عربي English עברית Deutsch Italiano 中文 Español Français Русский Indonesia Português Nederlands हिन्दी 日本の
  
  

   

النبي محمد صلى الله عليه وسلم كان رجلا، مثلي ومثلك، (قُلْ سُبْحَانَ رَبِّي هَلْ كُنْتُ إِلَّا بَشَرًا رَسُولًا) ([1])، لكنه أبدا لم يكن كذلك، جمع صفات التميز في كل جوانب شخصيته، من تلك الجوانب الجانب القيادي، اتحدث عن القيادة في الحرب والسلم، وفي الحياة الكثير من الجوانب التي يمكن فيها استخدام نفس الاستراتيجيات.

 

كان النبي، ومازال أيضا، قائدا محبوبا، أرى أن تلك الصفة أهم صفات القيادة، كيف تقود الناس ويحبوك، تلك مهارة فريدة، لم يعتمد في هذا صلى الله عليه وسلم على القوة في القيادة، ولا على العنف، بل اعتمد على الحب. فأصحابه كانوا أكثر حبا لهم من أنفسهم وأهليهم والأقربين، حب النبي أيضا بهذا القدر من شروط الإيمان، رد عمر على النبي فقال: لأنت أحب إلي من كل شيء إلا نفسي، فقال النبي: والذي نفسي بيده حتى أكون أحب إليك من نفسك، كان هذا من شروط الإيمان، هذا هو الأساس للقائد، أن يحبه أتباعه، الذين يعملون تحت قيادته فيسمعون ويطيعون عن حب، ليس عن إكراه.

 

يقول سكوت واتسن في كتابه فن الحرب للمديرين، امنح الأخلاق، الإنسانية، المبادئ لمن يعملون تحت قيادتك، وسوف يكون اختيارهم أن يطيعون أوامرك، لم يفعل أحد هذا مثلما فعله النبي، أرحم الناس بالناس، وأكثرهم حبا لهم وحرصا عليهم، عرف بأنه الأمين قبل بعثته، وبالرحمة المهداة بعدها، شهد الله بإنسانيته في التعامل في القرآن في أكثر من موضع، فهو الذي أرسله الله رحمة للعالمين، وهو الحريص حتى على الكفار خوفا عليهم من المصير السيئ، لو كان صلى الله عليه وسلم  فظا غليظا لانفض الناس من حوله، عن ابن عمر رضي الله عنهما  أن امرأة وجدت في بعض مغازي رسول الله صلى الله عليه وسلم مقتولة. فأنكر رسول الله صلى الله عليه وسلم قتل النساء والصبيان، قال الله تعالى: فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللّهِ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ([2])

 


وقال تعالى: وَإِنَّكَ لَعلى خُلُقٍ عَظِيم ([3])، وقال تعالى: لَقَدْ جَاءكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِين رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ ([4])، وقال تعالى: وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين ([5])، وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قيل يا رسول الله أدع على المشركين، قال: إني لم أُبعث لعانًا، وإنما بعثت رحمة.

 


وعن عطاء بن يسار قال: لقيت عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنه فقلت: أخبرني عن صفة رسول الله صلى الله عليه وسلم في التوراة، فقال: (أجل، والله إنه لموصوف في التوراة ببعض صفته في القرآن: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا} وحرزًا للأميين، أنت عبدي ورسولي، سميتك المتوكل، ليس بفظ ولا غليظ، ولا صخاب في الأسواق، ولا يدفع السيئة بالسيئة، ولكن يعفو ويصفح، ولن يقبضه الله حتى يُقيم به الملة والعوجاء، بأن يقولوا: لا إله إلا الله، ويفتح به أعينًا عُميًا، وآذانًا صُمًّا، وقلوبًا غُلفًا).

وكان صلى الله عليه وسلم، إذا أتاه السائل، أو صاحب الحاجة قال اشفعوا تؤجروا،  ويقضي الله على لسان رسوله ما شاء كما كان صلى الله عليه وآله وسلم يرقّع ثوبه، ويخصف نعله، ويحلب شاته، ويأكل مع العبد، ويجلس على الأرض ولا يمنعه الحياء أن يحمل حاجته من السوق إلى أهله، ويصافح الغني والفقير، ولا ينزع يده من يد أحد حتى ينزعها هو، ويسلم على من استقبله من غني وفقير وكبير وصغير، ولا يحقر ما دعي إليه ولو إلى حشف التمر، وإذا انتهى إلى القوم جلس حيث ينتهي به المجلس، ويأمر بذلك، ويعطي كل جلسائه نصيبه حتى لا يحسب جليسه أن أحدًا أكرم عليه منه، من جالسه أو قاومه لحاجة صابره حتى يكون هو المنصرف عنه، ومن سأله حاجة لم يرده إلا بها أو بميسور من القول، وقد وسع الناس بسطه وخلقه، فصار لهم أبا، وصاروا عنده في الحق متقاربين. يتفاضلون عنده بالتقوى.

