الحديث السابع عشر: عليكم بقيام الليل فإنه دأب الصالحين قبلكم
وعن أبي أمامة -رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: عليكم بقيام الليل، فإنه دأب الصالحين قبلكم، وإن قيام الليل، قربة إلى الله، ومنهاة عن الإثم، وتكفير للسيئات، ومطردة للداء عن الجسد أخرجه الترمذي والحاكم والبيهقي في الشعب.
أولا اكتبوا عندكم زيادة "ومطردة للداء عن الجسد" هذه الزيادة وردت من حديث سلمان وبلال، ولكنها لا تصح، في الإسنادين مجهول وكذاب، فالحديث بدون هذه الزيادة.
قوله: عليكم بقيام الليل فإنه دأب الصالحين قبلكم للنوافل فضل عام، وفضل خاص، أما الفضل العام. أولا: من أسباب محبة الله تعالى، لما جاء في الخبر القدسي: ما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إلي مما افترضته عليه. تقربه إلي بماذا؟ بالنوافل، إذن من أسباب محبة الله. الفضل الثاني من الفضل العام أنها ترقع ما نقص من ماذا؟ من الفرائض.
أول ما يحاسب العبد عليه الصلاة، فإن كملت صلاته ، وإلا قيل انظروا هل لعبدي من تطوع وكذلك في الصيام والزكاة والحج، والفضل الثالث العام، أنها ترفع درجة العبد لأن العباد يتفاوتوا في منازلهم، ترفع درجة العبد إلى السبَّاقين بالخيرات ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ قيل: من فرط في الواجبات، وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ من أدى الواجبات دون غيرها وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ من أدى الفرائض وحافظ على ماذا؟ النوافل.
أما الفضل الخاص، فعلى حسب ما جاء في الأحاديث، فهنا خص قيام الليل، وقيام الليل من أفضل القربات. الفضل الخاص ما جاء في كل نافلة بعينها، جاء فضل لصيام ست من شوال، وجاء فضل للسنن الرواتب، وجاء فضل لصيام عاشوراء، لكن فضل الليل حُظِي بفضل عظيم عليكم بقيام الليل، فإنه دأب الصالحين قبلكم من الصالحون؟ على رأسهم من؟ الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، وأتباع الأنبياء، ومن سار على منهجهم، كل نبي وأتباعه.
فيه أن دعاة الخير أولى الناس بالمحافظة على قيام الليل، زار شاب الإمام أحمد بن حنبل -رحمة الله عليه، أو رحمة الله عليهم جميعا: على أحمد وعلى أبيه، وعلى الشاب- فبات عند الإمام أحمد، فوضع الإمام أحمد عنده ماء فلما أصبح الإمام أحمد، وإذا بالماء لم يتغير، لما أيقظه للفجر لم ينقص الماء، فتعجب الإمام أحمد، وقال: لا ينبغي لطالب علم وحديث أن يكون ممن لا يقوم الليل، كأنه كان المعهود عندهم، هذا هو الأصل؛ أن أهل العلم وطلبة العلم أولى الناس بقيام الليل؛ لأنهم إذا حافظوا عليه فمن باب أولى أن يحافظوا على ماذا؟ على الفرائض.
ولهذا ذكر أن بعض المتقدمين في الرعيل الأول كانوا إذا أرادوا الخروج في الليل، لسرية أو لسفر، قالوا: موعدكم وقت قيام القراء في البيوت في صلاة الليل، وقال: أبو الزناد كنت أخرج من السحر قبل الفجر، أو في وسط الليل، أذهب إلى مسجد النبي صلى الله عليه وسلم، فلا أمر على بيت من بيوت المدينة إلا وفيه قارئ يقرأ، لكن قيام الليل يشترط أن لا يؤثر على ماذا؟ على صلاة الفجر، روى مالك بن الموطأ أن سلمان بن أبي حثمة غاب عن صلاة الفجر ففقده عمر، فسأل أمه: أين سلمان؟ قالت: قام الليل حتى غلبته عيناه، فنام عن الفجر، فقال عمر، والله لئن أشهد الفجر مع الجماعة أحب إلي من قيام الليل كله.
وقوله: منهاة عن الإثم دليل أن المحافظة على النوافل والتكثر منها يرد العبد عن الإثم، والفرائض من باب أولى، منهاة عن الإثم، وفيه أيضا أن قيام الليل يزيد العبد قوة حسية ومعنوية. لو ضعفت الرواية السابقة ففي الحديث وفي غيره ما يفيد أن قيام الليل يزيد العبد إيمانا وقوة حسية ومعنوية، إذا كان قربة ومنهاة عن الإثم وتكفيرا للسيئات، فلا شك ولا ريب أن هذا مما يقوي حال العبد، يؤكد هذا قوله صلى الله عليه وسلم: أولا أدلكما على خير لكما من خادم -لما زار عليا وفاطمة- تكبران الله أربعا وثلاثين، وتحمدان ثلاثا وثلاثين، وتسبحان ثلاثا وثلاثين، فذلكما خير لكما من خادم قال شيخ الإسلام في كلام له: فيه دليل أن هذا الذكر يقوي البدن. ما بالك إذا كان الذكر، جمع العبد بين الذكر القولي والذكر البدني صلاة الليل، تجمع الذكرين، بل تجمع كثيرا من الأذكار، القرآن الكريم، والأدعية، وتعظيم الله، وفعل الصلاة؛ كل هذه الأمور تزيد العبد قوة بدنية، وقوة معنوية. وأوصيكم بقراءة كتاب "مختصر قيام الليل" لمحمد بن نصر المروزي، اختصار المقريزي.
المقال السابق
المقال التالى