عربي English עברית Deutsch Italiano 中文 Español Français Русский Indonesia Português Nederlands हिन्दी 日本の
  
  

تحت قسم أعمال القلوب
الكاتب خالد سعد النجار
تاريخ الاضافة 2016-06-23 10:04:30
المشاهدات 636
أرسل الى صديق اطبع حمل المقال بصيغة وورد ساهم فى دعم الموقع Bookmark and Share

   

بسم الله الرحمن الرحيم

عن أبي أمامة -رضي الله عنه- قال -صلى الله عليه وسلم-: «الصيام جنة، وهو حصن من حصون المؤمن، وكل عمل لصاحبه، إلا الصيام، يقول الله: الصيام لي و أنا أجزي به» (1)

الصوم عبادة السادات، وعبادة السادات سادات العبادات، وأحلى أعطيات الصوم وأغلى معانيه «الإخلاص»، والإخلاص تجرد وخلاص، والصوم هو العبادة الوحيدة التي خصت بالنسبة إلى الله تعالى: «الصيام لي وأنا أجزي به».

  • الصيام جٌنة

الجُنة بضم الجيم: كل ما ستر ومنه (المجن) وهو الترس، وإنما كان الصوم جنة لأنه إمساك عن الشهوات، والنار محفوفة بالشهوات. قال ابن الأثير في النهاية: معنى كونه جنة، أي: يقي صاحبه ما يؤذيه من الشهوات (2)
وقال المناوي: (الصيام جنة) أي سترة بين الصائم وبين النار، أو حجاب بين الصائم وبين شهوته، لأنه يكسر الشهوة ويضعف القوة.

وقال أيضا: (الصيام جنة) أي ترس يدفع المعاصي أو النار عن الصائم، كما يدفع الترس السهم. (3)

وقال أيضا: (الصوم جنة) وقاية في الدنيا من المعاصي بكسر الشهوة وحفظ الجوارح، وفي الآخرة من النار لأنه يقمع الهوى ويردع الشهوات التي هي من أسلحة الشيطان، فإن الشبع مجلبة للآثام منقصة للإيمان، ولهذا قال عليه الصلاة والسلام: «ما ملأ آدمي وعاء شراً من بطنه»(4) فإذا ملأ بطنه انتكست بصيرته وتشوشت فكرته وغلب عليه الكسل والنعاس فيمنعه عن وظائف العبادات، وقويت قوى البدن وكثرت المواد والفضول فينبعث غضبه وشهوته وتشتد مشقته لدفع ما زاد على ما يحتاجه بدنه فيوقعه ذلك في المحارم، قال بعض الأعلام: صوم العوام عن المفطرات، وصوم الخواص عن الغفلات، وصوم العوام جنة عن الإحراق، وصوم الخواص جنة لقلوبهم عن الحجب والافتراق.

وقال صلى الله عليه وسلم: «الصوم جنة من عذاب الله»(5) فليس للنار عليه سبيل كما لا سبيل لها على مواضع الوضوء، لأن الصوم يغمر البدن كله فهو جنة لجميعه برحمة اللّه من النار . وقال ابن عبد: حسبك بهذا فضلا للصائم (6)

وقال القاري: الصوم ثالث أركان الإسلام، شرعه سبحانه لفوائد أعظمها كونه موجب لشيئين أحدهما ناشئ عن الآخر: سكون النفس الأمارة وكسر شهوتها في الفضول المتعلقة بجميع الجوارح من العين واللسان والأذن والفرج فإن به تضعف حركتها في محسوساتها، ولذا قيل: "إذا جاعت النفس شبعت جميع الأعضاء وإذا شبعت جاعت كلها"، والناشئ عن هذا صفاء القلب عن الكدر، فإن الموجب لكدوراته فضول اللسان والعين وباقيهما، وبصفائه تناط المصالح والدرجات. (7)

وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال-صلى الله عليه وسلم-: «الصيام جنة، وحصن حصين من النار»(8)‌ قال المحقق أبو زرعة: من هذا الخبر أخذ جمع أن الصوم أفضل العبادات البدنية مطلقاً، لكن ذهب الشافعي إلى أن أفضلها الصلاة. (9)

