عربي English עברית Deutsch Italiano 中文 Español Français Русский Indonesia Português Nederlands हिन्दी 日本の
  
  

   

 

امنح الناس قدرهم، الناس كلهم مثلك، ومثلي أيضا، حاجاتهم المادية مرتبطة بحاجتهم المعنوية في الحصول على التقدير من الآخرين، صغيرا كنت دائما أحاول إعطاء لمعة وبريق للمواقف التي تحدث لي عند الحديث مع الأصدقاء،كنت أشعر برغبة في أن يكون لي أهميتي وسط الناس، أحيانا أيضا أجد نفسي أنزلق للكذب، كانت عندي الرغبة بالظهور بمظهر أفضل دائما مما أنا عليه، كلنا أنا، كلنا نحب هذا ونفعله بطريقة ما، وإذا ما مدحني أحد أشعر بالراحة، كثيرا اجتهدت للحصول على هذا المديح، تدريجيا مع ممارساتي وخبراتي، مع قراءاتي ومعرفتي، وجدت أن للأمر جذورا متعمقة في الناس ونفوسهم، ربما خلقنا الله بها، أو خلقها فينا، أصيلة هي إذن في نفوسنا كما أظن، جون ديوي يقول إن أكبر دافع في النفس البشرية هو أن يكون مهما، أن يشعر بالعظمة، كثيرون ينفقون الأموال، يتبرعون بها، أو لبناء مشاريع ومستشفيات ومساجد وربما أكثر، يريدون أن يشير إليهم الناس، أن تخلد ذكراهم، أن يشبعون الرغبة في الحصول على الإعجاب من الآخرين، في إشباع الشعور بأنهم عظماء، مميزون، مختلفون.

 

تعامل الرسول مع تلك النقطة الهامة كان مختلفا عمن سبقه، ومن لحق به أيضا، كانت معاملة أقل ما يقال عنها أو توصف يه أنها رائعة ومميزة، أعجبتني كما لم يعجبني في علم النفس كله شئ، انبهرت لها وأجللتها.

 

أول الحدود التي رسمها النبي صلى الله عليه وسلم هي احترام الآخرين، وعدم نقدك لهم، بهذا تضمن احترامك، احترام الآخرين لك، عدم الإهانة أو الذل أو إراقة ماء وجهك أمام الآخرين، تلك أولى أهم القواعد التي تعلمتها في هذا الموضوع، حكى أن رجلا أسود قليل الشأن في القوم كان يذهب للصلاة مع الصحابة، ولما غاب يوما سأل النبي عنه، تعجب الصحابة من السؤال، هم ظنوا أن لا شأن له ولا وزن بينهم، النبي كان له رأي أخر، هم تعلموا منه صلى الله عليه وسلم، ذكروا له أنه مات، سأل النبي عن قبره، ذهب فصلى عليه واستغفر له! ليس عجيبا أن يفعل النبي هذا فقد احترمه ميتا، ما بالك بالأحياء اذن! أولى القواعد في التعامل مع الآخرين وإشباع رغبتهم هي أن تحترمهم، تجعل الحدود مرسومة بدقة بينك وبينهم فلا يطغى حد أحد على حدود آخرين، كان النبي صلى الله عليه وسلم في تعامله يحترم الناس، حتى الكفار منهم، لا يهينهم، ولا يقلل من قدرهم، لا يعيبهم، ولا يشير لمواضع ضعفهم، حتى وإن أساءوا هم، من قصصه الكريمة صلى الله عليه وسلم التي رواها أنس ابن مالك: إنّ النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أدركه اعرابي فأخذ بردائه فجذبه جذبة شديدة حتى نظرت إلى صفحة عنق رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)وقد أثرت بها حاشية الرداء من شدة جذبته، ثمّ قال له: يا محمد مُر لي من مال الله الذي عندك، فالتفت إليه رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فضحك، وأمر له بعطاء. قال تعالى: وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ ([1])،

