عربي English עברית Deutsch Italiano 中文 Español Français Русский Indonesia Português Nederlands हिन्दी 日本の
  
  

   

المبحث الثالث : هديه  صلى الله عليه وسلم في التعامل مع أولاده .

يعتبر التعامل مع الأولاد من أبرز أخلاقيات التعامل الأسري لأن الأولاد على اختلافهم في الجنس والسن ، وكونهم في بعض الأحيان من أمهات شتى ، يعدون من أهم العناصر في الأسرة ، ولابد في التعامل معهم من التحلي بالأخلاق الاجتماعية والأحاسيس الإنسانية والعواطف الأبوية .

 

وقد كان النبي  صلى الله عليه وسلم خير أب لأولاده وأرحم رجل لعياله    عن أنس  رضي الله عنه قال : ما رأيت رجلا أرحم بالعيال من رسول الله  eكان إبراهيم مسترضعا في عوالي المدينة ، وكان ينطلق ونحن معه فيدخل إلى البيت وإنه ليدجن ، وكان ظئره قينا ، فيأخذه فيقبله ثم يرجع )) [1].

 

وهدي النبي في تعامله مع أولاده يعكس جانبا آخر من كماله ، ويبرز وجها لطيفا من مكارم أخلاقه ، وفي المطالب الآتية نشاهد حلقات من سيرة الأب الرحيم والجد الحنون محمد  صلى الله عليه وسلم .

 

 

 الأنبياء عليهم الصلاة والسلام ونعمة الأولاد والذرية .

إن من أجل النعم الإلهية والمنن الربانية التي حبا الله بها البشر الأولاد والذرية قال تعالى : {وَاللّهُ جَعَلَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً وَجَعَلَ لَكُم مِّنْ أَزْوَاجِكُم بَنِينَ وَحَفَدَةً وَرَزَقَكُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ أَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَتِ اللّهِ هُمْ يَكْفُرُونَ }  [2].

قال السعدي رحمه الله :    يخبر تعالى عن مننه العظيمة على عباده حيث جعل لهم أزواجا ليسكنوا إليها ، وجعل لهم من أزواجهم أولادا تقر بهم عيونهم ويخدمونهم ويقضون حوائجهم ، وينتفعون بهم من وجوه كثيرة )) [3].

وقد من الله على الأنبياء والمرسلين عليهم الصلاة والسلام نعمة الأولاد والذرية ، قال تعالى : {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلاً مِّن قَبْلِكَ وَجَعَلْنَا لَهُمْ أَزْوَاجاً وَذُرِّيَّةً وَمَا كَانَ لِرَسُولٍ أَن يَأْتِيَ بِآيَةٍ إِلاَّ بِإِذْنِ اللّهِ لِكُلِّ أَجَلٍ كِتَابٌ } [4].

وهناك حكم وأسرار لجعل الله لأنبيائه ورسله عليهم الصلاة والسلام أزواجا وذرية يظهر لي منها ما يلي :

 

 

التأكيد على بشريتهم عليهم الصلاة والسلام .
وذلك سدا لذريعة تأليههم والغلو في حقهم عليهم الصلاة والسلام ، كما وقع بنو إسرائيل في تأليه أنبيائهم واعتقادهم فيهم ما يخرجهم من دائرة البشرية قال تعالى : {وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللّهِ وَقَالَتْ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللّهِ ذَلِكَ قَوْلُهُم بِأَفْوَاهِهِمْ يُضَاهِؤُونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن قَبْلُ قَاتَلَهُمُ اللّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ } [5].

   ومما لاشك فيه أن الأنبياء هم أوعى البشر بحقيقة الألوهية ، ومعرفة استحقاق الإله وحده للعبادة ، وذلك بما اختصهم الله من علم الوحي الإلهي ، فالتمييز عندهم واضح بين ما هو حق لله وحق للنبي ؛ لذا نفى القرآن الكريم أن يوجهوا الناس إلى عبادتهم بدلا من عبادة الله قال تعالى : {مَا كَانَ لِبَشَرٍ أَن يُؤْتِيَهُ اللّهُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ ثُمَّ يَقُولَ لِلنَّاسِ كُونُواْ عِبَاداً لِّي مِن دُونِ اللّهِ وَلَـكِن كُونُواْ رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنتُمْ تَدْرُسُونَ } [6].

والبشرية بلوازمها وآثارها مناقضة للألوهية والربوبية ، كما قال تعالى : {مَا كَانَ لِلَّهِ أَن يَتَّخِذَ مِن وَلَدٍ سُبْحَانَهُ إِذَا قَضَى أَمْراً فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُن فَيَكُونُ } [7].

