عربي English עברית Deutsch Italiano 中文 Español Français Русский Indonesia Português Nederlands हिन्दी 日本の
  
  

   

كل منا يحب نفسه، يركز عليها، يبحث لها عن مكان تحت الشمس، هذا هو الأصل في النفس البشرية، كلما كانت لديك رغبة في الاهتمام بصدق بالآخرين كلما استطعت أن تحرز حبا حقيقيا لك في قلوبهم، يمكنك أن تتغلب على حبك لذاتك، أن تقاومه، أن تحب الناس بصدق، وأن تهتم بهم وتحب لهم ما تحبه لنفسك، كلما كانت لديك القدرة على هذا كلما اقتربت من النجاح، ومن حب الله أيضا، الحب هنا حسب النية، فإن كانت نيتك أن يحبوك لغرض تريده في الدنيا فقد تحقق هدفك، وقد لا تحققه أيضا، يعتمد هذا على براعتك في تطوير قدراتك وإقناعهم باهتمامك بهم، وقد يكون هدفا دينيا، لأن الله أمرنا بهذا، والرسول أيضا، فمن لم يهتم بأمر المسلمين فليس منهم، ولا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه،

 

 

 

هذا النوع من الحب أنت ناجح فيه لا محالة ان كانت نيتك تتجه نحوه، فالله سيكتب لك الأجر، وسيكون معك في تحقيق هدفك الدنيوي أيضا، الاثنان مترابطان في تلك الحالة، يعتمد فقط على النية، فان كانت نيتك صافية لوجه الله فلن تخسر، وان كانت عينك على الدنيا وتقول إنها لوجه الله فقد لا يتحقق الأمر كثيرا كما تعتقد، جاء رجل للنبي صلى الله عليه وسلم أثناء حصار المدينة، يطلب منه تناول الطعام معه بالبيت، وليصطحب معه اثنان أو أكثر من صحابته، هكذا أراد الرجل، ما حدث غير هذا، إذ نادي الرسول في الناس، كل الناس يطلب منهم تناول الطعام عند الرجل! أسرع الرجل إلى بيته مسرعا يقول لزوجته هلكنا! فكل المسلمين في الطريق إلى بيتنا لتناول الطعام، لم يكن لدى الرجل سوى شاة واحدة، كان قد ذبحها، وأعد بعضا من الثريد، ووعاء من اللبن، توافد الناس أفواجا، تناول الرسول الطعام قبل الأخرين، فكان يأكل من الوعاء أولا، ثم يمر على الناس فيأكلون، ويشرب من اللبن ويأكل من اللحم، ثم يمر على الناس من بعد الرسول، بركة الرسول كانت في الأوعية، شبع الناس، أكلوا وشربوا وعادت الأوعية مليئة بالطعام كما كانت، وأخذ الرجل ثواب اطعام كل تلك الأعداد.

 

 

 

 

 في كل مرة تكون نيتك خالصة لوجه الله قد يحدث قريبا من هذا الأمر، فالبركة للرسول كانت أكبر، لكنها موجودة على الأرض باقية لمن يخلص النية لله، فاذا كان حبك للناس صادقا لوجه الله فسوف تربح الدنيا والآخرة معا، ربح الصحابة والتابعين ومن بعدهم لأكثر من ألف عام، كانوا خلال تلك الفترة حكام الأرض وعلماؤها، فقد كان هدفهم هو الله، نشر دعوته ودينه، إقامة العدل في الأرض، أعطاهم الله الدنيا والآخرة، من عاش منهم عاش كريما، ومن مات فقد وقع أجره على الله ما بين شهيد وغيره: مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا ([1])، هؤلاء الناس الذين أقاموا الحضارة الإسلامية كانت لديهم رغبة حقيقية في الاهتمام بالناس، المسلمين لمساعدتهم والآخرين لإخراجهم من الكفر إلى نور الإيمان، لم يكن هدفهم الدنيا، فجاءت لهم الدنيا راكعة،

 

 

 

 

 

