمد وذهب إليه ..وروى أبو داود في سننه من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن النبي أنه جعل ابن الملاعنة لأمه ولورثتها من بعده
وفي السنن أيضا مرسلا من حديث مكحول قال جعل رسول الله ميراث ابن الملاعنة لأمه من بعدها وهذه الآثار موافقة لمحض القياس فإن النسب في الأصل للأب انقطع من جهته صار للأم كما أن الولاء في الأصل لمعتق الأب فإذا كان الأب كان لمعتق الأم فلو أعتق الأب بعد هذا انجر الولاء من موالي الأم إليه ورجع أصله وهو نظير ما إذا كذب الملاعن نفسه واستلحق الولد رجع النسب والتعصيب من وعصبتها إليه فهذا محض القياس وموجب الأحاديث والآثار وهو مذهب حبر الأمة عبدالله بن مسعود ومذهب إمامي أهل الأرض في زمانهما أحمد بن حنبل وإسحاق راهويه وعليه يدل القرآن بألطف إيماء وأحسنه فإن الله سبحانه جعل عيسى من ذرية بواسطة مريم أمه وهي من صميم ذرية إبراهيم وسيأتي مزيد تقرير لهذا عند ذكر النبي وأحكامه في الفرائض إن شاء الله تعالى فإن قيل فما تصنعون بقوله في حديث سهل الذي رواه مسلم في صحيحه في قصة اللعان وفي ثم جرت السنة أن يرث منها وترث منه ما فرض الله لها قيل نتلقاه بالقبول والقول بموجبه وإن أمكن أن يكون مدرجا من كلام ابن شهاب وهو الظاهر فإن الأم لا يسقط ما فرض الله لها من ولدها في كتابه وغايتها أن تكون كالأب حيث له الفرض والتعصيب فهي تأخذ فرضها ولا بد فإن فضل شيء أخذته بالتعصيب وإلا بفرضها فنحن قائلون بالآثار كلها في هذا الباب بحمد الله وتوفيقه
فصل
الحكم الثامن أنها لا ترمى ولا يرمى ولدها ومن رماها أو رمى ولدها فعليه الحد لأن لعانها نفى عنها تحقيق ما رميت به فيحد قاذفها وقاذف ولدها هذا الذي دلت السنة الصحيحة الصريحة وهو قول جمهور الأمة وقال أبو حنيفة إن لم يكن هناك نفي نسبه حد قاذفها وإن كان هناك ولد نفي نسبه لم يحد قاذفها والحديث إنما هو لها ولد نفاه الزوج والذي أوجب له هذا الفرق أنه متى نفى نسب ولدها فقد حكم بالنسبة إلى الولد فأثر ذلك شبهة في سقوط حد القذف
فصل
الحكم التاسع أن هذه الأحكام إنما ترتبت على لعانهما معا وبعد أن تم اللعانان فلا شيء منها على لعان الزوج وحده وقد خرج أبو البركات ابن تيمية على هذا المذهب الولد بلعان الزوج وحده وهو تخريج صحيح فإن لعانه كما أفاد سقوط الحد وعار عنه من غير اعتبار لعانها أفاد سقوط النسب الفاسد عنه وإن لم تلاعن هي بطريق فإن تضرره بدخول النسب الفاسد عليه أعظم من تضرره بحد القذف وحاجته إلى عنه أشد من حاجته إلى دفع الحد فلعانه كما استقل بدفع الحد استقل بنفي الولد أعلم
فصل
الحكم العاشر وجوب النفقة والسكنى للمطلقة والمتوفى عنها إذا كانتا حاملين فإنه من أجل أنهما يفترقان عن غير طلاق ولا متوفى عنها فأفاد ذلك أمرين أحدهما سقوط البائن وسكناها إذا لم تكن حاملا من الزوج والثاني وجوبهما لها وللمتوفى عنها كانتا حاملين من الزوج
فصل
وقوله أبصروها فإن جاءت به كذا وكذا فهو لهلال بن أمية وإن جاءت به كذا وكذا لشريك بن سحماء إرشاد منه إلى اعتبار الحكم بالقافة وأن للشبه مدخلا في النسب وإلحاق الولد بمنزلة الشبه وإنما لم يلحق بالملاعن لو قدر أن الشبه له اللعان الذي هو أقوى من الشبه له كما تقدم
فصل
