عربي English עברית Deutsch Italiano 中文 Español Français Русский Indonesia Português Nederlands हिन्दी 日本の
  
  

   

 

لا تلعن الحياة والفشل، لا تلعن حظك في السعادة والحب، نرى أن الأكثر فشلا هم الأكثر لعنا لها! إنهم يصبون سخطهم علي ما حولهم  ومن حولهم أيضا، لا على أنفسهم، لأنهم لا يرون أن للفشل أسباب أخرى، ليسوا هم مصدرها، من التحديات التي تواجههم يرونها، أما الناجحون فلهم وجهة نظر أخرى، يرون الفشل عقبات، تحديات تقف في طريق النجاح، فيجتهدون في تخطيها، وكلما تخطوا عقبة كلما اقتربوا من النجاح خطوة، لم يلعن الرسول حظا، ولا سب دهرا، ولا شتم أحد، وعندما فشل صلى الله عليه وسلم فى دعوته حتى وصل للخمسينات من عمره لم يصب لعنته على الناس، على أنهم لم يتقبلوا الدعوة، مع أنه على حق، بل أفضل الحق وأنصعه، هو الحق المطلق! ومع هذا رفضوه، بل وسبوا النبي! اثنا عشر عاما يقاوموه بقوة، وبعنف أيضا، حتى عمه، لم يرفضوه ويتركوه، بل سبوه، أساءوا إليه، وكان عمه أبو لهب يمشي وراءه في حرم الكعبة، وكلما تحدث النبي مع أحد ذهب إليه عمه وقال لا تصدقه، أنا عمه واعرفه، إنه كاذب! صبر الرسول وصمم على الهدف، لم يلعن أحدا، ولم يشكو الفشل، فلماذا تفعل أنت! اصبر، وغير رؤيتك، افعل كما فعل النبي، اصبر على الهدف، لا تتزحزح عنه، اعرف أكثر كيف تنجح، ادرس أسباب الفشل وتخطاها، فالتجربة الفاشلة تعرفك سبب جديد للنجاح، وطريقة لا يمكن النجاح بها، حتما ستصل. وان قابلتك العقبات افعل كما فعل النبي، الجأ إلى القوة العظمى في هذا الكون، اخضع لله واشكو له، قل له كما قال النبي، ادعوه وتضرع إليه: اللهم إليك أشكو ضعف قوتي وقلة حيلتي وهواني على الناس يا أرحم الراحمين أنت رب المستضعفين وأنت ربي إلى من تكلني إلى بعيد يتجهمني أو إلى عدو ملكته أمري إن لم يكن بك علي غضب فلا أبالي ولكن عافيتك هي أوسع لي أعوذ بنور وجهك الذي أشرقت له الظلمات وصلح عليه أمر الدنيا والآخرة من أن ينزل بي غضبك أو يحل علي سخطك لك العتبى حتى ترضى لا حول ولا قوة إلا بك.

 

 

النجاح لا يأتي بدون الناس، أنت تصطدم بهم في كل مكان، لا يمكنك الانعزال عنهم، فهم أسباب نجاحك! لا تهرب منهم، تعامل معهم، وأن تخالط الناس وتصبر على أذاهم  خير لك من أن تعتزلهم، هكذا علمنا النبي صلى الله عليه وسلم، لكن تعلم كيف تتعامل معهم، في كل مكان نجد معهدا أو كلية تعلم الناس المهارات التقنية، لا أحد يعلمك مهارات التعامل مع الناس، أكثر من 85% من أسباب النجاح فى الحياة، وفي العمل أيضا تعود للفن والقدرة على التواصل مع الآخرين، تحتاج إلى تلك المهارة ولن تجدها إلا في الرسول! قد لا يعجبك رأيي، هل تظن أنني أبالغ لقولي أنك لن تجدها إلا عند الرسول صلى الله عليه وسلم؟ لا أظن أنني أبالغ. هل تعرف الأسباب؟ أنا سأقول لك رأي فيها.

