عربي English עברית Deutsch Italiano 中文 Español Français Русский Indonesia Português Nederlands हिन्दी 日本の
  
  

   

ابتداؤه صلى الله عليه وسلم أصحابَه بالإفادة دون سؤال منهم

وكان صلى الله عليه وسلم في كثير من الأحيان يَبتَدىءُ أصحابَه بالإفادةِ من غير سؤالٍ منهم ، لا سيما في الأمور المهمةِ التي لا يَنتَبِهُ لها كلُّ واحدٍ حتى يَسألَ عنها ، فكان صلى الله عليه وسلم يُعلِّم أصحابه جوابَ الشُّبْهة قبلَ حُدوثها ، خشية أن تقع في النفوس فتستَقِرَّ بها ، وتَفعلَ فعلَها السيِّىء :

 

 

روى البخاري ومسلم3عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ((يأتي الشيطانُ أحدَكم ، فيقول : من خلَقَ كذا وكذا؟ حتى يقول له : من خَلَق ربّك. فإذا بَلَغ ذلك ، فليستَعِذْ بالله ولْيَنْتَهِ))4.  

 

 

وروى أبو داود1عن أبي هريرة أيضاً قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ((لا يَزالُ النّاسُ يَتَساءَلونَ2، حتى يُقال هذا : خَلقَ اللهُ الخلقَ ، فمن خلَقَ اللهَ؟ فمن وجَدَ من ذلك شيئاً فليَقُلْ : آمنْتُ بالله))3. وفي رواية ثانية : ((فإذا قالوا ذلك ، فقولوا : (اللهُ أحَد4 ، اللهُ الصَّمَد5، لم يَلِدْ ، ولم يولَدْ ، ولم يكنْ له كُفُواً أحد)6، ثم ليَتْفُلْ عن يساره ثلاثاً7، ولْيَسْتَعِذْ من الشيطان))8.

 

 

وقال ابن حبان في ((صحيحه)) بترتيب الأمير علاء الدين الفارسي9: ((ذكرُ الخبر الدال على إباحة إلقاء العالم على تلاميذه المسائل التي يريد أن يعلمهم إياها ابتداءً ، وحَثُّه إياهم على مثلها .

عن أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج حين زاغت الشمسُ ، فصلى لهم صلاة الظهر ، فلما سلَّم قام على المنبر ، فذكَرَ الساعة ، وذكر أنَّ قبلها أموراً عِظاماً ، ثم قال :

من أحبَّ أن يسألني عن شيء فليسألني عنه ، فواللهِ لا تسألوني عن شيء إلاّ حدثتكم به ما دُمتُ في مقامي .

قال أنس بن مالك : فأكثَرَ الناسُ البكاءَ حين سمعوا ذلك من رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأكثَرَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم أن يقول : سَلوني سَلوني .

فقام عبد الله بن حُذافة ، فقال : من أبي يا رسول الله؟ قال : أبوك حُذافة))10.

 

 

وروى هذا الحديثَ أيضاً البخاري ومسلم واللفظُ لمسلم1: عن أنس رضي الله عنه ((أنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم خرج حين زاغت الشمس ، فصلّى صلاةَ الظهر ، فلمّا سلَّم قام على المنبر ، فذكَر الساعة ، وذكر انَّ قبلها أموراً عِظاماً2، ثم قال : من أحبَّ أن يسألني عن شيء فليسألني عنه ، فواللهِ لا تسألوني عن شيء إلاّ حدثتكم به ما دُمتُ في مقامي هذا3.

قال أنس : فأكثَرَ الناسُ البكاءَ حين سمعوا ذلك من رسول الله صلى الله عليه وسلم4، وأكثَرَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم أن يقول : سَلوني ، فقام عبد الله بن حُذافة ، فقال : من أبي يا رسول الله؟ قال : أبوك حُذافة5.

