اعلم أن الفواحش لا تقف عند حدٍ معين، بل لا يلبث أصحابها يستقرون على إتيانها ويطمئنون إليها، حتى يدفعهم الدافع إلى المجاهرة بها والتكلم عنها والتبجح بفعلها..
ثم لا يلبثون حتى يدْعون إليها ويريدون أن تشيع بين الناس وهي رغبةٌ ملحّة في نفوسهم، وخاصةً بين الذين آمنوا..
ثم لا يلبثون أن يقننوا شأنها ويبيحوا فعلها وينظموا إتيانها والدعوة إليها وتعليمها ونشْر ثقافتها وترتيب نواتجها ومعالجة آثارها كجزءٍ من حياة مجتمعٍ ونمط أمة!، مثل جمعيات الأبناء غير الشرعيين في أوروبا، وعلى غرارها عندنا من يدعون للأسرة المكونة من الأم فقط (single mother)، آملين أن يصلوا لإباحية أوروبا!!،
ثم لا يلبثون أن يورثوها لذرياتهم فيكبر الأبناء متشربين لقيم الانحراف يتربون عليه ويستعْلون به ويحتقرون الحق ويكرهون أهله..
ومع استقرار الأمور ينتقل حب الفاحشة عبر الجينات الموروثة، فتشاهد مناظر قذرة لأمهاتٍ وترى الصورة المصغرة تنمو أمامك لوليدها أو وليدتها تحملها على يدها أو يمشي بين يديها ترضعه الباطل وتسقيه إياه!.
إن تمكّن الباطل مصيبة، بل وجريمة، وكل لحظةٍ تمر على استمراره يخسر الناس فيها ويدفعون ثمنًا غاليًا من دينهم وضريبةً باهظةً من أبنائهم وأموالهم والأجيال القادمة، والثمن الأغلى يوم لقاء الله تعالى.
في مجتمعاتنا اليوم مقدمات مخيفة ومخُوفة في التبرج الفاحش الذي يملأ شوارعنا وما صحبه من دياثةٍ عجيبة للأزواج والآباء والمحارم، وما يترافق معه اليوم من الخطاب الإعلامي الهابط والذي يلحّ على الفاحشة وتعليمها ودعوة الناس للانحلال الخُلقي، مع إعطاء نجوميةٍ للفساق المعلنين بفجورهم ليكونوا قدوةً للناس وللأجيال، بينما أهل الحق مقموعون!.
إن وصول الباطل لحالة القدرة على توريث عقائده وأخلاقه هي حالة مؤذنة بالهلاك؛ فلم يدْع نوح بهلاك أمته إلا حينما رأى توريث الأخلاق الهابطة الفاجرة مع العقائد الشركية المنتكسة {إِنَّكَ إِن تَذَرْهُمْ يُضِلُّوا عِبَادَكَ وَلَا يَلِدُوا إِلَّا فَاجِرًا كَفَّارًا} [نوح: 27]، بل وقدّم عليه السلام توريث الفجور على توريث العقائد وإن كان كلاهما ينتقل عبر نُطف الآباء وأرحام الأمهات..
لهذا كان نوح يتتبع الباطل يحاربه ويقض مجالسه ويقتحم مجامعه {ثُمَّ إِنِّي دَعَوْتُهُمْ جِهَارًا ﴿٨﴾ ثُمَّ إِنِّي أَعْلَنتُ لَهُمْ وَأَسْرَرْتُ لَهُمْ إِسْرَارًا} [نوح: 8-9]، { مَّا لَكُمْ لَا تَرْجُونَ لِلَّـهِ وَقَارًا} [نوح: 13]، { أَلَمْ تَرَوْا كَيْفَ خَلَقَ اللَّـهُ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقًا} [نوح: 15] ، وهكذا ما يجب على دعاة هذا الدين في كل عصرٍ وكل جيل.
لقد تَتبعَ (عليه السلام) الباطل محاربًا له وآملاً أن يقضي عليه ليصحح مسار الحياة، قدر استطاعته، إنها الغيرة على الحق ـ عقيدةً وخُلقًا ـ في قلب كل داعية، والرغبة الحارّة في استنقاذ الخلق.
وإن عندنا بُشريات من نبينا أن دورةً أخرى للإسلام قادمة.. وتمكينا للإسلام مؤذنٌ بفَجرٍ قريب، وما بين واقعٍ مؤلم مفجع، وأملٍ مرجو، تتراوح القلوب وتتقلب على الجمر؛ فاللهم انج عبادك ولا تجعلهم طُعمةً للفاجرين..