وعن جابر -رضي الله عنه- قال -صلى الله عليه وسلم-: «قال الله تعالى: الصيام جنة يستجن بها العبد من النار، وهو لي، وأنا أجزي به» (10) ‌قال المناوي: «...وأنا أجزي به» صاحبه بأن أضاعف له الجزاء بلا حساب، لأن فيه الإعراض عن لذات الدنيا والنفس وحظوظها، ومن أعرض عنها ابتغاء وجه اللّه لم يجعل بينه وبينه حجاب. واعلم أن الصوم من أخص أوصاف الربوبية إذ لا يتصف به على الكمال إلا اللّه تعالى، فإنه يطعم ولا يطعم، فإضافته إلى نفسه بقوله «.. وأنا أجزي به» لكونه لا يتصف به أحد على الحقيقة إلا هو، لأنه الغني عن الأكل أبد الآبدين، ومن سواه لا بد له منه، وقد دعا الباري إلى الاتصاف بأوصافه وتعبدهم بها بعد الطاقة، والصوم من أخصها، وأصعب الأشياء على النفوس لكونه خلاف ما جبلوا عليه، لما أن وجودهم لا يقوم إلا بمادّة بخلاف الغنى عن كل شيء. (11)

  • الصيام حصن من حصون المؤمن

فالصوم رقة للقلب، وصيانة للجوارح، والصوم قطع لأسباب التعبد لغير الله تعالى، وهو شعار الأبرار كما صح عن رسولنا -صلى الله عليه وسلم- أنه كان يدعو ويقول: «جعل الله عليكم صلاة قوم أبرار، يقومون الليل ويصومون النهار، ليسوا بأثمة ولا فجار» (12)

قال ابن القيم رحمة الله تعالى عليه: ومن عقوبة المعاصي ما يلقيه الله سبحانه من الرعب والخوف في قلب العاصي، فلا تراه إلا خائفا مرعوبا، فإن الطاعة حصن الله الأعظم الذي من دخله كان من الآمنين من عقوبات الدنيا والآخرة، ومن خرج عنه أحاطت به المخاوف من كل جانب، فمن أطاع الله انقلبت المخاوف في حقه أمانا، ومن عصاه انقلبت مأمنه مخاوف، فلا تجد العاصي إلا وقلبه كأنه بين جناحي طائر، إن حركت الريح الباب قال: «جاء الطلب» وإن سمع وقع قدم خاف أن يكون نذيرا بالعطب، يحسب كل صيحة عليه، وكل مكروه قاصد إليه، فمن خاف الله آمنه من كل شيء، ومن لم يخف الله أخافه من كل شيء. (13)

وقال أيضا: الطاعة حصن الرب تبارك وتعالى الذي من دخله كان من الآمنين، فإذا فارق الحصن اجترئ عليه قطاع الطريق وغيرهم، وعلى حسب اجترائه على معاصي الله يكون اجتراء هذه الآفات والنفوس عليه، وليس شيء يرد عنه، فإن ذكر الله وطاعته والصدقة وإرشاد الجاهل والأمر بالمعروف والنهى عن المنكر وقاية ترد عن العبد، بمنزلة القوة التي ترد المرض وتقاومه، فإذا سقطت القوة غلب وارد المرض وكان الهلاك، ولا بد للعبد من شيء يرد عنه فإن موجب السيئات والحسنات يتدافع ويكون الحكم للغالب كما تقدم، وكلما قوى جانب الحسنات كان الرد أقوي (14)

  • الصيام لي

وفي رواية: «يترك طعامه وشرابه وشهوته من أجلي، الصيام لي وأنا أجزي به … » (15) فإضافة الصوم لله تعالى تشريفا لقدره وتعريفا بعظيم فخره، قال ابن عبد البر: كفى بقوله: (الصوم لي) فضلا للصيام على سائر العبادات (16)

فقوله تعالى في الحديث القدسي: «الصيام لي وأنا أجزي به» مع أن الأعمال كلها له وهو الذي يجزي بها، لأن الصوم لا يقع فيه الرياء كما يقع في غيرها، فإن حال الممسك شبعا مثل حال الممسك تقربا في الصورة الظاهرة. قال أبو عبيدة: إنما خص الصيام لأنه ليس يظهر من ابن آدم فعله، وإنما هو شيء في القلب، وذلك لأن الأعمال لا تكون إلا بالحركات، إلا الصوم فإنما هو بالنية التي تخفى على الناس.

وقال القرطبي: لما كانت الأعمال يدخلها الرياء والصوم لا يطلع عليه بمجرد فعله إلا الله فأضافه الله إلى نفسه، ولهذا قال في الحديث: «يدع شهوته من أجلي» (17).

وقال ابن الجوزي: جميع العبادات تظهر بفعلها، وقل أن يسلم ما يظهر من شوب بخلاف الصوم.