 

 


روى البخاري في صحيحه من حديث الأسود قال: سألت عائشة رضي الله عنها ما كان النبي صلى الله عليه وسلم يصنع في أهله؟ قالت: كان في مهنة أهله، فإذا حضرت الصلاة قام إلى الصلاة وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: إن كانت الأمة لتأخذ بيد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فتنطلق به حيث شاءت.  وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: ما كان شخصٌ أحبُّ إليهم من رسولِ الله صلى الله عليه وسلم وكانوا إذا رأوه لم يقوموا لما يعلمون من كراهيته لذلك. وعن انس رضي الله عنه قال كان صلى الله عليه وسلم يمر بالصبيان فيسلم عليهم، عن عائشة رضي الله عنها قالت خرجت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعض أسفاره، وأنا جارية لم أحمل اللحم ولم أبدن، فقال للناس: أقدموا فتقدموا، ثم قال لي: تعالي حتى أسابقك فسبقته، فسكت عني حتى إذا حملت اللحم وبدنت خرجت معه في بعض أسفاره، فقال للناس: تقدموا فتقدموا، ثم قال لي: تعالي أسابقك فسبقني، فجعل يضحك وهو يقول هذا بتلك. وقد روي أنه صلى الله عليه وسلم وضع ركبته لتضع عليها زوجه صفية رضي الله عنها رجلها حتى تركب على بعيرها، ومن وفائه كان صلى الله عليه وسلم ليذبح الشاة ثم يهديها إلى خلائل خديجة (صديقاتها)، وذلك بعد مماتها وقد أقرت عائشة رضي الله عنها بأنها كانت تغير من هذا المسلك منه. وفي قصة معاوية بن الحكم وقد عطس أمامه رجل في صلاته فشمته معاوية وهو يصلي فقال: فحدقني القوم بأبصارهم. فقلت: واثكل أمياه ما لكم تنظرون إليّ؟ قال: فضرب القوم بأيديهم على أفخاذهم فلما رأيتهم يسكتونني سكت. فلما انصرف رسول الله دعاني، بأبي هو وأمي، ما ضربني ولا كهرني ولا سبني، ما رأيت معلمًا قبله ولا بعده أحسن تعليمًا منه.

 

 


 وكان النبي صلى الله عليه وسلم يزور الأنصار ويسلم على صبيانهم ويمسح رؤوسهم. وكان النبي صلى الله عليه وسلم يأتي ضعفاء المسلمين ويزورهم ويعود مرضاهم ويشهد جنائزهم. يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الله أوحى إليّ أن تواضعوا حتى لا يفخر أحد على أحدٍ ولا يبغي أحد على أحد.

 

فهل من القادة من فعل مثل هذا مع أصحابه، كان له مثل ذلك الخلق الرفيع، التواضع، الوفاء، الإخلاص، يألف ويؤلف، يأكل مما يأكل منه أفقر الناس، ويعيش مما يتعيشون به، يخالطهم ويحبهم ويسأل عنهم، يعود مريضهم، ويمشى في جنازاتهم، يصلى عليه، وهو يعلمهم ويقودهم أيضا! إنه فن رفيع في ممارسة القيادة.

 

