فأما المرتجز، فعن ابن عباس رضي الله عنه قال: كان للنبي صلى الله عليه وسلم فرس يدعى المرتجز.[3]
وهذا الفرس كان أشهب، وهو الذي شهد فيه خزيمة بن ثابت رضي الله عنه، فجعل النبي صلى الله عليه وسلم شهادته شهادة رجلين، ولقد سمي هذا الفرس بهذا الاسم؛ لأنه كان له صهيل حسن كأنه ينشد رجزًا. وقيل: هو الطِّرف. وقيل: هو النجيب. والطرف والنجيب: الكريم من الخيل. وكان الأعرابي الذي اشتراه منه النبي صلى الله عليه وسلم من بني مرة.[4]
وعن عمارة بن خزيمة أن عمه حدثه - وهو من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم - أن النبي صلى الله عليه وسلم ابتاع فرسًا من أعرابي، فاستتبعه النبي صلى الله عليه وسلم ليقضيه ثمن فرسه، فأسرع رسول الله صلى الله عليه وسلم المشي وأبطأ الأعرابي، فطفق رجال يعترضون الأعرابي فيساومونه بالفرس ولا يشعرون أن النبي صلى الله عليه وسلم ابتاعه، فنادى الأعرابي رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: إن كنت مبتاعًا هذا الفرس وإلا بعته. فقام النبي صلى الله عليه وسلم حين سمع نداء الأعرابي فقال: "أو ليس قد ابتعته منك؟". فقال الأعرابي: لا والله ما بعتكه. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "بلى، قد ابتعته منك". فطفق الأعرابي يقول: هلم شهيدًا. فقال خزيمة بن ثابت: أنا أشهد أنك قد بايعته. فأقبل النبي صلى الله عليه وسلم على خزيمة فقال: "بم تشهد؟". فقال: بتصديقك يا رسول الله. فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم شهادة خزيمة بشهادة رجلين.[5]
قال المنذري: وهذا الأعرابي هو ابن الحارث. وقيل: سواء بن قيس المحاربي. ذكره غير واحد في الصحابة. وقيل: إنه جحد البيع بأمر بعض المنافقين. وقيل: إن هذا الفرس هو المرتجز المذكور في أفراس رسول الله صلى الله عليه وسلم.[6]
قال الحافظ السندي: والمشهور أنه رد الفرس بعد ذلك على الأعرابي، فمات من ليلته عنده، والله تعالى أعلم.[7]
وأما اللحيف، فعن أُبَيِّ بن عباس بن سهل عن أبيه عن جده قال: كان للنبي صلى الله عليه وسلم في حائطنا[8] فرس يقال له اللحيف.[9] قال أبو عبد الله: وقال بعضهم: اللخيف.[10]
وهذا الفرس أهداه له فروة بن عمرو من أرض البلقاء، وقيل: ربيعة بن أبي البراء، فأثابه عليه فرائض من نِعم بني كلاب. واللحيف: فعيل بمعنى فاعل، كأنه يلحف الأرض بذَنَبِه لطوله؛ أي يغطيها. وقيل فيه: بضم اللام وفتح الحاء على التصغير. والأكثر أنه الَّلخيف.