فلما أكثر رسول الله صلى الله عليه وسلم من ان يقول : سلوني ، بَرَك عمر فقال : رضينا بالله رباً ، وبالإسلام ديناً ، وبمحمدٍ رسولاً6. فسكت رسولُ الله صلى الله عليه وسلم حين قال عمر ذلك .ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أَوْلى7، والذي نَفْسُ محمد بيده ، لقد عُرِضَتْ عليَّ الجنةُ والنارُ آنفاً في عُرْضِ هذا الحائط8، فلم أرَ كاليوم في الخير والشر))9.

 

ثم روى مسلم عن عُبَيد الله بن عُتبة قال : ((قالت أم عبد الله بن حُذافة لعبد الله بن حذافة : ما سمعتُ بابنٍ قَطُّ أعَقَّ منك! أأمِنتَ أن تكون أُمُّك قد قارفَتْ بعضَ ما تُقارفُ نساءُ أهل الجاهلية؟! فتفضَحَها على أعينِ الناس؟ قال عبد الله بن حذافة : واللهِ لو ألحقني رسولُ الله صلى الله عليه وسلم بعبدٍ أسْوَدَ للحقتُه10.

فلما أكثر رسولُ الله صلى الله عليه وسلم من ان يقول : سلوني ، بَرَك عمر بن الخطاب على ركبتيه ، قال : يا رسول الله رَضينا بالله رباً ، وبالإسلام ديناً ، وبمحمد صلى الله عليه وسلم رسولاً .

قال : فسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم حين قال عمر ذلك . ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : والذي نفسي بيده ، لقد عُرِضَ عليَّ الجنةُ والنارُ آنفاً11 في عُرْض هذا الحائط ، فلم أر كاليوم في الخير والشر)) .

 

---------------------------------------

3 ـ البخاري 6 :240 في كتاب بدء الخلق (باب صفة إبليس وجنوده) ، و13 :230 في كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة (باب ما يكره من كثرة السؤال ...) ، مسلم 2 :154 في كتاب الإيمان (باب بيان الوسوسة في الإيمان وما يقوله من وجدها) .

4 ـ أي وليقطع ذِهْنَهُ عن الاسترسال معه في ذلك ، بل يلجأ إلى الله تعالى في دفعه ، ويعلَمُ أن الشيطان يريد إفسادَ دينه وعقله بهذه الوسوسة ، فينبغي أن يجتهد في دفعها وقطعها بالاشتغال بغيرها .

قال الخطابي : وجهُ هذا الحديث أن الشيطان إذا وسوس بذلك ، فاستعاذ الشخصُ بالله منه ، وكفَّ عن مطاولته في ذلك اندفع . والشيطان ليس لوسوسته انتهاء ، كلما أُلزِمَ حُجّةً زاغ إلى غيرها ، إلى أن يُفضِيَ بالمرء إلى الحَيْرة نعوذ بالله من ذلك .

على أن قولَه : (مَنْ خَلَق ربَّك) كلامٌ مُتَهافِت ، يَنقُضُ آخِرُه أوَّلَه ، لأن الخالق يستحيل أن يكون مخلوقاً ، ثم لو كان السؤالُ متَّجِهاً لاستلزَم التسلسل ، وهو مُحال . وقد أثبَتَ العقلُ أن المُحدَثات مفتقِرة إلى مُحْدِث ، فلو كان هو مفتقِراً إلى مُحدِث ، لكان من المُحدَثات .

قال ابن بطّال : فإن قال المُوَسْوِسُ : فما المانعُ أن يَخلق الخالقُ نفْسَه؟ قيل له : هذا يَنْقُضُ بعضُه بعضاً ، لأنك أثبتَّ خالِقاً ، وأوجبتَ وجودَه ، ثم قلتَ : يَخلُقُ نفسَه ، فأوجبتَ عدمَه ، والجمعُ بين كونه موجوداً معدوماً فاسدٌ لتناقضه ، لأن الفاعل يتقدم وجودُهُ على وجودِ فِعلِه ، فيَستَحيل كونُ نفسِهِ فِعلاً له . انتهى .