كان هذا مع المسلمين، ومع غيرهم لم يكن أقل حرصا على أن ينالهم الخير، كان رحمة لهم أيضا، كان حريصا على أن يصل العدل للناس، أن يرفع الظلم عنهم، أن يدخلهم في رحمة الله وحبه، أن يخرجهم من ظلام الكفر لنور الإيمان، عن بريدة بن الحصيب رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان إذا أمر أمير على جيش أو سرية، أوصاه خاصته بتقوى الله ومن معه من المسلمين خيرا. ثم قال: اغزوا باسم الله. وفي سبيل الله. قاتلوا من كفر بالله. اغزوا ولا تغلوا ولا تغدروا ولا تمثلوا ولا تقتلوا وليدا. وإذا لقيت عدوك من المشركين فادعهم إلى ثلاث خصال ( أو خلال ). فأيتهن ما أجابوك فاقبل منهم وكف عنهم. ثم ادعهم إلى الإسلام. فإن أجابوك فاقبل منهم وكف عنهم. ثم ادعهم إلى التحول من دارهم إلى دار المهاجرين. وأخبرهم أنهم، إن فعلوا ذلك، فلهم ما للمهاجرين وعليهم ما على المهاجرين. فإن أبوا أن يتحولوا منها، فأخبرهم أنهم يكونون كأعراب المسلمين. يجري عليهم حكم الله الذي يجري على المؤمنين. ولا يكون لهم في الغنيمة والفيء شيء. إلا أن يجاهدوا مع المسلمين. فإن هم أبوا فسلهم الجزية. فإن هم أجابوك فاقبل منهم وكف عنهم. فإن هم أبوا فاستعن بالله وقاتلهم. وإذا حاصرت أهل حصن، فأرادوك أن تجعل لهم ذمة الله وذمة نبيه. فلا تجعل لهم ذمة الله وذمة نبيه. ولكن اجعل لهم ذمتك وذمة أصحابك. فإنكم، أن تخفروا ذممكم وذمم أصحابكم، أهون من أن تخفروا ذمة الله وذمة رسوله. وإذا حاصرت أهل حصن، فأرادوك أن تنزلهم على حكم الله، فلا تنزلهم على حكم الله. ولكن أنزلهم على حكمك. فإنك لا تدري أتصيب حكم الله فيهم أم لا

 

 


 عن أبي عبد الرحمن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال كأني أنظر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يحكي نبيًّا من الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم ضربه قومه فأدموه وهو يمسح الدم عن وجهه يقول اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون.

 وعن عائشة قالت: استأذن رهط من اليهود على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: السام عليكم! قالت عائشة: فقلت: بل عليكم السام واللعنة. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا عائشة إن الله يحب الرفق في الأمر كله. قالت: ألم تسمع ما قالوا؟ قال: قد قلت: وعليكم. كان رسول الله صلى الله عليه وسلـم إذا بعث أحدًا من أصحابه في بعض أمره، قال: بشروا ولا تنفروا ويسروا ولا تعسروا. عن خالد بن الوليد رضي الله عنه قال: غزوت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم خيبر فأتت اليهود فشكوا أن الناس قد أسرعوا إلى حظائرهم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ألا لا تحل أموال المعاهدين إلا بحقها، و عن سهل بن سعد الساعدي رضي الله عنه أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول يوم خيبر: لأعطين الراية رجلا يفتح الله على يديه. فقاموا يرجون لذلك أيهم يعطى، فغدوا وكلهم يرجو أن يعطى، فقال: ( أين علي ). فقيل: يشتكي عينيه، فأمر فدعي له، فبصق في عينيه، فبرأ مكانه حتى كأنه لك يكن به شيء، فقال: نقاتلهم حتى يكونوا مثلنا ؟ فقال: على رسلك، حتى تنزل بساحتهم، ثم ادعهم إلى الإسلام، وأخبرهم بما يجب عليهم، فوالله لأن يهدى بك رجل واحد خير لك من حمر النعم. وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: كنت أدعو أمي إلى الإسلام وهي مشركة. فدعوتها يوما فأسمعتني في رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أكره. فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا أبكي. قلت: يا رسول الله ! إني كنت أدعو أمي إلى الإسلام فتأبى علي. فدعوتها اليوم فأسمعتني فيك ما أكره. فادع الله أن يهدي أم أبي هريرة. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:اللهم ! اهد أم أبي هريرة.  فخرجت مستبشرا بدعوة نبي الله صلى الله عليه وسلم. فلما جئت فصرت إلى الباب. فإذا هو مجاف. فسمعت أمي خشف قدمي. فقالت: مكانك ! يا أبا هريرة ! وسمعت خضخضة الماء. قال فاغتسلت ولبست درعها وعجلت عن خمارها. ففتحت الباب. ثم قالت: يا أبا هريرة ! أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. قال فرجعت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأتيته وأنا أبكي من الفرح. قال قلت: يا رسول الله ! أبشر قد استجاب الله دعوتك وهدى أم أبي هريرة. فحمد الله وأثنى عليه وقال خيرا. قال قلت: يا رسول الله ! ادع الله أن يحببني أنا وأمي إلى عبادة المؤمنين، ويحببهم إلينا. قال فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اللهم ! حبب عبيدك هذا - يعني أبا هريرة - وأمه إلى عبادك المؤمنين. وحبب إليهم المؤمنين. فما خلق مؤمن يسمع بي، ولا يراني، إلا أحبني

