عربي English עברית Deutsch Italiano 中文 Español Français Русский Indonesia Português Nederlands हिन्दी 日本の
  
  

   

 الرسول الشباب

الشباب في حياة النبي طاقة جبارة استفاد النبي صلى الله عليه وسلم وأحسن توظيفها فعلا لا قولا، أصبحوا هم دعامة المجتمع و الأمة، وبناؤها، في بلادنا اليوم يمر سن الشباب وهم مغبونون، ضائعون، يتلمسون الطريق فلا يجدونه، الأكبر سنا يعتبرونهم ناقصي خبرة وربما عقل أيضا! يقولون بأن الشباب عماد الأمة وبناة المستقبل، لكنهم لا ينصفون لا قولا ولا فعلا.

 

أمن الرسول بالشباب وقدراتهم، فتح لهم صدره، احترم عقلهم وإرادتهم، عرض دعوته على الكثير من قبائل العرب في موسم الهجرة ولم يتوصل معهم لاتفاق، أما مع الشباب فقد كان الأمر مختلفا، فهموا النبي بينما لم يفهمه الناس، وصدقوه حينما كذبه الناس، دعموه بينما تخلى عنه الناس، الشباب إذن لهم عقليات مختلفة، ربما أكثر تفتحا منا نحن الكبار ذوي الخبرة والعقل، أو هكذا ندعى! لديهم قلوب غير قلوبنا، وسواعد ليست مثلنا، أمنوا به عندما قابلوه، صدقوه في رسالته، اغتنموا الفرصة فلم يضيعوها، نالهم الشرف في الدنيا، ورضا الله والجنة. فكانوا أصحاب النبي في زمنه، وبناة الحضارة الإسلامية من بعده.

 

حادثة جميلة أعجبتني، كانت البدايات المبكرة لقبول الشباب دعوة النبي، واستجابتهم له أكثر من الآخرين، يروي ابن كثير في كتابه الفصول من سيرة الرسول تلك القصة: ثم قدم مكة أبو الحيسر أنس ابن رافع في فتية من قومه، فدعاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الإسلام وقال إياس ابن معاذ منهم – وكان شابا حدث السن – يا قوم هذا والله خير مما جئنا به، فضربه أبو الحيسر وانتهره، فسكت، ثم لم يتم لهم الحلف، فانصرفوا إلى بلادهم في المدينة، فيقال إن إياس ابن معاذ مات مسلما. حدثت تلك القصة قبل بيعة العقبة الأولى، بطلها هو إياس ابن معاذ ذلك الشاب الصغير الذي وعى ما قاله النبي، وتفتح قلبه له، وتحدث مع قومه به، ولولا نهر كبيرهم له لتغيرت الأوضاع، و هو مغزى أخر عندما نقهر الشباب ونكتمهم، فكم ضيع هذا الرجل بنهره لإياس على نفسه وعلى الآخرين من خير ومجد! إنهم الشباب، أكثر فهما، وأرق قلبا، وأكثر إقبالا على الحياة والعمل والفكر الجديد.

 

الفرصة أتت للشباب لكي يتخذوا رأيهم بعيدا عن سلطة الشيوخ أثناء بيعة العقبة الأولى، نتيجة الحروب الدائمة والطاحنة بين الأوس والخزرج في المدينة فقد فنى أغلب كبار السن، لم يعد فيهم إلا الصغار في سن الشباب المبكر، وهم من قابلوا النبي في بيعة العقبة الأولى، يقول ابن كثير في كتاب السيرة النبوية: فبينا هو عند العقبة لقى رهطا من الخزرج أراد الله بهم خيرا.

