عربي English עברית Deutsch Italiano 中文 Español Français Русский Indonesia Português Nederlands हिन्दी 日本の
  
  

   

هدي النبي  صلى الله عليه وسلم في التعامل مع أولاده .

قالت عائشة بنت الشاطئ رحمها الله :    كان محمد النبي  صلى الله عليه وسلم القدوة الصالحة للمؤمنين والمثل الأعلى فيهم، فرأى المسلمون من أفعاله وسمعوا من أحاديثه ما لمس أعمق مشاعر الأبوة فيهم ، واستثار أنبل ما في نفوسهم التي جبلت على توقير الآباء ورعاية الأبناء )) [1].

نعم أنها جانب من السنة النبوية يمكن أن نطلق عليه السنة الاجتماعية ، نجد كتب السيرة والشمائل حافلة بها لأهميتها وحاجة الناس إلى معرفتها و الاقتداء بها ، وفيما يلي صور من تعامله  صلى الله عليه وسلم مع أولاده .

 

•محبته لأولاده  صلى الله عليه وسلم :
مما يلفت نطر القارئ في سيرة النبي  صلى الله عليه وسلم مع أولاده تلك المحبة العظيمة التي كان يحبها أولاده جميعا بلا استثناء ، ولم يكن يفرق بين البنين منهم والبنات ، رغم عيشه في مجتمع لا تعطي للبنات أي حق ، و لا تعرف لهن أي منزلة . 

وقد تحدث القرآن الكريم عن عادات العرب في زمن الجاهلية ، قال تعالى : {وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالأُنثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدّاً وَهُوَ كَظِيمٌ يَتَوَارَى مِنَ الْقَوْمِ مِن سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ أَيُمْسِكُهُ عَلَى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ أَلاَ سَاء مَا يَحْكُمُونَ } [2]، ولا شك إن هذا الموقف من البنات معارضة صريحة للحكمة الإلهية والمشيئة الربانية ، قال تعالى : {لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثاً وَيَهَبُ لِمَن يَشَاءُ الذُّكُورَ أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَاناً وَإِنَاثاً وَيَجْعَلُ مَن يَشَاءُ عَقِيماً إِنَّهُ عَلِيمٌ قَدِيرٌ } [3].

قال ابن القيم رحمه الله :    فقسم الله سبحانه حال الزوجين إلى أربعة أقسام اشتمل عليها الوجود ، وأخبر أن ما قدره بينهما من الولد فقد وهبهما إياه ، وكفى بالعبد تعرضا لمقته أن يتسخط ما وهبه ، وبدأ سبحانه بذكر الإناث ، فقيل : جبرا لهن لأجل استثقال الوالدين لمكانهن ، وقيل و هو أحسن : إنما قدمهن لأن سياق الكلام أنه فاعل ما يشاء ، لا ما يشاء الأبوان ، فإن الأبوين لا يريدون إلا الذكور غالبا ، وهو سبحانه قد أخبر أنه يخلق ما يشاء ، فبدأ بذكر الصنف الذي يشاء ولا يريده الأبوان .

وعندي وجه آخر – والكلام لابن القيم – وهو أنه سبحانه قدم ما كانت تؤخره الجاهلية من أمر البنات حتى كانوا يئدوهن ، أي هذا النوع المؤخر عندكم مقدم عندي في الذكر ، وتأمل كيف نكر سبحانه الإناث ، وعرف الذكور ، فجبر نقص الأنوثة بالتقديم ، وجبر نقص التأخير بالتعريف ، فإن التعريف تنويه كأنه قال ويهب لمن يشاء الفرسان الأعلام المذكورين الذين لا يخفون عليكم ، ثم لما ذكر الصنفين معا قدم الذكور إعطاء لكل من الجنسين حقه من التقديم والتأخير والله أعلم بما أراد من ذلك )) [4].

وقالت عائشة بنت شاطئ رحمها الله منوهة بتكريم رسالة النبي  صلى الله عليه وسلم للمرأة :وكانت أبوته لبنات أربع قدوة صالحة للمؤمنين برسالته التي أعزت الأنوثة ، وقررت لها من الحقوق ما لا تطمح إلى مثله نساء العصر الحديث )) [5].

وما اشتهر من حب رسول الله  صلى الله عليه وسلم لبناته وخاصة أصغرهن فاطمة رضيَ الله عنها ، خير شاهد على هذا التكريم والتنويه بالنساء ، عن عائشة رضيَ الله عنها قالت :كن أزواج النبي  صلى الله عليه وسلم عنده لم يغادر منهن واحدة ، فأقبلت فاطمة تمشي ما تخطئ مشيتها مشية رسول الله  صلى الله عليه وسلم شيئا ، فلما رآها رحب بها فقال :مرحبا بابنتي )) ثم أجلسها يمينه أو عن شماله ، ثم سارها فبكت بكاء شديدا ، فلما جزعها ، سارها الثانية فضحكت ، فقلت لها : خصك رسول الله  صلى الله عليه وسلم بين نسائه بالسرار ، ثم أنت تبكين ؟ فلما قام رسول الله  صلى الله عليه وسلم سألتها ما قال لك رسول الله  صلى الله عليه وسلم ؟ قالت : ما كنت أفشي على رسول الله  صلى الله عليه وسلم سره ، قالت : فلما توفي رسول الله  صلى الله عليه وسلم قلت : عزمت عليك بما لي عليك من الحق لما حدثتني ما قال لك رسول الله  صلى الله عليه وسلم ، فقالت : أما الآن فنعم ، أما حين سارني في المرة الأولى فأخبرني أن جبريل كان يعارضه القرآن في كل سنة مرة أو مرتين ، وأنه عارضه الآن مرتين ، وإني لا أرى الأجل إلا اقترب فاتقي الله واصبري ، فإنه نعم السلف أنا لك ، قالت : فبكيت بكائي الذي رأيت ، فلما رأى جزعي سارني الثانية ، فقال :يا فاطمة أما ترضي أن تكوني سيدة نساء هذه الأمة )) قالت : فضحكت ضحكي الذي رأيت )) [6].

