من أسباب صلاح القلوب، وهداية النفوس: محاسبة النفس على العيوب والذنوب، لتدارك التقصير في عبادة علام الغيوب.
ولعل آعظم آية قرآنية توضح لنا أهمية محاسبة النفس في حياة المسلمين، قول الحق تبارك وتعالى: [يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ] {الحشر: 18}.
أي: حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا، وانظروا ماذا ادخرتم لأنفسكم من الأعمال الصالحة ليوم معادكم، وعرضكم على ربكم.
فالله تعالى عالم بجميع أحوالكم، وأعمالكم، لا تخفى عليه منكم خافية، ولا يغيب عنه من أموركم جليل ولا حقير.
وقد كان الفاروق رضي الله عنه آية في محاسبة النفس، حتى قال مقالته السابقة: لو مات جمل في عملى ضياعا، خشيت أن يسألني الله عنه.
بل كان يدعو المؤمنين إلى محاسبة النفس، مذكرًا لهم بيوم القيامة، حيث لا تخفى منهم خافية.
يقول عمر بن الخطاب رضي الله عنه:
حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا، وزنوا أنفسكم قبل أن توزنوا، فإنه أهون عليكم في الحساب غدًا، أن تحاسبوا أنفسكم اليوم، وتجهزوا للعرض الأكبر، [يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لَا تَخْفَى مِنْكُمْ خَافِيَةٌ] {الحاقَّة: 18}.
وكان الفاروق رضي الله عنه يحاسب نفسه على ما يبدر من تقصير منه، ولو كان شيئًا يسيرًا.
فكل منا في حاجة إلى محاسبة نفسه عن أفعاله وأقواله.
وكل منا في بحاجة إلى محاسبة نفسه عن قدر شكره لنعمة الإسلام.
وما أحرى بكل واحد أن يسأل نفسه:
هل اتقيت الله في مكسبي ومطعمي، ومشربي وملبسي؟
هل أخلصت لله في السر والعلانية؟
هل عدلت في الرضا والغضب؟
هل عفوت عمن ظلمني؟
هل أعطيت من حرمني؟
هل وفيت بالعهد لمن عاهدته. وصدقت في الوعد لمن واعدته؟
هل تذكرت الموت والبلى، واليوم الآخر وشدائده؟
فالخير كل الخير في محاسبة النفس، والشر كل الشر في الهوى، والسعي خلف النفس الأمّارة بالسوء.
ذكر خوفه من الله تعالى
من شمائل الفاروق خوفه الشديد من الله سبحانه وتعالى، ويظهر ذلك الخوف جليًا في أقواله وأفعاله.
لقد كان الفاروق على جانب كبير من الخوف من الله عز وجل، جلس عنده بعض أصحابه عند موته يثنون عليه بما قدم للإسلام.
فقال: والله لو أن لي طلاع الأرض ذهبًا لافتديت به من عذاب الله عز وجل قبل أن أراه.
فهذا الطود الشامخ، والرجل الباهر القوي الأمين، الصلب في دين الله، القانت الزاهد، التقي النقي، لا تفرحه بنفسه بما قدم من أعمال، ولا ييأس من روح الله. أخذ الورع بقوة.
لقد تربى عمر على كتاب الله وسنة رسوله عليه الصلاة والسلام فعلماه ما تعجز عنه كتب التربية والأخلاق قديمها وحديثها، وما يزال كتاب الله بين أيدينا وما تزال سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم محفوظة لدينا، وفيها علم وتربية وأخلاق بما لا يقاس عليه. |