قال ابن الّين : لو جاز لمُختَرِع الشيء أن يكون له مُختَرِع لَتَسَلْسَلَ ، فلا بد من الانتهاء إلى موجِد قديم ، والقديم من لا يَتَقدَّمه شيء ، ولا يصح عدمه ، وهو فاعل لا مفعول ، وهو الله تبارك وتعالى . انتهى من ((فتح الباري)) 13 :273 ـ 274 .

قال الشيخ محمد عبده في كتابه ((رسالة التوحيد)) ص 58 و59 و60 و61 ، مبيناً عجزَ العقل البشري عن إداك كُنهِ الحقائق الكونية ، فضلاً عن إدراكِ كُنْهِ ذاتِ الله تعالى : ((إذا قَدَرْنا عَقْلَ البشَرَ قَدْرَه ، وجدنا غايةَ ما ينتهي إلى كماله ، إنما هو الوصولُ إلى معرفة عَوارِض بعض الكائنات ، التي تقع تحت الإدراك الإنساني ، حِسّاً كان أو وِجْداناً أو تعقُّلاً ، ثم التوصُّلُ بذلك إلى معرفةِ مَناشِئها ، وتحصيل كُليّاتٍ لأنواعها ، والإحاطة ببعض القواعد لِعُروض ما يَعرِضُ لها .

وأما الوصولُ إلى كُنْهِ حقيةٍ مّا ، فمما لا تَبلُغُه قُوّةُ العقل ، لأن اكتناه المركَّبات إنما هو باكتناه ما تركَّبَتْ منه ، وذلك ينتهي إلى البسيط الصِّرْف ، وهو لا سبيل إلى اكتناهه بالضرورة ، وغايةُ مل يُمكنُ عِرفانُه منه : عَوارضُهُ وآثارُه .

هذا أظهرُ الأشياء واجلاها (الضَّوْءُ) ، قرَّر الناظرون فيه : له أحكاماً كثيرة ، فصَّلوها في عِلمٍ خاصّ به ، ولكن لم يستطع ناظرٌ أن يَفهم ما هو؟ ولا أن يَكتَنِهَ معنى (الإضاءة) نفسِه ، وإنما ما يَعرفه كلُّ بصير له عينان ، وعلى هذا القياس ـ غيرُ (الضَّوْء) من الكائنات ـ .

ثم إنَّ الله تعالى لم يجعل للإنسان حاجةً يدعو إلى اكتناه شيء من الكائنات ، وإنما حاجتُه إلى معرفة العَوارض والخَواصّ .

ولَذّةُ عقْلِه إن كان سليماً ، إنما هي تحقيقُ نسبةِ تلك الخواص إلى ما اختَصَّتْ به ، وإدراكُ القواعد التي قامَتْ عليها تلك النِّسَبُ ، فالاشتغالُ بالاكتناهِ إضاعةٌ للوقت ، وصَرْفٌ للقوة إلى غير ما سيقت له .

وأما الفكر في ذات الخالق سبحانه ، فهو طلَبٌ للاكتناه من جهة ، وهو ممتنع على العقل البشري ، لما علمتَ من انقطاع النسبة بين الوجودَيْن ، ولاستحالة التركُّب في ذاته . و : تطاولٌ إلى ما لا تَبْلغُهُ القوة البشرية من جهةٍ اخرى ، فهو عَبَثٌ ومَهْلَكة ، عَبَثٌ لأنه سَعْيٌ إلى ما لا يُدْرَك ، ومَهْلَكة لأنه يؤدّي إلى الخَبْط في الاعتقاد ، لأنه تحديدٌ لما لا يجوز تحديدُه ، وحَصْرٌ لما لا يصحُّ حصْرُه ...)) انتهى . وقد قال تعالى : (ليس كمِثْلِهِ شيءٌ وهو السَّميعُ البصير) .