فحدثني عاصم بن عمر بن قتادة عن أشياخ من قومه.
قالوا: لما لقيهم رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لهم: من أنتم ؟.
قالوا: نفر من الخزرج قال: أمن موالى يهود ؟ قالوا: نعم.
قال: أفلا تجلسون أكلمكم ؟.قالوا: بلى.فجلسوا معه فدعاهم إلى الله وعرض عليهم الإسلام، وتلا عليهم القرآن.قال: وكان مما صنع الله بهم في الإسلام أن يهود كانوا معهم في بلادهم، وكانوا أهل كتاب وعلم، وكانوا هم أهل شرك أصحاب أوثان، وكانوا قد غزوهم ببلادهم، فكانوا إذا كان بينهم شئ قالوا: إن نبيا مبعوث الآن قد أظل زمانه نتبعه، نقتلكم معه قتل عاد وإرم. فلما كلم رسول الله صلى الله عليه وسلم أولئك النفر ودعاهم إلى الله، قال بعضهم لبعض يا قوم تعلمون والله إنه النبي الذي توعدكم به يهود، فلا يسبقنكم إليه. فأجابوه فيما دعاهم إليه، بأن صدقوه وقبلوا منه ما عرض عليهم من الإسلام وقالوا إنا قد تركنا قومنا ولا قوم بينهم من العداوة والشر ما بينهم، وعسى أن يجمعهم الله بك، فسنقدم عليهم فندعوهم إلى أمرك ونعرض عليهم الذي أجبناك إليه من هذا الدين، فإن يجمعهم الله عليك فلا رجل أعز منك. ثم انصرفوا راجعين إلى بلادهم قد آمنوا وصدقوا. قال ابن إسحاق: وهم فيما ذكر لى ستة نفر كلهم من الخزرج، وهم: أبو أمامة
أسعد بن زرارة بن عدس بن عبيد بن ثعلبة بن غنم بن مالك بن النجار.
قال أبو نعيم: وقد قيل إنه أول من أسلم من الأنصار من الخزرج.
ومن الاوس: أبو الهيثم بن التيهان، وقيل إن أول من أسلم رافع بن مالك، ومعاذ ابن عفراء والله أعلم. وعوف بن الحارث بن رفاعة بن سواد بن مالك بن غنم بن مالك بن النجار، وهو ابن عفراء، النجاريان، ورافع بن مالك بن العجلان بن عمرو بن زريق الزرقى.
وقطبة بن عامر بن حديدة بن عمرو بن غنم بن سواد بن غنم بن كعب بن سلمة بن سعد بن على بن أسد بن ساردة بن يزيد  بن جشم بن الخزرج السلمى، ثم من بنى سواد، وعقبة بن عامر بن نابى بن زيد بن حرام بن كعب بن سلمة السلمى أيضا، ثم من بنى حرام.
وجابر بن عبدالله بن رئاب بن النعمان بن سنان بن عبيد بن عدى ابن غنم بن كعب بن سلمة السلمى أيضا، ثم من بنى عبيد رضى الله عنهم([1]).


أعجبني أيضا ما دار بينهم من حديث، شعرت فيه بعقليات ممتازة تحاور النبي، وتفهم منه، وتتجاوب معه وتتحاور، كما إنها تخطط، استمع إلى ما حدث كما جاء في كتاب السيرة النبوية لابن حبان: عن عبادة بن الصامت قال: كنا اثني عشر رجلاً في العقبة الأولى، فبايعنا رسول الله صلى الله عليه و سلم على بيعة النساء أن لا نشرك بالله شيئاً، و لا نسرق، و لا نزني، و لا نقتل أولادنا، و لا نأتي ببهتان نفتريه بين أيدينا و أرجلنا، و لا نعصيه في معروف، فمن وفي فله الجنة، و من غشي من ذلك شيئاً فأمره إلى الله، إن شاء عذبه و إن شاء غفر له.


قال أبو حاتم: فلما كان الموسم جعل النبي صلى الله عليه و سلم يتبع القبائل يدعوهم إلى الله، فاجتمع عنده بالليل اثنا عشر نقيباً من الأنصار فقالوا: يا رسول الله صلى الله عليه و سلم إنا نخاف إن جئتنا على حالك هذه أن لا يتهيأ لنا الذي نريد و لكن نبايعك الساعة و ميعادنا العام المقبل، فبايعهم النبي صلى الله عليه و سلم على أن لا يشركوا بالله شيئاً، و لا يسرقوا، و لا يزنوا، و لا يقتلوا أولادهم، و لا يأتوا ببهتان يفترونه بين أيديهم و أرجلهم، و لا يعصونه في معروف، فمن وفى فله الجنة، و من غشي من ذلك شيئاً فأمره إلى الله، إن شاء غفر له و إن شاء عذبه([2])

 