 

دفع توهم النقص في حقهم عليهم الصلاة والسلام .
فالأنبياء عليهم الصلاة و السلام منزهون من أي نقص من الخلق أو الخلق ، حتى لا يؤدي ذلك إلى تحقيرهم ونبذهم من قبل من أرسل إليهم ، ولذلك لما تأخر نسل خديجة من رسول  eسارع الكفار إلى تعييره فقالوا هو أبتر فأنزل الله سورة الكوثر : { إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ  فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ  إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَر } [8].

   عن ابن عباس رضيَ الله عنهما قال : ولدت خديجة من رسول الله صلى الله عليه وسلم عبد الله بن محمد ، ثم أبطأ عليه الولد من بعده ، فبينا رسول الله  صلى الله عليه وسلم يكلم رجلا والعاص بن وائل ينظر إذ قال له رجل من هذا ؟ فقال هذا الأبتر )) [9].

 

 

مساعدتهم - عليهم الصلاة و السلام - على نوائب الحياة ومهمات الرسالة
الأولاد والذرية الصالحة عون للإنسان في الدين والحياة ، فقد كان سليمان بن داود نبيا هو وأبوه عليهما الصلاة والسلام ، يدعوان الناس إلى عبادة الله تعالى ، ويحكمان بينهم بالحق ، قال تعالى : {وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ عِلْماً وَقَالَا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي فَضَّلَنَا عَلَى كَثِيرٍ مِّنْ عِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُودَ وَقَالَ يَا أَيُّهَا النَّاسُ عُلِّمْنَا مَنطِقَ الطَّيْرِ وَأُوتِينَا مِن كُلِّ شَيْءٍ إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْفَضْلُ الْمُبِينُ } [10]، وقال عز وجل : { وَدَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ إِذْ يَحْكُمَانِ فِي الْحَرْثِ إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شَاهِدِينَ  فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ وَكُلّاً آتَيْنَا حُكْماً وَعِلْماً وَسَخَّرْنَا مَعَ دَاوُودَ الْجِبَالَ يُسَبِّحْنَ وَالطَّيْرَ وَكُنَّا فَاعِلِينَ } [11].

وكان إخوة يوسف عليه الصلاة والسلام سندا لأبيهم عند الشدائد وعونا لهم في المجاعات قال تعالى : {فَلَمَّا دَخَلُواْ عَلَيْهِ قَالُواْ يَا أَيُّهَا الْعَزِيزُ مَسَّنَا وَأَهْلَنَا الضُّرُّ وَجِئْنَا بِبِضَاعَةٍ مُّزْجَاةٍ فَأَوْفِ لَنَا الْكَيْلَ وَتَصَدَّقْ عَلَيْنَا إِنَّ اللّهَ يَجْزِي الْمُتَصَدِّقِينَ } [12]

 

بيان ما يتعلق بالأولاد والذرية من واجبات الدين وأحكام الشريعة .
إنه لحكمة بالغة أن يهب الله لأنبيائه ورسله عليهم الصلاة والسلام أولادا وذرية فيعيشوا معهم في أسرة واحدة ، ويربوهم على الإيمان والطاعة ويغرسوا فيهم الفضائل ، وقد قص الله تعالى علينا صورا من دعوة الأنبياء عليهم الصلاة و السلام لأولادهم وذريتهم  .

قال تعالى في دعوة نوح عليه الصلاة والسلام لابنه إلى الإيمان وترك مصاحبة الكفار واتباعهم : { وَنَادَى نُوحٌ ابْنَهُ وَكَانَ فِي مَعْزِلٍ يَا بُنَيَّ ارْكَب مَّعَنَا وَلاَ تَكُن مَّعَ الْكَافِرِينَ  قَالَ سَآوِي إِلَى جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ الْمَاء قَالَ لاَ عَاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللّهِ إِلاَّ مَن رَّحِمَ وَحَالَ بَيْنَهُمَا الْمَوْجُ فَكَانَ مِنَ الْمُغْرَقِينَ } [13].

وقال تعالى في توصية إبراهيم عليه الصلاة و السلام بنيه بالتوحيد : {وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَا بَنِيَّ إِنَّ اللّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلاَ تَمُوتُنَّ إَلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ }[14].

وقال تعالى في أمر إسماعيل عليه الصلاة والسلام أهله بعبادة الله وملازمة طاعته : {وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِسْمَاعِيلَ إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ وَكَانَ رَسُولاً نَّبِيّاً وَكَانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ وَكَانَ عِندَ رَبِّهِ مَرْضِيّاً } [15].

ولما نزل قوله تعالى : {وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ } [16]، دعا رسول الله  eابنته فاطمة وقال لها :    يا فاطمة بنت محمد أنقذي نفسك من النار ، فإني والله لا أملك لكم من الله شيئا ، إلا أن لكم رحما سأبلها ببلالها ))  [17].