وقوله في الحديث لو أن رجلا وجد مع امرأته رجلا يقتله فتقتلونه به دليل على أن من رجلا في داره وادعى أنه وجده مع امرأته أو حريمه قتل فيه ولا يقبل قوله إذ لو قوله لأهدرت الدماء وكان كل من أراد قتل رجل أدخله داره وادعى أنه وجده مع ولكن هاهنا مسألتان يجب التفريق بينهما إحداهما هل يسعه فيما وبين الله تعالى أن يقتله أم لا والثانية هل يقبل قوله في ظاهر الحكم أم وبهذا التفريق يزول الإشكال فيما نقل عن الصحابة رضي الله عنهم في ذلك حتى بعض العلماء مسألة نزاع بين الصحابة وقال مذهب عمر رضي الله عنه أنه لا يقتل ومذهب علي أنه يقتل به والذي غره ما رواه سعيد بن منصور في سننه أن عمر بن رضي الله عنه بينا هو يوما يتغدى إذ جاءه رجل يعدو وفي يده سيف ملطخ بدم قوم يعدون فجاء حتى جلس مع عمر فجاء الآخرون فقالوا يا أمير المؤمنين إن قتل صاحبنا فقال له عمر رضي الله عنه ما تقول فقال له يا أمير المؤمنين إني بين فخذي امرأتي فإن كان بينهما أحد فقد قتلته فقال عمر ما تقولون فقالوا يا المؤمنين إنه ضرب السيف فوقع في وسط الرجل وفخذي المرأة فأخذ عمر رضي الله سيفه فهزه ثم دفعه إليه وقال إن عادوا فعد فهذا ما نقل عن عمر رضي الله عنه وأما علي فسئل عمن وجد مع امرأته رجلا فقتله فقال إن لم يأت بأربعة شهداء فليعط فظن أن هذا خلاف المنقول عن عمر فجعلها مسألة خلاف بين الصحابة وأنت إذا حكميهما لم تجد بينهما اختلافا فإن عمر إنما أسقط عنه القود لما اعترف الولي كان مع امرأته
وقد قال أصحابنا واللفظ لصاحب المغني فإن اعترف الولي بذلك فلا ولا دية لما روي عن عمر ثم ساق القصة وكلامه يعطي أنه لا فرق بين أن يكون وغير محصن وكذلك حكم عمر في هذا القتيل وقوله أيضا فإن عادوا فعد ولم يفرق المحصن وهذا هو الصواب وإن كان صاحب المستوعب قد قال وإن وجد مع امرأته رجلا ينال ما يوجب الرجم فقتله وادعى أنه قتله لأجل ذلك فعليه القصاص في ظاهر الحكم إلا يأتي ببينة بدعواه فلا يلزمه القصاص قال وفي عدد البينة روايتان إحداهما شاهدان أبو بكر لأن البينة على الوجود لا على الزنى والأخرى لا يقبل أقل من أربعة أن البينة متى قامت بذلك أو أقر به الولي سقط القصاص محصنا كان أو غيره يدل كلام علي فإنه قال فيمن وجد مع امرأته رجلا فقتله إن لم يأت بأربعة فليعط برمته وهذا لأن هذا القتل ليس بحد الزنى ولو كان حدا لما كان بالسيف له شروط إقامة الحد وكيفيته وإنما هو عقوبة لمن تعدى عليه وهتك حريمه أهله وكذلك فعل الزبير رضي الله عنه لما تخلف عن الجيش ومعه جارية له فأتاه فقالا أعطنا شيئا فأعطاهما طعاما كان معه فقالا خل عن الجارية فضربهما بسيفه بضربة واحدة وكذلك من اطلع في بيت قوم من ثقب أو شق في الباب بغير إذنهم حرمة أو عورة فلهم خذفه وطعنه في عينه فإن انقلعت عينه فلا ضمان عليهم قال أبو يعلى هذا ظاهر كلام أحمد أنهم يدفعونه ولا ضمان عليهم من غير تفصيل وفصل ابن حامد فقال يدفعه بالأسهل فالأسهل فيبدأ بقوله انصرف واذهب وإلا نفعل بك قلت وليس في كلام أحمد ولا في السنة الصحيحة ما يقتضي هذا التفصيل بل الأحاديث تدل على خلافه فإن في الصحيحين عن أنس أن رجلا أطلع من جحر في بعض حجر فقام إليه أو بمشاقص وجعل يختله ليطعنه فأين الدفع بالأسهل وهو يختله أو يختبيء له ليطعنه