هل تتخيلون أعمار هؤلاء الشباب الذين بايعوا النبي؟ وخططوا لاستقباله بعد عام، وأعلنوا إسلامهم بتلك السرعة، ورجعوا إلى بلادهم فنشروا فيها لإسلام، هل تتخيلون كم كان أكبرهم سنا! كان سعد بن زرارة من بني النجار أكبر هؤلاء الشباب سنا، عمره في هذا الوقت 21 عاما، أما الباقون فهم دون ذلك السن، فهل تتخيل كم غير الشباب تاريخنا، وكما أثروا في مجريات التاريخ، وأفكار البشرية وحضارتها! أسمع واقرأ عن الشباب من الخطباء والكتاب فأعجب، إنهم يتحدثون عن توصيات للشباب،وتعليمات للشباب، وأشياء يجب أن يفعلها الشباب، يتكلمون وكأنهم أصحاب العقل، والخبرة، والفعل أيضا، وكأن الشباب مازالت صغارا بزغب يتلمسون طريقا، وينتظرون يدا تساعدهم وترشدهم، لم يقرءوا، ولم يستوعبوا، ولم يفهموا أيضا أن الشباب هم من أمن بالرسول عندما كفر الكبار، ونشروا الإسلام رغم محاربة الكبار، وحاربوا مع الرسول ضد الكبار، وكان زعيمهم سعد بن معاذ بالمدينة وعمره 30 عاما فقط! فأي منحدر نهبط، وأي مفاهيم نعتقد، لقد أمنت شركة مايكروسوفت بقدرات الشباب فجعلت كل الشركة منهم فأصبحت أكبر شركة في العالم، أتعجب أن عقلياتنا مازالت تقلل من شأنهم، تقلل من قدراتهم، تحط من إمكانياتهم، دعونا نتعلم من تجربة الرسول مع الشباب، فهم من أقاموا للإسلام دولة، ومن رفعوا له راية، ومن ثبتوا التوحيد على الأرض تمنيت من شيوخنا الأجلاء أن يفسحوا طريقا للشباب في قلب الأمة من جديد، واثق أنا من أننا سنرى على أيديهم عجبا! لماذا لا يكون الشاب وزيرا؟ أو خبيرا؟ أو مديرا؟

 

وهذا النبي يؤكد تجربته معهم، فيقول صلى الله عليه وسلم أوصيكم بالشباب خيراً. فإنهم أرق أفئدة، لقد بعثني الله بالحنيفية السمحة، فحالفني الشباب وخالفني الشيوخ

 

رجع الشباب إلى المدينة، اتفقوا مع النبي صلى الله عليه وسلم على اللقاء في العام المقبل، هم خططوا لهذا، عرضوا على النبي أن ينتقل لهم بعد عام، ليحاولوا خلال هذا العام تهيئة المدينة لاستقبال الرسول، يريدون أن يصل إليهم النبي وقد اعتنق أهل المدينة الإسلام، حكمة الشباب هى إذن، فوافق النبي، ورجع الشباب إلى المدينة، طلبوا من النبي أن يرسل معهم سفيرا، يعلمهم دينهم الجديد، ويعرضه على أهل المدينة أيضا، عامتها وسادتها، فأرسل إليهم النبي الكريم صلى الله عليه وسلم مصعب ابن عمير، شاب وسيم في عمر 28 سنة، كان له مع أهل المدينة قصة.

 

هى قصة من قصص الشباب، قصة مصعب مع الرسول، ومع الإسلام، ومع شباب المدينة، كلهم من الشباب، ربما لهذا اختاره النبي، هو يحمل صفات السفير، في اسلوبه، ومعرفته، وعمره الصغير، أقدر على مخاطبة شباب المدينة لأنه من نفس جيلهم، لديه الطاقة للعمل، والحماس للدين، والحب للنبي، اكتب عنه المزيد لأنه شاب، وهذا الكتاب للشباب، يقول خالد محمد خالد عنه ([3]): هوغرّة فتيان قريش, وأوفاهم جمالا, وشبابا..

يصف المؤرخون والرواة شبابه فيقولون: كان أعطر أهل مكة..

ولد في النعمة, وغذيّ بها, وشبّ تحت خمائلها.

ولعله لم يكن بين فتيان مكة من ظفر بتدليل أبويه بمثل ما ظفر به مصعب بن عمير..

ذلك الفتى الريّان, المدلل المنعّم, حديث حسان مكة, ولؤلؤة ندواتها ومجالسها, أيمكن أن يتحوّل إلى أسطورة من أساطير الإيمان والفداء..؟

بالله ما أروعه من نبأ.. نبأ مصعب بن عمير, أو مصعب الخير كما كان لقبه بين المسلمين.

انه واحد من أولئك الذين صاغهم الإسلام وربّاهم "محمد" عليه الصلاة والسلام..

ولكن أي واحد كان..؟

ان قصة حياته لشرف لبني الإنسان جميعا..

لقد سمع الفتى ذات يوم, ما بدأ أهل مكة يسمعونه من محمد الأمين صلى الله عليه وسلم..

"محمد" الذي يقول أن الله أرسله بشيرا ونذيرا. وداعيا الى عبادة الله الواحد الأحد.