 

أولا لأن الرسول صلى الله عليه وسلم هو الوحيد من المرسلين الذين أرسلهم الله  قدوة كاملة، في كل شئ، أسوة هو، وحسنة أيضا، يقول تعالى: لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآَخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا ([1])، ولم يقلها الله عن أحد غير الرسول، هو يكن كغيره من البشر أيضا، ولا الأنبياء، ميزه الله بالتعليم، ولم نعرف أن غيره قد تلقى التعليم الذي تلقاه النبي صلى الله عليه وسلم، حيث أن الله هو من علمه، فقال: وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى  إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى، عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى ([2])، اقترن التعليم بالشدة والقوة والإحكام هنا، هذا يعني أنه تعليم متقن، غاية الإتقان، فمن غيره من الناس تلقى مثل هذا التعليم؟ لا أحد بالطبع. لذا فنحن، أنا وأنت والآخرون كلنا في حاجة إليه.

 

ثانيــا: أن التاريخ لم يحفظ لنا أي سيرة أخرى لنبي غيره، فكلهم لم يتبق منهم غير قليل مما جاءنا من القرآن أو الكتب الأخرى فلا مجال لوجود قدوة أخرى من الأنبياء والمرسلين

 

ثالثا: أما لماذا الأنبياء فقط هم من أتحدث عنهم، فالسبب بسيط، أننا نحن البشر مهما وصلنا في درجة العلم والمعرفة، فلن نؤتى إلا قليلا: وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا ([3])، سأعطى لك مثلا، قليل من لم يعرف ديل كارنيجي، ذلك الأمريكي الذي علم الناس فنون الخطابة والنجاح في العمل والسعادة في الحياة، يوجد أيضا معهد دراسات تابع له، تحققت على يديه نتائج مبهرة في هذا المجال، هل تعرف كيف كانت النتيجة! لقد انتحر! وصل الرجل إلى قمة المعرفة كما أظن أنا وأنت و الآخرون في تخصصه، أسعد الملايين وعلمهم الطريق للنجاح، وحقق نجاحا مبهرا ونتائج عظيمة حصد معها الملايين لنفسه، لكنه لم يكن سعيدا! ما حققه لنفسه ولغيره أيضا ناقص، غير مكتمل، شئ ما لم يتوصل له، لم يعرفه أو يتعرف عليه جعلت التجربة تفشل في نهايتها، أنا أظن أنه اكتشف منظومة رائعة، في النصف المرئي المادي منها، أما الجزء الأخر، الوجه الثاني الغير مرئي لنا والغير معروف أيضا فلم يعرفه، ولم يصل له أو يتصل به، إنه الجزء الروحي بين العبد وربه بين العبد وأخيه ومجتمعه، الإيمان، النفس البشرية التي خلقها الله وأخفى سرها عنا جميعا، فلا ندرى عنها شيئا، القوانين المخفية في الكون من حولنا، هو لم يتصل بهذا الجزء ولم يعرف بالتالي كيف يتعامل معه لأن محصلة معرفته ومعرفتنا بها أيضا هى صفر، وربما اقل! لذا نقصت التجرية، لا يمكن لها أن تكتمل إلا بوجود النبي محمد صلى الله عليه وسلم، هو الوحيد الذي علمه رب السماوات والأرض، الوحيد الموحى إليه، الوحيد الذي عرف ما لم نعرف، وبدونه فإننا لن نعرف أيضا، من يدرس سيرته يذهل، ومن يتعلم منها فقد عرف، لا أجد غير النبي يمكن أن يكون قدوة للناس، والشباب، و لي و لك أيضا. من حياة الرسول نتعلم بعضا من أسباب النجاح، منها ما يأتي:

 

ضــع هــدفــا

من الرسول نتعلم أن أول أسباب النجاح أن تجدا هدفا، به تتمسك ولتحقيقه تسعى، هذا الهدف يتناسب معك، مع إمكاناتك الشخصية والنفسية، حتى وان كانت تلك الإمكانات تحتاج إلى تطوير، اعمل على تطويرها حسب المرحلة التي تمر بها، حتى وإن كان الهدف أكبر من إمكاناتك المادية، يمكن الوصول للهدف على مراحل، تحديد الهدف هو أول خطوات تحقيقه، كان للنبي هدف وهو تبليغ الرسالة، لم يقف في سبيله شئ، وفي طريقه أحد، صمم، كان المجتمع كله ضده، بأفراده، وحكومته، بقبائله، و مكوناته، قاوموه فلم ينثني، أغروه فلم يطمع، كان لديه هدف مصمم على الوصول إليه. صلى الله عليه وسلم، لولا تصميمه ما وصلنا الإسلام، ولولا إرادته لظلت الدنيا غارقة في الجهل والظلام، إلى اليوم! رفض أن يبيع حلمه، هدفه، رسالته رغم الإغراءات، انظر إلى تصميمه صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث الذي يظهر فيه صلبا، جلدا، فقد تحدث أهل مكة لعم النبي صلى الله عليه وسلم، طلبوا منه أن يسلم النبي إليهم ليقتلوه، وان لم يفعل فإنها الحرب بينهم، أرسل إليه عمه، وظن النبي أنه سيسلمه للقوم! كان بين أن يترك الرسالة ويظل أمنا سالما، أو كما ظن سيسلمه عمه إلى قومه فيقتلوه!