وفي الصحيحين أيضا من حديث سهل بن سعد أن رجلا اطلع في جحر في باب النبي وفي يد مدرى يحك به رأسه فلما رآه قال لو أعلم أنك تنظرني لطعنت به في عينك إنما الإذن من أجل البصر وفيهما أيضا عن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله لو أن امرءا اطلع بغير إذن فخذفته بحصاة ففقأت عينه لم يكن عليك جناح
وفيهما أيضا من اطلع في بيت قوم بغير إذنهم ففقؤوا عينه فلا دية له ولا قصاص
وهذا اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله وقال ليس هذا من باب دفع الصائل بل باب عقوبة المعتدي المؤذي وعلى هذا فيجوز له فيما بينه وبين الله تعالى قتل من على حريمه سواء كان محصنا أو غير محصن معروفا بذلك أو غير معروف كما دل عليه وفتاوى الصحابة وقد قال الشافعي وأبو ثور يسعه قتله فيما بينه وبين الله إذا كان الزاني محصنا جعلاه من باب الحدود وقال أحمد وإسحاق يهدر دمه إذا جاء بشاهدين ولم يفصلا بين المحصن وغيره واختلف مالك في هذه المسألة فقال ابن حبيب إن كان المقتول محصنا وأقام الزوج البينة شيء عليه وإلا قتل به وقال ابن القاسم إذا قامت البينة فالمحصن وغير المحصن ويهدر دمه واستحب ابن القاسم الدية في غير المحصن فإن قيل فما تقولون في الحديث المتفق على صحته عن أبي هريرة رضي الله عنه أن سعد عبادة رضي الله عنه قال يا رسول الله أرأيت الرجل يجد مع امرأته رجلا أيقتله رسول الله لا فقال سعد بلى والذي بعثك بالحق فقال رسول الله اسمعوا إلى ما يقول سيدكم وفي اللفظ الآخر إن وجدت مع امرأتي رجلا أمهله حتى آتي بأربعة شهداء قال نعم قال والذي بعثك بالحق إن كنت لأعاجله بالسيف قبل ذلك رسول الله اسمعوا إلى ما يقول سيدكم إنه لغيور وأنا أغير منه والله أغير مني
قلنا نتلقاه بالقبول والتسليم والقول بموجبه وآخر الحديث دليل على أنه لو قتله لم به لأنه قال بلى والذي أكرمك بالحق ولو وجب عليه القصاص بقتله لما أقره على الحلف ولما أثنى على غيرته ولقال لو قتلته قتلت به وحديث أبي هريرة صريح في فإن رسول الله قال أتعجبون من غيرة سعد فوالله لأنا أغير منه والله أغير مني عليه ولا نهاه عن قتله لأن قوله حكم ملزم وكذلك فتواه حكم عام للأمة فلو له في قتله لكان ذلك حكما منه بأن دمه هدر في ظاهر الشرع وباطنه ووقعت المفسدة درأها الله بالقصاص وتهالك الناس في قتل من يريدون قتله في دورهم ويدعون أنهم يرونهم على حريمهم فسد الذريعة وحمى المفسدة وصان الدماء وفي ذلك دليل على لا يقبل قول القاتل ويقاد به في ظاهر الشرع فلما حلف سعد أنه يقتله ولا ينتظر الشهود عجب النبي من غيرته وأخبر أنه غيور وأنه أغير منه والله أشد غيرة يحتمل معنيين
أحدهما إقراره وسكوته على ما حلف عليه سعد أنه جائز له فيما بينه وبين الله ونهيه قتله في ظاهر الشرع ولا يناقض أول الحديث آخره والثاني أن رسول الله قال ذلك كالمنكر على سعد فقال ألا تسمعون إلى ما يقول يعني أنا أنهاه عن قتله وهو يقول بلى والذي أكرمك بالحق ثم أخبر عن الحامل على هذه المخالفة وأنه شدة غيرته ثم قال أنا أغير منه والله أغير مني وقد شرع الشهداء الأربعة مع شدة غيرته سبحانه فهي مقرونة بحكمة ومصلحة ورحمة وإحسان سبحانه مع شدة غيرته أعلم بمصالح عباده وما شرعه لهم من إقامة الشهود دون المبادرة إلى القتل وأنا أغير من سعد وقد نهيته عن قتله وقد يريد رسول كلا الأمرين وهو الأليق بكلامه وسياق القصة