 

 

 


 ومن الصور الإنسانية في حياة النبي وشخصيته حتى تجاه المخالفين له ما حدث مع الصبي اليهودي، عن أنس بن مالك رضي الله عنه: كان غلام يهودي يخدم النبي صلى الله عليه وسلم فمرض، فأتاه النبي صلى الله عليه وسلم يعوده، فقعد عند رأسه، فقال له: أسلم. فنظر إلى أبيه وهو عنده، فقال له: أطع أبا القاسم صلى الله عليه وسلم، فأسلم، فخرج النبي صلى الله عليه وسلم وهو يقول: الحمد لله الذي أنقذه من النار، كما أوصى النبي صلى الله عليه وسلم بعدم قتل المعاهدين، الذين تجمعهم بالمسلمين عهودا ومواثيق، عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من قتل نفسا معاهدا لم يرح رائحة الجنة، وإن ريحها ليوجد من مسيرة أربعين عاما، له قصة صلى الله عليه وسلم مع  ثمامة ابن أثال، كانت قبيلته مهمة لأهل مكة فهي التي تورد القمح لهم، كان المساس بأحد أفراد قبيلته من المحذورات، حدث أن بعث النبي صلى الله عليه وسلم خيلا قبل نجد، فجاءت برجل من بني حنيفة يقال له ثمامة بن أثال، فربطوه بسارية من سواري المسجد، فخرج إليه النبي صلى الله عليه وسلم فقال: ما عندك يا ثمامة. فقال: عندي خير يا محمد، إن تقتلني تقتل ذا دم، وإن تنعم تنعم على شاكر، وإن كنت تريد المال، فسل منه ما شئت. فترك حتى كان الغد، فقال: ما عندك يا ثمامة. فقال: ما قلت لك، إن تنعم تنعم على شاكر فتركه حتى كان بعد الغد فقال: ما عندك يا ثمامة فقال: عندي ما قلت لك فقال: أطلقوا ثمامة. فانطلق إلى نخل قريب من المسجد، فاغتسل ثم دخل المسجد، فقال: أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمدا رسول الله، يا محمد، والله ما كان على الأرض وجه أبغض إلي من وجهك، فقد أصبح وجهك أحب الوجوه إلي، والله ما كان من دين أبغض إلي من دينك، فأصبح دينك أحب دين إلي، والله ما كان من بلد أبغض إلي من بلدك، فأصبح بلدك أحب البلاد إلي، وإن خيلك أخذتني، وأنا أريد العمرة، فماذا ترى؟ فبشره رسول الله صلى الله عليه وسلم وأمره أن يعتمر، فلما قدم مكة قال له قائل: صبوت، قال: لا، ولكن أسلمت مع محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا والله، لا يأتيكم من اليمامة حبة حنطة حتى يأذن فيها النبي صلى الله عليه وسلم. وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال :قدم طفيل بن عمرو الدوسي وأصحابه، على النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا: يا رسول الله، إن دوسا عصت وأبت، فادع الله عليها، فقيل: هلكت دوس، قال: اللهم اهد دوسا وأت بهم. و عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أنهم قالوا: يا رسول الله! أحرقتنا نبال ثقيف، فادع الله عليهم. فقال: اللهم اهد ثقيفا

 