من تلك القصص قصة عبدالله بن حذافة السهمي، ترك الدنيا، خرج للجهاد فإما أن يخرج الناس من الكفر للإيمان وإما ينال الشهادة أو الأجر، لا هذا ولا ذاك حدث، وقع الشاب أسيرا في قبضة الروم، سأل الملك عن سر هؤلاء الشباب، عرف أنه الدين، هو ما صنع الفرق بين مسلمي الأمس و اليوم، أراد أن يختبر هذا الدين وقوته في نفوس أصحابه، إن كانت لديه القدرة على ابعادهم عنه، طلب أن يأتوه بشاب منهم، فأتوا بحذافة، عرض عليه نصف ملكه على أن يترك هذا الدين، فرفض! زاده بأن يزوجه ابنته، فرفض! أعادوه لسجنه والملك يتعجب لأمر هذا الشباب، أدخلوا عليه امرأة من أجمل نساءهم،عرضت جسدها عليه، وهو شاب، وحيد، سجين، في زنزانته! فمن يستطيع أن يرفض! خرجت من عنده تقول أأدخلتموني على حجر أم بشر؟! أتى به الملك طلب أن يرموه في زيت مغلى، فبكى حذافة، فرح الملك، تخيل أن الشاب ضعف أمام الموت، أنه يمكنه أخيرا أن يفتن المسلمين وأن لهم مخرجا لإخراجهم من الاسلام، واخرج الاسلام من صدورهم، سأله ما يبكيك، قال لأن لى نفسا واحدة فقط، تمنيت لو عندى أنفس بعدد شعر رأسي تخرج جميعها في سبيل الله! أجله الملك، أعجبه الشاب رغم اختلافه معه،

 قال له تقبل رأسي وأتركك، تقبيل رأس الملك من هذا الشاب أصبحت أمنية الملك، مخرج من الإحراج! ملك الروم، كان لديه نصف الكرة الأرضية تحت يده في سلطته وقبضته! أصبحت أمنيته أن يقبل هذا الشاب رأسه فيتركه! الشاب الذي ترك الدنيا كلها من أجل الله، كان حبه للمسلمين أكثر، حب حقيقي لا زيف فيه، حب صادق لا ينتظر الجزاء إلا من الله، فاوضه الشاب، قال عني وعن جميع أسرى المسلمين، هل تعتقد أن قبلة لجبين الملك تكون ثمنا لكل الأسرى، في زمن الصدق فان المعجزات تحدث، هذه معجزة، الله لا يتركك إذا تخلت عنك الأسباب، اذا كنت تحب الناس بصدق، فلن تنال فقط حب الناس لكن تخضع لك الدنيا أيضا،

 

 

  فقبل حذافة رأس ملك الروم في مقابل أن يفك أسر كل المسلمين المأسورين! إنه نموذج  فريد في الحب، لو كان العرض لي أو لك، لقبلت رأسه وخرجت فرحا، هو لم يفعل، هو أحب للناس ما أحبه لنفسه، استقبله عمر ابن الخطاب في المدينة فقبل رأسه، وقال حق على كل مسلم أن يقبل رأس حذافة! لم يكن حذافة هذا من صفوة المسلمين دينا وعلما ونسبا، بل لم نعرف عنه في حياته غير تلك القصة، كان رجلا عاديا، وهكذا كانت عادة المسلمين، يحبون لغيرهم ما يحبون لأنفسهم، فعلا لا قولا أيضا!

 