  وآنئذ, اختاره الرسول لأعظم مهمة في حينها: أن يكون سفيره الى المدينة, يفقّه الأنصار الذين آمنوا وبايعوا الرسول عند العقبة, ويدخل غيرهم في دين الله, ويعدّ المدينة ليوم الهجرة العظيم..

كان في أصحاب رسول الله يومئذ من هم أكبر منه سنّا وأكثر جاها, وأقرب من الرسول.. ولكن الرسول اختار مصعب الخير, وهو يعلم  أنه يكل اليه بأخطر قضايا الساعة, ويلقي بين يديه مصير الإسلام في المدينة التي ستكون دار الهجرة, ومنطلق الدعوة والدعاة, والمبشرين والغزاة, بعد حين من الزمان قريب، وحمل مصعب الأمانة مستعينا بما أنعم الله عليه من رجاحة العقل وكريم الخلق, ولقد غزا أفئدة المدينة وأهلها بزهده وترفعه وإخلاصه, فدخلوا في دين الله أفواجا..

 

  لقد جاءها يوم بعثه الرسول إليها وليس فيها سوى اثني عشر مسلما هم الذين بايعوا النبي من قبل بيعة العقبة, ولكنه لم يكد يتم بينهم بضعة أشهر حتى استجابوا لله وللرسول..!!

وفي موسم الحج التالي لبيعة العقبة, كان مسلمو المدينة يرسلون إلى مكة للقاء الرسول وفدا يمثلهم وينوب عنهم.. وكان عدد أعضائه سبعين مؤمنا ومؤمنة.. جاءوا تحت قيادة معلمهم ومبعوث نبيهم إليهم "مصعب ابن عمير".

لقد أثبت "مصعب" بكياسته وحسن بلائه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم عرف كيف يختار..

فلقد فهم مصعب رسالته تماما ووقف عند حدودها.ز عرف أنه داعية الى الله تعالى, ومبشر بدينه الذي يدعوا الناس الى الهدى, والى صراط مستقيم. وأنه كرسوله الذي آمن به, ليس عليه الا البلاغ..

 

  هناك نهض في ضيافة "أسعد بن زرارة" يفشيان معا القبائل والبيوت والمجالس, تاليا على الناس ما كان معه من كتاب ربه, هاتفا بينهم في رفق عظيم بكلمة الله (انما الله اله واحد)..

ولقد تعرّض لبعض المواقف التي كان يمكن أن تودي به وبمن معه, لولا فطنة عقله, وعظمة روحه..

 

  ذات يوم فاجأه وهو يعظ الناس "أسيد بن خضير" سيد بني عبد الأشهل بالمدينة, فاجأه شاهرا حربته و يتوهج غضبا وحنقا على هذا الذي جاء يفتن قومه عن دينهم.. ويدعوهم لهجر آلهتهم, ويحدثهم عن اله واحد لم يعرفوه من قبل, ولم يألفوه من قبل..!

ان آلهتهم معهم رابضة في مجاثمها أو اذا احتاجها أحد عرف مكانها وولى وجهه ساعيا إليها, فتكشف ضرّه وتلبي دعاءه... هكذا يتصورون ويتوهمون..

  أما اله محمد الذي يدعوهم اليه باسمه هذا السفير الوافد إليهم, فما أحد يعرف مكانه, ولا أحد يستطيع أن يراه..!!

وما ان رأى المسلمون الذين كانوا يجالسون مصعبا مقدم أسيد ابن حضير متوشحا غضبه المتلظي, وثورته المتحفزة, حتى وجلوا.. ولكن مصعب الخير ظل ثابتا وديعا, متهللا..

وقف أسيد أمامه مهتاجا, وقال يخاطبه هو وأسعد بن زرارة:

"ما جاء بكما إلى حيّنا, تسهفان ضعفاءنا..؟ اعتزلانا, اذا كنتما لا تريدان الخروج من الحياة"..!!

وفي مثل هدوء البحر وقوته..

وفي مثل تهلل ضوء الفجر ووداعته.. انفرجت أسارير مصعب الخير وتحرّك بالحديث الطيب لسانه فقال:

"أولا تجلس فتستمع..؟! فان رضيت أمرنا قبلته.. وان كرهته كففنا عنك ما تكره".

الله أكبر. ما أروعها من بداية سيسعد بها الختام..!!

  كان أسيد رجلا أريبا عاقلا.. وها هو ذا يرى مصعبا يحتكم معه إلى ضميره, فيدعوه أن يسمع لا غير.. فان اقتنع, تركه لاقتناعه وان لم يقتنع ترك مصعب حيّهم وعشيرتهم, وتحول إلى حي آخر وعشيرة أخرى غير ضارّ ولا مضارّ..

هنالك أجابه أسيد قائلا: أنصفت.. وألقى حربته إلى الأرض وجلس يصغي..

ولم يكد مصعب يقرأ القرآن, ويفسر الدعوة التي جاء بها محمد بن عبدالله عليه الصلاة والسلام, حتى أخذت أسارير أسيد تبرق وتشرق.. وتتغير مع مواقع الكلم, وتكتسي بجماله..!!

ولم يكد مصعب يفرغ من حديثه حتى هتف به أسيد بن حضير وبمن معه قائلا:

"ما أحسن هذا القول وأصدقه.. كيف يصنع من يريد أن يدخل في هذا الدين"..؟؟

وأجابوه بتهليلة رجّت الأرض رجّا, ثم قال له مصعب:

"يطهر ثوبه وبدنه, ويشهد أن لا اله الا الله".

فغاب أسيد عنهم غير قليل ثم عاد يقطر الماء الطهور من شعر رأسه, ووقف يعلن أن لا اله الا الله, وأن محمدا رسول الله..

وسرى الخبر كالضوء.. وجاء سعد بن معاذ فأصغى لمصعب واقتنع, وأسلم ثم تلاه سعد بن عبادة, وتمت بإسلامهم النعمة, وأقبل أهل المدينة بعضهم على بعض يتساءلون: اذا كان أسيد بن حضير, وسعد ابن معاذ, وسعد بن عبادة قد أسلموا, ففيم تخلفنا..؟ هيا إلى مصعب, فلنؤمن معه, فإنهم يتحدثون أن الحق يخرج من بين ثناياه..!!

 

مات أسعد بن زراره بعد هجرة النبي بعام واحد..

مصعب بن عمير بعد هجرة النبي بعامين ..

سعد بن معاذ بعد هجرة النبي بثلاث سنوات ..

لقد أدوا رسالتهم العظيمة ومضوا إلى ربهم وإلى جنة يستحقونها .. يقول النبي صلى الله عليه وسلم ": مات سعد بن معاذ فاهتز لموته عرش الرحمن ".. ويقول النبي " صلى الله عليه وسلم": " جنازة سعد بن معاذ شهدها 70 ألف ملك ".. وشمر النبي عن ملابسه والمسجد خال فسألوه:  لما تفعل ذلك يا رسول الله؟

قال: والله إنه ممتلئ بالملائكة نزلت استأذنت ربها أن تصلي على سعد بن معاذ حباً وكرامة  له".

هل تتخيل سعد هذا ومكانته! تعجبت لها، لقد نال تلك المكانة وهو شاب، هل تدركون الأن دور الشباب! إنهم وقود هذه الأمة. عقلها المستنير، وساعدها القوي، وإيمانها الشامخ.

 

أنا أدرك لماذا جعل الله الشباب من السبعة الذين يظلهم في ظله يوم لا ظل إلا ظله، كما أخبرنا الحبيب محمد صلى الله عليه وسلم، فهى مرحلة الطاقة، مرحلة الوقود، مرحلة الانطلاق نحو الحياة، الإقبال على العمل والإنتاج والدراسة، انها مرحلة مميزة للغاية، أفضل مراحل الإنسان وأجملها وأنشطها.

 

استقبل الشباب الرسول في المدينة مهاجرا إليهم، وأقاموا معه دولة الإسلام، هى أول دولة تقوم على أساس ديني في التاريخ، وحاربوا معه، ضحوا بأنفسهم وأموالهم، وأولادهم، وأموالهم، وقفوا معه ضد جزيرة العرب وضد الإمبراطوريات الكبرى، مؤمنين به وبالاسلام، برسالة الله على نبيه، تحملوا المصاعب والمصائب، ثم حازوا الملك والمال، ودانت لهم الجزيرة ثم العالم، وأقاموا الحضارة الإسلامية التي وقفت تعلم العالم وتعرفه وتهديه وتقيم له دعائم الحق والخير وتحكمه بما أنزل الله وتحارب الشر والفساد والكفر، قصصهم مع النبي في المدينة كثيرة لا يتسع لها الكتاب. هم الشباب أروع من يمكنه أن يحمل رايتنا إن فقهنا.

--------------------------------------------

[1] ابن كثير، السيرة النبوية، 2/176

[2] ابن حبان، السيرة، ص 37

[3] خالد محمد خالد، رجال حول الرسول




                      المقال السابق                       المقال التالى




Bookmark and Share


أضف تعليق