عربي English עברית Deutsch Italiano 中文 Español Français Русский Indonesia Português Nederlands हिन्दी 日本の
  
  

   

تعليمه صلى الله عليه وسلم بالمُقايَسةِ والتمثيل

وتارةً كان صلى الله عليه وسلم يُقايِسُ لأصحابه الأحكامَ ويُعلِّلُها لهم ، إذا اشتبهتْ عليهم مَسالِكُها ، وغَمُضَ عليهم حُكمُها ، فيَتَّضِحُ لهم ما اشتَبَه أمْرُه ، وخَفِيَ فَهْمُه ، ويكونُ لهم من تلك المقايَسةِ معرفةٌ بمسالِكِ الشريعة ومقاصِدِها ، وفِقهٌ بمراميها البعيدة :

 

54 ـ روى البخاري1عن ابن عباس : ((أنَّ امرأةً من جُهَيْنة ، جاءت إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، فقالت : إنَّ أُمّي نذَرَتْ أن تَحُجّ ، فلم تَحجَّ حتى ماتَتْ ، أفأحُجَّ عنها؟ قال : نعم ، حُجّي عنها ، أرأيتِ2لو كان على أُمُّكِ دَيْن أكنتِ قاضِيَتَه؟ قالت : نعم ، فقال : اقْضوا اللهَ الذي له3، فإنَّ الله أحقُّ بالوفاء)) .

 

55 ـ ومن ذلك أيضاً ما رواه مسلم4عن أبي ذر الغِفاري رضي الله عنه : ((أنَّ ناساً من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ، قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم : يا رسول الله ، ذهَبَ أهلُ الدُّثور بالأُجور5، يُصَلّون كما نُصلّي ، ويَصومون كما نصوم ، ويَتصدَّقون بفُضولِ أموالِهم؟!6.

قال : أوَليس قد جعَلَ لكم ما تَصَدَّقون7؟ إنَّ بكل تسبيحةٍ صَدَقةً ، وكلِّ تكبيرةٍ صَدَقةً ، وكلِّ تحميدةٍ صَدَقةً ، وكلِّ تَهْليلةٍ صَدَقةً8، وأمْرٌ بالمعروفِ صَدَقةٌ ، ونَهْيٌ عن منكرٍ صَدَقةٌ ، وفي بُضْعِ أحدِكم صَدَقةٌ9.

قالوا : يا رسول الله ، أيأتي أحَدُنا شَهْوَتَه ويكونُ له فيها أجر؟ قال : أرأيتُم10لو وضَعَها في حرامٍ أكان عليه فيها وِزْر؟ فكذلك إذا وَضَعَها في الحلال كان له أَجْر)) .

فقايَسَ لهم صلى الله عليه وسلم مُقايَسةً عقليةً بين الأمرين ، حتى اتَّضح لهم الحكم ، وفهِموا ما لم يكن يَدورُ في خَلَدِهم ، وهو أنَّ مِثلَ هذا الاستمتاعِ المشروعِ يكون به للمرء أجرٌ وثواب ، لما يترتب عليه من الآثار الحسنة .

 

56 ـ وروى أبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه عن11سعد بن أبي وقّاص رضي الله عنه قال : سمعتُ النبي

صلى الله عليه وسلم يُسألُ عن شِراءِ التَّمْرِ بالرُّطَب12؟

فقال لمن حوله : ((أيَنقُصُ الرُّطَبُ إذا يَبِسَ؟ قالوا : نعم ، فنهى عن ذلك)) .

وبدَهيٌّ كلَّ البَداهةِ أن النبي صلى الله عليه وسلم كان عالماً أن الرطب ينقص إذا يبس ، فهو يعيشُ في قلب جزيرة العرب بلاد التَّمر والرُّطب ، وذلك أمرٌ لا يَخفى على أقلِّ الناس فيها ، ولكنه صلى الله عليه وسلم سألهم : هل ينقص الرطب إذا يبس؟ ليُنبِّه أصحابه وسامعيه وتابعيه ، إلى أنَّ علةَ النَّهي عن بيع الرطب بالتمر ، هي نقصه عند يُبسه ، فلا يجوز أن يباع هذا بهذا على سبيل التساوي بالكيل ، فأشعرَهم بعلةِ الحكم إذْ كان خَفِيّاً عليهم ، فكان ذلك قاعدةً في البيوع إلى آخر الزمن .

 

 

-------------------------------------

1 ـ 4 :55 في أبواب المحصر وجزاء الصيد (باب الحج والنذور عن الميت) .

2 ـ أي أخبِريني .

3 ـ جملة (الذي له) في آخر الحديث ليست في رواية نسخة البخاري المطبوعة مع ((فتح الباري)) ، وإنما هي من ((نصب الراية)) للحافظ الزيلعي 3 :158 ، وقد روى الحديث فيها عن البخاري .

4 ـ 7 :91 في كتاب الزكاة (باب بيان أن اسم الصدقة يقع على كل نوع من المعروف) .

5 ـ يعني : ذهب أهلُ الغِنى بالثواب .

6 ـ أي بما لديهم من أموال فائضة عن الحاجة .

7 ـ أي تَتَصدَّقون به .

8 ـ التهليلة قولُ الإنسان : لا إله إلاّ الله .

9 ـ أي في معاشرة الرجل زوجته الحلال له صدقة . وسمّى جزاءَ هذه الأعمال من التسبيح والتكبير والتحميد ... صَدَقةً على سبيلِ المقابلة وتجنيسِ الكلام ، أي كما أن للصدقةِ التي يَجودُ بها الاغنياءُ أهلُ الدثور ، على إخوانهم الفقراء المُعْوَزين أجراً وثواباً ، فكذلك لهذه الأعمال والطاعات أجرٌ وثوابٌ لفاعليها .

10 ـ أي أخبروني .

11 ـ أبو داود3 :341 في كتاب البيوع (باب في الثمر بالثمر)، والترمذي 3 :519 في البيوع أيضاً (باب ما جاء في النهي عن المُحاقَلة والمُزابَنة) ، والنسائي 7 :269 باب (اشتراء الثمر بالرطب) ، وابن ماجه 2 :761 في كتاب التجارات (باب بيع الرُّطب بالتمر) .

12 ـ الرُّطَبُ هو التمر قبل أن يَتمَّ استِواؤُه ويُبسُهُ .




                      المقال السابق                       المقال التالى




Bookmark and Share


أضف تعليق