بعث عم النبي إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال له: يا ابن أخي، إن قومك قد جاءوني، فقالوا لي كذا وكذا، فأبقِ علي وعلى نفسك، ولا تحملني من الأمر ما لا أطيق ؛ قال: فظن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قد بدا لعمه فيه بداء أنه خاذله ومسلمه، وأنه قد ضعف عن نصرته والقيام معه .

قال: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا عم، والله لو وضعوا الشمس في يميني، و القمر في يساري على أن أترك هذا الأمر حتى يظهره الله، أو أهلك فيه، ما تركته. قال: ثم استعبر رسول الله صلى الله عليه وسلم، فبكى ثم قام ؛ فلما ولى ناداه أبو طالب، فقال: أقبل يا ابن أخي ؛ قال: فأقبل عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: اذهب يا بن أخي، فقل ما أحببت، فوالله لا أسلمك لشيء أبدا([4])، فهل تملك الهدف؟ حدده أولا.

 

هذا كان هدف النبي، أما هدفنا، كلنا، أنا وأنت والناس، فنحن لم نحدد هدفنا الأكبر، بل حدده لنا النبي، هو ما غير مجرى حياتنا بتحديد الهدف لنا، حدث هذا في بيعة العقبة، عندما قابل النبي صلى الله عليه وسلم شباب المدينة فكلمهم، وعرض الإسلام عليهم، قال ابن إسحاق: وحدثني عاصم بن عمر بن قتادة: أن القوم لما اجتمعوا لبيعة رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال العباس بن عبادة بن نضلة الأنصاري، أخو بني سالم بن عوف: يا معشر الخزرج، هل تدرون علام تبايعون هذا الرجل ؟ قالوا: نعم ؛ قال: إنكم تبايعونه على حرب الأحمر والأسود من الناس، فإن كنتم ترون أنكم إذا نهكت أموالكم مصيبة، وأشرافكم قتلا أسلمتموه، فمن الآن، فهو والله إن فعلتم خزي الدنيا والآخرة، وإن كنتم ترون أنكم وافون له بما دعوتموه إليه على نهكة الأموال، وقتل الأشراف، فخذوه، فهو والله خير الدنيا والآخرة ؛ قالوا: فإنا نأخذه على مصيبة الأموال، وقتل الأشراف ؛ فما لنا بذلك يا رسول الله إن نحن وفَّينا بذلك؟ اسمع جيدا، هنا كان الهدف الذي وضعه النبي لهم، ولنا وللمسلمين، كلمة واحدة غيرت مجرى هؤلاء القوم، والحضارة البشرية، قالها النبي فكانت هى الهدف، الذي من أجله نعمل، ونحيا، من أجلها نموت، هى الهدف الأكبر لنا جميعا، وكل الدنيا وأهدافها وسائل لها. قال النبي صلى الله عليه وسلم: الجنة. قالوا: ابسط يدك ؛ فبسط يده فبايعوه([5]).

 

كل الأهداف الأخرى التي نحددها لأنفسنا في الحياة، كل الإمكانات التي نمتلكها في الدنيا، هى فقط وسائل، وسائل نصل بها للهدف الأسمى والأكبر، الذي حدده لنا الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم، لا تتنازل عن هذا الهدف، فهو الهدف الأكبر، مهما كبر هدفك، ومهما عظم فلن يكون أعظم من الجنة، فيها ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر، أعظم هى من الخيال، وأجمل من الحلم، فيها الملك، والصحة، والمال، والسعادة، وأكثر كثيرا، فيها الحور العين والقصور الفاخرة والأراضي الواسعة، وأكثر بكثير، فيها رؤية الله! فهل ستتنازل عن هذا الهدف؟ من يفعل فقد خسر.

