عربي English עברית Deutsch Italiano 中文 Español Français Русский Indonesia Português Nederlands हिन्दी 日本の
  
  

   

 
حكم رسول الله في اللعان


قال تعالى ( وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَدَاءُ إِلَّا أَنْفُسُهُمْ فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ * وَالْخَامِسَةُ أَنَّ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَيْهِ إِنْ كَانَ مِنَ الْكَاذِبِينَ* وَيَدْرَأُ عَنْهَا الْعَذَابَ أَنْ تَشْهَدَ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الْكَاذِبِينَ* وَالْخَامِسَةَ أَنَّ غَضَبَ اللَّهِ عَلَيْهَا إِنْ كَانَ مِنَ الصَّادِقِينَ) (النور:9) وثبت في الصحيحين من حديث سهل بن سعد أن عويمرا العجلاني قال لعاصم بن عدي أرأيت أن رجلا وجد مع امرأته رجلا أيقتله فتقتلونه أم كيف يفعل فسل لي رسول الله رسول الله فكره رسول الله المسائل وعابها حتى كبر على عاصم ما سمع من الله ثم إن عويمرا سأل رسول الله عن ذلك فقال قد نزل فيك وفي صاحبتك فأت بها فتلاعنا   رسول الله فلما فرغا قال كذبت عليها يا رسول الله إن أمسكتها فطلقها ثلاثا أن يأمره رسول الله قال الزهري فكانت تلك سنة المتلاعنين قال سهل وكانت وكان ابنها ينسب إلى أمه ثم جرت السنة أن يرثها وترث منه ما فرض الله لها
وفي لفظ فتلاعنا في المسجد ففارقها عند النبي فقال النبي ذاكم التفريق بين كل

 

 


وقول سهل وكانت حاملا إلى آخره وهو عند البخاري من قول الزهري وللبخاري ثم قال الله انظروا فإن جاءت به أسحم أدعج العينين عظيم الأليتين خدلج الساقين فلا عويمرا إلا قد صدق عليها وإن جاءت به أحيمر كأنه وحرة فلا أحسب عويمرا إلا قد عليها فجاءت به على النعت الذي نعت به رسول الله من تصديق عويمر


وفي لفظ وكانت حاملا فأنكر حملها ..وفي صحيح مسلم من حديث ابن عمر أن فلان بن فلان قال يا رسول الله أرأيت لو وجد امرأته على فاحشة كيف يصنع إن تكلم تكلم بأمر عظيم وإن سكت سكت على مثل ذلك النبي   يجبه فما كان بعد ذلك أتاه فقال إن الذي سألتك عنه قد ابتليت به فأنزل الله عز هؤلاء الآيات في سورة النور (والذين يرمون أزواجهم ) فتلاهن عليه ووعظه وذكره أن عذاب الدنيا أهون من عذاب الآخرة قال لا والذي بعثك بالحق ما كذبت عليها دعاها فوعظها وذكرها وأخبرها أن عذاب الدنيا أهون من عذاب الآخرة قالت لا والذي بالحق إنه لكاذب فبدأ بالرجل فشهد أربع شهادات بالله إنه لمن الصادقين أن لعنة الله عليه إن كان من الكاذبين ثم ثنى بالمرأة فشهدت أربع شهادات إنه لمن الكاذبين والخامسة أن غضب الله عليها إن كان من الصادقين ثم فرق ..وفي الصحيحين عنه قال رسول الله للمتلاعنين حسابكما على الله أحدكما كاذب سبيل لك عليها قال يا رسول الله ما لي قال لا مال لك إن كنت صدقت عليها فهو بما من فرجها وإن كنت كذبت عليها فهو أبعد لك منها

 


وفي لفظ لهما فرق رسول الله بين المتلاعنين وقال والله إن أحدكما كاذب فهل تائب
وفيهما عنه أن رجلا لاعن على عهد رسول الله ففرق رسول الله بينهما وألحق بأمه
وفي صحيح مسلم من حديث ابن مسعود رضي الله عنه في قصة   فشهد الرجل أربع شهادات بالله إنه لمن الصادقين ثم لعن الخامسة أن لعنة عليه إن كان من الكاذبين فذهبت لتلعن فقال لها رسول الله مه فأبت فلعنت أدبرا قال لعلها أن تجيء به أسود جعدا فجاءت به أسود جعدا ..وفي صحيح مسلم من حديث أنس بن مالك أن هلال بن أمية قذف امرأته بشريك بن سحماء أخا البراء بن مالك لأمه وكان أول رجل لاعن في الإسلام فقال النبي أبصروها جاءت به أبيض سبطا قضيء العينين فهو لهلال بن أمية وإن جاءت به أكحل جعدا حمش فهو لشريك بن سحماء قال فأنبئت أنها جاءت به أكحل جعدا حمش الساقين ...وفي الصحيحين من حديث ابن عباس نحو هذه القصة فقال له رجل أهي المرأة التي قال الله لو رجمت أحدا بغير بينة لرجمت هذه فقال ابن عباس لا تلك امرأة كانت في الإسلام السوء ..ولأبي داود في هذا الحديث عن ابن عباس ففرق رسول الله بينهما وقضى أن لا يدعى لأب ولا ترمى ولا يرمى ولدها ومن رماها أو رمى ولدها فعليه الحد وقضى ألا لها عليه ولا قوت من أجل أنهما يتفرقان من غير طلاق ولا متوفى عنها

 

 


وفي القصة قال عكرمة فكان بعد ذلك أميرا على مصر وما يدعى لأب ..وذكر البخاري أن هلال بن أمية قذف امرأته عند رسول الله بشريك بن سحماء فقال البينة أو حد في ظهرك فقال يا رسول الله إذا رأى أحدنا على امرأته رجلا يلتمس البينة فجعل رسول الله يقول البينة وإلا حد في ظهرك فقال والذي بعثك إني لصادق ولينزلن الله ما يبريء ظهري من الحد فنزل جبريل عليه السلام وأنزل (والذين يرمون أزواجهم ) الآيات فانصرف النبي إليها فجاء هلال فشهد والنبي يقول إن الله يعلم أن أحدكما كاذب فهل منكما تائب فشهدت فلما كانت عند الخامسة وقالوا إنها موجبة قال ابن عباس رضي الله عنهما فتلكأت ونكصت حتى ظننا أنها ثم قالت لا أفضح قومي سائر اليوم فمضت فقال النبي أبصروها فإن جاءت به أكحل سابغ الأليتين خدلج الساقين فهو لشريك بن سحماء فجاءت به كذلك فقال النبي لولا ما مضى من كتاب الله كان لي ولها شأن ...وفي الصحيحين أن سعد بن عبادة قال يا رسول الله أرأيت الرجل يجد مع امرأته رجلا فقال رسول الله لا  سعد بلى والذي بعثك بالحق فقال رسول الله اسمعوا إلى ما يقول سيدكم وفي لفظ يا رسول الله إن وجدت مع امرأتي رجلا أمهله حتى آتي بأربعة شهداء قال نعم وفي آخر لو وجدت مع أهلي رجلا لم أهجه حتى آتي بأربعة شهداء قال رسول الله نعم كلا والذي بعثك بالحق نبيا إن كنت لأعاجله بالسيف قبل ذلك قال رسول الله إلى ما يقول سيدكم إنه لغيور وأنا أغير منه والله أغير مني
وفي لفظ لو رأيت مع امرأتي رجلا لضربته بالسيف غير مصفح فقال النبي أتعجبون من سعد فوالله لأنا أغير منه والله أغير مني ومن أجل ذلك حرم الفواحش ما ظهر وما بطن ولا شخص أغير من الله ولا شخص أحب إليه العذر من الله من أجل ذلك بعث المرسلين مبشرين ومنذرين ولا شخص أحب إليه المدحة من الله من أجل ذلك وعد الجنة

