بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى آله وصحبه أجمعين.
إنها الصدقة، من أحب الأعمال إلى الله الكريم، ومن أجلِّ العبادات التي أمر الله سبحانه بالسعي لها، ومن أعظم القربات التي بيَّن الرسول صلى الله عليه وسلم أجرها.
قال الله تعالى: {قُلْ إِنَّ رَبِّي يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَهُ وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ} [سبأ:39].
عن عقبةَ بن عامر رضي الله تعالى عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «كلُّ امرئٍ في ظل صدقتِه حتى يُقضَى بين الناس» (صححه الألباني)؛ فالصدقةُ لها عواقبُ عظيمة في الدنيا والآخرة، وهي سببٌ للبركة في المال والصحة والأهل، وتجنُّب الكربات والمصائب، وسبب للأجر الكبير يوم القيامة، وهي مِن دلائل الصدق والإخلاص واليقين.
المسلم يسعى للصدقة يوميًّا؛ لكي يكون له نصيبٌ عظيم من دعاء مَلَك من الملائكة الكرام عليهم الصلاة والسلام؛ فالله جلَّ جلاله أمَره بالدعاء لمن ينفق في سبيل الله سبحانه كل يوم؛ ففي الصحيحين (البخاري ومسلم) عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «ما مِن يومٍ يصبحُ العبادُ فيه، إلا ملَكان ينزلانِ، فيقول أحدُهما: اللهم أعطِ مُنفِقًا خلَفًا، ويقول الآخرُ: اللهم أعطِ مُمسكًا تلَفًا».
فالبُشرى لِمن كان التصدُّق منهجًا في حياته، والفلاح لمن كانت الصدقة أحبَّ إليه مِن مال يكتنزه، ويمكن التصدق يوميًّا ولو بالقليل، واللهُ تعالى كريم العطاء، يداه مبسوطتانِ، يضاعف الحسنة، ويعفو عن كثير، وفيما يلي بعضُ الأفكار التي يمكن محاكاتها؛ للإكثار من الصدقات.
أفكارٌ ذهبيَّة للصَّدقات:
♦ شراءُ مجموعة من الأسوكة لا يُكلِّف المسلم مبلغًا كبيرًا، فيمكن بعشرين جنيهًا، أو عشرين ريالًا، أو غير ذلك من العملات، إهداء هذه المجموعة من الأسوكة لعدد من المسلمين، من الجيران، وزملاء العمل، ومَن عرَفته ومَن لم تعرفه من المسلمين، وليتذكر المسلم فضل هذه الصدقة بأن كل مرة يتم فيها استعمال السواك لمن استعمله يكون في ميزان الحسنات والقُربات لله تعالى؛ فعن أمِّ المؤمنين عائشة رضي الله تعالى عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «السِّواكُ مَطهرةٌ للفمِ، مرضاةٌ للربِّ» (سنن النسائي، برقم: [5/ 1]، وصححه الألباني).
وفي هذا إحياءٌ لسنَّة عظيمةٍ هجَرها الكثيرون، وهي سنَّة كان يواظب عليها الرسول صلى الله عليه وسلم؛ فالبُشرى لمن أسرع وبادر، وبالأخص للأهل، ولِمَن لنا بهم صلة رحم.
♦ شراء مجموعة من الأحذية لدخول دورات المياه بها في المساجد، وفي هذا أجر عظيم؛ فتيسير وسيلة لدخولِ دوراتِ المياه بمثابة تفريج كربة عن المسلم، وهي قضاء الحاجة، وبها يضمن المسلم - بفضل الله الحليم - تفريجَ كرب من كربات يوم القيامة؛ فعن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مَن نفَّس عن مسلمٍ كُربةً مِن كُربِ الدُّنيا، نفَّس الله عنه كربةً مِن كُرَبِ يومِ القيامةِ» (الترمذي وصححه الألباني)، وبهذه الصدقةِ يكون سببًا في صلاة المسلم؛ فهو ساهم في تيسير سبب للطهارة والوضوء، فينال - بفضل الله تعالى - أجرًا كبيرًا مع كل مسلم يستخدم هذه الأحذية، التي لا تكلِّف المسلم مبلغًا كبيرًا.
♦ التصدُّق بشكل فردي أو جماعي، بالتعاون مع أهل الخير لتوفير وسيلة لشرب الماء، وهي صدقة عظيمة، وتفريج لكربة الاحتياج للشرب، وخاصة في أيام الحرِّ الشديد؛ فعن سعد بن عبادة رضي الله تعالى عنه، قال: سُئل النبي صلى الله عليه وسلم: أيُّ الصَّدقة أفضلُ؟ قال: «سَقْيُ الماءِ» (النسائي: [3664]) وحسنه الألباني.
