عربي English עברית Deutsch Italiano 中文 Español Français Русский Indonesia Português Nederlands हिन्दी 日本の
  
  

   

تعليمُه صلى الله عليه وسلم بالوعظ والتذكير

ومن أهمِّ وأبرزِ أساليبِه صلى الله عليه وسلم في التعليم ، الوعظُ والتذكير ، اقتداءً بالقرآن الكريم ، في قوله : (وذكِّرْ فإن الذِّكرى تَنفَعُ المؤمنين)11، وقولِهِ : (إنّما أنتَ مُذَّكِّر)12، وكثيرٌ من تعليماتِه صلى الله عليه وسلم إنما أُخِذَتْ منه في مَواعِظِه وخُطبه العامة1.

 

 

روى أبو داود ، والترمذي ، وابن ماجه2، والسياق لأبي داود ، عن عبد الرحمن بن عمرو السُلمي وحُجْر بن حُجر ، قالا : أتينا العِرباضَ بن سارية ، فسَلَّمنا وقلنا : أتيناك زائرين وعائدين ومُقْتَبِسين ، فقال العِرْباضُ : ((صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ذاتَ يوم ، ثم أقبَلَ علينا فوَعَظَنا مَوعِظةً بليغةً ، ذَرَفَتْ منها العيونُ ، ووَجِلت منها القلوبُ .

فقال قائل : يا رسول الله كأن هذه موعظةُ مُودِّع؟ فما تَعهَدُ إلينا؟ فقال : أوصيكم بتقوى الله والسمعِ والطاعةِ وإن كان عَبْداً حبشياً ، فإنه من يعِش منكم بعدي فسَيَرى اختلافاً كثيراً ، فعليكم بسنتي وسنةِ الخلفاء الراشدين ، تمسَّكوا بها وعَضّوا عليها بالنواجِذ ، وإياكم ومُحدَثاتِ الأمور! فإن كلَّ محدثةٍ بدعةٌ ، وكلَّ بدعةٍ ضلالةٌ)) .

 

 

وروى مسلم والنسائي وابن ماجه ، واللفظ لمسلم3، عن جابر بن عبد الله الأنصاري رضي الله عنهما ، قال : ((كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا خَطَب احمرَّتْ عيناه ، وعلا صوتُه ، واشتد غضبه ، حتى كأنه منذِرُ جيش يقول : صبَّحكم مسّاكم .

ويقول : بُعِثتُ انا والسّاعةَ كهاتين ، ويَقْرُن بين إصبعيه : السَّبّابةِ والوُسْطى .

ويقول : أما بعد ، فإنَّ خيرَ الحديثِ كتابُ الله ، وخيرَ الهَدْي هَدْي محمد صلى الله عليه وسلم ، وشرَّ الأمورِ مُحْدَثاتُها ، وكُلَّ بدعةٍ ضلالة .

ثم يقول : أنا أولى بكل مؤمنٍ من نفسِه ، من ترَكَ مالاً فلأهله ، ومن تَرَك دَيْناً ، أو ضَياعاً : فإليَّ وعليّ)) .

 

------------------------------------

11 ـ من سورة الذّاريات ، الآية 55 .

12 ـ من سورة الغاشية ، الآية 21 .

1 ـ وقد وقفتُ على كلمةٍ علميةٍ مهمةٍ لإمام العصر الشيخ محمد أنور الكشميري ، في إيضاحِ جانب (التذكير) في تعليم النبي صلى الله عليه وسلم ، وبيانِ الفرق بين وظيفةِ الواعِظِ المذكِّرِ ووظيفةِ المَعلِّم الفقيه ، وقد أردتُ ذكر تلك الكلمةِ هنا بطولِها لما فيها من الفوائد ، قال رحمه الله تعالى في ((فيض الباري شرح صحيح البخاري)) 1 :280 ما لفظُه : ((اعلم أنَّ هناك وظيفتين :

الأولى : وظيفةُ الواعظِ والمذكِّر ، فإنه يُحرِّضُ على العمل ويُرغِّب إليه فيختارُ من التعبيرات ما يكون أدعى لها ، ولا يَلتفتُ إلى تحقيق المسألة واستيفاءِ شرائِطها وموانِعها ، بل يُرسلُ الكلامَ فيعِدُ ويوعِدُ ، ويُرغِّبُ ويُرهِّبُ مطلقاً ، ويأمُرُ ويَنهى ولا يَلتفتُ إلى مزيدِ التفاصيل .