 

 


فصل


واستفيد من هذا الحكم النبوي عدة أحكام الحكم الأول أن اللعان يصح من كل زوجين سواء كانا مسلمين أو كافرين عدلين أو محدودين في قذف أو غير محدودين أو أحدهما كذلك قال الإمام أحمد في رواية بن منصور جميع   يلتعنون الحر من الحرة والأمة إذا كانت زوجة والعبد من الحرة والأمة إذا زوجة والمسلم من اليهودية والنصرانية وهذا قول مالك وإسحاق وقول سعيد بن والحسن وربيعة وسليمان بن يسار

 


وذهب أهل الرأي والأوزاعي والثوري وجماعة إلى أن اللعان لا يكون إلا بين زوجين عدلين حرين غير محدودين في قذف وهو رواية عن أحمد ومأخذ القولين أن اللعان يجمع وصفين اليمين والشهادة وقد سماه الله سبحانه شهادة رسول الله يمينا حيث يقول لولا الأيمان لكان لي ولها شأن فمن غلب عليه الأيمان قال يصح من كل من يصح يمينه قالوا ولعموم قوله تعالى ( والذين يرمون ) قالوا وقد سماه رسول الله يمينا قالوا ولأنه مفتقر إلى اسم الله وإلى القسم المؤكد وجوابه قالوا ولأنه يستوي فيه الذكر والأنثى بخلاف الشهادة قالوا كان شهادة لما تكرر لفظه بخلاف اليمين فإنه قد يشرع فيها التكرار كأيمان قالوا ولأن حاجة الزوج التي لا تصح منه الشهادة إلى اللعان ونفي الولد من تصح شهادته سواء والأمر الذي ينزل به مما يدعو إلى اللعان كالذي ينزل الحر والشريعة لا ترفع ضرر أحد النوعين وتجعل له فرجا ومخرجا مما نزل به النوع الآخر في الآصار والأغلال لا فرج له مما نزل به ولا مخرج بل يستغيث فلا ويستجير فلا يجار إن تكلم تكلم بأمر عظيم وإن سكت سكت على مثله قد ضاقت عنه التي وسعت من تصح شهادته وهذا تأباه الشريعة الواسعة الحنيفية السمحة   الآخرون قال الله تعالى ( وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَدَاءُ إِلَّا أَنْفُسُهُمْ فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ) (النور:6) وفي الآية دليل من ثلاثة أوجه

 

 

 أحدها أنه سبحانه استثنى أنفسهم من الشهداء وهذا استثناء متصل قطعا ولهذا جاء والثاني أنه صرح بأن التعانهم شهادة ثم زاد سبحانه هذا بيانا فقال (وَيَدْرَأُ عَنْهَا الْعَذَابَ أَنْ تَشْهَدَ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الْكَاذِبِينَ) (النور:8)والثالث أنه جعله بدلا من الشهود وقائما مقامهم عند عدمهم قالوا وقد روى عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن النبي قال لا لعان بين مملوكين كافرين ذكره أبو عمر بن عبدالبر في التمهيد وذكر الدارقطني من حديثه أيضا عن أبيه عن جده مرفوعا أربعة ليس بينهم لعان ليس الحر والأمة لعان وليس بين الحرة والعبد لعان وليس بين المسلم واليهودية لعان بين المسلم والنصرانية لعان وذكر عبدالرزاق في مصنفه عن ابن شهاب قال من وصية النبي لعتاب بن أسيد أن لا بين أربع فذكر معناه   قالوا ولأن اللعان جعل بدل الشهادة وقائما مقامها عند عدمها فلا يصح إلا ممن تصح ولهذا تحد المرأة بلعان الزوج ونكولها تنزيلا للعانة منزلة أربعة شهود قالوا وأما الحديث لولا ما مضى من الأيمان لكان لي ولها شأن فالمحفوظ فيه لولا ما من كتاب الله هذا لفظ البخاري في صحيحه وأما قوله لولا ما مضى من الأيمان فمن عباد بن منصور وقد تكلم فيه غير واحد قال يحيى بن معين ليس بشيء وقال علي بن بن الجنيد الرازي متروك قدري وقال النسائي ضعيف وقد استقرت قاعدة الشريعة أن البينة على المدعي واليمين على المدعى عليه والزوج مدع فلعانه شهادة ولو كان يمينا لم تشرع في جانبه
قال الأولون أما تسميته شهادة فلقول الملتعن في يمينه أشهد بالله فسمي بذلك شهادة كان يمينا اعتبارا بلفظها قالوا وكيف وهو مصرح فيه بالقسم وجوابه وكذلك لو قال بالله انعقدت يمينه بذلك سواء نوى اليمين أو أطلق والعرب تعد ذلك يمينا في واستعمالها قال قيس :

 


( فأشهد عند الله أني أحبها % فهذا لها عندي فما عندها ليا )

 


 
وفي هذا حجة لمن قال إن قوله أشهد تنعقد به اليمين ولو لم يقل بالله كما هو إحدى عن أحمد والثانية لا يكون يمينا   بالنية وهو قول الأكثرين كما أن قوله أشهد بالله يمين عند الأكثرين بمطلقة قالوا وأما استثناؤه سبحانه أنفسهم من الشهداء فيقال أولا إلا هاهنا صفة بمعنى والمعنى ولم يكن لهم شهداء غير أنفسهم فإن غيرا وإلا يتعاوضان الوصفية فيستثنى ب غير حملا على إلا ويوصف ب إلا حملا على غير


