كـن مستعدا للدعـابة:
مع الابتسامة ينتشر في الجو شئ من الفرحة للقلب، وشئ من الحب أيضا، كان النبي يداعب أصحابه، ويأمرهم بها، روحوا عن القلوب ساعة بعد ساعة، احفظ في ذاكرتك بعضا من الدعابات، فالناس تحبها، تحب جو البهجة، استمعت إلى شريط لداعية في سيارة أحد الأصدقاء، أضحكني حتى نزلت دموعي، مع المعلومة، ومع الدعوة يرسل إشارات الفرحة للآخرين. فيحبون رسالتك من أجل ابتسامتك.
يقول الرسول الكريم عليه الصلاة والسلام: روحوا عن أنفسكم، فإن القلوبَ إذا كلَّت ملَّت، وإذا ملَّت عميت. انشر الدعابة معك حولك لمن هم معك، هكذا كان يفعل النبي صلى الله عليه وسلم، ولم يكن في دعاباته يقول إلا حقا، وهكذا أمرنا أيضا، تلك بعضا من دعاباته التي حفظتها لنا كتب السيرة:
جاءته امرأة عجوز من الصحابيات إلى فقالت له: يا رسول الله ادع الله أن يدخلني الجنة، فداعبها صلى الله عليه وسلم قائلاً: إن الجنة لا تدخلها عجوز، فانصرفت العجوز باكية، فقال النبي صلى الله عليه وسلم للحاضرين: أخبروها أنها لا تدخلها وهي عجوز، إن الله تعالى يقول {إنَّا أنشأناهن إنشاءً فجعلناهن أبكاراً} أي أنها حين تدخل الجنة سيعيد الله إليها شبابها وجمالها.
ويحكي أنس قصة أخرى مع الرسول فيقول: كان رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم من أحسن الناس خُلقاً، فأرسلني يوماً لحاجة فقلت: واللّه لا أذهب، وفي نفسي أن أذهب لما أمرني به نبي اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال: فخرجت، حتى أمُرَّ على صبيان وهم يلعبون في السوق، فإِذا رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قابض بقفاي من ورائي فنظرت إليه وهو يضحك، فقال: يا أنيس، اذهب حيث أمرتك قلت: نعم، أنا أذهب يارسول اللّه!
عن أنس، أن رجلاً أتى النبي صلى اللّه عليه وسلم فقال: يارسول اللّه احملني، قال النبي صلى اللّه عليه وسلم: إنا حاملوك على ولد ناقةٍ. قال: وما أصنع بولد الناقة؟ فقال النبي صلى اللّه عليه وسلم: وهل تلد الإِبلَ إلاَّ النوقُ؟ ([1]).
استأذن عمر بن الخطاب على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعنده نسوة من قريش يكلمنه ويستكثرنه، عالية أصواتهن على صوته، فلما استأذن عمر بن الخطاب قمن فبادرن الحجاب، فأذن له رسول الله صلى الله عليه وسلم فدخل عمر ورسول الله صلى الله عليه وسلم يضحك، فقال عمر: أضحك الله سنك يا رسول الله، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: عجبت من هؤلاء اللاتي كن عندي، فلما سمعن صوتك ابتدرن الحجاب. فقال عمر: فأنت أحق أن يهبن يا رسول الله، ثم قال عمر: يا عدوات أنفسهن أتهبنني ولا تهبن رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقلن: نعم أنت أفظ وأغلظ من رسول الله صلى الله عليه وسلم.
في قصة أخرى استأذن أبو بكر رحمة اللّه عليه على النبي صلى اللّه عليه وسلم فسمع صوت عائشة عالياً، فلما دخل تناولها ليلطمها وقال: ألا أراك ترفعين صوتك على رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، فجعل النبيُّ صلى اللّه عليه وسلم يحجزه، وخرج أبو بكر مغضباً، فقال النبي صلى اللّه عليه وسلم حين خرج أبو بكر:كيف رأيتني أنقذتك من الرجل؟!
كان النبي – صلى الله عليه وسلم – لا يرى إلا متبسما، حتى إنه ليخيل لمن رآه أنه من أحب الناس إليه، ففي الحديث عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قالوا: يا رسول الله، إنك تداعبنا، قال: إني لا أقول إلا حقاً، وعن أنس بن مالك رضي الله عنه أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – قال له: يا ذا الأذنين. يمازحه، يقول أنس: إن كان رسول الله – صلى الله عليه وسلم – ليخالطنا حتى يقول لأخ لي صغير: يا أبا عمير ما فعل النغير.
كان رجلاً على عهد النبي صلى الله عليه وسلم كان اسمه عبد الله، وكان يلقب حماراً، وكان يضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم.
احتضن النبي – صلى الله عليه وسلم – رجل يدعى زاهرا وهو من البادية، من خلفه وهو لا يبصره وقال: من يشتري هذا العبد؟ – وهـو عبد الله دون شك – فقال زاهر: إذن والله تجدني كاسداً، فقال له– صلى الله عليه وسلم -: لكن عند الله لست بكاسد.
هل رأيت أحدا بمرض الموت يعرف أنه سيموت فيضحك؟ النبي الكريم صلى الله عليه وسلم فعل هذا، عن الزهري قال: أخبرني أنس بن مالك الأنصاري: أن أبا بكر كان يصلي لهم في وجع النبي صلى الله عليه وسلم الذي توفي فيه، حتى إذا كان يوم الاثنين، وهم صفوف في الصلاة، فكشف النبي صلى الله عليه وسلم ستر الحجرة، ينظر إلينا وهو قائم، كأن وجهه ورقة مصحف، ثم تبسم يضحك، فهممنا أن نفتن من الفرح برؤية النبي صلى الله عليه وسلم، فنكص أبو بكر على عقبيه ليصل الصف، وظن أن النبي صلى الله عليه وسلم خارج إلى الصلاة، فأشار إلينا النبي صلى الله عليه وسلم: أن أتموا صلاتكم. وأرخى الستر، فتوفي من يومه
ابتسم وكن مستعدا للدعابة، إنها تجذب القلوب، تحيي الحب والمودة بين الناس، وازن بينها وبين الجد والرزانة فلا يطغى أحداهما على الأخرى، فإنها ان طغت أضعفت شخصيتك، وإن قلت زادتك خشونة.
--------------------------------------------------------------------------------
[1] سنن أبي داوود، كتاب الأدب