 

اجعل أهدافك في الحياة مرتبطة بهذا الهدف، فإن كنت تريد النجاح في العمل، في الوظيفة أو التجارة، في جمع المال، فاجعل هذا من أجل إنفاق أفضل على أسرتك، على الأقربين، وعلى خدمة الإسلام وقضاياه، على بناء المساجد، وإطعام الفقير والمسكين، وان كان هدفك العلم، فاجعله لله، من أجل خدمة الناس، من أجل الوصول إلى الجنة، فهى ما تصبرك على التعب، والسهر، والأذى،  أما إن كانت للدنيا فغيره من الآن، غير نيتك، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى، فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله، ومن كانت هجرته إلى دنيا يصيبها أو امرأة يتزوجها فهجرته إلى ما هاجر إليه، غير هدفك تتغير حياتك

 

الــوســائل

بعد الهدف حدد الوسائل، اختر وسائلك بدقة، ليست كل الوسائل مناسبة لكل هدف، ولكل شخص أيضا، ولكل مكان، اختلاف الزمان والمكان والأشخاص وطبيعة الهدف يفرضون أنواعا معينة من الوسائل.

 

أراد النبي بعد بيعة العقبة أن يرسل إليهم رسولا، كان الهدف إسلام أهل المدينة، تعليمهم أمور التوحيد، أن يحبوا الإسلام ويقبلوا عليه ثم يقيمونه، كان هذا هو الهدف، كانت الوسيلة أن يرسل لهم النبي سفيرا يعلمهم، هكذا اختار النبي الوسيلة، هل تعرف من اختاره النبي لتلك المهمة الخطيرة، التي بنجاحها يقوم الإسلام وبفشلها قد ينتهي في المدينة؟ لم يرسل عمرا، ولا عليه، ولا أبو بكر، أكثر أصحاب الرسول فهما للدين، وأكثرهم صحبة له، وأحبهم إليه، المهمة تقتضي سفير من نوع أخر، رجل حسن الهيئة، حلو الحديث، أقرب إلى الشباب فأهل المدينة أغلبهم شبابا، جذاب، مقنع، وهكذا اختار النبي رجلا مناسبا للمهمة، فأنجزها، أرسل إليهم مصعب ابن عمير، أعطر أهل مكة، وأنضر شبابها، دخل المدينة وليس فيها من المسلمين سوى اثنا عشر شابا يافعا هم من بايع النبي، وحولها كلها إلى الإسلام، بحسن الحديث وحلاوة المنطق وجمال العرض، وهكذا كانت الوسيلة محققة للهدف عند رسول الله. هذه واحدة من كل حياة النبي، كل موقف نجح فيه النبي كان خلفه تفكير في الهدف، وحسن استخدام للوسيلة. انظر إلى ما تحتاجه بدقة لإنجاز الهدف، لا وراء تنجر مشاعرك، حدد شروطك في الوسيلة بتجرد، وبعقل ومنطق، ماذا تظن لو اختار النبي عمر ابن الخطاب ونحن نعرف قدر عمر رضى الله عنه، الذي دعا الرسول صلى الله عليه وسلم الله بأن يعز الإسلام به، ولم يدعه لأحد غيره، أتظن أنه كان أنجزها مثلما فعل مصعب! عمر كان رجل عقل ومنطق، رجل دولة وإدارة، وكان مصعب سفيرا. الناس مختلفون في الإمكانيات العقلية والجسمية، فلم يرسل النبي أحدا من المقربين لأنه مقرب منه، ولم يرسل أحدا بقوة عمر، ولا شاعرا برقة قلب حسان، بل اختار الوسيلة المناسبة للهدف.