رحيم كان النبي مع المسلمين، ومع غيرهم أيضا، فاذا كانت الإنسانية من شروط القيادة مع من يقودهم، فكيف هي مع الآخرين! لهذا فقد كان صلى الله عليه وسلم رحمة للعالمين بحق، بشهادة رب العالمين. من صفات القائد الناجح التي تحدثت عنها النظريات الحديثة الذكاء، الثقة، الشجاعة، توفرت كلها للنبي، لم يكن يأمر الناس بما لا يفعل، بل كان يفعل قبل أن يأمر! حكي أنس أن صوتا أخاف أهل المدينة، خرجوا من بيوتهم مذعورين ليعرفوا ما الخبر، فكان النبي أسرعهم وأشجعهم، اذ وجدوه يحمل سيفه راكبا فرسه ينادي فيهم: لم تراعوا لم تراعوا، أي لا تخافوا، وكان مما يقوله على رضى الله عنه أن النبي كان أكثرهم إقداما في الحرب، حتى اذا اشتدت وطيسها كانوا يحتمون بالنبي! خرج من مكة ولم يخف الرجال المحيطون ببيته، وقاوم أهل مكة قبل الرسالة رغم تهديدهم له، لم يكذب ولم يهادن، لم يقل أني لن أدعو إلى الدين الجديد حتى يتركوه لفترة، كان صريحا، شجاعا رغم المخاطر، قرأت كتابا لكاتب ألماني، قال: قرأت الكثير من سير حياة الناس، ووجدت أشجعهم محمد (صلى الله عليه وسلم)، وقرأت سيرة حياة محمد (صلى الله عليه وسلم) فوجدت موقفه وهو تحت الشجرة، هذا أكثر المواقف شجاعة في تاريخ البشرية، هكذا يظن الكاتب، نام النبي صلى الله عليه وسلم تحت شجرة، وقد علق سيفه عليها، جاء رجل من المشركين فأخذ سيفه وقال للنبي: ما يمنعك مني؟ أظهر النبي شجاعة فائقة حين قال: الله! سقط السيف من يد الرجل! أخذه النبي وقال للرجل: من يمنعك مني؟. مرة أخرى في معركة حنين، اذ أعجب المؤمنون كثرتهم، اخطئوا تلك المرة، وتعلموا من خطأهم للمستقبل، الكثير منهم فر، لم يهرب النبي، بل وقف في أرض المعركة كالأسد الباسل يقول: أنا النبي لا كذب، أنا ابن عبد المطلب، يستجمع المسلمين، ويسترجعهم، ويشجعهم أيضا!

 

اقتد بالنبي، فما بحثت عن صفة لقائد ناجح إلا وجدتها فيه، ولا لرجل ناجح إلا أصابها صلى الله عليه وسلم، مثال نادر للنجاح هو، قدوة رائعة لمن يبحث عن النجاح والقيادة، لمن يريد أن يحيا سعيدا، ويموت سعيدا، ويدخل الجنة أيضا. لن تحتاج إلى قراءة المزيد من الكتب، ولا المعلومات، ولن تحتاج إلى دورات مستمرة لتطوير نفسك على كيفية اكتساب حب الناس، وتحقيق النجاح في الحياة، وقيادتهم أيضا، ان أنت اكتفيت بمعرفة المزيد والكثير من التفاصيل عن حياة النبي، وحاولت أن تفعل مثله، إن أحببت الآخرين بصدق مثلما كان يفعل، إن طبقت قاعدة لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه، ستجد نفسك تحقق الكثير من النجاح في العلاقات الشخصية، تحتاج أيضا إلى بعض من التدريب اليومي لتقتدي بأخلاق النبي، أن يكون لديك القدرة على حب الناس وكسب قلوبهم، وأن تضع في مخيلتك دائما أفعال النبي قبل أن تقدم على الفعل أو رد الفعل، ستجد نفسك قليل النقد للآخرين، أكثر تواضعا عما قبل، تألف وتؤلف، تسمع للناس قبل ن تتحدث عن نفسك، تهتم بهم وبمشاكلهم وأفراحهم، تمدح نقاط القوة فيهم وتبتعد عن نقدهم، تحبهم بصدق، وتحرص على ما ينفعهم كما فعل النبي، هنا طريق النجاح دون الكثير من التكتيكات التي قد تقرأها فتنسى أغلبها ثم تعود لطباعك القديمة، لأنك تريد ما عند الله، والله عنده الدنيا والآخرة، اقتد بالنبي، ستكون أكثر قدرة على الحوار مع الآخرين، تقديم النصح لهم والاستفادة منهم. لم يكن النبي عنيفا ولا فحاشا ولا لعانا، لم يحرج أحدا فكان كلامه عن العيوب تلميحا، لم يعادي أحدا عداوة قاسية بل كان الباب مفتوحا دائما حتى مع المعادين له، لم يعرف العداوة الشخصية ولا الثأر لنفسه بل كان متسامحا حتى مع الذين يتعدون شخصيا عليه، كان ودودا، مبتسما، محبا للناس، عبدا لله في الأرض، جمع عبد اللطيف زايد صفات النبي صلى الله عليه وسلم كقائد ناجح في بحث فكانت كما يلي([6]):

