لا شك أن عرض المادة وتقديمها عن طريق الإلقاء ، وسيلة جيدة في التحصيل والتعليم ، ولكن هذه الوسيلة تبلغ ذروتها إذا انضاف إليها وسيلة أخرى ، وهي الأسلوب العلمي ، فإذا اشترك الأسلوب النظري مع الأسلوب العملي في آن واحد أثناء التعليم ، كان ذلك عاملاً قوياً في ترسيخ المعلومات في ذهن الطالب ، ومثبت لها من النسيان والأسلوب العملي قد يكون من جهة المعلم ، وقد يكون من جهة المتعلم ، أي أن الفعل قد يكن من المعلم ، وقد يكون من المتعلم :
وإليك بسطاً لكل منهما :
أ) الأسلوب العملي من قبل المعلم :
1- حديث سهل بن سعد [ وفيه صلاة النبي صلى الله عليه وسلم على المنبر ] قال ...
( ثم رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى عليها وكبر وهو عليها ، ثم ركع وهو عليها ، ثم نزل القهقري ، فسجد في أصل المنبر ، ثم عاد ، فلما فرغ أقبل على الناس فقال : أيها الناس : إنما صنعت هذا لتأتموا بي ولتعلموا صلاتي )
2- عن أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم رأي نخامة في القبلة فشق ذلك عليه حتى رؤي في وجهه ، فقام فحكه بيده فقال : " إن ربه بينه وبين القبلة ـ فلا يبزقن أحدكم قبل قبلته ولكن عن يساره أو تحت قدمه " ثم أخذ طرف ردائه فبصق فيه ، ثم رد بعضه على بعض فقال : ( أول يفعل هكذا ) قال الحافظ عند قوله : ( ثم أخذ طرف ردائه .. الخ ) فيه البيان بالفعل ليكون أوقع في نفس السامح )
3- ومثله الحديث الذي رواه البخاري ، وفيه أن عثمان بن عفان رضي الله عنه توضاً ثم قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( من توضأ نحو وضوئي هذا ، ثم صلى ركعتين لا يحدث فيهما نفسه ، غفر له ما تقدم من ذنبه ) قال ابن حجر : وفي الحديث التعليم بالفعل لكونه أبلغ وأضبط للمتعلم ومثله قوله عليه الصلاة والسلام في الحج ( خذوا عني مناسككم ) والأمثلة كثيرة في هذا الباب ، وفيما سبق غنيه عن الإطالة ، فعلى المعلم أن يعتني بهذا الأسلوب فإنه ناجع ومفيد . وزيادة على ما مضى فإن هذا الأسلوب يختصر المسافة على المعلم في ضرب الأمثلة ، ويوفر الوقت والجهد ، فبدلاً من أن يحفظهم صفه الوضوء ت مثلاً ـ ويستهلك وقتاً طويلاً في تعليمهم ، يكفيه أن يحضر الماء ويطبقه علمياً أمامهم ثم يجعلهم يفعلون ذلك عملياً بتطبيق ما شاهدوه ويطبقه عملياً أمامهم ثم يجعلهم يفعلون ذلك عملياً بتطبيق ما شاهدوه من معلمهم على أنفسهم . وكذلك الأمر في تعليم الصلاة ونحوها .
وعلى المعلم أن يتذكر أن استخدام الأسلوب العملي في التعليم لا يتأتى لكل مادة علمية ، ولكن عليه أن يبذل جهده في استخدام هذا الأسلوب أثناء أداءه لمهمة التعليمية ، فإنه مجرب ومفيد في خفظ المعلومات واستخدامها في الذهن .
ب ) الأسلوب العملي من قبل المتعلم :
1- عن أبي هريرة رضي الله عنه ( أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل المسجد فدخل رجل فصلى، ثم جاء فسلم على النبي صلى الله عليه وسلم ، فرد النبي صلى الله عليه وسلم عليه السلام قال : ارجع فصل فإنك لم تصل ، فرجع الرجل فصلى كما كان صلى .
ثم جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فسلم عليه . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( وعليك السلام ) ثم قال : ارجع فصل فإنك لم تصل ) حتى فعل ذلك ثلاث مرات . فقال الرجل : والذي بعثك بالحق ! ما أحسن غير هذا . علمني . قال : ( إذا قمت إلى الصلاة فكبر . ثم أقرأ ما تيسر معك من القرآن . ثم اركع حتى تطمئن اركعاً ، ثم أرفع حتى تعدل قائماً .ثم اسجد حتى تطمئن ساجدا . ثم ارفع حتى تطمئن جالساً . ثم أفعل ذلك في صلاتك كلها ) فهذا الحديث فيه تعليم الرسول صلى الله عليه وسلم ، لذلك الذي أساء في صلاته ولم يحسن فيها ، بأسلوب عملي يجمل المتعلم يكتشف الخطأ الذي وقع فيه بنفسه ، وذلك يتبين من رد النبي صلى الله عليه وسلم ، لذلك المصلي ثلاث مرات ، لعله يكتشف سبب أمر النبي صلى الله عليه وسلم له بإعادة الصلاة . يقول القاضي عياض : فإن قيل لم سكت النبي صلى الله عليه وسلم عن تعليمه أولى حتى أفترق إلى المراجعة كره بعد أخرى ، فلنا لأن الرجل لما لم يستكشف الحال مغتراً بما سكت عن تعليمه زجراً له وإرشاداً إلى أنه ينبغي له أن يستكشف ما استبهم عليه ، فلما طلب كشف الحال بينه بحسن المقال .. وقال ابن دقيق العيد : لاشك في زيادة قبول المتعلم لما يلقي إليه بعد تكرار فعله واستجماع نفسه وتوجه سؤاله مصلحة مانعة من وجوب المبادرة إلى لاسيما مع عدم الخوف وقال النووي : وإنما لم يعلمه أولاً ليكون أبلغ في تعريف غيره بصفة الصلاة المجزئة .
1- عن أنس بن مالك ، أن رجلاً سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن وقت صلاة الفجر ، فقال :صلها معنا غداً ، فصلاها النبي صلى الله عليه وسلم بغلس ، فلما كان اليوم الثاني أخر حتى أسفر ، ثم قال : أين السائل عن وقت الصلاة ؟ فقال الرجل : أنا يانبي الله فقال النبي صلى الله عليه وسلم: أليس قد حضرتها معنا أمس واليوم ؟ قال : بلى . قال . فما بينهما وقت " قال ابن عبد البر وقد يكون البيان بالفعل أثبت أحياناً فيما فيه عمل من القول ، وقد قال صلى الله عليه وسلم : " ليس الخبر كالمعاينة " .
الخلاصة :
1) الجمع بين الأسلوب النظري والأسلوب العملي في التعليم ، من الوسائل النافعة في التربية والتعليم .
2) هذه الطريقة تختصر الطريق على المعلم ، وتوفر الوقت والجهد .
3) إشراف الطلاب في التطبيق العملي ، لكي تتم الفائدة .
4) على المعلم كراسة الواجبات إلى الطالب بدون تصحيح لكي يعيد النظر فيها وكتشف الخطأ بنفسه .
5) ممارسة الشيء وتطبيقه ، عامل قوي في حفظ المعلومة وصيانتها عن النسيان.