وإذا كان العقل البشري عاجزاً عن إدراك كُنْهِ المخلوق ، فهو من بابِ أولى : يكون عاجزاً عن إدراك كُنْهِ الخالق سبحانه وتعالى . =

= قال العلاّمة عبد الله النبراوي في شرحه على ((الأربعين النووية)) ص 136 ، عند شرح الحديث الثلاثين الذي رواه الدارقطني وغيره بإسناد حسن عن أبي ثعلبة الخشني رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إن الله تعالى فرض فرائض فلا تضيعوها ، وحَدَّ حدوداً فلا تعتدوها ، وحرَّم أشياء فلا تنتهكوها ، وسكت عن أشياء رحمةً لكم غيرَ نسيان فلا تبحثوا عنها)) .

قال رحمه الله تعالى : ((ومن البَحْث عما لا يَعني : البحثُ عن أمور الغيب التي أُمِرنا بالإيمان بها ، ولم تُبيَّن كيفيتها ، لأنه قد يوجب البحثُ عنها الحَيْرة والشك ، ويرتقي الأمر إلى التكذيب والإنكار ، ومن ثم قال ابن إسحاق : لا يجوز التفكُّرُ في الخالق ولا في المخلوق بما لم يُسمَع فيه من الشرع ، كأن يقال في قوله تعالى : (وإنْ من شيء إلاّ يُسبِّحُ بحمده) : كيف يسبح الجماد؟ لأنه سبحانه وتعالى أخبَرَ به ، فيجعله كيف شاء كما شاء . اه .

وفي ((الصحيحين)) ما يؤيد حرمة التفكر في الخالق ، كخبر البخاري : ((يأتي الشيطان أحدَكم فيقول : من خَلَق كذا؟ من خلَقَ كذا؟ ، حتى يقول : من خلق ربَّك؟ فإذا بلغَه فليستعذ بالله ولينته)) . وأخرج مسلم : ((لا يزال الناس يسألون حتى يقال : هذا اللهُ خَلَق الخلق ، فمن خلق الله؟ فمن وجد من ذلك شيئاً فليقل : آمنتُ بالله)) .

وقد أطلتُ هذه التعليقةَ ، لأنها تَتَعلَّق بموضوعٍ خطيرٍ ، يَعرِض لكثيرٍ من الشباب في المدارس اليوم ، فمعذرةً .  

1 ـ 4 :231 في كتاب السنة (باب في الجهمية) . قال الحافظ المنذري في ((مختصر السنن)) 7 :91 : ((وأخرجه النسائي)) .

2 ـ أي يَسألُ بعضُهم بعضاً .

3 ـ أي فليُعرِض عن هذا الخاطِرِ الباطِلِ ، ليُؤيِّدَ ويُؤكِّدَ الإيمانَ المُستَقِرَّ في قلبِه بالقولِ بلسانِه : آمنتُ بالله . وفي ذلك رَدٌّ لوسوسةِ الشيطان ، ودَحْرٌ لكيدِه الخبيث .

4 ـ يعني قولوا في ردِّ هذه المقالةِ والوسوسةِ : الله أحد ، أي الله تعالى ليس مخلوقاً ، والأحَدُ هو الذي لا ثانيَ له في الذاتِ ولا في الصفات .

5ـ أي هو المرجعُ في الحوائج كلِّها ، وهو المُستَغني عن كلِّ أحد .

6 ـ أي لم يكن له مُكافياً أو مُماثِلاً أحد .

7 ـ أي لِيَبصُق ثلاث مرّاتٍ من جهة يَسارِه . والتَّفْلُ والبَصْقُ في هذا عبارةٌ عن كراهةِ الشيءِ والنفورِ عنه ، كمن يَجدُ جيفةً! وتكرارُ ذلك ثلاث مرّاتٍ : مُراغَمةٌ للشيطانِ وتَبعيدٌ له ، ليَنفِرَ من المؤمِن ، ويعلمَ أنه لا يُطيعه ، وأنه يَكرَهُ الكلامَ المذكور .