ويقال ثانيا إن أنفسهم مستثنى من الشهداء ولكن يجوز أن يكون منقطعا على لغة بني فإنهم يبدلون في الإنقطاع كما يبدل أهل الحجاز وهم في الإتصال ويقال ثالثا إنما استثنى أنفسهم من الشهداء لأنه نزلهم منزلتهم في قبول قولهم قوي جدا على قول من يرجم المرأة بالتعان الزوج إذا نكلت وهو الصحيح كما يأتي إن شاء الله تعالى والصحيح أن لعانهم يجمع الوصفين اليمين والشهادة فهو مؤكدة بالقسم والتكرار ويمين مغلظة بلفظ الشهادة والتكرار لاقتضاء الحال الأمر ولهذا اعتبر فيه من التأكيد عشرة أنواع أحدها ذكر لفظ الشهادة الثاني ذكر القسم بأحد أسماء الرب سبحانه وأجمعها لمعاني أسمائه الحسنى وهو اسم جل ذكره الثالث تأكيد الجواب بما يؤكد به المقسم عليه من إن واللام وإتيانه باسم الفاعل هو صادق وكاذب دون الفعل الذي هو صدق وكذب ..الرابع تكرار ذلك أربع مرات ،الخامس دعاؤه على نفسه في الخامسة بلعنة الله إن كان من الكاذبين ،

 

 

السادس إخباره عند الخامسة أنها الموجبة لعذاب الله وأن عذاب الدنيا أهون من عذاب السابع جعل لعانه مقتضى لحصول العذاب عليها وهو إما الحد أو الحبس وجعل لعانها للعذاب عنها الثامن أن هذا اللعان يوجب العذاب على أحدهما إما في الدنيا وإما في الآخرة التاسع التفريق بين المتلاعنين وخراب بيتها وكسرها بالفراق العاشر تأبيد تلك الفرقة ودوام التحريم بينهما فلما كان شأن هذا اللعان هذا الشأن يمينا مقرونا بالشهادة وشهادة مقرونة باليمين وجعل الملتعن لقبول قوله كالشاهد نكلت المرأة مضت شهادته وحدت وأفادت شهادته ويمينه شيئين سقوط الحد عنه ووجوبه وأن التعنت المرأة وعارضت لعانه بلعان آخر منها أفاد لعانه سقوط الحد عنه وجوبه عليها فكان شهادة ويمينا بالنسبة إليه دونها لأنه إن كان يمينا محضة فهي تحد بمجرد حلفه وإن كان شهادة فلا تحد بمجرد شهادته عليها وحده فإذا انضم إلى نكولها قوي جانب الشهادة واليمين في حقه بتأكده ونكولها فكان دليلا ظاهرا على فأسقط الحد عنه وأوجبه عليها وهذا أحسن ما يكون من الحكم ومن أحسن من الله لقوم يوقنون وقد ظهر بهذا أنه يمين فيها معنى الشهادة وشهادة فيها معنى
وأما حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده فما أبين دلالته لو كان صحيحا بوصوله إلى ولكن في طريقه إلى عمرو مهالك

 

 


قال أبو عمر بن عبدالبر ليس دون عمرو بن شعيب من يحتج به وأما حديثه الآخر الذي رواه الدارقطني فعلى طريق الحديث عثمان بن عبدالرحمن وهو متروك بإجماعهم فالطريق به مقطوعة وأما حديث عبدالرزاق فمراسيل الزهري عندهم ضعيفة لا يحتج بها وعتاب بن أسيد كان للنبي على مكة ولم يكن بمكة يهودي ولا نصراني ألبتة حتى يوصيه أن لا يلاعن قالوا وأما ردكم لقوله لولا ما مضى من الأيمان لكان لي ولها شأن وهو حديث رواه داود في سننه وإسناده لا بأس به وأما تعلقكم فيه على عباد بن منصور فأكثر ما عليه أنه قدري داعية إلى القدر وهذا لا يوجب رد حديثه ففي الصحيح الإحتجاج من القدرية والمرجئة والشيعة ممن علم صدقه ولا تنافي بين قوله لولا ما مضى كتاب الله تعالى ولولا ما مضى من الأيمان فيحتاج إلى ترجيح أحد اللفظين وتقديمه الآخر بل الأيمان المذكورة هي في كتاب الله وكتاب الله تعالى حكمه الذي حكم به المتلاعنين وأراد لولا ما مضى من حكم الله الذي فصل بين المتلاعنين لكان لها آخر 

 

  قالوا وأما قولكم إن قاعدة الشريعة استقرت على أن الشهادة في جانب المدعي واليمين جانب المدعى عليه فجوابه من وجوه أحدها أن الشريعة لم تستقر على هذا بل قد في القسامة بأن يبدأ بأيمان المدعين وهذا لقوة جانبهم باللوث وقاعدة أن اليمين تكون من جنبة أقوى المتداعيين فلما كان جانب المدعى عليه قويا الأصلية شرعت اليمين في جانبه فلما قوي جانب المدعي في القسامة باللوث اليمين في جانبه وكذلك على الصحيح لما قوي جانبه بالنكول صارت اليمين في فيقال له احلف واستحق وهذا من كمال حكمة الشارع واقتضائه للمصالح بحسب ولو شرعت اليمين من جانب واحد دائما لذهبت قوة الجانب الراجح هدرا وحكمة تأبى ذلك فالذي جاء به هو غاية الحكمة والمصلحة وإذا عرف هذا فجانب الزوج هاهنا أقوى من جانبها فإن المرأة تنكر زناها وتبهته ليس له غرض في هتك حرمته وإفساد فراشه ونسبة أهله إلى الفجور بل ذلك أشوش وأكره شيء إليه فكان هذا لوثا ظاهرا فإذا انضاف إليه نكول المرأة قوي الأمر في قلوب الناس خاصهم وعامهم فاستقل ذلك بثبوت حكم الزنى عليها شرعا فحدت ولكن لما لم تكن أيمانه بمنزلة الشهداء الأربعة حقيقة كان لها أن تعارضها أخرى مثلها يدرأ عنها بها العذاب عذاب الحد المذكور في قوله تعالى ( وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ) (النور: من الآية2)النور 2 ولو كان لعانه بينة حقيقة لما دفعت أيمانها شيئا وهذا يتضح بالفصل الثاني المستفاد من قضاء رسول الله وهو أن المرأة لم تلتعن فهل تحد أو تحبس حتى تقر أو تلاعن فيه قولان للفقهاء

 

 