وقال الواقدي: سمي اللحيف؛ لأنه كان يلتحف بعرْفِه. ويقال: شبه بلحيف الجبل وصُغِّر.[11] وأما اللِّزاز، فقد أهداه له المقوقس. ولزاز من قولهم: لازته؛ أي: لاصقته، كأنه يلتصق بالمطلوب لسرعته. وقيل: لاجتماع خلقه. والملزز: المجتمع الخلق. وقيل: لشدة دموجه. وقال الواقدي: وسمي لزازًا؛ لأنه كان ملززًا موثقًا.[12]
وأما الظَّرِب، فقد أهداه له فروة بن عمير الجذامي. والظرب: واحد الظِّراب، وهي الروابي الصغار، سمي به؛ لكبره وسمنه. وقيل: لقوته، وصلابة حافره.[13]
وأما السكب، فقد كان اسمه قبل أن يشتريه الضرس، اشتراه بعشرة أواقٍ أول ما غزا عليه أُحدًا، ليس للمسلمين غيره. وفرس أبى بردة بن نيار ويسمى ملاوح. وكان أغر، طلق اليمين، محجلاً، كُمَيْتًا، وكان دفتًا، سرجه من ليف. وقيل: كان أدهم. روي ذلك عن ابن عباس رضي الله عنه، وشبه بفيض الماء وانسكابه.[14]
وأما سبحة، فقد رُوِي أن أنس بن مالك رضي الله عنه سُئل: أكنتم تراهنون على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ أكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يراهن؟ قال: نعم، والله لقد راهن على فرس يقال له سبحة، فسبق الناس، فهش لذلك وأعجبه.[15]
وهذه الفرس كانت شقراء، ابتاعها صلى الله عليه وسلم من أعرابي من جهينة بعشر من الإبل، وسابق عليها يوم خميس، فأقبلت في وجوه الخيل، فسميت سبحة من قولهم: فرس سابح، إذا كان حسن مد اليدين في الجري، وسبح الفرس جريه.[16]
أما الفرس السابع؛ الورد، فقد أهداه له تميم الداري، فأعطاه عمر بن الخطاب رضي الله عنه، فحمل عليه في سبيل الله، ثم وجده يباع برخص، فقال له: لا تشتره. والورد: لون بين الكميت والأشقر.[17]
ويُروَى أن الورد كانت لحمزة بن عبد المطلب رضي الله عنه.
قال ابن سيد الناس: قال شيخنا الحافظ أبو محمد الدمياطي رحمه الله: فهذه سبعة متفق عليها؛ وهي: السكب والمرتجز واللحيف ولزاز والظرب والورد وسبحة. وكان الذى يمتطى عليه ويركب السكب.
وقيل: كانت له أفراس أُخَر غيرها؛ وهي: الأبلق، وحمل صلى الله عليه وسلم عليه بعض أصحابه، وذو العقال، وذو اللمة[18] وكانت فرس عكاشة بن محصن، والمرتجل[19]، والمرواح[20]، والسرحان،[21] واليعسوب[22]، واليعبوب[23]، والبحر؛ وهو كميت، والأدهم، والشحاء[24]، والسجل، وملاوح[25]،والطرف، والنجيب.هذه خمسة عشر مختلف فيها.
وذكر السهيلي في خيله صلى الله عليه وسلم: الضريس. وذكر ابن عساكر فيها: مندوبًا، وذا العُقال - بضم العين - وبعضهم يشدد قافه وبعضهم يخففها، وهو ظلع في قوائم الدواب.[26]
وكان له صلى الله عليه وسلم فرس يقال له: البحر. اشتراه من تجار قدموا من اليمن، فسبق عليه مرات، فجثا على ركبتيه، ومسح وجهه، وقال: "ما أنت إلا بحرًا". فسمي بحرًا، وكان كميتًا، وقيل: هو الأدهم.[27]
قال الأصمعي: يقال للفرس بحرًا إذا كان واسع الجري، أو لأن جريه لا ينفد كما لا ينفد البحر، ويؤيده ما في رواية سعيد عن قتادة: وكان بعد ذلك لا يجارى.
وكان له صلى الله عليه وسلم أيضًا فرس يقال له المندوب،[28]وهو فرس أبي طلحة زيد بن سهل رضي الله عنه، فعن أنس رضي الله عنه قال: كان فزع بالمدينة، فاستعار النبي صلى الله عليه وسلم فرسًا لنا من أبي طلحة يقال له المندوب، فركب، فلما رجع قال: "ما رأينا من فزع، وإن وجدناه لبحرًا".[29]
يقول الحافظ العراقي في ذكر أفراسه عليه الصلاة والسلام: