التعليم بذاتيتِه الشريفة صلى الله عليه وسلم
لقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم مُعلِّماً اختاره الله تعالى لتعليم البشرية دينَ الله وشريعتَه الخاتمةَ والخالدةَ ، وليس في الدنيا أغلى على الله من (دين الله تعالى) ، فاختار الله سبحانه لنشرِه وتعليمِه أفضلَ الأنبياء والرُّسُل محمداً عليه وعليهم أفضلُ الصلاة والسلام . وكان هذا المُعلِّم المصطفى من الله تعالى لتبليغ شريعتِه للناس ، معلِّماً بمظهَرِه ومَخبَرِه ، وحالِه ومقالِه ، وجميع أحوالِه ، فتكامُلُ شخصيتِه الشريفة أسلوبٌ مُعلِّم للمُتعلِّمين أن يكونوا كمثالِه الشريف وهَدْيِه المُنيف . ومن أهم صفاتِ المعلِّم أن يكون في ذاته مُتكامِل المحاسِن عقلاً وفضلاً ، وعلماً وحكمةً ، ومَنظراً ورُواءً ، ولَباقةً ولَياقةً ، وحركةً وسكوناً ، وطِيبَ حديثٍ ، وذكاءَ رائحةٍ ، ونظافةَ ثيابٍ ، وجمالَ طَلْعةٍ ، وحُسنَ منطِقٍ وتَصرُّفٍ وإدارةٍ ...
وقد كان كلُّ هذا في ذاتِ الرسول المُعلِّم صلى الله عليه وسلم على أتمِّ وجهٍ وأعلى حُسنٍ واكتمال ، فهو معلِّم بذاتِه الشريفة النَّموذجية لكل متعلِّم ومُسترشِد ، فهو صلى الله عليه وسلم تَتَمثَّل فيه غايةُ التعليم بأساليبِه المختلفة ، لأن كلَّ تلك الوسائل والأساليب تتوجَّه لأن يكون المسلمُ مُحقِّقاً لقوله تعالى : (كنتم خيرَ أمةٍ أُخرِجَتْ للناس) ، فهذا الكمالُ الجامعُ فيه صلى الله عليه وسلم غايةُ الغايات من جميع الأساليب ، وزُبدةُ التعليم والتهذيب ، ولقد حَظِيَتْ ذاتُه الشريفة بأعلى الثناء العزيز الفريد ، المؤكَّد من الله تعالى كلَّ التأكيد ، بقوله تعالى : (وإنك لَعَلى خُلُقٍ عظيم).
فلا غرابةَ أن تُعدَّ محاسِنُه الشريفة من أساليب التعليم ، وأيُّ مُعلِّمٍ أثَّر في البشرية تأثيرَه ، وتقبَّل الناسُ ـ على اختلاف ألوانِهم وألسنتِهم ـ دينَه وشريعتَه؟ واتخذوه القدوة والأسوةَ الحسنةَ في سائر شؤونِ الحياة سوى هذا الرسول الكريم والنبي العظيم ، عليه من الله أفضلُ الصلاة والتسليم . هذه كُلَيمةٌ أحببتُ أن أجعلَها ختامَ الأساليب النبوية في التعليم ، لتكون أربعين أسلوباً ، وختامَ المِسكِ الذكي الذي تَعَطَّرَتْ به الصفحاتُ السابقةُ ، والحمد لله رب العالمين .
ــ ــ ــ ــ ــ ــ ــ ــ
وبعدُ فهذه نماذجُ من أساليبِ التعليم سلكها وأرشد إليها سيدُنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أوردتُها على سبيل الذكرِ والبيان ، لا على سبيل الاستقصاء والحصر .
ولا شك أن المتتبِّعَ الباحثَ في حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم وسيرته الشريفة ، سيَقِفُ على غيرها مما يزيدُ عليها ويُضاف إليها ، ولم أقصد إلى ذلك الآن ، بل اكتفيتُ بما تيسَّر لي الوقوفُ عليه على سبيل المصادفة أثناء قراءاتي ومُطالعاتي ، راجياً من الله التوفيق والإخلاصَ وشفاعةَ سيِّد الناس سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم ، وأسأل الله سبحانه الرضا والقبولَ ، والتشرُّفَ باتّباع سنة الرسول ، كما أسأله الرضوانَ عن صحابته الأكرمين ، والتابعين لهم بإحسانٍ إلى يوم الدين ، والحمد لله رب العالمين .
المقال السابق