 فقال الشافعي من السلف والخلف تحد وهو قول أهل    الحجاز وقال أحمد تحبس حتى تقر أو تلاعن وهو قول أهل العراق وعنه رواية ثانية تحبس ويخلى سبيلها قال أهل العراق ومن وافقهم لو كان لعان الرجل بينة توجب الحد عليها لم تملك باللعان وتكذيب البينة كما لو شهد عليها أربعة قالوا ولأنه لو شهد عليها مع ثلاثة غيره لم تحد بهذه الشهادة فلأن لا تحد بشهادته أولى وأحرى قالوا ولأنه أحد المتلاعنين فلا يوجب حد الآخر كما لم يوجب لعانها قالوا وقد قال النبي البينة على المدعي ولا ريب أن الزوج هاهنا مدع قالوا ولأن موجب لعانه إسقاط الحد عن نفسه لا إيجاب الحد عليها ولهذا قال النبي وإلا حد في ظهرك فإن موجب قذف الزوج كموجب قذف الأجنبي وهو الحد فجعل الله له طريقا إلى التخلص منه باللعان وجعل طريق إقامة الحد على المرأة أحد أمرين أربعة شهود أو اعتراف أو الحبل عند من يحد به من الصحابة كعمر بن الخطاب ومن وقد قال عمر بن الخطاب على منبر رسول الله والرجم واجب على كل من زنى من والنساء إذا كان محصنا إذا قامت بينة أو كان الحبل أو الإعتراف وكذلك قال رضي الله عنه فجعلا طريق الحد ثلاثة لم يجعلا فيها اللعان   قالوا وأيضا فهذه لم يتحقق زناها فلا يجب عليها الحد لأن تحقق زناها إما أن يكون الزوج وحده لأنه لو تحقق به لم يسقط بلعانها الحد ولما وجب بعد ذلك حد على ولا يجوز أن يتحقق بنكولها أيضا لأن الحد لا يثبت بالنكول فإن الحد يدرأ فكيف يجب بالنكول فإن النكول يحتمل أن يكون لشدة خفرها أو لعقلة لسانها لدهشها في ذلك المقام الفاضح المخزي أو لغير ذلك من الأسباب فكيف يثبت الحد اعتبر في بينته من العدد ضعف ما اعتبر في سائر الحدود وفي إقراره أربع مرات الصحيحة الصريحة

 

 

 واعتبر في كل من الإقرار والبينة أن يتضمن وصف الفعل به مبالغة في الستر ودفعا لإثبات الحد بأبلغ الطرق وآكدها وتوسلا إلى الحد بأدنى شبهة فكيف يجوز أن يقضى فيه بالنكول الذي هو في نفسه شبهة لا به في شيء من الحدود والعقوبات ألبتة ولا فيما عدا الأموال قالوا والشافعي رحمه الله تعالى لا يرى القضاء بالنكول في درهم فما دونه ولا في تعزير فكيف يقضى به في أعظم الأمور وأبعدها ثبوتا وأسرعها سقوطا ولأنها لو بلسانها ثم رجعت لم يجب عليها الحد فلأن لا يجب بمجرد امتناعها من اليمين على أولى وإذا ظهر أنه لا تأثير لواحد منهما في تحقق زناها لم يجز أن يقال بهما لوجهين أحدهما أن ما في كل واحد منهما من الشبهة لا يزول بضم أحدهما إلى الآخر كشهادة فاسق فإن احتمال نكولها لفرط حيائها وهيبة ذلك المقام والجمع وشدة الخفر عن النطق وعقله لسانها   يزول بلعان الزوج ولا بنكولها

 

 


الثاني أن ما لا يقضى فيه باليمين المفردة لا يقضى فيه باليمين مع النكول كسائر
قالوا وأما قوله تعالى ( ويدرؤ عنها العذاب أن تشهد) فالعذاب هاهنا يجوز أن يراد الحد وأن يراد به الحبس والعقوبة المطلوبة فلا يتعين إرادة الحد به فإن الدال المطلق لا يدل على المقيد إلا بدليل من خارج وأدنى درجات ذلك الإحتمال فلا الحد مع قيامه وقد يرجح هذا بما تقدم من قول عمر وعلي رضي الله عنهما إن الحد يكون بالبينة أو الإعتراف أو الحبل ثم اختلف هؤلاء فيما يصنع بها إذا لم تلاعن فقال أحمد إذا أبت المرأة أن تلتعن التعان الرجل أجبرتها عليه وهبت أن أحكم عليها بالرجم لأنها لو أقرت بلسانها أرجمها إذا رجعت فكيف إذا أبت اللعان وعنه رحمه الله تعالى رواية ثانية يخلي اختارها أبو بكر لأنها لا يجب عليها الحد فيجب تخلية سبيلها كما لو لم تكمل

 

 


فصل


قال الموجبون للحد معلوم أن الله سبحانه وتعالى جعل التعان الزوج بدلا عن الشهود مقامهم بل جعل الأزواج الملتعنين شهداء كما تقدم وصرح بأن لعانهم شهادة ذلك بقوله ( ويدرؤ عنها العذاب أن تشهد أربع شهادات بالله ) وهذا يدل على أن العذاب الدنيوي قد وجد وأنه لا يدفعه عنها إلا لعانها والعذاب المدفوع عنها   هو المذكور في قوله تعالى ( وليشهد عذابهما طائفة من المؤمنين) وهذا عذاب قطعا فذكره مضافا ومعرفا بلام العهد فلا يجوز أن ينصرف إلى عقوبة لم تذكر في ولا دل عليها بوجه ما من حبس أو غيره فكيف يخلى سبيلها ويدرأ عنها العذاب لعان وهل هذا إلا مخالفة لظاهر القرآن قالوا وقد جعل الله سبحانه لعان الزوج دارئا لحد القذف عنه وجعل لعان الزوجة لعذاب حد الزنى عنها فكما أن الزوج إذا لم يلاعن يحد حد القذف فكذلك الزوجة لم تلاعن يجب عليها الحد قالوا وأما قولكم إن لعان الزوج لو كان بينة توجب عليها لم تملك هي إسقاطه باللعان كشهادة الأجنبي فالجواب أن حكم اللعان حكم مستقل بنفسه غير مردود إلى أحكام الدعاوى والبينات بل أصل قائم بنفسه شرعه الذي شرع نظيره من الأحكام وفصله الذي فصل الحلال والحرام كان لعان الزوج بدلا عن الشهود لا جرم نزل عن مرتبة البينة فلم يستقل وحده البينة وجعل للمرأة معارضته بلعان نظيره وحينئذ فلا يظهر ترجيح أحد اللعانين الآخر لنا والله يعلم أن أحدهما كاذب فلا وجه لحد المرأة بمجرد لعان الزوج مكنت من معارضته وإتيانها بما يبريء ساحتها فلم تفعل ونكلت عن ذلك عمل عمله وانضاف إليه قرينة قوته وأكدته وهي نكول المرأة وإعراضها عما يخلصها العذاب ويدرؤه عنها
قالوا وأما قولكم إنه لو شهد عليها مع ثلاثة غيره لم تحد بهذه الشهادة فكيف تحد وحده فجوابه أنها لم تحد بشهادة مجردة وإنما حدت بمجموع لعانه خمس مرات عن معارضته مع قدرتها   فقام من مجموع ذلك دليل في غاية الظهور والقوة على صحة قوله والظن المستفاد أقوى بكثير من الظن المستفاد من شهادة الشهود