ومعنى: (لا رياء في الصوم) أنه لا يدخله الرياء بفعله، وإن كان قد يدخله الرياء بالقول، كمن يصوم ثم يخبر بأنه صائم، فقد يدخله الرياء من هذه الحيثية، فدخول الرياء في الصوم إنما يقع من جهة الإخبار بخلاف بقية الأعمال فإن الرياء قد يدخلها بمجرد فعلها ] (18)

وقال المناوي: والموجب لاختصاص الصوم بهذا الفضل أمران أحدهما :أن جميع العبادة مما يطلع عليه العباد والصوم سر بينه وبين اللّه يفعله خالصاً لوجهه ويعامله به طالما لرضاه، الثاني: أن جميع الحسنات راجعة إلى صرف المال فيما فيه رضاه، والصوم يتضمن كسر النفس وتعريض البدن للنقص والتحول مع ما فيه من الصبر على مضض الجوع وحرقة العطش، فبينه وبينهما أمد بعيد لفراغه بغير قاطع أو لخلوصه للّه  (19)

  • و أنا أجزي به

قال ابن حجر في الفتح :  «… وأنا أجزي به» أي أني أنفرد بعلم مقدار ثوابه وتضعيف حسناته، وأما غيره من العبادات فقد اطلع عليها بعض الناس. وقال القرطبي: معناه أن الأعمال قد كشفت مقادير ثوابها للناس وأنها تضاعف من عشرة إلى سبعمائة إلى ما شاء الله، إلا الصيام فإن الله يثيب عليه بغير تقدير. ويشهد لهذا السياق الرواية الأخرى يعنى رواية الموطأ، وكذلك رواية الأعمش عن أبى صالح حيث قال: «كل عمل ابن آدم يضاعف الحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف إلى ما شاء الله - قال الله - إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزى به» أي أجازى عليه جزاء كثيرا من غير تعيين لمقداره، وهذا كقوله تعالى: {إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ} [الزمر: 10] انتهى.

والصابرون الصائمون في أكثر الأقوال. قلت: وسبق إلى هذا أبو عبيد في غريبه فقال: بلغني عن ابن عيينة أنه قال ذلك، واستدل له بأن الصوم هو الصبر لأن الصائم يصبر نفسه عن الشهوات، وقد قال الله تعالى: {إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب} (20)

وقال المناوي: (وأنا أجزي به) إشارة إلى عظم الجزاء عليه وكثرة الثواب، لأن الكريم إذا أخبر بأنه يعطي العطاء بلا واسطة اقتضى سرعة العطاء وشرفه، قال القاضي: ثواب الصائم لا يقدر قدره ولا يقدر على إحصائه إلا اللّه، فلذلك يتولى جزاءه بنفسه ولا يكله إلى ملائكته (21)
==============
الهوامش والمصادر

(1) ‌رواه الطبراني  في المعجم الكبير برقم 7608، والهيثمي في مجمع الزوائد ج: 3 ص: 180  (حسن) حديث رقم: 3881 في صحيح الجامع.السيوطي / الألباني

(2) النهاية في غريب الحديث/ابن الأثير 3/586 ‌

(3) ( صحيح ) حديث 3865 في صحيح الجامع  

(4) ( صحيح ) حديث 5674 في صحيح الجامع

(5) ( صحيح ) حديث 3866 في صحيح الجامع

(6) فيض القدير للمناوي في مواضع متعددة 2/458، 2/558، 3/256

(7) مرقاة المفاتيح / القاري 4/229

(8) رواه أحمد (حسن) حديث 3880 في صحيح الجامع

(9) فيض القدير للمناوي 2/586

(10) (حسن) انظر حديث رقم: 4308 في صحيح الجامع

(11) فيض القدير 1/588

(12) رواه عبد بن حميد والضياء عن أنس ( صحيح ) حديث 3097 في صحيح الجامع  

(13) الجواب الكافي / ابن القيم ج:1 ص:50 (14) المصدر السابق

(15) ( صحيح ) حديث 3877 في صحيح الجامع

(16) سنن البيهقي 5/586

(17) ( صحيح )  انظر حديث رقم : 4538 في صحيح الجامع

(18) نداء الريان في فقه الصوم وفضل رمضان  د/ سيد العفاني ج1 ص 30

(19) فيض القدير 2/586

(20) فتح الباري ج4 / 130

(21)  فيض القدير / المناوي 4/251




                      المقال السابق                       المقال التالى




Bookmark and Share


أضف تعليق