أحب الناس بصدق، كلما فعلت كلما نجحت، ليس في الدنيا فحسب، بل في الآخرة أيضا، اجعل هذا الحب صدقا يخرج من قلبك لقلوب الآخرين، للحب أن يبكيك إن شاء، ان كنت صادقا في حبك تمكن منك، تمكن من شغاف قلبك فسيطر عليك، فأصبحت ترى في حبيبك ما لا يراه الآخرون بعيونهم، هكذا أحب الصحابة النبي صلى الله عليه وسلم، غاب النبي صلى الله عليه وسلم طوال اليوم عن سيدنا ثوبان خادمه وحينما جاء قال له ثوبان: أوحشتني يا رسول الله وبكى، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: اهذا يبكيك ؟.  قال ثوبان: لا يا رسول الله ولكن تذكرت مكانك في الجنة ومكاني فذكرت الوحشة فنزل قول الله تعالى: وَمَن يُطِعِ اللّهَ وَالرَّسُولَ فَأُوْلَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللّهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاء وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا([2])، نموذج أخر من الحب بين النبي وأصحابه، قال النبي صلى الله عليه وسلم للجيش يوم أحد: استووا.. استقيموا. فينظر النبي فيرى سوادا (سواد بن عزيّة) لم ينضبط فقال النبي صلى الله عليه وسلم: استو يا سواد فقال سواد: نعم يا رسول الله ووقف ولكنه لم ينضبط، فجاء النبي صلى الله عليه وسلم بسواكه ونغز سوادا في بطنه قال: استو يا سواد، فقال سواد: أوجعتني يا رسول الله، وقد بعثك الله بالحق فأقدني !فكشف النبي عن بطنه الشريفة وقال: اقتص يا سواد. فانكب سواد على بطن النبي يقبلها .يقول: هذا ما أردت وقال: يا رسول الله أظن أن هذا اليوم يوم شهادة فأحببت أن يكون آخر العهد بك أن يمس جلدي جلدك.

 

كان النبي أيضا أكثر حبا لأصحابه، قال ابن اسحاق: عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما، قال: خرجتُ مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى غزوة ذات الرقاع من نخل على جمل لي ضعيف، فلمّا قَفَلَ رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: جعلتِ الرفاقُ تمضي، وجعلتُ أتخلّف، حتى أدركني رسولُ الله صلى الله عليه وسلم، فقال: مالَكَ يا جابر؟!، قال: قلتُ: يا رسول الله، أبطأ بي جملي هذا، قال: أنِخْهُ، قال: فأنخته، وأناخ رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ ثمّ قال: أعطني هذه العصا من يدك، أو اقطع لي عصا من شجرة، قال: ففعلتُ. قال: فأخذها رسول الله صلى الله عليه وسلم فنَخَسَه بها نَخساتٍ؛ ثم قال: اركبْ، فركبتُ، فخرج؛ والذي بعثه بالحقّ، يواهق ناقَتَهُ مواهقة ( يعارضها في المشي لسرعته/ وكانت ناقةُ رسول الله صلى الله عليه وسلم واسمها العَضْبَاءُ لا تُسْبَقُ أو لا تكادُ تُسْبٌق).

قال: وتحدّثتُ مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لي: أتبيعني جملك هذا يا جابر؟ قال: قلتُ يا رسول الله؛ بل أهبَه لك ( اُنْظُرْ حُسْن أدب الصحابة مع النبيّ صلى الله عليه وسلم )، قال: لا، ولكن؛ بِعْنيه؛ قال: قلتُ: فسُمْنيه يا رسول الله؛ قال: قد أخذْتُه بدرهم. قال: قلتُ: لا؛ إذن تغبِنَني يا رسول الله! قال: فبدرهمين؟ قال: قلتُ: لا. قال: فلم يزل يرفع لي رسول الله صلى الله عليه وسلم في ثمنه حتى بلغ الأوقيّة. قال: فقلتُ: أَفَقَدْ رضيتَ يا رسول الله؟! قال: نَعَمْ؛ قلتُ: فهو لك؛ قال: قدْ أخذْتُه.

