عربي English עברית Deutsch Italiano 中文 Español Français Русский Indonesia Português Nederlands हिन्दी 日本の
  
  

تحت قسم أعمال القلوب
الكاتب شيماء علي جمال الدين
تاريخ الاضافة 2015-11-28 21:53:42
المشاهدات 920
أرسل الى صديق اطبع حمل المقال بصيغة وورد ساهم فى دعم الموقع Bookmark and Share

   

من منّا أحب شخصًا ما حتى أدمن محبّته؟
ومن منّا لاقى الجُحود والإعراض يومًا من شخصٍ أحبَّه؟
كلنا قد تمزق قلبه في مرحلة مف في حياته بمشاعرٍ كتلك، وهناك من أَلِفها حتى استعذبها فصار قلبه مُهدر القوى مُرهق العاطفة، وقد يهلك الجسد في الركض وراء القلب الذي سار طواعية في طريق لا يزيده إلّا بُعدًا عن الله، وقد كان دواؤه وشفاؤه أقرب إليه من حبلِ الوريد.
يقول الحق سبحانه وتعالى:
{قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّىٰ يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ ۗ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ} [التوبة:24].

وعن أبي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: «إِنَّ اللَّهَ يَغَارُ وَغَيْرَةُ اللَّهِ أَنْ يَأْتِيَ الْمُؤْمِنُ مَا حَرَّمَ اللَّهُ» (رواه البخاري ومسلم).

إنّ الحق سُبحانه يَغار، يقول شيخ الإسلام ابن تيميه –رحمه الله وطيّب ثراه-: وغيْرة الله أن يأتي العبد ما حرم عليه ، وغيْرته أن يزني عبدُه أو تزني أمَتُه.
الغيْرة التي وصف الله بها نفسه: إمَّا خاصة وهو أن يأتي المؤمن ما حرَّم عليه ، وإما عامة وهي غيرته من الفواحش ما ظهر منها وما بطن". انتهى من "الاستقامة" (2 /9 –11).

وقد قال ابن القيم – تلميذ شيخ الإسلام رحمهما الله -: "الغيرة تتضمن البغض والكراهة، فأخبر أنه لا أحدَ أغير منه ، وأن من غيْرته حرَّم الفواحش، ولا أحد أحب إليه المِدْحة منه، والغيْرة عند المعطلة النفاة من الكيفيات النفسية، كالحياء والفرح والغضب والسخط والمقت والكراهية؛ فيستحيل وصفه عندهم بذلك، ومعلوم أن هذه الصفات من صفات الكمال المحمودة عقلاً وشرعاً وعرفاً وفطرةً، وأضدادها مذمومة عقلاً وشرعاً وعرفاً وفطرةً؛ فإن الذي لا يغار بل تستوي عنده الفاحشة وتركها: مذموم غاية الذم مستحق للذم القبيح". انتهى من "الصواعق المرسلة" (4 / 1497) .

لكن المعلوم بالضرورة أن غيرة الخالق الحق سبحانه وتعالى ليست كغيرة المخلوق، فهي غيرة تليق بجلال وجهه وعظيم سُلطانه لا يُعلم لها كيفيةً ولا تشبيه .ليس كمثله شيء سبحانه جلّ في عُلاه.

يقول الإمام الشافعي رحمه الله: "كلما تعلقت بـ شخص تعلقاً أذاقكْ الله مرّ التعلق،لتعلم أن الله يغار على قلب تعلق بغيره، فيصدٌك عن ذاك لـ يرٌدك إليه".

والتعلّق بغير الله دَرَجات، أشدها تجرُءً على الله؛ التعلّق بشي مُحرّم، ويلي ذلك تعلّق القلب بما أحلّه الله؛ لكنه تَعلُّق يشغلُ القلب بالنعم عن المُنعِمُ؛ المُتفضِّل علينا بها، فتكون فتنة تَزيغُ بها القلوب وتَلتَهي بها النفس عن أداء حق النعمة مِن شُكر وتعظيم للخالق الكريم الرزَّاق سُبحانه وتعالى.

قد يكون التعلّق بزوج، ولد، صديق، أو أي أحد؛ حتى يصبح رضا من نُحب مُقدم على رضا الله عزّ وجلّ.
وَيحدث أن يردنا الله إلينا ردًا جميلًا فيصرف عنّا محبة من نُحب، فيتغيّرون، ويُعرضون، لِترجِع إليك روحك التائهة في حبٍ زاد عن الحد.. فلا تعجب حينها، إنمّا هي رحمة الله بك؛ وهو الغنّي سبحانه عنك وعن محبتك.
يقول ابن الجوزي -رحمه الله- في كتابه النفيس (صيد الخاطر): "تأملت فإذا الله سبحانه يغار على قلب المؤمن أن يجعل له شيئا يأنس به، فهو يكدر عليه الدنيا وأهلها ليكون أنسه بالله وحده".

إليك أخي في الله أقول: استحضر غَيرة الحق سُبحانه وتعالى على قلبك وأنت تُحب صديقك وولدك وزوجك، فإن أحببت فلله ولا تنشغل بمن تُحب عن حُبِ الخَالق، فكأنّك بذلك تضمن دوام الحب بالله ، فما كان لله دام واتصل وما كان لغيره انقطع وانفصل.

وإليكِ أخيتي الحبيبة أقول: استحضري غَيرة من لا معبود بحق إلّا هو تعالى جدّه، فاجعليه سُبحانه في قلبك؛ نُصب عينيك، واجعلي حُبك لزوجك ووالديك وصاحبتك وولدك؛ خالصًا لوجهه جلّ في علاه، والله سيكون الحُب حينها له مذاقٌ آخر يُعرفُ به أن ما دونه لم يكن حبًا أبدًا.

وهنا مقام ذكر قولة الحبيب المصطفى صلوات ربي عليه وسلامه؛ أحب الخلق إلى قلوبنا، نفديه صلى الله عليه وسلم بكل حُب؛ وذلك عندما قال عن أم المؤمنين خديجة رضي الله عنها وأرضاها: «إِنِّي قَدْ رُزِقْتُ حُبَّهَا» (رواه مسلم).عَلَّمَهُ رَبُه أن الحُب رِزق من الله ولله، فكان حبًا لا مثيل له بين المُحبين، ودرسًا نعرف به صفات الحُب الذي يحيا به القلب ولا يشقى، ويُنعِم به الرب ويرضى.

«اللَّهُمَّ ارزُقني حُبَّكَ، وحُبَّ مَنْ يَنْفَعُني حُبُّهُ عندَك، اللَّهُمَّ مَا رَزَقْتَني مِمَّا أُحِبُّ فَاجْعَلْهُ قُوَّةً لِي فِيمَا تُحِبُّ، اللَّهُمَ مَا زَوَيْتَ عَنِّي مِمَّا أُحِبُّ فَاجْعَلْهُ فَرَاغاً لِي فِيمَا تُحِبُّ». (أخرجه الترمذي كتاب الدعوات، باب ما جاء في عقد التسبيح باليد،، برقم 3491، وحسنه). والحمد لله رب العالمين.




                      المقال السابق                       المقال التالى




Bookmark and Share


أضف تعليق