 

 


وأما قولكم إنه أحد اللعانين فلا يوجب حد الآخر كما لم يوجب لعانها حده فجوابه أن إنما شرع للدفع لا للإيجاب كما قال تعالى ( ويدرؤ عنها العذاب أن تشهد ) فدل على أن لعانه مقتض لإيجاب الحد ولعانها دافع وداريء لا موجب فقياس أحد على الآخر جمع بين ما فرق الله سبحانه بينهما وهو باطل قالوا وأما قول البينة على المدعي فسمعا وطاعة لرسول الله ولا ريب أن لعان الزوج المكرر بينة وقد انضم إليها نكولها الجاري مجرى إقرارها عند قوم ومجرى المدعين عند آخرين وهذا من أقوى البينات ويدل عليه أن النبي قال له البينة حد في ظهرك ولم يبطل الله سبحانه هذا وإنما نقله عند عجزه عن بينة منفصلة الحد عنه يعجز عن إقامتها إلى بينة يتمكن من إقامتها ولما كانت دونها في اعتبر لها مقو منفصل وهو نكول المرأة عن دفعها ومعارضتها مع قدرتها وتمكنها وأما قولكم إن موجب لعانه إسقاط الحد عن نفسه لا إيجاب الحد عليها إلى آخره أردتم أن من موجبه إسقاط الحد عن نفسه فحق وإن أردتم أن سقوط الحد عنه يسقط موجبه ولا موجب له سواه فباطل قطعا فإن وقوع الفرقة أو وجوب التفريق والتحريم أو المؤقت ونفي الولد المصرح بنفيه أو المكتفي في نفيه باللعان ووجوب على الزوجة إما عذاب الحد أو عذاب الحبس كل ذلك من موجب اللعان فلا يصح أن إنما يوجب سقوط حد القذف عن الزوج فقط

 

 


قالوا وأما قولكم إن الصحابة جعلوا حد الزنى بأحد ثلاثة أشياء إما البينة أو أو الحبل واللعان ليس منها فجوابه أن منازعيكم يقولون إن كان إيجاب الحد باللعان خلافا لأقوال هؤلاء الصحابة فإن إسقاط الحد بالحبل أدخل في خلافهم فما الذي سوغ لكم إسقاط حد أوجبوه بالحبل وصريح مخالفتهم وحرم على منازعيكم في إيجاب الحد بغير هذه الثلاثة مع أنهم أعذر منكم لثلاثة أوجه أحدها أنهم لم يخالفوا صريح قولهم وإنما هو مخالفة لمفهوم سكتوا عنه فهو مخالفة وأنتم خالفتم صريح أقوالهم

 


الثاني أن غاية ما خالفوه مفهوم قد خالفه صريح عن جماعة منهم بإيجاب الحد فلم ما أجمع عليه الصحابة وأنتم خالفتم منطوقا لا يعلم لهم فيه مخالف ألبتة وهو إيجاب الحد بالحبل فلا يحفظ عن صحابي قط مخالفة عمر وعلي رضي الله عنهما إيجاب الحد به ..الثالث أنهم خالفوا وهذا المفهوم لمنطوق تلك الأدلة التي تقدمت ولمفهوم قوله (  ويدرؤ عنها العذاب أن تشهد ) النور 8 ولا ريب أن هذا المفهوم أقوى من مفهوم سقوط بقولهم إذا كانت البينة أو الحبل أو الإعتراف فهم تركوا مفهوما لما هو أقوى وأولى هذا لو كانوا قد خالفوا الصحابة فكيف وقولهم موافق لأقوال الصحابة فإن مع نكول المرأة من أقوى البينات كما تقرر قالوا وأما قولكم لم يتحقق زناها إلى آخره فجوابه إن أردتم بالتحقيق اليقينالمقطوع به كالمحرمات فهذا لا يشترط في إقامة الحد ولو كان هذا شرطا لما أقيم الحد أربعة إذ شهادتهم لا تجعل الزنى محققا   الإعتبار وإن أردتم بعدم التحقق أنه مشكوك فيه على السواء بحيث لا يترجح فباطل قطعا وإلا لما وجب عليها العذاب المدرأ بلعانها ولا ريب أن التحقق من لعانه المؤكد المكرر مع إعراضها عن معارضة ممكنة منه أقوى من التحقق شهود ولعل لهم غرضا في قذفها وهتكها وإفسادها على زوجها والزوج لا غرض له في منها

 

 


وقولكم إنه لو تحقق فإما أن يتحقق بلعان الزوج أو بنكولها أو بهما فجوابه أنه بهما ولا يلزم من عدم استقلال أحد الأمرين بالحد وضعفه عنه عدم استقلالهما إذ هذا شأن كل مفرد لم يستقل بالحكم بنفسه ويستقل به مع غيره لقوته به وأما قولكم عجبا للشافعي كيف لا يقضي بالنكول في درهم ويقضي به في إقامة حد بالغ في ستره واعتبر له أكمل بينة فهذا موضع لا ينتصر فيه للشافعي ولا لغيره من وليس لهذا وضع كتابنا هذا ولا قصدنا به نصرة أحد من العالمين وإنما قصدنا مجرد هدي رسول الله في سيرته وأقضيته وأحكامه وما تضمن سوى ذلك فتبع مقصود فهب أن من لم يقض بالنكول تناقض فماذا يضر ذلك هدي رسول الله وتلك شكاة ظاهر عنه عارها   على أن الشافعي رحمه الله تعالى لم يتناقض فإنه فرق بين نكول مجرد لا قوة له وبين قد قارنه التعان مؤكد مكرر أقيم في حق الزوج مقام البينة مع شهادة الحال الزوج لزنى امرأته وفضيحتها وخراب بيتها وإقامة نفسه وحبه في ذلك المقام بمشهد المسلمين يدعو على نفسه باللعنة إن كان كاذبا بعد حلفه بالله جهد أربع مرات إنه لمن الصادقين والشافعي رحمه الله إنما حكم بنكول قد قارنه ما شأنه فمن أين يلزمه أن يحكم بنكول مجرد قالوا وأما قولكم إنها لو أقرت بالزنى ثم رجعت لسقط عنها الحد فكيف يجب بمجرد من اليمين فجوابه ما تقرر آنفا قالوا وأما قولكم إن العذاب المدرأ عنها بلعانها هو عذاب الحبس أو غيره فجوابه أن المذكور إما عذاب الدنيا أو عذاب الآخرة وحمل الآية على عذاب الآخرة باطل فإن لعانها لا يدرؤه إذا وجب عليها وإنما هو عذاب الدنيا وهو الحد قطعا فإنه المحدود وهو فداء له من عذاب الآخرة ولهذا شرعه سبحانه طهرة وفدية من ذلك كيف وقد صرح به في أول السورة بقوله (وليشهد عذابهما طائفة من المؤمنين) 2 ثم أعاده بعينه بقوله (ويدرؤ عنها العذاب) فهذا هو العذاب المشهود مكنها دفعه بلعانها فأين هنا عذاب غيره حتى تفسر الآية به وإذا تبين هذا فهذا هو الصحيح الذي لا نعتقد سواه ولا نرتضي إلا إياه وبالله التوفيق