والثانيةُ : وظيفةُ المعلِّم والفقيه وهو يُريدُ تلقينَ العلم وبيانَ المسألة ، أما العملُ بها فبمَعزل عن نظره ، فيُحقِّقُ البيانَ ، ويُدقِّقُ الكلامَ ، ويَستوفي الشروطَ ويختارُ من التعبيرات ما لا يكون مُوْهِماً بخلاف المقصود ، بل يكون أدلَّ عليه وأقربَ إليه ، فلا يُرسِلُ الكلامَ بل يذكُرُه بشرائطِه ، ويَعِدُ ويوعِدُ ويُرغِّبُ ويُرهِّبُ بشرائطِه .

فهاتان وظيفتان ، ومَنصِبُ الشارع منصِبُ المُذكِّر ، قال الله تعالى : (إنما انتَ مُذَّكِّر لستَ عليهم بمسيطر) ، وليس له مَنصِبُ المعلِّم فقط فهو مُذَّكرٌ ومعلِّم معاً ، فوَجَب أن يُعبِّر بما هو أدعى للعمل وأبعدُ عمّا يوجِب الكَسَلَ .

وهذا هو التعليم الفطري ، فإن أكثرَ تعليماتِه صلى الله عليه وسلم مستفادٌ من عمله ، فما أَمَر به الناسَ عَمِل به أولاً ثم تَعلَّم منه الناسُ ، ولذا لم يَحتاجوا إلى التعليم والتعلُّم ، ولو كان طريقُه كما في زماننا لَما شاع الدينُ إلى الأبد ، ولكنَّه علَّم الناس بعمله .

ثم إذا قال لهم أمراً اختار فيه الطريق الفِطري أيضاً ، وهو الامرُ بالمطلوب والنهيُّ عن المكروهِ ، ولم يَبحَثْ عن مراتِبه ، قال الله تعالى : (وما آتاكم الرسولُ فخُذوه وما نَهاكم عنه فانتهوا) ، فهذا هو السبيلُ الأقوم .

أما البحثُ عن المراتب فهو طريقٌ مُستحدَث سَلَكه العلماءُ لفساد الزمان ، وأما الصحابةُ رضي الله عنهم فإنهم إذا أُمِروا بشيءٍ أخذوه بجميع مَراتِبه ، وإذا عنه تركوه بالكلية ، فلم تكن لهم حاجةٌ إلى البحث .

ولو كان الشارعُ تعرَّض إلى المراتبِ لفاته منصبُ المُذكِّر ولانعدم العملُ ، فإنه إذا جاء البحثُ والجدال لبطل العمل ، مثلاً لو قال تعالى : ((فاعتزلوا النساءَ عن مَوضِع الطَّمْث ، ولا تَقربوه فقط ، واستَمتِعوا بسائرِ الأعضاء)) ، لربما وقَعَ الناسُ في الحرام ، لان من يَرتَع حول الحِمى يوشِكُ أن يَقَع فيه ، وإنما أخَذَ الاعتزالَ في التعبير ليكون أسهلَ لهم في العمل ، ولا يَقَعوا في المعصية .

وكذلك إذا أحب أمراً أمَرَ به مطلقاً ، ليأتمر به الناسُ بجميع مراتبه ، ويَقَع في حيز مرضاةِ الله تعالى ، مثلاً قال : ((من تركَ الصلاةَ فقد كفَر)) ، ولم يقل : فَعَل فِعلَ الكفر ، أو مُستَحِلاًّ ، أو قارَبَ الكفرُ ، مع أنه كان أسهلَ في بادىء النظر ، لأنه لو قال كذلك لفات غرضُه من التشديد ولانعدم العملُ ، ولذا كان السلفُ يَكرهون تأويلَه .

فالحاصلُ أنه إذا أمَرَنا بشيءٍ فكأنه يُريدُ العَمَل به بأقصى ما يمكن ، بحيث لا تبقى مرتبةٌ من مراتِبه متروكةً ، وكذلك في جانب النهي ، ولذا كان يقولُ عند البيعة : ((فيما استطعتم)) فبذلُ الجهد والاستِطاعة لا يكون إلاّ إذا أُجمِلُ الكلامُ ، وإذا فُصِّل يحدث التهاوُن ، كما هو مشاهد في عمل العوام وعامةِ العلماء الذين مالهم وجاهة عند الله وقبولٌ في جنابِه ، فهم ليسوا من الذين لا تُلهيهم تجارةٌ ولا بيعٌ عن ذكر الله)) .

2 ـ أبو داود 4 :280 ـ 281 في كتاب السنة ، والترمذي 4 :150 في كتاب العلم ، وقال : ((هذا حديثٌ حسن صحيح)) ، وابن ماجه 1 :15 ، في المقدِّمة (باب اتباع سنة الخلفاء الراشدين المهديين) .

3 ـ مسلم 6 :153 ـ 156 في الجمعة ، والنسائي 3 :188 في العيدين ، وابن ماجه 1 :17 في المقدِّمة (باب اجتناب البدع والجدل) .




                      المقال السابق                       المقال التالى




Bookmark and Share


أضف تعليق