ويمكن عملُ سقي الماء بأكثرَ مِن طريقة، ويتم توفير السبل لذلك بداخل المساجد، أو في الطرق التي لا تتوافر فيها وسيلةٌ لشُرب الماء، أو غير ذلك، والتعاون مع المسلمين في هذا الأمر يسهِّل الأمر، فيمكن لمجموعة مِن المسلمين أن يشتركوا في هذه الصدقة، والدالُّ على الخيرِ كفاعلِه.
♦ شراءُ بعض مستلزمات المساجد، التي تكفُلُ راحة للمصلين؛ قال الله تعالى: {إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلَّا اللَّهَ فَعَسَى أُولَئِكَ أَنْ يَكُونُوا مِنَ الْمُهْتَدِينَ} [التوبة:18]، وذلك مثل شراء المراوح للتهوية، والسجاجيد، وهي مشاركة قيمة في تهيئة أسباب الصلاة، وشراء الأجهزء الخاصة لتهيئة الأذان للمؤذنين، وفي هذا الأمر دلالةٌ للمصلِّين على الصلاة.
♦ إهداء مجموعة من المصاحف للمسلمين، وفي هذا أجرٌ عظيم كبير لِمَن أدرَكه وسارع إلى تفعيله، ولنعتبر مِن نصيحة سيد المرسَلين سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم؛ فعن عبدالله بن مسعودٍ رضي الله تعالى عنه، قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: ((مَن قرأَ حرفًا من كتابِ الله، فله به حسنةٌ، والحسنةُ بعشرِ أمثالِها، لا أقولُ: «آلم حرفٌ، ولكن ألِفٌ حرفٌ، ولامٌ حرف، وميمٌ حرفٌ» (سنن الترمذي، برقم: [2910]، وصححه الألباني).
والحرف المقصودُ في الحديث الشريف هو الكلمة، وليس الحرف الهجائي، كما بيَّن الشيخ عبدالعزيز الطريفي حفظه الله تعالى، ومَن ساهم في إهداء المصاحف ينال أجر كل ما يقرأ في كتاب الله الكريم بفضل الله العظيم؛ فالدالُّ على الخير كفاعله، وفي قراءة سورة الفاتحة ما يقارب 29 كلمة، ويترتَّب على قراءتها 290 حسنة، وفي قراءة سورة البقرة ما يقارب 6144 كلمة، ويترتَّب على قراءتها 61440 حسنة، وفي قراءة سورة الناس ما يقارب 20 كلمة، ويترتَّب على قراءتها 200 حسنة، وفي قراءة سورة الفلق ما يقارب 23 كلمة، ويترتَّب على قراءتها 230 حسنة، وفي قراءة سورة الإخلاص ما يقارب 15 كلمة، ويترتَّب على قراءتها 150 حسنة، فيمكن إهداء المصاحف لمراكز تعليم القرآن الكريم، والبحث عن هذه المراكز والمساجد، والإهداء الشخصي للمعارف والأقارب، وفيه أجر عظيم لمن كان مِن أرباب التجارة الرابحة.
♦ في طريقنا للعمل يمكن تجهيز وشراء بعض العصائر، لتقديمها لبعض عمال النظافة في الشارع، وبعض الفقراء والمساكين، وذلك بمنتهى الأدب والحب والود، ونحن في حاجة للصدقة أكثر من غيرنا.
♦ فلنقُمْ بشراء مجموعة من أكياس التمر، أو الفواكه، أو غير ذلك، وتقديمها لجيراننا، وفي هذا قُربةٌ وعبادة عظيمة؛ لإشاعة الحب والإحسان بين الجيران؛ قال الله تعالى: {وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ مَنْ كَانَ مُخْتَالًا فَخُورًا} [النساء:36]، وعن عديِّ بن حاتم الطائي رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «اتقوا النارَ ولو بشقِّ تمرةٍ؛ فمَن لم يَجِدْ فبكلمةٍ طيِّبةٍ» (البخاري).
وفي الحديث إشارةٌ ثمينة للتصدق قدر الاستطاعة، والحث على بَذْلِ الكلمة الطيبة.
♦ دَعْم دور الأيتام بشراء الملابس والطعام والأدوات الدراسية والتجهيزات التي تكفُلُ معيشة مريحة للأيتام، وفي هذا فضلٌ بيَّنه خيرُ خَلْق الله تعالى رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم؛ فعن سهل بن سعد الساعدي رضي الله تعالى عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أنا وكافلُ اليتيمِ كهاتين في الجنةِ، وقرَن بين أصبعيه: الوسطى، والتي تلي الابهامَ. (أبو داود).