 

 

 

 فإن قيل فلو نكل الزوج عن اللعان بعد قذفه فما حكم نكوله قلنا يحد حد القذف عند العلماء من السلف والخلف وهو قول  ومالك وأحمد وأصحابهم وخالف في ذلك أبو حنيفة وقال يحبس حتى يلاعن أو تقر وهذا الخلاف مبني على أن موجب قذف الزوج لامرأته هل هو الحد كقذف الأجنبي إسقاطه باللعان أو موجبه اللعان نفسه فالأول قول الجمهور والثاني قول أبي واحتجوا عليه بعموم قوله تـعالى ( وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَداً وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ) (النور:4) النور 4 وبقوله لهلال بن أمية البينة أو حد في ظهرك له عذاب الدنيا أهون من عذاب الآخرة وهذا قاله لهلال بن أمية قبل شروعه في فلو لم يجب الحد بقذفه لم يكن لهذا معنى وبأنه قذف حرة عفيفة يجري بينه القود فحد بقذفها كالأجنبي وبأنه لو لاعنها ثم أكذب نفسه بعد لعانها لوجب الحد فدل على أن قذفه سبب لوجوب الحد عليه وله إسقاطه باللعان إذ لو لم يكن لما وجب بإكذابه نفسه بعد اللعان وأبو حنيفة يقول قذفه لها دعوى توجب أحد إما لعانه وإما إقرارها فإذا لم يلاعن حبس حتى يلاعن إلا أن تقر فيزول موجب وهذا بخلاف قذف الأجنبي فإنه لا حق له عند المقذوفة فكان قاذفا محضا يقولون بل قذفه جناية منه على عرضها فكان موجبها الحد كقذف الأجنبي ولما فيها شائبة الدعوى عليها بإتلافها لحقه وخيانتها فيه ملك إسقاط ما يوجبه القذف الحد بلعانه فإذا لم يلاعن مع قدرته على اللعان وتمكنه منه عمل مقتضى القذف واستقل بإيجاب الحد إذ لا معارض له وبالله التوفيق

 

 


فصل


ومنها أن رسول الله إنما كان يقضي بالوحي وبما أراه الله لا بما رآه هو فإنه يقض بين المتلاعنين حتى جاءه الوحي ونزل القرآن فقال لعويمر حينئذ قد نزل فيك صاحبتك فاذهب فأت بها وقد قال لا يسألني الله عز وجل عن سنة أحدثتها فيكم لم بها وهذا في الأقضية والأحكام والسنن الكلية وأما الأمور الجزئية التي لا إلى أحكام كالنزول في منزل معين وتأمير رجل معين ونحو ذلك مما هو متعلق المأمور بها بقوله (  وشاورهم في الأمر) آل عمران 159 فتلك للرأي فيها ومن هذا قوله في شأن تلقيح النخل إنما هو رأي رأيته فهذا القسم شيء والسنن الكلية شيء آخر

 

 


فصل


ومنها أن النبي أمره بأن يأتي بها فتلاعنا بحضرته فكان في هذا بيان أن اللعان يكون بحضرة الإمام أو نائبه وأنه ليس لآحاد الرعية أن يلاعن بينهما كما أنه له إقامة الحد بل هو للإمام أو نائبه

 

 


فصل


ومنها أنه يسن التلاعن بمحضر جماعة من الناس يشهدونه فإن ابن عباس وابن عمر وسهل سعد حضروه مع حداثة أسنانهم فدل ذلك على أنه حضره جمع كثير فإن الصبيان إنما مثل هذا الأمر تبعا للرجال قال سهل بن سعد فتلاعنا وأنا مع الناس عند النبي وحكمة هذا والله أعلم أن اللعان بني على التغليظ مبالغة في الردع والزجر وفعله الجماعة أبلغ في ذلك

 


فصل


ومنها أنهما يتلاعنان قياما وفي قصة هلال بن أمية أن النبي قال له قم فاشهد شهادات بالله
وفي الصحيحين في قصة المرأة ثم قامت فشهدت ولأنه إذا قام شاهده الحاضرون فكان في شهرته وأوقع في النفوس وفيه سر آخر وهو أن الدعوة التي تطلب إصابتها إذا المدعو عليه قائما نفذت فيه ولهذا لما دعا خبيب على المشركين حين صلبوه أخذ سفيان معاوية فأضجعه وكانوا يرون أن الرجل إذا لطيء بالأرض زلت عنه الدعوة


 


فصل


ومنها البداءة بالرجل في اللعان كما بدأ الله عز وجل ورسوله به فلو بدأت هي لم بلعانها عند الجمهور واعتد به أبو حنيفة وقد بدأ الله سبحانه في الحد بذكر فقال ( الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة ) النور 2 وفي بذكر الزوج وهذا في غاية المناسبة لأن الزنى من المرأة أقبح منه بالرجل تزيد على هتك حق الله إفساد فراش بعلها وتعليق نسب من غيره عليه وفضيحة وأقاربها والجناية على محض حق الزوج وخيانته فيه وإسقاط حرمته عند الناس بإمساك البغي وغير ذلك من مفاسد زناها فكانت البداءة بها في الحد أهم وأما فالزوج هو الذي قذفها وعرضها للعان وهتك عرضها ورماها بالعظيمة وفضحها عند وأهلها ولهذا يجب عليه الحد إذا لم يلاعن فكانت البداءة به في اللعان أولى البداءة بها


 


فصل


ومنها وعظ كل واحد من المتلاعنين عند إرادة الشروع في اللعان فيوعظ ويذكر ويقال عذاب الدنيا أهون من عذاب الآخرة فإذا كان عند الخامسة أعيد ذلك عليهما كما صحت بهذا وهذا

 

 