الحرص على الوحدة

عدم الأخذ بالشبهات

تأليف قلوب الأعداء بالمال حتى يسلموا

استشارة أصحابه في أغلب الأمر

المؤاخاة بين المسلمين

العمل معهم يدا بيد

في تحمل الأذى والوقوف بجوار أصحابه

في عزوفه عن المغريات

أمر أصحابه بالهجرة مرتين

اتخاذه بالأسباب وعدم توهمه أو هربه للوهم أو للعنف

استشارة أصحابه في بدر وفي الأسرى ويوم أحد والخندق وفي التنازل عن ثلث ثمار المدينة للمشركين

في القتال مع أصحابه

أمره أهل بيته بالتقشف

في السياسة وعواقب النظر في الأمور

تواضعه ورحمته وعطفه

في ثباته في الحرب وكرمه ومعرفته لطبائع النفوس

في عطفه ووده وصداقته

قدوة في العمل مع أصحابه والعدل والرحمة

 الخاتمة


 

قرأت كثيرا من الكتب الغربية عن النجاح، كلها بلا استثناء تتحدث عن النجاح المادي، عن علاقات مميزة مع الآخرين، عن النجاح في العمل، عن القدرة على تحقيق المنفعة الذاتية، وقرأت بعضا من الكتب العربية، وجدتها على منهج التقليد تسير، أخذت العناوين الغربية وكتبت تحتها بلغتنا ولساننا!

 

لم أجد أفضل من النبي كقدوة في النجاح، حاولت من خلال الكتاب توضيح طريقته في الحياة، أسلوبه في النجاح، كيف نجح في الدنيا، كيف رسم لنا الهدف، كيف بين لنا الحياة بشقيها المادي الملموس وغير المعروف أو المرئي لنا، فليس كل الفشل المادي يعتبر فشلا، هناك جزء مخفى عنا في الحياة لا نعرفه، جزء غير مادي، فقد يكون الفشل بسبب الذنوب، وقد يكون لغيره، وقد يكون النجاح ابتلاء يختبر الله به العبد ليعرف أيشكر أم يكفر، النبي بين لنا طرق النجاح بوجهيه المعنوي والمادي، عرفنا أن الله أعطى للمؤمن طريقا لم يعطه لأحد غيره، فان أصابته سراء شكر فكان خيرا له، وان أصابته ضراء صب فكان خيرا له، النجاح عند المؤمن لا يقاس بالجزء المادي فقط، بل بمدى نجاحه في الوصول إلى الأهداف، الدنيوية منها وهى الأقل أهمية، والمخفية عنا وهى الأهم وهى الجنة، حددها لنا النبي، وعرفنا كيف نصل إليها، كيف نحدد الوسائل، كيف نكسب قلوب الناس، وكيف نحقق النجاح

هل أمتعك الكتاب، هل استفدت منه، تريد المزيد؟ عد فاقرأه مرة أخرى، فان قراءة الكتاب مرتين خير من قراءة كتابين، ثم فكر كيف تطبق التجربة، كيف تستفيد من النبي، اقترح عليك أن يكون لك منهجا، في أخر اليوم أخلو بنفسك، فكر في أحداث اليوم التي حدثت معك، وكيف تصرفت أنت، هل فعلت مثلما كان يفعل النبي! ستكتشف أخطاء كبيرة، هكذا أعتقد، اقطع عهدا بأن تتحسن في اليوم التالي، فكر في كل موقف ماذا كان سيفعل النبي في هذا الموقف، مع الوقت ستتحسن، ستلاحظ تغييرا كبيرا للغاية يطرأ في حياتك وعملك، احفظ مواقف النبي واستخدمها في حياتك، احكي تلك المواقف لأصدقائك، وعلى المنتديات، حديثك عنها سيجعلها تنغرس في شخصيتك، ستؤثر هى فيك أيضا، يمكنك الاتصال بي وطلب المشورة، الكثير من الأحيان نحتاج إلى من يساعدنا بالرأي.

 

 

محمد شاهين – الدمام

 

--------------------------------------------------------------------------------

[1] الاسراء 93

[2] ال عمران 159

[3] القلم 4

[4] التوبة 128

[5] الانبياء 107

[6] عبد اللطيف زايد، الجانب العسكري في حياة الرسول

 

 




                      المقال السابق




Bookmark and Share


أضف تعليق