8 ـ والاستعاذةُ هي طَلَبُ المُعوَنةِ من الله على دفعِ الشيطان . قال العلاّمة الطيبي : وإنما أمرَهُ بالاستعاذة والاشتغال بأمرٍ آخر ، ولم يأمُرُهُ بالتأمُّلِ والاحتجاج ، لأن العلمَ باستغناء الله جلَّ وعلا عن الموجِد أمرٌ ضروري لا يَقبَلُ المُناظَرة ، ولأن الاسترسالَ في الفكر في ذلك لا يزيد المرءَ إلاّ حَيْرةً ، ومَنْ هذا حالُه فلا علاجَ له إلاّ الملجأُ إلى الله تعالى والاعتصامُ به .

9 ـ 1 :286 ، وفي طبعة ثانية 1 :306 .

10ـ سيأتي تعليقاً في الرواية الثانية لهذا الحديث هنا بيانُ سببِ سؤالِهِ النبيّ صلى الله عليه وسلم : (من أبوه؟) .

وكان عبدُ الله بن حُذافة رضي الله عنه أحَدَ العقلاء النبلاء والمجاهدين الصناديد الشجعان من الصحابة الكرام ، وهو أبو حُذافة أو أبو حُذَيفة عبدُ الله بن حذافة بن قيس بن عدي القرشي السَّهْمي . وأمُّهُ بنت حَرثان من بني الحارث بن عبد مَناة من السابقين الأولين .

أسلم عبد الله قديماً ، وكان من المهاجرين الأولين ، هاجر إلى أرض الحبشة الهجرة الثانية مع أخيه قيس بن حذافة ، ويقال : إنه شَهِدَ بدراً ، وجعله النبي صلى الله عليه وسلم أميراً على بعض البعوث ، وكان فيه فطانة وحَصافة ودُعابة ، وأرسله النبي صلى الله عليه وسلم بكتابه رسولاً وسفيراً إلى كسرى يدعوه إلى الإسلام ، فمزَّق كسرى الكتابَ ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : اللهم مزِّق مُلكه ، وقال : إذا مات كسرى فلا كسرى بعده ، فسلَّط الله على كسرى ابنه شِيْرَوَيْهِ ، فقتله ليلة الثلاثاء لعشر مضين من جمادى سنة سبع .

ووجَّهَ عمر جيشاً إلى الروم سنة 19 ، وفيهم عبد الله بن حذافة ، فأسرَتْهُ الروم في بعض المعارك ، فأرادوه على الكفر فأبي ، فقال له مَلِكُ الروم : تنصَّر أُشرِكْك في مُلكي ، فأبى ، فأمَرَ به فصُلِبَ وأَمر بِرَمْيِهِ بالسِّهام فلم يجزَعْ ، فأُنزِل وأَمر بِقِدْر فصُبَّ فيها الماء وأُغليَ عليه ، وأَمر بإلقاء أسيرٍ فيها ، فإذا عِظامُه تلوحُ ، فأمَرَ بإلقائه إن لم يتنصَّر ، فلما ذهبوا به بكى .

قال الملك : رُدّوه ، فقال : لِمَ بكيتَ؟ قال : تمنَّيتُ أن لي مِئةَ نفسٍ تُلقى هكذا في الله ، فعَجِبَ فقال : قبِّلْ رأسي وأُطلِقُك ، قال : لا، قال : قبِّل رأسي وأُطلِقُك ومَنْ معك من المسلمين ، فقبَّلَ رأسَه ، ففَعَل وأطلَق معه ثمانين أسيراً ، فقَدِمَ بهم على عمر ، فقال عمر : حَقّ على كل مسلم أن يُقبِّل رأسَ عبدِ الله ، وانا أبدأ ففعلوا . وشهد عبد الله بن حذافة فتحَ مصر ، ودفن في مقبرتها في خلافة عثمان رضي الله عنهما .

ومن دُعابته ما حكاه عبدُ الله بنُ وهب ، عن الليث بن سعد ، قال : بلغني أن عبد الله بن حذافة حَلَّ حِزامَ راحلة رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعض أسفاره ، حتى كاد رسول الله صلى الله عليه وسلم يقع ، قال ابنُ وهب فقلتُ للَّيثِ : ليُضحكَهُ؟ قال :نعم ، كانت فيه دُعابة. 

