عربي English עברית Deutsch Italiano 中文 Español Français Русский Indonesia Português Nederlands हिन्दी 日本の
  
  

   

من المواضيع التي تثار بين كل فترة وأخرى، موضوع حجية السنة، ويستغل بعض الطاعنين في الإسلام هذا المدخل للتشكيك في الدين بأكمله، ومن خلال دراسة الحديث الموضوعي، نجمع الأحاديث المتعلقة في موضوع حجية السنة، وتوثيق ثبوتها، ووجه الدلالة منها، ومحاولة ربطها للوصول إلى موضوع متكامل من خلال تلك الأحاديث.

وإن كان ثبوت حجية السنة ثابت بأدلة القرآن، والإجماع، والعقل، وغيرها، لكن المقصد هنا هو جمع الأحاديث الدالة على حجية السنة، ودراستها دراسة موضوعية.
وعليه فإن الأحاديث الواردة في هذا الموضوع يمكن أن تقسم من حيث الجملة إلى قسمين:
القسم الأول: أحاديث دلت على حجية السنة تصريحا، من خلال الحث على التمسك بالسنة، والاعتصام بها، ومنها:
حديث العرباض ابن سارية رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين تمسكوا بها، وعضوا عليها بالنواجذ" رواه أبو داود، وابن حبان، وغيرهما بسند صحيح.
وجه الاستدلال من الحديث: قوله ((عليكم بسنتي)) صيغة من صيغ الأمر؛ لأن قوله ((عليكم)) اسم فعل أمر بمعنى: إلزموا، وقوله ((سنتي)) اسم يصدق على كل ما ثبتت نسبته للنبي _صلى الله عليه وسلم_ سواء كان قولاً، أو فعلا، أو تقريرا، فيلزم الأخذ بالجميع؛ لصدور الأمر بالتزامه والتمسك به.
ومنها: ما رواه الحاكم بإسناد حسن عن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((تركت فيكم شيئين لن تضلوا بعدهما كتاب الله وسنتى ولن يتفرقا حتى يرِدَا على الحوض)).
ووجه الحديث أنه جعل القرآن والسنة قرينين لا يفترقان، وجعل التمسك بهما عصمة من الضلال، وإذا كانت السنة عاصمة من الضلال تعين الاستدلال والاحتجاج بها.

ومن ذلك: ما رواه البخاري عن أبي هريرة صلى الله عليه وسلم: ((كل أمتي يدخلون الجنة إلا من أبى، قيل: ومن يأبى يا رسول الله؟ قال: من أطاعني دخل الجنة، ومن عصاني فقد أبى))

ووجه الدلالة في الحديث على حجية السنة: أن دخول الجنة الذي هو مقصد المقاصد، مرتبط بطاعة الرسول -صلى الله عليه وسلم-، وطاعته بالتزام سنته، وكأن من لا يرى حجية سنته قد أبى على نفسه دخول الجنة، إذ كيف سيطيع الرسول وهو لا يرى حجة في أقواله وأفعاله.

القسم الثاني: من الأحاديث ما يدل على حجية السنة دلالة ضمنية، كما في مسند الإمام أحمدعن أبي هريرة عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((إن هذه الأمة ستفترق على ثلاث وسبعين، ثنتان وسبعون في النار وواحدة في الجنة))، ولما سئل -صلى الله عليه وسلم- عن هذه الفرقة الناجية قال: ((ما أنا عليه وأصحابي)). 
ووجه الدلالة منه: أن من سمات الفرقة الناجية موافقة أحوالهم لحال النبي -صلى الله عليه وسلم- وأصحابه، ومقتضى هذه الموافقة التزامهم بما أثر عنهم، وهذا مستلزم للاحتجاج بالسنة.
ومن ذلك: مارواه أبو داود عن زيد بن ثابت قال سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: « نضر الله امرأ سمع منا حديثا فحفظه حتى يبلغه فرب حامل فقه إلى من هو أفقه منه ورب حامل فقه ليس بفقيه »
ووجه الدلالة من الحديث: الترغيب في سماع السنة وإبلاغها، والدعاء لمن يشتغل بها تحملاً وأداء، وذلك لأن ضبطها ونقلها للناس وسيلة إلى العمل بها، ولا يكون هذا إلا لأنها حجة.

ومن ذلك التحذير من إنكار حجية السنة بحجة الاكتفاء بالقرآن، فقد روى الإمام أحمد عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((ألا وإني أوتيت القرآن ومثله معه، ألا لا ألفيَنَّ أحدكم متكئاً على أريكته، يأتيه الأمر من أمري، مما نهيت عنه أو أمرت به فيقول: لا ندري، ما وجدنا في كتاب الله اتبعناه)).