 احترام الآخرين، لا تؤذي مشاعرهم، ولا تقلل من قدرهم ومنازلهم، يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: المؤمن يألف ويؤلف ولا خير فيمن لا يألف ولا يؤلف  وخير الناس أنفعهم للناس. كن للناس أقرب، وبهم أرحم، تفهم حاجتهم للاحترام فاحترمهم، ولعدم النقد فلا تنتقدهم، داخل كل منا مخزون من الغضب، من القلق، من تراكمات الزمن وتلاحق الأحداث، من ضغوط الحياة، هذا المخزون جاهز مثل السلاح المحشو بالرصاص، وصاحبه مستعد لإطلاقه عند أول شرارة، لا تجعل نفسك عرضة لهذا الرصاص، ابتعد عنه، فأنت لن تكسب كثيرا بنقدهم، حتى وان كنت على صواب، وانظر لما فعله النبي الكريم صلى الله عليه وسلم عندما أتى رجل للمسجد فبال! أراد عمر أن يقتله فما أبشع ما صنع، الرسول كان له رأي أخر تحدث مع الرجل بلطف، اقتنع الرجل، ولم يعادوها، ولم يكره أحدا من الناس، ولم يكرهه الناس، انتهت المشكلة، ذابت،حلها الرسول، وفهم الرجل، يمكنك أن تجد حلولا من هذا النوع عند كل مرة تتعرض فيها للمشاكل، فلا المشاكل تنتهي ولا نحسن التعامل معها، احترمهم، لا تنتقدهم، تعامل معهم بأدب وحب أيضا، قد تكسب رضا وحب الناس وثقتهم، وقد تنجح في حياتك وعملك، والأهم أنك ستنال رضا وحب الله والجنة، وهذا هو الأهم. سمعت مقولة لميمون بن مهران فتعجبت لما لها من مثقال الحكمة التي تحمله، تريد أن تسمعها! سأكتبها لك، تمنيت أن تسمعها فتعقلها، ثم تطبقها، لا قيمة للحكمة والعلم دون عمل، قولة مختصرة هى لكنها رائعة يقول: التودد إلى الناس نصف العقل! يالها من براعة الحكمة في فهم فنون التعامل مع الناس، النجاح في الحياة، جملة اختصرت الكثير من الكلام والكتب أيضا!

 

لا تفهم من كلامي أني اطلب منك أن تكون ضعيفا، هذا غير صحيح، بل المؤمن القوي خير عند الله وأحب من المؤمن الضعيف، لكنني أريدك أن تكون رحيما بالآخرين، محترما لهم، متفهما لرغبتهم وحاجتهم في الحصول على الاحترام، هذا مهم لإقامة علاقات مميزة وناجحة على المستوى الشخصي والعملي، هناك اختلافات بين الشخصيات، حتى وأنت تقدم الاحترام، عليك الانتباه جيدا إلى من تقدم له الاحترام، فالبعض قد يعتقد انك تحترمه لمنصب أو مال أو نسب، ربما لغرور في نفسه، تلك الشخصيات يجب أن يقدم لها الاحترام أيضا ولكن بشكل يحمل القوة معها، منهم من يصلحه التعامل باحترام على أن تقدم له مع الاحترام بعضا من القوة، أو القدرة، أو العلم، ومنهم من يحتاج إلى أن يفهم، بعضهم طيب في داخله، فقط شعوره بالحاجة إلى العظمة يدفعه إلى استغلال ما لديه من إمكانات لفرض شخصيته على الآخرين بتلك الصورة، هو لا يفهم أنه يتخطى حدوده ويأخذ ما ليس له، فيتدخل في حدود الآخرين، إن أنت أفهمته ربما يقتنع، الطريقة في توصيل المعلومة له مهمة، اختر الوسيلة التي تراها مناسبة له، وفكر فيها جيدا فقد تخطئ الوسيلة فيزيد في قوة وصلابة رأيه بدلا من أن يعدله، وتكسب عدوا بدلا من أن تكسب صديقا، وقد تتسبب في سوء فهم بينكما أيضا! والشاعر يقول: إن أنت أكرمت الكريم ملكته، وان أنت أكرمت اللئيم تمردا! هو نفسه الكرم، الذي أكرمته هو من اختلف، انظر إليه جيدا حاول التعرف عليه قبل أن تقدم له الاحترام، وهو من الكرم! لويد جورج الداهية السياسي البريطاني كان حريص من تلك الناحية، فنجح، قال عن سر نجاحه، إنني ألائم بين نوع الطعم الذي أضعه في السنارة وبين نوع السمك! منطق جميل، وناجح أيضا، والرسول صلى الله عليه وسلم يقول: المؤمن كيس فطن!

 

 

------------------------------

[1]القلم 4





                      المقال السابق                       المقال التالى




Bookmark and Share


أضف تعليق