الحديث الثاني والعشرون: ما أدري تبع أنبيا كان أم لا
وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما أدري تبع أنبيا كان أم لا، وما أدري ذا القرنين أنبيا كان أم لا، وما أدري الحدود كفارات لأهلها أم لا أخرجه الحاكم والبيهقي.
في هذا الحديث فوائد عظيمة، أعظمها ورع النبي صلى الله عليه وسلم، وخشيته من الله عز وجل، وهو من في مقام التقى والخشية، ومع هذا يقول: ما أدري تبع أنبيا كان أم لا، وما أدري ذو القرنين أنبيا كان أم لا، وما أدري الحدود كفارات لأهلها أم لا، قبل أن يعلمه الله، ما أدري، يقول الإمام مالك، وكان النبي -عليه الصلاة والسلام- سيد المسلمين إذا سئل عما لا يعلم قال لا أدري، ولما سألوه عن الروح توقف فسكت حتى أنزل الله عليه وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وأدبه ربه وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ .
وكان عليه الصلاة والسلام، أمثل الناس، أسرع الناس امتثالا لربه عز وجل: وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا ونوح -عليه السلام- لما قال له ربه: فَلَا تَسْأَلْنِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنِّي أَعِظُكَ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ قَالَ رَبِّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ أَنْ أَسْأَلَكَ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ ثم اعترف وسأل واسترحم وَإِلَّا تَغْفِرْ لِي وَتَرْحَمْنِي أَكُنْ مِنَ الْخَاسِرِينَ وذم الله أهل الكتابين هَا أَنْتُمْ هَؤُلَاءِ حَاجَجْتُمْ فِيمَا لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ فَلِمَ تُحَاجُّونَ فِيمَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ .
وقد جعل ابن القيم -رحمه الله تعالى- أكبر الأمور والفواحش القول على الله بغير علم، قال كما قاله الله عز وجل: "قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ" يذكر ابن القيم في إعلام الموقعين أن الله ذكر الفواحش بدأ بأسهلها لما بعدها وختم بأعظمها " قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْإِثْمَ" أعلى منه " وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ " .
قد يقول قائل: أليس الشرك أعظم؟ بلى، الشرك متفرع من القول على الله بغير علم؛ لأن من عبد غير الله ودعا غير الله فقد قال بلا علم قال بغير علم، وهنا على دعاة الخير وجوبا أن يحذروا من القول بغير علم، وأن يقولوا لا ندري لا نعلم، الله أعلم، فهذا هو الواجب، ولا يستخفن بعضنا الشيطان فيقول لبعضهم، إذا قلت لا أدري نقص قدرك عند من يجلك.
إذا قلت لا أعلم سلوا غيري انتقصوك، وليكن، الحقيقة أنهم يرفعونك إن كانوا عقلاء؛ لأن قولك هذا ديانة، يجب أن تقول لا أدري لا أعلم، جاء رجل من الأندلس إلى الإمام مالك في المدينة، فسأله عن مسائل كثيرة، فقال لا أدري، أجاب عن ثلاث وأمسك عن بضع وستين، فقال أنت الإمام مالك وتقول لا أدري، قال وأخبر من وراءك أن مالكا لا يدري، هنا العلم، هنا الديانة، هنا التواضع.
وبعض الناس، لسان حاله ومقاله، ما قال لا قط إلا في تشهده، سلوني سلوني، فيجب على داعي الخير طالب العلم أن يكف أن يسكت أن يتقرب إلى الله بقول لا أدري، أيضا فيه الحذر من الأخبار المكذوبة في التفسير، من نقلها، لا أدري أكان تبع نبيا أم لا، الرسول -عليه الصلاة والسلام- توقف في ذلك، فيأتي بعض الناس عموما في الأخبار في التفسير أو في غير التفسير، فينقل أخبارا في تفسير الآيات، ولو سألته عن صحتها، قال لا علم لي، ألا يسعك ما دلك وأرشدك إليه النبي عليه الصلاة والسلام.
ولهذا ينبغي على طالب العلم ألا يقول في كلامه أخبارا مكذوبة أو موضوعة، رفع إلى بعض أئمة الشافعية أن بعض الخطباء في القرن العاشر -فتوى- أن بعض الخطباء يذكر أحاديث لا تصح ومكذوبة، قال: هذا ينبغي أن ينهى فإن انتهى وإلا رفع إلى من كان له سلطة ليكف يده ولسانه، فعلى داعي الخير وطالب العلم أن يتثبت، وأيضا عليه أن يعلِّم الناس أخبار القرآن الأخبار الصحيحة، والتفاسير الصحيحة التي جاءت تفسر ما جاء في القرآن الكريم.
المقال السابق
المقال التالى