من أروع الآداب الإسلامية نهي الرسولِ صلى الله عليه وسلم للمسلمين عن الانفراد سرًّا بين اثنين للحديث، وذلك في حضرة زميل ثالث، وهو ما يُعْرَف بالتناجي؛ لأن الثالث سيعتبر نفسه دخيلًا على اللقاء، وقد يرى نفسه غيرَ أهلٍ لمعرفة أسرار أصدقائه، وقد يُحْرَج أمام الناس لكونه منعزلًا عن أصحابه، وقد يوغِر كلُّ ذلك صدرَه فيكره صديقيه، وهذه كلها آفات متوقَّعة من مثل هذا العمل؛ لذلك جاءت السُّنَّة النبوية بالنهي عن ذلك التناجي؛ فقد روى البخاري عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بن مسعودٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «إِذَا كُنْتُمْ ثَلاَثَةً فَلاَ يَتَنَاجَى رَجُلاَنِ دُونَ الآخَرِ حَتَّى تَخْتَلِطُوا بِالنَّاسِ، أَجْلَ أَنْ يُحْزِنَهُ».
وفي لفظ الترمذي -وقال الألباني: صحيح-: «إِذَا كُنْتُمْ ثَلَاثَةً فَلَا يَتَنَاجَى اثْنَانِ دُونَ صَاحِبِهِمَا». وقَالَ سُفْيَانُ فِي حَدِيثِهِ: «لَا يَتَنَاجَى اثْنَانِ دُونَ الثَّالِثِ، فَإِنَّ ذَلِكَ يُحْزِنُهُ». وَقَدْ رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ: «لَا يَتَنَاجَى اثْنَانِ دُونَ وَاحِدٍ، فَإِنَّ ذَلِكَ يُؤْذِي المُؤْمِنَ، وَاللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ يَكْرَهُ أَذَى المُؤْمِنِ».
فهذه سُنَّة نبوية جميلة تحفظ العلاقات بين الناس، وعليه فإن أراد أحد الثلاثة أن يُخْبِر أحد صديقيه بسِرٍّ فلينتظر حتى يأتي زملاء جدد فيجتمعوا معهم؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: «حَتَّى تَخْتَلِطُوا بِالنَّاسِ». ولو أن يكونوا أربعة فقط، فيُحادِث صاحبُ السِّرِّ زميلَه الذي أراد، ويتحدَّث الثالثُ مع الرابع، وقد روى أبو داود عَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «لَا يَنْتَجِي اثْنَانِ دُونَ الثَّالِثِ، فَإِنَّ ذَلِكَ يُحْزِنُهُ». قَالَ أَبُو صَالِحٍ: فَقُلْتُ لِابْنِ عُمَرَ: فَأَرْبَعَةٌ؟ قَالَ: «لَا يَضُرُّكَ».
فهذا هو الحدُّ الأدنى لجواز التناجي بين اثنين، وهي سُنَّة تُعِين على نشر روح المحبة والإخاء بين المسلمين.
ولا تنسوا شعارنا: {وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا} [النور: 54].
المقال السابق
المقال التالى