حكم رسول الله في ثمن الكلب والسنور 2
فصل
الحكم السادس خبث كسب الحجام ويدخل فيه الفاصد والشارط وكل من يكون كسبه من إخراج ولا يدخل فيه الطبيب ولا الكحال ولا البيطار لا في لفظه ولا في معناه وصح عن أنه حكم بخبثه وأمر صاحبه أن يعلفه ناضحه أو رقيقه وصح عنه أنه احتجم الحجام أجره فأشكل الجمع بين هذين على كثير من الفقهاء وظنوا أن النهي عن كسبه منسوخ بإعطائه وممن سلك هذا المسلك الطحاوي فقال في احتجاجه للكوفيين في إباحة بيع الكلاب أثمانها لما أمر النبي بقتل الكلاب ثم قال ما لي وللكلاب ثم رخص في كلب وكلب الغنم وكان بيع الكلاب إذ ذاك والإنتفاع به حراما وكان قاتله مؤديا عليه في قتله ثم نسخ ذلك وأباح الإصطياد به فصار كسائر الجوارح في جواز بيعه ومثل ذلك نهيه عن الحجام وقال كسب الحجام خبيث ثم أعطى الحجام أجره وكان ذلك ناسخا لمنعه ونهيه انتهى كلامه وأسهل ما في هذه الطريقة أنها دعوى مجردة لا دليل عليها فلا تقبل كيف وفي الحديث ما يبطلها فإنه أمر بقتل الكلاب ثم قال ما بالهم وبال الكلاب ثم رخص لهم في الصيد وقال ابن عمر أمر رسول الله بقتل الكلاب إلا كلب الصيد أو كلب غنم أو ماشية
وقال عبدالله بن مغفل أمرنا رسول الله بقتل الكلاب ثم قال ما بالهم وبال الكلاب رخص في كلب الصيد وكلب الغنم والحديثان في الصحيح فدل على أن الرخصة في كلب وكلب الغنم وقعت بعد الأمر بقتل الكلاب فالكلب الذي أذن رسول الله في هو الذي حرم ثمنه وأخبر أنه خبيث دون الكلب الذي أمر بقتله فإن المأمور غير مستبقى حتى تحتاج الأمة إلى بيان حكم ثمنه ولم تجر العادة ببيعه وشرائه الكلب المأذون في اقتنائه فإن الحاجة داعية إلى بيان حكم ثمنه أولى من إلى بيان ما لم تجر عادتهم ببيعه بل قد أمروا بقتله ومما يبين هذا أنه ذكر الأربعة التي تبذل فيها الأموال عادة لحرص النفوس عليها ما تأخذه الزانية والكاهن والحجام وبائع الكلب فكيف يحمل هذا على كلب لم تجر ببيعه وتخرج منه الكلاب التي إنما العادة ببيعها هذا من الممتنع البين امتناعه وإذا تبين هذا ظهر فساد ما شبه به نسخ خبث أجرة الحجام بل دعوى النسخ فيها أبعد وأما إعطاء النبي الحجام أجره فلا يعارض قوله كسب الحجام خبيث فإنه لم يقل إن خبيث بل إعطاؤه إما واجب وإما مستحب وإما جائز ولكن هو خبيث بالنسبة إلى وخبثه بالنسبة إلى أكله فهو خبيث الكسب ولم يلزم من ذلك تحريمه فقد سمى الثوم والبصل خبيثين مع إباحة أكلهما ولا يلزم من إعطاء النبي الحجام حل أكله فضلا عن كون أكله طيبا فإنه قال إني لأعطي الرجل العطية يخرج بها نارا والنبي قد كان يعطي المؤلفة قلوبهم من مال الزكاة والفيء مع غناهم حاجتهم إليه ليبذلوا من الإسلام والطاعة ما يجب عليهم بذله بدون العطاء ولا لهم توقف بذله على الأخذ بل يجب عليهم المبادرة إلى بذله بلا عوض وهذا أصل معروف من أصول الشرع أن العقد والبذل قد يكون جائزا أو مستحبا أو واجبا أحد الطرفين مكروها أو محرما من الطرف الآخر فيجب على الباذل أن يبذل ويحرم على أن يأخذه وبالجملة فخبث أجر الحجام من جنس خبث أكل الثوم والبصل لكن هذا خبيث الرائحة وهذا لكسبه فإن قيل فما أطيب المكاسب وأحلها قيل هذا فيه ثلاثة أقوال للفقهاء أحدها أنه كسب التجارة
والثاني أنه عمل اليد في غير الصنائع الدنيئة كالحجامة ونحوها والثالث أنه الزراعة ولكل قول من هذه وجه من الترجيح أثرا ونظرا والراجح أن أحلها الذي جعل منه رزق رسول الله وهو كسب الغانمين وما أبيح لهم على لسان وهذا الكسب قد جاء في القرآن مدحه أكثر من غيره وأثني على أهله ما لم يثن غيرهم ولهذا اختاره الله لخير خلقه وخاتم أنبيائه ورسله حيث يقول بعثت بالسيف يدي الساعة حتى يعبد الله وحده لا شريك له وجعل رزقي تحت ظل رمحي وجعل الذلة على من خالف أمري وهو الرزق المأخوذ بعزة وشرف وقهر لأعداء الله وجعل أحب إلى الله فلا يقاومه كسب غيره والله أعلم
( ولا تكرهوا فتياتكم على البغاء إن أردن تحصنا ) النور 33 فكيف يجوز أن الإماء من نص أردن به قطعا ويحمل على غيرهن
المقال السابق
المقال التالى