عربي English עברית Deutsch Italiano 中文 Español Français Русский Indonesia Português Nederlands हिन्दी 日本の
  
  

   

الحديث الخامس: جاء ثلاثة رهط إلى بيوت أزواج النبي صلى الله عليه وسلم


عن أنس بن مالك -رضي الله تعالى عنه- يقول:  جاء ثلاثة رهط إلى بيوت أزواج النبي -صلى الله عليه وسلم- يسألون عن عبادة النبي صلى الله عليه وسلم، فلما أُخبروا كأنهم تقالوها فقالوا: وأين نحن من النبي صلى الله عليه وسلم، قد غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، قال أحدهم: أما أنا فإني أصلي الليل أبدًا، وقال آخر: أنا أصوم الدهر ولا أفطر، وقال آخر: أنا أعتزل النساء فلا أتزوج أبدًا، فجاء رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إليهم فقال: أنتم الذين قلتم كذا وكذا، أما والله إني لأخشاكم لله وأتقاكم له لكني أصوم وأفطر، وأصلي وأرقد، وأتزوج النساء فمن رغب عن سنتي فليس مني. نعم.  متفق عليه.

 

قوله: يسألون عن عبادة النبي صلى الله عليه وسلم، فيه حرص شباب الصحابة على متابعة أحوال النبي صلى الله عليه وسلم، وطلبة العلم أولى الناس بالبحث والتحري لسنة النبي -صلى الله عليه وسلم- علمًا وعملًا.

وقوله: كأنهم تقالُّوها فيه أن العبرة بالكيف لا بالكم ليست العبرة بكثرة العبادة والتلاوة، إذا لم تكن مأطورة بإطار المنهج الشرعي، فالخوارج لم تنفعهم عبادتهم:  تحقرون صلاتكم مع صلاتهم، وصيامكم مع صيامهم، يأخذون من الليل كما تأخذون  والنتيجة يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية، وفي سورة الغاشية:  وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ خَاشِعَةٌ   عَامِلَةٌ نَاصِبَةٌ  خشوع وعمل ونصب والنتيجة تصلى نارًا حامية، إذًا فالعبرة ليست بالكثرة إن لم تكن الكثرة منضبطة بأصل الشرع إنما العبرة بالكيف.

وقوله: قال أحدهم: أما أنا فأصلي الليل أبدًا إلى آخره، إلى آخر أقوال الثلاثة، فيه أن الاستحسان العقلي للعمل لا يصيره مشروعًا، الاستحسان العقلي لا يصير العمل مشروعًا، لا بد من العلم، العقل قد يستحسن أشياء قد يصيب وقد يخطأ لكن الحكم هو ماذا؟ هو العلم، وهنا أذكر أبياتًا لطيفة في تحاور العلم والعمل، دليل أن العلم هو الأكمل وأن العقل تابع والعلم متبوع، يقول شاعرهم أو الشاعر:

علـم العليم وعقل العاقل اجتمعـا       من ذا الذي منهما قد أحرز الشرفـا
 
فالعلم قـال أنـا أحـرزت غايتـه        والعقـل قـال أنا الرحمن بي عرفـا
 
فـأفصح العلم إفصاحًـا وقـال له         بأينـا الرحـمن فـي قرآنـه اتصفا
 
فبـان للعقـل أن العلــم سـيده       فقبـل العقـل رأس العلـم وانصرفا
 


العلم متبوع فاستحسان الشخص بعقله لعمل من الأعمال لا يصيره مشروعًا، بل يكون العامل مأزورًا إذا لم يتثبت من المنهج الشرعي في هذا العمل، ولم تفتح أبواب البدع إلا بالاستحسان العقلي وترك النص الشرعي؛ ولهذا فضلت ليالٍ، وفضلت أيام وليالٍ، وفضلت أماكن بمجرد الاستحسان العقلي، فأصبحت أبوابًا من أبواب البدع:  وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ  لكنهم ردوه إلى عقولهم وشهواتهم.

قوله: أنتم الذين قلتم كذا وكذا فيه أن المنهج التثبت من القول قبل عتاب قائله، وفيه أيضًا التثبت من قبول الشائعات، وبناء الأحكام عليها دون النظر في حقيقتها، بعض الناس إذا جاءه الخبر بنا عليه الأحكام من اتهام أو تبرئة أو جرح أو تعديل، ولو بحث في حقيقة الأمر لوجد أنه ظلم من عدل وعدل مع من ظلم، ولهذا النبي -عليه الصلاة والسلام- ماذا قال لهم؟ أنتم الذين قلتم كذا وكذا، قد يكون متأكدًا من هذا قد يكون الناقل ثقة، لكن من باب المنهجية.

ولما قالت الأنصار أو قال بعض الأنصار: أعطى المهاجرين وتركنا، أمر بهم فقال لهم: يا معشر الأنصار ما مقالة بلغتني عنكم، استفهم مع أنه على علم ويقين أنهم قالوا، لكن من باب التثبت في الخبر وحتى يعلموا قولهم، أو يعلموا خطأهم بتقريرهم عليه، فما القول في بعض دعاة الخير، من يبني بغضه لشخص لمجرد خبر وصل إلى سمعه، وقد يكون الخبر مكذوبًا، وقد يكون الخبر مبالغًا فيه، وقد يكون الخبر من شامت أراد الشماتة بأخيه، فكان الأولى بك، أن تنهج هذا النهج ما مقالة بلغتني عنكم أنتم الذين قلتم كذا وكذا:  إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ  .

قوله: أما والله إني لأخشاكم لله، فيه جواز تزكية المرء لنفسه للمصلحة، والنبي -عليه الصلاة والسلام- أتقى الخلق لله، وأكرم الخلق على الله، وقد ذكر العلماء في مباحث تزكية النفس أنها مكروهة في حق الناس:  فَلَا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى   أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُزَكُّونَ أَنْفُسَهُمْ  .

وفي الحديث الصحيح:  لا تزكوا أنفسكم الله أعلم بأهل البر منكم  إلا إذا كان في التزكية مصلحة، كما قال يوسف عليه السلام:  اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الْأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ  أخيرًا في قوله: فمن رغب عن سنتي فليس مني، قال الإمام الشاطبي رحمه الله تعالى: وهذه العبارة أشد شيء في الإنكار، فمن رغب عن سنتي فليس مني، هم أتوا طمعًا في التزود من الخير، لكن لأنهم خالفوا المنهج النبوي، وأرادوا أن يكونوا كما أملت عليهم رغباتهم بين النبي -عليه الصلاة والسلام- أن هذا من الخطورة بمكان، فمن رغب عن سنتي -لو تكفلوا للتعبد إذا كان على خلاف السنة- فليس مني.

 




                      المقال السابق                       المقال التالى




Bookmark and Share


أضف تعليق