هديه في التعامل مع أقاربه  صلى الله عليه وسلم :
	ليس مفهوم الأسرة في الإسلام مقصورا على أصول الإنسان وفروعه فقط ، بل إنه ليشمل من هو أبعد منهم من العصبة وذوي الأرحام .
	وللقرابة من جهة الأمومة أو الأبوة حقوق عظيمة في الشريعة الإسلامية ، يجب صيانتها ورعايتها قال تعالى : {وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَلاَ تُبَذِّرْ تَبْذِيراً } [1].
	قال ابن عاشور رحمه الله :    وللقرابة حقان : حق الصلة ، وحق المواساة ، وقد جمعهما جنس الحق في قوله  صلى الله عليه و سلم حقه ) ، وقد بينت أدلة شرعية حقوق ذي القربى ومراتبها ، من : واجبة مثل بعض النفقة على بعض القرابة مبينة شروطها عند الفقهاء ، وغير واجبة مثل الإحسان ... )) [2].
	 
	   وعن بهز بن حكيم عن أبيه عن جده قال : قلت يا رسول الله من أبر ؟ قال :   أمك )) قال : قلت : ثم من ؟ قال :    أمك )) قال : قلت ثم من ؟ قال :    أمك )) قال : قلت : ثم من ؟ قال :    ثم أباك ، ثم الأقرب فالأقرب )) [3].
	وفي الحديث الحث على الإحسان إلى الوالدين ، وكذلك إلى ذوي القرابة ، وأحقهم بالبر والإحسان أقربهم جهة ودرجة .
	 
	هذا ، وقد جسد النبي  صلى الله عليه وسلم في سيرته مع أقاربه أروع معاني البر والإحسان ، وقد عم بره وإحسانه القريب منهم والبعيد ، والذكر والأنثى ، والمسلم والكافر ، وفي هذا المبحث سوف نذكر بعض مظاهر هذا البر والإحسان إن شاء الله تعالى في المطالب التالية :
	 
	المطلب الأول : النبي  صلى الله عليه وسلم في كفالة أقاربه .
	من المعروف لكل قارئ للسيرة النبوية أن رسول الله  صلى الله عليه وسلم ولد يتيما ، حيث توفي أبوه عبد الله وهو في بطن أمه على أصح الأقوال ، [4]ولم يبق في حضن أمه آمنة بنت وهب إلا ست سنوات ، تخللتها سني الرضاع لدى بادية بني سعد . [5]
	ثم انتقلت حضانته إلى جده عبد المطلب الذي    ضمه ورق عليه رقة لم يرقها على ولده ، وكان يقربه منه ويدنيه ، ويدخل عليه إذا خلا وإذا نام ، وكان يجلس على فراشه )) [6]، ومدة حضانته له سنتان .
	ولما حضر عبد المطلب الوفاة أوصى أبا طالب بحفظ محمد وحياطته ، فصار عنده مكرما معززا إلى أن بلغ أشده .
	ولما أكرمه الله تعالى بالرسالة حماه أبو طالب من أذى المشركين من قريش ، وإن لم يدخل في دينه ، وحاولت قريش مرات عديدة الضغط على أبي طالب ليتخلى عن رسول الله  صلى الله عليه وسلم ويترك نصرته وحمايته ، وفشلت كل تلك المحاولات . [7]
	 
	 
	قال عقيل بن أبي طالب :    جاءت قريش إلى أبي طالب فقالوا : إن ابن أخيك هذا قد آذانا في نادينا ومسجدنا ، فانهه عنا ، فقال : يا عقيل انطلق فأتني بمحمد ، فانطلقت فاستخرجته من كنس ، أو قال خنس    بيت صغير )) فجاء به في الظهيرة في شدة الحر ، فلما أتاهم قال : إن بني عمك هؤلاء زعموا أنك تؤذيهم في ناديهم ومسجدهم ، فانته عن أذاهم ، فحلق رسول الله  صلى الله عليه وسلم ببصره إلى السماء ، فقال :    ترون هذه الشمس ؟ )) قالوا : نعم ، قال :    فما أنا بأقدر أن أدع ذلك منكم على أن تشتعلوا منها بشعلة )) ، فقال أبو طالب : والله ما كذب ابن أخي قط ، فارجعوا )) [8].
	 
	 
	ولم تيأس قريش من محاولاتهم و مكائدهم الخبيثة في مساومة أبي طالب في ابن أخيه ، ورجعوا إليه مرة أخرى بأسلوب يظنون أنه سيقبله ، فقالوا :    يا أبا طالب هذا عمارة بن الوليد أنهد فتى في قريش وأجمله ، فخذه فلك عقله ونصره ، واتخذه ولدا فهو لك ، وأسلم إلينا ابن أخيك هذا الذي خالف دينك ودين آبائك ، وفرق جماعة قومك ، وسفه أحلامهم ، فنقتله ، فإنما هو رجل برجل ، فقال : والله لبئس ما تسومونني ، أتعطوني ابنكم أغذوه لكم ، وأعطيكم ابني تقتلونه ، هذا والله ما  لا تكون أبدا ... )) [9].
	 
	 
	وقد ثبت أبوا طالب على هذه المواقف المشرفة إلى أن توفي وهو على دين قومه ، ولكن لم يخذل رسول الله قط ولم يتركه مع أعدائه أبدا .
	وهناك موقف آخر من ذوي قرابته في النصرة والحماية له دلالاته الاجتماعية واعتباراته الإنسانية ، وهو موقف عمه العباس بن عبد المطلب وشهوده لبيعة العقبة الثانية ، حيث كان هو أول المتكلمين وهو آنذاك على دين قومه ، إلا أنه أحب أن يحضر أمر ابن أخيه ويتوثق له ، فقال :    يا معشر الخزرج إن محمدا منا حيث قد علمتم ، وقد منعناه من قومنا ، ممن هو على مثل رأينا فيه ، وهو في عز من قومه ، ومنعة في بلده ... )) [10]. وكان يريد أن يتأكد من صدق الوفد في حماية رسول الله  صلى الله عليه وسلم  و إلا يتركوه . 
	وكل هذه المواقف المؤازرة لرسول الله من أقاربه كانت محفوظة في خلده ، لم ينسه يوما من الأيام ، بل كان يذكرها دوما ويشكرها .
	 
	-----------------------------------------
	[1]سورة الإسراء الآية 26
	[2]التحرير والنوير ( 14 / 61 )
	[3]سنن الترمذي ( 4 / 309 )
	[4]الطبقات الكبرى لابن سعد ( 1 / 100 )
	[5]السيرة النبوية في ضوء المصادر الأصلية ص 110
	[6]الطبقات الكبرى لابن سعد ( 1 / 118 )
	[7]السيرة النبوية لعلي الصلابي (1 / 199 )
	[8]السيرة النبوية لابن كثير ( 1 / 463 )
	[9]السيرة النبوية لابن هشام ( 2 / 102 )
	[10]مسند الإمام أحمد ( 3 / 461 )