وواضح من الحديث: بيان الزيغ الذي حذر النبي _صلى الله عليه وسلم_ من حصوله، والحال في شأن هؤلاء المشككين في السنة التكبر والغرور وقلة الاهتمام بالسنن، فهو ((متكئ على أريكته))، لم يخرج لطلب العلم وتحصيله.
قال الطيبي : في تكرير كلمة التنبيه ((ألا)) توبيخ وتقريع نشأ من غضب عظيم على من ترك السنة والعمل بالحديث استغناء بالكتاب فكيف بمن رجح الرأي على الحديث.
ومما يدل على حجية السنة من الأحاديث: ما قاله لمعاذ بن جبل عندما أرسله إلى اليمن قاضياً: ((بم تقضي؟ قال بكتاب الله: قال: فإن لم تجد؟ قال: بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم: قال: فإن لم تجد؟ قال: أجتهد رأيي ولا آلو. فضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم في صدره وقال: الحمد لله الذي وفق رسول رسوله إلى ما يرضي الله ورسوله)).
والحديث وإن كان في ثبوته مقال لكن معناه صحيح، فإن الصحابة كانوا إذا ورد عليهم الأمر فإنهم يتطلَّبون حكمه في الكتاب، فإن لم يجدوا تطلَّبوه في السنة، فإن لم يجدوه اجتهدوا فألحقوه بنظيره وقاسوه بما يشبهه مما نُصَّ عليه، واطرد هذا المنهج في استدلالاتهم في كثير من أحكامهم وأقضيتهم.
قال ابن القيم: حديث معاذ لما احتجوا به جميعا غنوا عن طلب الإسناد.
وقول رسول الله صلى الله عليه وسلم في البخاري عن أبي هريرة: ((من أطاعني فقد أطاع الله ومن عصاني فقد عصى الله...)) فكل ما جاء به رسول الله صلى الله عليه وسلم يجب الالتزام به، وهو جزء من شريعة ربنا سبحانه وتعالى.
وقال الإمام البيهقي: "لولا ثبوتُ الحجة بالسنة لَمَا قال -صلى الله عليه وسلم- في خطبته بعد تعليم مَن شهده أمر دينهم: ((ألا فليبلغ الشاهد منكم الغائب، فرب مبلغ أوعى من سامع)). رواه البخاري عن أبي بكرة.
وفي صحيح مسلم عن حذيفة رضي الله عنه عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: «يكون بعدى أئمة لا يهتدون بهداى ولا يستنون بسنتى وسيقوم فيهم رجال قلوبهم قلوب الشياطين فى جثمان إنس »
قال الشوكاني: قوله ((في جثمان إنس)) بضم الجيم، وسكون المثلث أي: لهم قلوب كقلوب الشياطين، وأجسام كأجسام الإنس.
ووجه الاستدلال من الحديث: في قوله ((ولا يتنون بسنتي)) فقد لحقهم الذم الشديد بسبب إعراضهم عن الاستنان بسنة النبي -صلى الله عليه وسلم- مما يدل على أنها حجة يلزم الأخذ بها.
وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة أنه سمع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: « ما نهيتكم عنه فاجتنبوه وما أمرتكم به فافعلوا منه ما استطعتم فإنما أهلك الذين من قبلكم كثرة مسائلهم واختلافهم على أنبيائهم ».
فالأوامر والنواهي الواردة في السنة حجة على من بلغته، غير أن المناهي مأمور باجتنابها كلها، والأوامر تسقط بالعجز، فإن عجز عن امتثال بعض الأمر أتى منه بالمقدور عليه، وهذا دليل على لزوم امتثال سنة النبي صلى الله عليه وسلم.

ومن ذلك: الأحاديث التي ورد فيها  أمر النبي -صلى الله عليه وسلم- ونهيه للصحابة، وامتثالهم لتلك الأوامر والنواهي، وهي كثيرة منها:
في صحيح مسلم عن ابن بريدة عن أبيه قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- « نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها، ونهيتكم عن لحوم الأضاحى فوق ثلاث فأمسكوا ما بدا لكم، ونهيتكم عن النبيذ إلا فى سقاء فاشربوا فى الأسقية كلها ولا تشربوا مسكرا».
وجه الدلالة من الحديث: في قوله ((نهيتكم)) فقد نسب النهي إليه -صلى الله عليه وسلم- والتزام الصحابة بما نهاهم عنه حتى رفع عنهم حكم النهي دليل على أن سنته حجة ملزمة يجب العمل بها.
وما رواه مسلم عن أم عطية قالت:« أمرنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن نخرجهن فى الفطر والأضحى العواتق والحُيَّض وذوات الخدور، فأما الحُيَّض فيعتزلن الصلاة ويشهدن الخير ودعوة المسلمين».
وما رواه مسلم أيضا عن جابر بن عبد الله يقول:« أمرنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بقتل الكلاب حتى إن المرأة تقدم من البادية بكلبها فنقتله ثم نهى النبى -صلى الله عليه وسلم- عن قتلها وقال « عليكم بالأسود البهيم ذى النقطتين فإنه شيطان».
وما رواه مسلم أيضا عن البراء بن عازب قال: «أمرنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن نلقى لحوم الحمر الأهلية نيئة ونضيجة ثم لم يأمرنا بأكله». وغيرها من الأحاديث التي يحكي فيها الراوي الأوامر والنواهي التي صدرت من النبي صلى الله عليه وسلم.
وجه الدلالة من الأحاديث السابقة: إخبار الصحابة بما أمرهم به رسول الله _صلى الله عليه وسلم_ من الأوامر السابقة، والتزامهم بما أمرهم به، دليل على أنه قد استقر في نفوسهم حجية أوامره ونواهيه لهم، على تفاوت في درجات الأوامر والنواهي فمنها اللازم والمحرم ومنها المكروه والمندوب، إلا أن كل تلك الأوامر والنواهي حجة لازمة يلزم الأمة الأخذ بها.

 




                      المقال السابق                       المقال التالى




Bookmark and Share


أضف تعليق