وحث الغير على المشاركة، ولا تشترط المشاركة بالمال، بل تكون بالدعم النفسي، والتشجيع والتحفيز، والترويح عن الأيتام، وكل الفلاح لمن نال نصيبًا من كفالة اليتيم، ودل على ذلك.
♦ لنجهِّزْ بعض الحلوى معنا عند سيرنا في الطرقات، وعندما نجد طفلًا صغيًرا نقدِّم له بعض الحلوى، ولنثابر على ذلك بودٍّ وحب، ولطف وإحسان، وخاصة مع الأطفال الفقراء، وكلنا فقراءُ إلى الله ملِكِ الملوك؛ نرجو إحسانَه وكرَمَه، وعفوه وفضله.
♦ احتساب النفقة على الأهل بجميع أنواعها ومواردها؛ مِن مأكل ومشرب، وتعليم وغيرها؛ فطلبُ الثواب مِن الله تعالى في هذا الأمر يجعل كل نفقة صدقة؛ فعن عقبةَ بنِ عمرو رضي الله تعالى عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا أَنفق الرجل على أهله نفقةً وهو يَحتسبها، كانت له صدقةً» (صححه الألباني).
♦ عند رؤيتنا ومقابلتنا للمسلمين في الشارع والعمل وفي محيط المنزل، فلنبتسم، ونحتسب هذا النهج سبيلًا للصدقات؛ فعن أبي ذرٍّ الغِفاري رضي الله تعالى عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «تبسُّمُكَ في وجْهِ أخيكَ لك صدقةٌ، وأمرُكَ بالمعروفِ ونهيُكَ عنِ المنكرِ صدقةٌ، وإرشادُكَ الرَّجلَ في أرضِ الضَّلالِ لك صدقةٌ، وبصرُكَ للرَّجلِ الرَّديءِ البصرِ لك صدقةٌ، وإماطتُكَ الحجرَ والشَّوْكَ والعَظْمَ عنِ الطَّريقِ لك صدقةٌ، وإفراغُكَ من دلوِكَ في دلوِ أخيكَ لك صدقةٌ» (الترمذي).
♦ استعمال الأوقاتِ واغتنامها؛ بالإكثار مِن أعظم موارد الصدقات، وهو ذِكر الله تعالى؛ وذلك بالإكثار من التسبيح والتحميد، والتهليل والتكبير، واللسان الذاكر كنز عظيم، وفي هذا الحديث الشريف نبراسٌ ومنارة للمسلمين؛ فعن أبي ذرٍّ الغِفاري رضي الله تعالى عنه: أنَّ ناسًا مِن أصحابِ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قالوا للنَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: يا رسولَ اللهِ، ذهَب أهلُ الدُّثورِ بالأجرِ؛ يُصَلُّونَ كما نُصَلِّي، ويصومونَ كما نصومُ، ويتصدَّقونَ بفُضولِ أموالِهم! قال صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: «أوَليس قد جعَل اللهُ لكم ما تتصدَّقونَ به؛ كلُّ تسبيحةٍ صدَقةٌ، وكلُّ تكبيرةٍ صدَقةٌ، وكلُّ تحميدةٍ صدَقةٌ، وكلُّ تهليلةٍ صدَقةٌ، وأمرٌ بمعروفٍ صدَقةٌ، ونَهْيٌ عن مُنكَرٍ صدَقةٌ» (ابن حبان).
وفي هذا الصدد يمكن في ساعة واحدة عند السير في الطرقات: قول "سبحان الله"، أو "الحمد لله"، أو "لا إله إلا الله"، أو "الله أكبر" أكثر من 2000 مرة، والمثابرة على ذِكر الله العظيم يترتب عليها فلاحٌ في الدُّنيا والآخرة.
♦ التصدُّق على مَن لنا بهم صلة رحم؛ فهي صلةٌ للرحم وصدقةٌ، ويزداد فضلها مع مَن يُضمِر العداوة؛ قال النبي صلى الله عليه وسلم: «إن أفضلَ الصدقةِ الصدقةُ على ذي الرحِمِ الكاشح» (أحمد: [23530]، وصححه الألباني).
♦ فلنُحسِنْ كما أحسن الله إلينا، ولنجعل الصدقة سرًّا قدر الإمكان، ولنتجنَّبْ كل سبيل يؤدي إلى المنِّ والأذى في الصدقة؛ وذلك لنجنيَ ثمارها بفضل الله الرحمن الرحيم في الدنيا، والقبر والآخرة، والحمد لله ربِّ العالَمين، والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى آله وصحبه أجمعين، ومَن اتبَعَه بإحسانٍ إلى يومِ الدِّين.