 

مرة أخرى، أراد النبي صلى الله عليه وسلم أن يعلم أصحابه أن الرسالة للناس، للعالم كله، كان يعلم أن أجله لن يمهله ولن يطول ليفتح دول الأرض، أراد أن يبلغ رسالته للأرض كلها، والعمر قصير لا يكفيه، فأرسل رسائل لكل الملوك، للدول الكبرى والمجاورة، حتى قبل أن يكمل فتح الجزيرة! كان هذا من عجيب ما صنع النبي، هو لم يفتح الجزيرة فكيف يرسل لملوك الدول! كان في الأمر أكثر من معنى، منها أنه يعلم صحابه، يعرفهم أن رسالته يجب أن تستمر، أن تنتشر، أسلم من أسلم من الملوك، ورفض من رفض، ثم أراد النبي أن يغرس في أصحابه التطبيق العملي، فخرج في غزوة تبوك، وجهز جيشا بقيادة أسامة ابن زيد، ومات صلى الله عليه وسلم قبل أن يوفد الجيش، وضعهم على حدود الجزيرة في مواجهة الرافضين للدعوة، وضع أقدامهم هناك، وعرفهم الطريق، كانت تلك هى الوسيلة، ما الهدف فهو تبليغ الرسالة للعالم كله، لا يجب أن يقف في وجهها شئ، وكان الدرس رائعا بالفعل فقد فتحت الدول العظمى وسقطت كبرى مدائنها ورفعت فيها راية الإسلام في أقل من ربع قرن، كانت معجزة تاريخية، أن تسقط الدول العظمى في ربع قرن فقط، بيد قوة واحدة، ناشئة، صغيرة، لم تهادن أحداهما لتحارب الأخرى، عملت على كل الجبهات، وتحقق هدف النبي، حتى بعد وفاته، وهو من عجيب قدرة النبي على وضع الأهداف وتحديد الوسائل المناسبة، أما الجيش الذي جهزة النبي قبل وفاته للخروج من الجزيرة فلم يكن بقيادة كبار القادة أيضا مثل خالد أو عمر، بل كان بقيادة شاب صغير هو أسامة بن زيد! انظر جيدا للهدف، فكر بعقلك لا بمشاعرك في الوسائل.

 

التحفز، الحماس، الحب، هل تملكها؟ ان ملكتها فقد ملكت مفتاح النجاح، أهم مفاتيحه على الإطلاق، الرغبة والحماس هما الوقود، يحترق ويدفعك للأمام، لا تخسرها، موجودة هى بداخلك، وداخل كل منا أيضا، ابحث عنها، استخرجها، لا تدع الحاجة والفشل والجوع هي ما تستخرجه لك، تخيل نفسك دائما تحت ضغط الحاجة، فكلنا نقع تحت هذا الضغط، اشعل وقودا  بداخلك، وضع نفسك تحت ضغط الحاجة للنجاح، تحت الحاجة لتحقيق الهدف، وستجد هذا الوقود والحماس يدفعك للأمام، لتخطي العقبات، للتغلب على المشاكل، ستقف بعدها وتسأل نفسك: كيف استطعت تحقيق ما حققته! فقط جرب لترى. قد تكون ثريا، فتتخيل أنك لست محتاجا للمال، أو فقهيا ولديك مخزون كاف من التقوى، أو عالما فلا حاجة لمزيد من العلم! وقد تكون لا شئ على الإطلاق لكنك خجول، أو خائف.

 

تلك كلها علامات الفشل، وأوهام المنطق، وبدايات الإخفاق، كم رأينا من صاحب مال وافتقر، وكم من عزيز ذل، وعالم وقد انجرف بعلمه للضلال، وتقي أو قارئ قرأن أو مجاهد كانوا أول من تسعر بهم النار كما أخبرنا النبي، أما إن كنت خجولا فالشاعر يقول عنك: ومن يتهيب صعود الجبال، يعش أبد الدهر بين الحفر، وان كنت تخاف، فأنت ببساطة تعطي فرصتك في الحياة لآخرين، تتنازل عنها بإرادتك للغير، والسؤال: هل كان النبي صلى الله عليه وسلم من تلك النماذج؟ قطعا لا، لم يكن كذلك صلى الله عليه وسلم، بل كان واثق من نفسه، لديه الإرادة، والرغبة، والقدرة على تحقيق أهدافه، استخدم أفضل الوسائل المتاحة، لم يركن إلى مال لديه، لا المنصب أو جاه أو سلطة كانت لديه، لكنه حاز كل شئ، بل ظل يعمل بكل قوته، وطاقته حتى يوم وفاته صلى الله عليه وسلم، فخرج ليرى الناس في صلاتهم ويطمئن عليهم، ثم دخل حجرته فمات، وقال صلى الله عليه وسلم، من قامت عليه الساعة وفي يده فسيلة فليغرسها، كان يمكنه أن يدعو فيحقق الله له ما شاء، فقد أتاه جبريل بمفاتيح الأرض، فاختار أن يكون عبدا، أن يبدأ من البداية، حيث لا شئ، لا مال، لا قوة، لا سلطة، وبني أكبر حضارة في تاريخ البشرية مازالت مستمرة حتى اليوم رغم ضعفها، لولاه لما قرأت هذا الكتاب، ولا كتبته أيضا!