قال: ثمّ قال: يا جابر؛ هل تزوّجتَ بعدُ؟ قال: قلتُ: نعم يا رسول الله؛ قال: أثَيِّبا أم بِكْرا؟ قال قلتُ: لا؛ بل ثيّبا. قال: أفلا جارية تُلاعبها وتلاعبك! قال: قلتُ: يا رسول الله، إنّ أبي أصيب يوم أُحُدٍ وترك بنات له سَبْعَا، فنَكَحْتُ امرأة جامعة؛ تجمع رؤوسهنّ وتقوم عليهنّ؛ قال: أصبتَ إن شاء الله. أما إنّا لو قدْ جِئنا صِرَارا ( موضع على ثلاثة أميال من المدينة ) أمَرْنا بجزور فنُحِرَت وأقمنا عليها يومنا ذاك، وسَمِعَتْ بنا فَنَفَضَتْ نمارِقَها ( جمع نمرقة: الوسادة الصغيرة ). قال: قلت: واللهِ يا رسول الله ما لنا من نمارق؛ قال: إنّها ستكون؛ فإذا أنت قَدِمْتَ فاعمل عملا كيّسا.

قال: فلمّا جئنا صرارا؛ أمَرَ رسول الله  صلى الله عليه وسلم بجزور فنُحِرَت، وأقمنا عليها ذلك اليوم. فلمّا أمسى رسول الله صلى الله عليه وسلم دخَلَ ودَخَلْنَا. قال: فحدّثتُ المرأةَ الحديثَ، وما قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ قالت: فدُونك؛ فسمع وطاعة. قال: فلمّا أصبحتُ أخذتُ برأس الجمل، فأقبلتُ به حتّى أنخته على باب رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ قال: ثمّ جلستُ في المسجد قريبا منه. قال: وخَرَجَ رسول الله صلى الله عليه وسلم، فرأى الجملَ، فقال: ما هذا؟! قالوا: يا رسول الله؛ هذا جملٌ جاء به جابر. قال: فأين جابر؟ قال: فدُعِيتُ له؛ قال: فقال: يا بن أخي؛ خُذْ برأس جملك، فهو لك. ودَعَا بلالا؛ فقال له: اذهب بجابر؛ فأعطه أوقيّة. قال: فذهبتُ معه؛ فأعطاني أوقيّة، وزادني شيئا يسيرا. قال: فوالله ما زال يَنْمِي عندي، ويُرى مكانه من بيتنا.

 

وعن أنس رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أحسن الناس خُلُقَا.

وعنه رضي الله عنه قال: إنْ كانَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم لَيُخالِطُنا؛ حتّى يقول لأخٍ لي صغيرٍ: يا أبا عُمَيْرٍ ما فَعَلَ النُغَيْرُ؟. ( النغير: طائر يشبه العصفور أحمر المنقار ).

وقوله صلى الله عليه وسلم: " يا أبا عمير ما فعل النغير " يُذكّره بموت نغير كان يلعب به، كما جرت به عادة الناس من المداعبة مع الأطفال الصغار.  

وعنه رضي الله عنه قال: كان رسول الله إذا صَلّى الغداة، جاء خَدَمُ المدينة بآنيتهم فيها الماء، فما يُؤْتَى بإناءٍ إلاّ غَمَسَ يَدَهُ فيها؛ فرُبَّما جاءوه في الغَدَاةِ الباردة، فيغْمِسُ يدَهُ فيها.

 

هذا هو النموذج للحب، لم أرى حبا أصدق مما قدمه رسول الله صلى الله عليه وسلم، من أجل النجاح في الحياة قدم الغربيون لنا نموذجا أخر، نموذج جيد بالفعل، يركزون فيه على الاهتمام بالطرف الأخر، الاهتمام بالناس، فهذا مهم لقيام علاقات ناجحة في الدنيا، أما النبي فقدم لنا النموذج الصحيح، محبة من القلب، حب خالص صافي، يمنحك النجاح في الدنيا، وحب الله، والجنة أيضا. أن تحب الناس، كل الناس، ليس من لديهم مصلحتك فقط أنما كل الناس، وليس حب اصطناعي ينتهى بانتهاء العمل، إنما حب صادق، صافي، خالص، يبتغى وجه الله وما عنده في الدار الآخرة، به تنال النجاح في الدنيا، وحب الله والآخرة وهو أحب وأفضل للمؤمن.

 

 

--------------------------------------------------------------------------------

[1] الأحزاب 23

[2] النساء 69




                      المقال السابق                       المقال التالى




Bookmark and Share


أضف تعليق