قالت السيدة عائشة بنت الشاطئ رحمها الله تعالى :    وقد كان محمد النبي  eالقدوة الصالحة للمؤمنين والمثل الأعلى فيهم ، فرأى المسلمون من أفعاله وسمعوا من أحاديثه ما لمس أعمق المشاعر الأبوة فيهم ، واستثار أنبل ما في نفوسهم التي جبلت على توقير الآباء ورعاية الأبناء )) [18].

والمقلب لصفحات السيرة النبوية والناظر في دواوين السنة يرى من هدي النبي  eفي التعامل مع الأولاد ما يبهر العقول ويأخذ الألباب.

 

إسعادهم - عليهم الصلاة والسلام - بنعمة الأولاد والذرية .
إن من أعظم ملذات الحياة وأبهج زينتها المال والبنون ، قال تعالى : {الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِندَ رَبِّكَ ثَوَاباً وَخَيْرٌ أَمَلاً } [19].

وقد متع الله أنبيائه - عليهم الصلاة والسلام - بنعمة المال والبنين ، وأسعدهم بها .

كان مما جاءت به الملائكة من البشرى إلى إبراهيم - عليه الصلاة والسلام - نعمة الأولاد قال تعالى : { وَامْرَأَتُهُ قَآئِمَةٌ فَضَحِكَتْ فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَاقَ وَمِن وَرَاء إِسْحَاقَ يَعْقُوبَ  قَالَتْ يَا وَيْلَتَى أَأَلِدُ وَأَنَاْ عَجُوزٌ وَهَـذَا بَعْلِي شَيْخاً إِنَّ هَـذَا لَشَيْءٌ عَجِيبٌ  قَالُواْ أَتَعْجَبِينَ مِنْ أَمْرِ اللّهِ رَحْمَتُ اللّهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ إِنَّهُ حَمِيدٌ مَّجِيدٌ } [20].

 وما حزن يعقوب الشديد على ابنه يوسف - عليهما الصلاة والسلام - إلا مظهرا من مظاهر حبه له وتعلق قلبه به كما في قوله تعالى : {وَتَوَلَّى عَنْهُمْ وَقَالَ يَا أَسَفَى عَلَى يُوسُفَ وَابْيَضَّتْ عَيْنَاهُ مِنَ الْحُزْنِ فَهُوَ كَظِيمٌ } [21].

وسأل زكريا - عليه الصلاة و السلام - ربه ولدا صالحا يرثه من بعده ، قال تعالى: { كهيعص ذِكْرُ رَحْمَةِ رَبِّكَ عَبْدَهُ زَكَرِيَّا  إِذْ نَادَى رَبَّهُ نِدَاء خَفِيّاً  قَالَ رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْباً وَلَمْ أَكُن بِدُعَائِكَ رَبِّ شَقِيّاً وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوَالِيَ مِن وَرَائِي وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِراً فَهَبْ لِي مِن لَّدُنكَ وَلِيّاً  يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ وَاجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيّاً }[22].

   وقد ظل محمد  صلى الله عليه وسلم حتى أخريات عمره يشتاق الولد ويتلمس الوسيلة إليه ، حتى إذا وهبه الله على الكبر غلاما ، وامتلأت نفسه الكبيرة غبطة وهناءة وفرحا، لولا أن الله لم يمهل إبراهيم غير ثمانية عشر شهرا ثم قبضه إليه ، فحزن الأب الثاكل لفقده أشد الحزن، ولم يكتم ألمه ولم يملك دموعه... ))  [23].

 

--------------------------------------------------------------------------------

[1]صحيح مسلم ( 4 / 1808 )

[2]سورة النحل الآية 72

[3]تسير الكريم الرحمان ص 444

[4]سورة الرعد الآية 38

[5]سورة التوبة الآية 30

[6]سورة آل عمران الآية 79

[7]سورة مريم الآية 35

[8]سورة الكوثر .

[9]السيرة النبوية لابن كثير ( 4 / 607 )

[10]سورة النمل الآيتان 15 ، 16

[11]سورة الأنبياء الآيتان 78 ، 79

[12]سورة يوسف الآية 88

[13]سورة هود الآيتان 42، 43

[14]سورة البقرة الآية 132

[15]سورة مريم الآيتان 54 ، 55

[16]سورة الشعراء الآية 214

[17]السيرة النبوية لابن كثير ( 1 / 456 )

[18]تراجم سيدات بيت النبوة ص 438

[19]سورة الكهف الآية 46

[20]سورة هود الآيات 71 ، 72 ، 73

[21]سورة يوسف الآية 84

[22]سورة مريم الآيات 1 _ 6

[23]تراجم سيدات بيت النبوية ص 486




                      المقال السابق                       المقال التالى




Bookmark and Share


أضف تعليق