فصل


ومنها أنه لا يقبل من الرجل أقل من خمس مرات ولا من المرأة ولا يقبل منه إبدال بالغضب والإبعاد والسخط ولا منها إبدال الغضب باللعنة والإبعاد والسخط بل كل منهما بما قسم الله له من ذلك شرعا وقدرا وهذا أصح القولين في مذهب أحمد وغيرهما
ومنها أنه لا يفتقر أن يزيد على الألفاظ المذكورة في القرآن والسنة شيئا بل لا ذلك فلا يحتاج أن يقول أشهد بالله الذي لا إله إلا هو عالم الغيب والشهادة يعلم من السر ما يعلم من العلانية ونحو ذلك بل يكفيه أن يقول أشهد بالله إني الصادقين وهي تقول أشهد بالله إنه لمن الكاذبين ولا يحتاج أن يقول فيما رميتها من الزنى ولا أن تقول هي إنه لمن الكاذبين فيما رماني به من الزنى ولا يشترط أن إذا ادعى الرؤية رأيتها تزني كالمرود في المكحلة ولا أصل لذلك في كتاب الله سنة رسوله فإن الله سبحانه بعلمه وحكمته كفانا بما شرعه لنا وأمرنا به عن تكلف عليه قال صاحب الإفصاح وهو يحيى بن محمد بن هبيرة في إفصاحه من الفقهاء من اشترط أن بعد قوله من الصادقين فيما رميتها به من الزنى واشترط في نفيها عن نفسها أن فيما رماني به من الزنى قال ولا أراه يحتاج إليه لأن الله تعالى أنزل ذلك ولم يذكر هذا الإشتراط

 


وظاهر كلام أحمد أنه لا يشترط ذكر الزنى في اللعان فإن إسحاق بن منصور قال قلت كيف يلاعن قال على ما في كتاب الله يقول أربع مرات أشهد بالله إني فيما به لمن الصادقين ثم يقف  

 


الخامسة فيقول لعنة الله عليه إن كان من الكاذبين والمرأة مثل ذلك  ففي هذا النص أنه لا يشترط أن يقول من الزنى ولا تقوله هي ولا يشترط أن يقول عند فيما رميتها به وتقول هي فيما رماني به والذين اشترطوا ذلك حجتهم أن قالوا نوى إني لمن الصادقين في شهادة التوحيد أو غيره من الخبر الصادق ونوت إنه لمن في شأن آخر فإذا ذكرا ما رميت به من الزنى انتفى هذا التأويل قال الآخرون هب أنهما نويا ذلك فإنها لا ينتفعان بنيتهما فإن الظالم لا ينفعه ويمينه على نية خصمه ويمينه بما أمر الله به إذا كان مجاهرا فيها بالباطل موجبه عليه اللعنة أو الغضب نوى ما ذكرتم أو لم ينوه فإنه لا يموه على من السر وأخفى بمثل هذا

 

 


فصل


ومنها أن الحمل ينتفي بلعانه ولا يحتاج أن يقول وما هذا الحمل مني ولا يحتاج أن وقد استبرأتها هذا قول أبي بكر عبدالعزيز من أصحاب أحمد وقول بعض أصحاب مالك الظاهر وقال الشافعي يحتاج الرجل إلى ذكر الولد ولا تحتاج المرأة إلى ذكره الخرقي وغيره يحتاجان إلى ذكره وقال القاضي يشترط أن يقول هذا الولد من زنى هو مني وهو قول الشافعي وقول أبي بكر أصح الأقوال وعليه تدل السنة الثابتة

 


فإن قيل فقد روى مالك عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي لاعن بين رجل وانتفى من ولدها ففرق بينهما   الولد بالمرأة ..وفي حديث سهل بن سعد وكانت حاملا فأنكر حملها وقد حكم بأن الولد للفراش وهذه كانت فراشا له حال كونها حاملا فالولد له فلا عنه إلا بنفيه قيل هذا موضع تفصيل لا بد منه وهو أن الحمل إن كان سابقا على ما رماها به وعلم زنت وهي حامل منه فالولد له قطعا ولا ينتفي عنه بلعانه ولا يحل له أن ينفيه في اللعان فإنها لما علقت به كانت فراشا له وكان الحمل لاحقا به فزناها لا حكم لحوقه به وإن لم يعلم حملها حال زناها الذي قد قذفها به فهذا ينظر فيه جاءت به لأقل من ستة أشهر من الزنى الذي رماها به فالولد له ولا ينتفي عنه وإن ولدته لأكثر من ستة أشهر من الزنى الذي رماها به نظر فإما أن يكون قبل زناها أو لم يستبرئها فإن كان استبرأها انتفى الولد عنه بمجرد اللعان نفاه أو لم ينفه ولا بد من ذكره عند من يشترط ذكره وإن لم يستبرئها فهاهنا أن يكون الولد منه وأن يكون من الزاني فإن نفاه في اللعان انتفى وإلا لحق به أمكن كونه منه ولم ينفه

 


فإن قيل فالنبي قد حكم بعد اللعان ونفي الولد بأنه إن جاء   الزوج صاحب الفراش فهو له وإن جاء يشبه الذي رميت به فهو له فما قولكم في مثل الواقعة إذا لاعن امرأته وانتفى من ولدها ثم جاء الولد يشبهه هل تلحقونه به عملا بالقافة أو تحكمون بانقطاع نسبه منه عملا بموجب لعانه قيل هذا مجال ضنك ضيق تجاذب أعنته اللعان المقتضي لانقطاع النسب وانتفاء الولد وأنه يدعى لأمه يدعى لأب والشبه الدال على ثبوت نسبه من الزوج وأنه ابنه مع شهادة النبي إن جاءت به على شبهه فالولد له وأنه كذب عليها فهذا مضيق لا يتخلص منه إلا البصير بأدلة الشرع وأسراره والخبير بجمعه وفرقه الذي سافرت به همته إلى الأحكام والمشكاة التي منها ظهر الحلال والحرام والذي يظهر في هذا والله وعليه التكلان أن حكم اللعان قطع حكم الشبه وصار معه بمنزلة أقوى مع أضعفهما فلا عبرة للشبه بعد مضي حكم اللعان في تغيير أحكامه والنبي يخبر عن شأن الولد وشبهه ليغير بذلك حكم اللعان وإنما أخبر عنه ليتبين الصادق من الكاذب الذي قد استوجب اللعنة والغضب فهو إخبار عن أمر قدري كوني يتبين الصادق من الكاذب بعد تقرر الحكم الديني وأن الله سبحانه سيجعل في الولد دليلا ذلك ويدل عليه أنه قال ذلك بعد انتفائه من الولد وقال إن جاءت به كذا وكذا أراه إلا صدق عليها وإن جاءت به كذا وكذا فلا أراه إلا كذب عليها فجاءت به على المكروه فعلم أنه صدق عليها ولم يعرض لها ولم يفسخ حكم اللعان فيحكم عليها الزانية مع العلم بأنه صدق عليها فكذلك لو جاءت به على شبه الزوج يعلم أنه عليها ولا يغير ذلك حكم اللعان فيحد الزوج ويلحق به الولد فليس قوله إن جاءت كذا وكذا فهو لهلال بن أمية إلحاقا له به   الحكم كيف وقد نفاه باللعان وانقطع نسبه به كما أن قوله وإن جاءت به كذا وكذا فهو رميت به ليس إلحاقا به وجعله ابنه وإنما هو إخبار عن الواقع وهذا كما لو حكم القسامة ثم أظهر الله سبحانه آية تدل على كذب الحالفين لم ينتقص حكمها بذلك لو حكم بالبراءة من الدعوى بيمين ثم أظهر الله سبحانه آية تدل على أنها يمين لم يبطل الحكم بذلك