1 ـ البخاري 1 :187 ، في كتاب العلم (باب من بَرك على ركبتيه عند الإمام أو المحدَّث) ، ثم رواه في أحد عشر موضعاً ، ومسلم 15 :112 في كتاب الفضائل (باب توقيره صلى الله عليه وسلم وتركِ إكثار سؤاله) .

2 ـ قوله : (فذكر أموراً عظاماً) ، الظاهر أنها من أمور الساعة وما يتقدمها أو يصحبها من أهوال عظام .

3 ـ فسألوه وأكثروا عليه الأسئلة ، وفيها ما يُشبهُ التعنُّتَ او الشك ، كسؤال أحدهم : أين ناقتي؟! وسؤال بعضهم عن الحج : أفي كل عام؟! وسؤال بعضهم : أين أنا؟ قال : في النار . ونحو هذه الأسئلة ، فغَضِبَ النبي صلى الله عليه وسلم ، وغَضَبُ النبي صلى الله عليه وسلم لا يَخرُج فيه ـ فداه أبي وأمي ـ عن الحق ، فإنه لا يقول إلاّ الحقَّ في الرضا والغضب .

4 ـ لخشيتهم أن تَنزل بهم العقوبةُ بسبب ذلك فبكَوْا بكاءً شديداً .

5 ـ وسبَبُ سؤالِهِ النبي صلى الله عليه وسلم بقوله : (من أبي يا رسول الله) : أنَّه كان إذا لاحى الرجالَ ـ أي خاصَمَ ـ يُدعى لغير أبيه ويُطعَنُ في نسبه على عادة أهل الجاهلية من الطعن في الانساب . كما بيَّن هذا أنسٌ في الحديث نفسِه في رواية أخرى عند البخاري .

6 ـ قال الحافظ ابن حجر في ((فتح الباري)) 13 :270 ((وفي مُرْسَلِ السُّدّي عند الطبري في نحو هذه القصة : فقام إليه عمر يقبِّلُ رِجْلَهُ ، وقال : رضينا بالله رباً ، وبالإسلام ديناً ، وبمحمد رسولاً ، وبالقرآن إماماً ، فاعفُ عَفا الله عنك ، فلم يَزل به حتى رضي)) .

7 ـ قولُه : (أولى) ، قال المُبَرِّد : يقال للرجل إذا أُفلِتَ من معضلة : أولى لك ، أي كدتَ تَهْلِكُ . وقال غيره : هي بمعنى التهديد والوعيد . من ((فتح الباري)) .

8 ـ أي جانِبِهِ أو وسطِه .

9 ـ جاء في رواية من روايات هذا الحديث عن أنس عند البخاري 2 :232 ، في كتاب الأذان (باب رفع البصر إلى الإمام في الصلاة) : ((صلى لنا النبي صلى الله عليه وسلم ثم رقأ المنبر ، فأشار بيده قِبَلَ قِبلةِ المسجد ثم قال : لقد رأيتُ الآن منذ صليتُ لكم الصلاة : الجنة والنار ممثَّلتينِ في قبلة هذا الجدار ، فلم أر كاليوم في الخير والشر ، لم أر كاليوم في الخير والشر ، لم أر كاليوم في الخير والشر)) . وفي رواية كتاب الفتن 13 :43 ((صُوِّرتْ لي الجنة والنار حتى رأيتُهما دون الحائط)) .

10 ـ أي لانتسبتُ إليه بالبنوّة . وفهمتُ من قوله : (لو ألحقني بعبدٍ أسوَدَ للحِقتُه) أنه كان أبيض اللون ، لأن الذي يقابل الأسودَ : الأبيضُ ،والمرادُ من كلمته هذه أنه لو نسبني إلى نقيض ما أنا عليه وما لا أُنسَبُ إليه لانتسبتُ . فالكلمة على طريق المجاز والمبالغة في التزام قوله صلى الله عليه وسلم وشديدِ صحته عنده .

11 ـ معنى (آنفاً) الآن . 




                      المقال السابق                       المقال التالى




Bookmark and Share


أضف تعليق