الإيجابية بمعناها الدقيق تعني التفاعل مع الأحداث، والتأثير في سيرها، وعدم السكوت عن الفعل الشاذ لأن السكوت عنه إقرار له.
ومن هنا كانت إيجابية سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه.
من شمائل الفاروق رضي الله عنه التي تدل على إيجابيته أمره بالمعروف، ونهيه عن المنكر، وسعيه للتغيير بكل الوسائل المتاحة، ما لم تتعارض مع دينه وعقيدته، ومن مظاهر إيجابيته عدم السكوت عن المشورة، وإن لم يكن مطلوبا منه، وأيضا دعوته لغيره من الدلائل القوية علي إيجابيتة رضي الله عنه.
إيجابية عمر تدفعه إلى تعليم غيره من الناس
ومن مواقف الفاروق التي يتجلى فيها اتباعه للسنة النبوية: موقفه من الحجر الأسود.
فالنبي صلى الله عليه وسلم قَبَّل الحجر الأسود، والعمل على هذا استحباب تقبيل الحجر الأسود لمن تيسر له، فإن لم يمكنه استلمه بيده.، فإن لم يمكنه استقبله إذا حاذاه وكَبَّر.
يقول عابس بن ربيعة رحمه الله: رأيت عمر بن الخطاب استقبل الحجر، ثم قال: إني لأعلم أنك حجر، لولا أني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يُقَبِّلك ما قَبَّلتك، ثم تقدم فقَبّله.
وفي رواية أخرى: إني لأعلم أنك حجر لا تضر ولا تنفع، رأيت أبا القاسم صلى الله عليه وسلم بك حَفيًّا. يعنى الحجر الأسود.
قال العلامة الطبري رحمه الله:
إنما قال ذلك عمر رضي الله عنه لأن الناس كانوا حديثى عهد بعبادة الأصنام، فخشي عمر أن يظن الجهال أن استلام الحجر من باب تعظيم بعض الأحجار كما كانت العرب تفعل في الجاهلية.
فأراد عمر أن يعلم الناس أن استلامه اتباع لفعل رسول الله صلى الله عليه وسلم، لا لأن الحجر ينفع ويضر كما كانت الجاهلية تعتقد في الأوثان.
وفي قول عمر رضي الله عنه هذا الكلام التسليم للشارع في أمور الدين، وحسن الاتباع فيما لم يكشف عن معانيها، وهي قاعدة عظيمة في اتباع النبي صلى الله عليه وسلم فيما يفعله، ولو لم يعلم الحكمة فيه.
قال أبو سليمان الخطاب رحمه الله:
فيه من العلم أن متابعة السنن واجبة، وإن لم يوقف لها على علل معلومة وأسباب معقولة، وأن أعيانها حجة على من بلغته وإن لم يفقه معانيها، إلا أنه من المعلوم في الجملة أن تقبيل الحجر إنما هو إكرام له، وقد فضل الله بعض الأحجار على بعض، كما فضل بعض البقاع والبلدان، وكما فضل بعض الليالي والأيام والشهور، وباب هذا كله التسليم.
فليس لهذا الأمور علّة يرجع إليها وإنما هو حكم الله عز وجل ومشيئته:
[لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ] {الأنبياء: 23}.
[أَلَا لَهُ الخَلْقُ وَالأَمْرُ تَبَارَكَ اللهُ رَبُّ العَالَمِينَ] {الأعراف: 54}.
فعمر رضي الله عنه شديد المتابعة للسنة النبوية لا يُقَدّم عليها شيئًا من الرأي، بل كان لا يقدم الرأي وأهله معتبرًا بأن أصحاب الرأي أعداء السنن أعيتهم أن يعوها، وتفلتت منهم أن يرووها فاستبقوها بالرأي.
قال عمرو بن الحريث: قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه:
إياكم وأصحاب الرأي، فإنهم أعداء السنن، أعيتهم الأحاديث أن يحفظوها، فقالوا بالرأي فضَلُّوا وأضلوا.
قال سحنون: يعني البدع.
وقال أبو بكر بن أبي داود: أهل الرأي هم أهل البدع.
والمقصود بالرأي هنا هو الرأي المخالف للكتاب والسنة، وليس الأمر على إطلاقه فمن المدارس الإسلامية مدرسة أهل الرأي.
وما أروع الفاروق وهو يحدد معالم الاتباع للناس قائلًا:
أيها الناس: قد سُنت لكم السنن، وفُرضت لكم الفرائض، وتُركتم على الواضحة إلا أن تضلوا بالناس يمينًا وشمالًا، وضرب بإحدى يديه على الأخرى.
فرضي الله عن الفاروق الداعي إلى الاتباع، والناهي عن الابتداع.
ويساعد الفاروق غيره من الصحابة الذين يريدون الهجرة، ويتعرضون للفتنة، والابتلاء في أنفسهم. |