 

 


فصل


ومنها أن الرجل إذا قذف امرأته بالزنى برجل بعينه ثم لاعنها سقط الحد عنه لهما يحتاج إلى ذكر الرجل في لعانه وإن لم يلاعن فعليه لكل واحد منهما حده وهذا اختلف فيه فقال أبو حنيفة ومالك يلاعن للزوجة ويحد للأجنبي وقال الشافعي في قوليه يجب عليه حد واحد ويسقط عنه الحد لهما بلعانه وهو قول أحمد والقول للشافعي أنه يحد لكل واحد حدا فإن ذكر المقذوف في لعانه سقط الحد وإن لم فعلى قولين أحدهما يستأنف اللعان ويذكره فيه فإن لم يذكره حد له والثاني أنه حده بلعانه كما يسقط حد الزوجة

 


وقال بعض أصحاب أحمد القذف للزوجة وحدها ولا يتعلق بغيرها حق المطالبة ولا الحد بعض أصحاب الشافعي يجب الحد لهما وهل يجب حد واحد أو حدان على وجهين وقال بعض لا يجب إلا حد واحد قولا واحدا ولا خلاف بين أصحابه   إذا لاعن وذكر الأجنبي في لعانه أنه يسقط عنه حكمه وإن لم يذكره فعلى قولين عندهم أنه لا يسقط

 


والذين أسقطوا حكم قذف الأجنبي باللعان حجتهم ظاهرة وقوية جدا فإنه لم يحد بشريك بن سحماء وقد سماه صريحا وأجاب الآخرون عن هذا بجوابين أحدهما أن كان يهوديا ولا يجب الحد بقذف الكافر والثاني أنه لم يطالب به وحد القذف يقام بعد المطالبة
وأجاب الآخرون عن هذين الجوابين وقالوا قول من قال إنه يهودي باطل فإنه شريك بن وأمه سحماء وهو حليف الأنصار وهو أخو البراء بن مالك لأمه قال عبدالعزيز بن في شرحه لأحكام عبدالحق قد اختلف أهل العلم في شريك بن سحماء المقذوف فقيل كان يهوديا وهو باطل والصحيح أنه شريك بن عبدة حليف الأنصار وهو أخو البراء بن لأمه وأما الجواب الثاني فهو ينقلب حجة عليكم لأنه لما استقر عنده أنه لا حق في هذا القذف لم يطالب به ولم يتعرض له وإلا كيف يسكت عن براءة عرضه وله طريق إظهارها بحد قاذفه والقوم كانوا أشد حمية وأنفة من ذلك وقد تقدم أن اللعان مقام البينة للحاجة وجعل بدلا من الشهود الأربعة ولهذا كان الصحيح أنه يوجب عليها إذا نكلت فإذا كان بمنزلة الشهادة في أحد الطرفين كان بمنزلتها في الآخر ومن المحال   تحد المرأة باللعان إذا نكلت ثم يحد القاذف حد القذف وقد أقام البينة على صدق وكذلك إن جعلناه يمينا فإنها كما درأت عنه الحد من طرف الزوجة درأت عنه من المقذوف ولا فرق لأن به حاجة إلى قذف الزاني لما افسد عليه من فراشه وربما إلى ذكره ليستدل بشبه الولد له على صدق قاذفه كما استدل النبي على صدق بشبه الولد بشريك بن سحماء فوجب أن يسقط حكم قذفه ما أسقط حكم قذفها وقد قال للزوج البينة وإلا حد في ظهرك ولم يقل وإلا حدان هذا والمرأة لم تطالب بحد فإن المطالبة شرط في إقامة الحد لا في وجوبه وهذا جواب آخر عن قولهم إن لم يطالب بالحد فإن المرأة أيضا لم تطالب به وقد قال له النبي البينة وإلا في ظهرك فإن قيل فما تقولون لو قذف أجنبية بالزنى برجل سماه فقال زنى بك فلان أو زنيت به هاهنا يجب عليه حدان لأنه قاذف لكل واحد منهما ولم يأت بما يسقط موجب قذفه عليه حكمه إذ ليس هنا بينة بالنسبة إلى أحدهما ولا ما يقوم مقامها

 


فصل


ومنها أنه إذا لاعنها وهي حامل وانتفى من حملها انتفى عنه ولم يحتج إلى أن يلاعن وضعه كما دلت عليه السنة الصحيحة الصريحة وهذا موضع اختلف فيه فقال أبو حنيفة الله لا يلاعن لنفيه حتى تضع لاحتمال أن يكون ريحا فتنفش ولا يكون للعان معنى وهذا   الذي ذكره الخرقي في مختصره فقال وإن نفى الحمل في التعانه لم ينتف حتى ينفيه وضعها له ويلاعن وتبعه الأصحاب على ذلك وخالفهم أبو محمد المقدسي كما يأتي وقال جمهور أهل العلم له أن يلاعن في حال الحمل اعتمادا على قصة هلال بن فإنها صريحة صحيحة في اللعان حال الحمل ونفي الولد في تلك الحال وقد قال إن جاءت به على صفة كذا وكذا فلا أراه إلا قد صدق عليها الحديث قال الشيخ يف وقال مالك والشافعي وجماعة من أهل الحجاز يصح نفي الحمل وينتفي عنه محتجين هلال وأنه نفى حملها فنفاه عنه النبي وألحقه بالأم ولا خفاء أنه كان حملا قال النبي انظروها فإن جاءت به كذا وكذا قال ولأن الحمل مظنون بأمارات تدل ولهذا تثبت للحامل أحكام تخالف فيها الحائل من النفقة والفطر في الصيام وترك الحد عليها وتأخير القصاص عنها وغير ذلك مما يطول ذكره ويصح استلحاق الحمل كالولد بعد وضعه قال وهذا القول هو الصحيح لموافقته ظواهر الاحاديث وما خالف لا يعبأ به كائنا ما كان وقالابوبكر ينتفي الولد بزوال الفراش ولا يحتاج ذكره في اللعان احتجابا بظاهر الأحاديث حيث لم ينقل نفي الحمل ولا تعرض لنفيه

 

 


وأما مذهب أبي حني




                      المقال السابق                       المقال التالى




Bookmark and Share


أضف تعليق