يُؤَدِّي التوتُّر والعصبية إلى فقدان الكثير من العلاقات بين الناس، وعلى العكس من ذلك يُعْتبَر الرفق من أكثر الأخلاق توطيدًا للمحبَّة بين البشر؛ فالناس بشكل عامٍّ تحبُّ الشخص الرفيق، وتتأثَّر بالمعاملة الطيبة الرقيقة؛ لهذا كان الرفق هو سُنَّة رسول الله صلى الله عليه وسلم الماضية التي لا يتنازل عنها أبدًا في كل مواقف حياته؛ لهذا أطلق رسول الله صلى الله عليه وسلم حكمًا عامًّا بلزوم وجود الرفق في كل معاملات المؤمن؛ فقد روى مسلم عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، قَالَ: «إِنَّ الرِّفْقَ لَا يَكُونُ فِي شَيْءٍ إِلَّا زَانَهُ، وَلَا يُنْزَعُ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا شَانَهُ». وروى مسلم عن جَرِيرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «مَنْ حُرِمَ الرِّفْقَ حُرِمَ الْخَيْرَ، أَوْ مَنْ يُحْرَمِ الرِّفْقَ يُحْرَمِ الْخَيْرَ».
ومارس رسولُ الله صلى الله عليه وسلم الرفقَ في حياته في مواقف عجيبة؛ فقد روى البخاري عن عائشة، ل قَالَتْ: دَخَلَ رَهْطٌ مِنَ اليَهُودِ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَقَالُوا: السَّامُ -أي الموت- عَلَيْكُمْ. قَالَتْ عَائِشَةُ: فَفَهِمْتُهَا فَقُلْتُ: وَعَلَيْكُمُ السَّامُ وَاللَّعْنَةُ. قَالَتْ: فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «مَهْلًا يَا عَائِشَةُ، إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الرِّفْقَ فِي الأَمْرِ كُلِّهِ». فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَوَلَمْ تَسْمَعْ مَا قَالُوا؟ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «قَدْ قُلْتُ: وَعَلَيْكُمْ».
وروى البخاري عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه: أَنَّ أَعْرَابِيًّا بَالَ فِي المَسْجِدِ، فَقَامُوا إِلَيْهِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «لاَ تُزْرِمُوهُ». أي لا تقطعوا عليه بوله، ثُمَّ دَعَا بِدَلْوٍ مِنْ مَاءٍ فَصُبَّ عَلَيْهِ.
فإذا كان الرفقُ خُلُقَه في هذه المواقف الصعبة فلا شكَّ أنه كان خُلُقَه فيما سواه، فلنحرص على هذه السُّنَّة النبيلة، فما أحوج الأمة إليها في زماننا الآن!
ولا تنسوا شعارنا: {وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا} [النور: 54].
المقال السابق
المقال التالى