 

حطم أوهام المال الذي لديك واعمل، فربما مرضت غدا فلا تستفيد منه، وربما افتقرت فندمت، كسر أوهام النسب والجنس واللون والخجل والسلطة، واعمل فالنبي ظل يعمل حتى اللحظة الأخيرة قبل وفاته، اترك اليأس فلو يأس النبي ما فعل شيئا، فقد شتموه، ضيقوا عليه، أهانوه، طردوه، حاربوه وضيقوا عليه الحصار حتى طال اليأس نفوس المسلمين: إِذْ جَاءُوكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَإِذْ زَاغَتِ الْأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا ([6])،ظنوا أنها النهاية، كان النبي وقتها يكبر بينهم ويبشرهم بفتح عواصم الإمبراطوريات الكبرى، في حياتي لم أرى رجلا يحمل كل هذا الأمل رغم الألم، رغم الحصار والجوع والفقر والحاجة!

 

لديك كل الإمكانيات للنجاح، الله لم يخلقنا عبثا، ولم يخلقنا ليتركنا، بداخلنا كل أسباب النجاح، أبحث في داخلك عن الحافز، عن الأمل، عن الحماس، ادخل يدك في جوفك فأخرج منه الأمل، العزيمة والإصرار، تأكد أنك ستصنع المعجزات، اسأل الناجحين، هل قابلتك مصاعب؟هل كنت مكروها من الناس، هل كنت فقيرا، أو حاصرتك الديون؟ لن تجد من يقول لك أنني وجدت الطريق مفروشا بالورود،فكل الطرق مليئة بالشوك، من يحصد الشوك ويزرع الورد هو من يحصده، ستتعب بلا شك، لكن ازرع الأمل ولا تتخلى عنه، ابحث عن الطاقة بداخلك ففيك قوة جبارة لا تستهين بها، الله خلق الأرض، وخلقنا كي نعمرها، أنت لديك القدرة على هذا، ثق في ذلك، الله زرع فيك تلك القدرة، كثيرون نجحوا، الرسول أكثرهم فلما لا تستفيد منه، أفعل مثله، وثق بالنجاح، دلنا القرآن على قاعدة في الحياة، على قانون غير مرئي وغير مشاهد، لكنك تعرفه حين يحدث، من حياتي عرفت هذا، وتأكدت منه، يقول الله تعالى: فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا، إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا ([7])، الآيتان الكريمتان ترشدانا إلى تلك القاعدة التي خلقها الله في الكون، في الحياة من حولنا، بل ويؤكدها الله لكي نتيقن، أكدها بالتكرار مرة، وبحرف إن مرتين! أكدها (الله) ثلاث مرات في آيتين متتابعتين، يكفي أن التأكيد من الله سبحانه جلت قدرته، اسأل نفسك عنها، وستجد أن في قلب العسر الذي حدث لك من قبل يسرا، ليس بعد العسر، بل فيه، بداخله، في جوفه، الأشياء تحمل متناقضاتها في داخلها، حتى المعنوية، أو كثير منها، العسر واحد من تلك الأشياء.

 

قد تفشل مرة، وهذا أكيد، لا نجاح بلا فشل، أن الفشل أول درجات النجاح، الفشل يعلمك أن النجاح لا يأتي من ذلك الطريق الذي جربته، اسلك طريقا أخر إذن، قد تفشل مرة، أو مرتين، وربما أكثر قبل أن يأتيك النجاح، وقد تنجح وتفشل صعودا وهبوطا حتى تستقر على سلم النجاح فتصعده، فالنجاح مثل وميض البرق يظهر ويختفي، تحتاج إلى مزيد من المجهود عندما تحققه للحفاظ عليه، وفي المثل نقول: الحفاظ على القمة أصعب من الوصول إليها، انظر إلى الفشل على أنه تجربة للنجاح، لم ينجح النبي من المرة الأولى، لم يكن الطريق مفروشا له بالورود، ولا القلوب مفتوحة له مستعدة للقبول: فقد جمع قبائل مكة يدعوهم للإسلام فقال له عمه أبو لهب: تبا لك سائر اليوم، ألهذا جمعتنا‏؟‏، كان يسير خلفه في الحرم عندما يدعو الناس فيقول لهم لا تصدقوه، أنا عمه، انه كاذب، ألقوا فوق رأسه الكريم صلى الله عليه وسلم احشاء الإبل المذبوح، هددوه بالقتل، أغروه بالملك والنساء والمال، ضيقوا عليه وعلى أهله في شعب أبي طالب ومنعوهم الماء والغذاء حتى أوشكوا على الموت، هل قابلت مثل تلك العقبات؟ أو المغريات، هل يمكنك التصدى لها، أن تصمد وتصمم على هدفك؟ كلما كان تصميمك على تجاوز العقبات كلما كانت قدرتك على تحريكها من طريقك، افعل مثلما فعل النبي، لا تتزحزح، قال النبي الكريم صلى الله عليه وسلم في إصرار صلب وعزيمة تحرك الصخور، لو وضعوا الشمس في يميني والقمر في يساري على أن اترك هذا الأمر حتى يظهره الله أو اهلك دونه، مستعد هو للموت في سبيل هدفه، رغم ضغوط أهل مكة، ومغرياتها، عرضوا على عمه أن يسلموا النبي لهم فيقتلوه ويعطونه شاب من خيرة شبابهم عوضا عنه، كان يعرف أن للنجاح ضريبة، من أجل الوصول للهدف عليه أن يدفع الثمن، وكان مستعدا له، حتى وإن قتلوه! وصل لهدفه صلى الله عليه وسلم، تضائل كل المعارضون، وتلاشوا، حتى هم أو أبنائهم أصبحوا من اتباعه، يسمعون فيطيعون، إنها عزيمة كالصخر في مواجهة التحديات، لا أظنك قد تجد مثلها في مواجهة الصعاب للوصول للهدف، اقتد به.

 

هل طال الزمن، وضاع العمر ولم يتحقق الهدف؟ كثيرون لم يستطيعوا الوصول إليه، سلكوا كل طريق ولم يستطيعوا، هل فشلت إذن؟ أنا أقول لك، إذا كان هدفك النهائي، وليست الأهداف المرحلية الدنيوية، هو الجنة فأنت لم تفشل، أبدا لم تفشل، بل نجحت، لقد عاهد النبي صلى الله عليه وسلم الأنصار في بيعة العقبة على شئ واحد، لم يقل لهم غير تلك الكلمة، قال لهم النبي: الجنة، هل تظن أن من بايعوه كانوا حمقى! هل باع لهم الرسول صلى الله عليه وسلم لهم الوهم! قالوا أننا سنعادي كل العرب والعجم، وسنخسر أنفسنا وأموالنا وديارنا وأهلونا، فما المقابل فقال الجنة، والجنة مؤجلة، لم يراها أحد، ولم يعرفها أيضا، هي مجرد وعد بعد الموت، فهل أدرك هؤلاء الجنون لكي يقبلوا بمثل هذا العرض؟  كان الناس حديثوا عهد بالإسلام فكيف يقبلون مثل هذا العرض؟ هم قبلوه، لأنهم أدركوا أنه الحق، وأن النبي حق، والجنة حق، امنوا بها فكانت منتهى أحلامهم، وقمة أهدافهم، لم يترددوا عندما نطقها النبي من فمه، كأنهم كانوا يتمنونها، يشتاقون إليها، لم يترددوا وانهالوا عليه يبايعوها بمجرد أن نطقها، أن خرجت من فمه، وكأنه أعطاهم كنزا ثمينا فلم يترددوا، أما أنت، فأنت محبط، لأنك لم تحقق أهدافك، لأن الزمن مر عليك ولم تنجح، انظر إليهم افعل مثلهم، فهؤلاء نجحوا، وصلوا إلى أغلى ما يريدون، اجعل هدفك هدفهم، ولا تتعجل النتائج، هم أرادوا الجنة فحصلوا عليها، جاعوا، قوتلوا، حوصروا، منهم من استشهد، ومنهم من عانى، ومنهم من عذب، لكنهم وصلوا، للجنة في الآخرة، وكان هذا هو هدفهم الأكبر، وامتلكوا الدنيا وكانت وسيلة من وسائل الوصول للجنة، فسبحان من ألبس سراقة بن مالك البدوى أساور كسرى، وجعل العلاء بن الحضرمي حاكم دولة، وغيرهم أيضا ملكوا المال والسلطان بفضل اتباعهم للنبي، فملكوا الدنيا، ونالوا الجنة، غّّّّّّير نظرتك الآن، اجعل هدفك الجنة، وما دون الهدف من مشاق يهون، فالهدف يستحق.

 

أما ان كنت فشلت في تحقيق هدف مرحلي في الحياة، الرزق مثلا وزيادته والسعة فيه، فقد يكون في هذا خير لك، المال أحيانا يطغي الناس، يبعدهم عن الله، وعن الآخرة، من الناس من يعلم الله أن زيادة المال سينسيه فلا يزيده لأنه سبحانه يريد به الخير، نحن لا نفهم، ولا نريد أيضا، حمامة المسجد، وهو أحد المسلمين في عهد النبي، كان من أول الناس ذهابا للمسجد عند الصلاة، طلب من النبي أن يدعو له، فأبى النبي، فألح عليه، فدعا له، فاض المال عليه، امتنع في البداية عن الذهاب للمسجد، ثم لاحقا عن دفع الزكاة! أرداه ماله وأضاعه، اذا منع الله عنك كثرة المال فلا تحزن، لا تدعى الفشل إذا كان الهدف الأكبر هو الجنة فان النبي صلى الله عليه وسلم قال:  ‏اطلعت في الجنة فرأيت أكثر أهلها الفقراء واطلعت في النار فرأيت أكثر أهلها النساء، إن كنت تشعر أنك فعلت كل شئ، ولم تنجح، تعبت من كل شئ ولم تسعد، فلا تيأس، ولا تحزن، ولا تحزن، انتظر الجنة، وامش إليها، اعمل لها ولا تحزن فالهدف مازال هناك، ومازلت تحتاج إلى مزيد من الصبر، والعمل أيضا، ومازالت الجنة في انتظارك. كان النبي يدعو الله فيما يدعو: ولا تجعل الدنيا أكبر همنا، ولا مبلغ علمنا، ولا إلى النار مصيرنا! كان تفكيره في الجنة صلى الله عليه وسلم، في الهدف الذي رسمه لنا ولنفسه أيضا! ركز تفكيرك كما كان يفعل النبي في هذا الهدف ولا تحزن على ما تعاني مما تعتقد انه فشل، هو ليس كذلك، الابتلاءات في الدنيا أشكال مختلفة، قد يكون ابتلاءك واحد منها، صمم على هدفك، لا تحيد عنه وان كان هدفك الجنة فأنت لم تخسر بعد! الحياة لا تنتهي بالمكسب أو الخسارة إلا بعد الموت، أنا وأنت مازلنا أحياء، لدينا الفرصة إذن.

 

أيضا لا تظن غناك نجاحا، قد لا يكون كذلك، ولا فقرك فشلا فربما كنت مخطئا، الحكمة لا يعلمها إلا الله في الإفقار والغنى، وقد لا يكون هذا هو معيار النجاح، خاصة ان كان هدفك الجنة، يقول تعالى: فَأَمَّا الْإِنْسَانُ إِذَا مَا ابْتَلَاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ، وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلَاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَنِ ([8])،كلا... الأية

 

وقد يكون فشلك مرض، تحتاج معه إلى علاج، توجد مصائب، وأنواع من الفشل لا يحلها إلا الدعاء، أو الاستغفار، أو الصدقة، النبي علمنا هذا، فقد كان يستغفر الله في اليوم والليلة أكثر من مائة مرة، وَأَنِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُمَتِّعْكُمْ مَتَاعًا حَسَنًا إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى([9]).. الآية، أية أخرى تقول أن في الاستغفار رزق بالمال، وبالبنين، وبالثراء في الدنيا، والجنة في الآخرة، قال الله تعالى: فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا، يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا، وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا ([10])، وقد يكون في الاستغفار قوة لمن يحتاجها، يقول تعالى: وَيَا قَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْك




                      المقال السابق                       المقال التالى




Bookmark and Share


أضف تعليق