 

 

ومن فوائد الحديث : ترحيب النبي بها و إفساحه لها في مجلس نسائه ، و إجلاسها عن يمينه لإكرامها ، وفيه أيضا علامة من علامات محبة النبي  صلى الله عليه وسلم لبنته فاطمة الزهراء حيث خصها بأن سارها بين نسائه بهذه البشارة العظيمة .

 

ومن مظاهر محبته  صلى الله عليه وسلم لأولاده الفرح والسرور بولادتهم ، فقد كان النبي  صلى الله عليه وسلم يفرح أشد الفرح ويسر سرورا بما يرزقه الله تعالى من الأولاد ، ولما ولد إبراهيم جاء إليه أبو رافع فبشره ، فوهب له رسول الله  صلى الله عليه وسلم عبدا . [7]

 

 قال ابن القيم رحمه الله :وفي قصة مارية وإبراهيم أنواع من السنن )) وذكر منها :البشارة لمن ولد له مولود بولده ، استحباب إعطاء البشير بشراه )) [8].

 

ولما أصبح رسول الله  صلى الله عليه وسلم أخبر أصحابه رضيَ الله عنهم بضيفه الكريم الذي حل في بيته الشريف ،    عن أنس بن مالك  رضي الله عنه قال : قال رسول الله  صلى الله عليه وسلم :    ولد لي الليلة غلام فسميته باسم أبي إبراهيم )) [9].

 

ومن فضائل خديجة رضيَ الله عنها على أكثر نساء رسول الله  صلى الله عليه وسلم ما أنجبت لرسول الله  صلى الله عليه وسلم من الولد ، وقد عد ذلك رسول الله  صلى الله عليه وسلم من مزاياها ، فقال  صلى الله عليه وسلم    قد آمنت بي إذ كفر بي الناس ، وصدقتني إذ كذبني الناس ، وواستني بمالها إذ حرمني الناس ، ورزقني الله ولدها إذ حرمني أولاد النساء )) [10].

 

ومن أمارات فرح رسول الله  صلى الله عليه وسلم وسرور بنعمة الأولاد شكر الله تعالى بعق الولد بأن يذبح عن الذكر شاتين ، وعن الأنثى شاة واحدة ، قال ابن الحاج رحمه الله تعالى :  صلى الله عليه و سلم وكان لا يدع العقيقة عن المولود من أهله ، ويأمر بحلق رأسه يوم السابع ، وأن يتصدق عنه بزنة شعره فضة ) [11].

 

ومع كل هذا الحب للولد ومن تلد له من النساء فإنه  صلى الله عليه وسلم لم يعير أحدا من نسائه بأنه لم تلد له ، ولم ينقص ذلك من محبتهن شيئا ، ولا من حقوقهن الزوجية الأخرى ، وذلك من كمال إيمانه بقضاء الله وقدره وحسن خلقه وعشرته لنسائه .

 

فكثير من الرجال إذا ابتلوا بعقم أزواجهم أو تأخر إنجابهن للأولاد تسخطوا من ذلك ، وآذوا نساهم بالقول والفعل ، وربما فرطوا في كثير من حقوقهن ، وهذا ينافي كمال الإيمان بالله تعالى ، فإن العقم أوتأخر الإنجاب من قضاء الله وقدره كما قال تعالى في محكم تنزيله {لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثاً وَيَهَبُ لِمَن يَشَاءُ الذُّكُورَ أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَاناً وَإِنَاثاً وَيَجْعَلُ مَن يَشَاءُ عَقِيماً إِنَّهُ عَلِيمٌ قَدِيرٌ } [12]، ويدل هذا التصرف أيضا على سوء الأخلاق والعشرة ، فإن الحياة مليئة بالابتلاءات ، ويجب على المسلم أن يتحلى بالإيمان بالقضاء والقدر ، وبالصبر على المصائب ، ثم الأخذ بما تيسرت من الأسباب لدفع و إزالة تلك المصائب .

 

--------------------------------------------------------------------------------

[1]تراجم سيدات بيت النبوة ص 438

[2]سورة النحل الآيتان 58 ، 59

[3]سورة الشورى الآية 49 ، 50

[4]تحفة المودود بأحكام المولود ص 20

[5]تراجم سيدات بيت النبوة ص 487

[6]صحيح مسلم ( 4 / 1904 )

[7]الطبقات الكبرى ( 1 / 135 )

[8]تحفة المودود ص 105

[9]صحيح مسلم ( 4 / 1807 )

[10]مسند الإمام أحمد ( 6 / 117 )

[11]المدخل لابن الحاج ( 3 / 225 )

[12]سورة الشورى الآية 49 ، 50




                      المقال السابق                       المقال التالى




Bookmark and Share


أضف تعليق