فلقد عقد النبي – صلى الله عليه وسلم – في العام الثاني من الهجرة- المعاهدات مع القبائل المجاورة للمدينة لا سيما تلك القبائل التي كانت على الطريق التجاري المؤدي إلى الشام، وذلك من أجل أربعة أهداف :
الهدف الأول : تحييد هذه القبائل في قضية الصراع بين المسلمين والمشركين، وألا يكونوا يدًا مع المشركين على المسلمين .
الهدف الثاني : تأمين الحدود الخارجية للدولة .
الهدف الثالث : اعتراف هذه القبائل بدولة المسلمين
الهدف الرابع : تهيئة هذه القبائل لقبول الإسلام، والدخول فيه .
نماذج لهذه المعاهدات :
أولاً : مُوَادَعَةُ بَنِي ضَمْرَةَ
وَهُمْ بَطْنٌ مِنْ كِنَانَةَ وَكَانَ نص وثيقة الْمُوَادَعَةِ على النحو التالي :
"بِسْمِ اللّهِ الرّحْمَنِ الرّحِيمِ . هَذَا كِتَابٌ مِنْ مُحَمّدٍ رَسُولِ اللّهِ لِبَنِي ضَمْرَةَ ، فَإِنّهُمْ آمِنُونَ عَلَى أَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ وَأَنّ لَهُمْ النّصْرَ عَلَى مَنْ رَامَهُمْ -إلا أَنْ يُحَارِبُوا فِي دِينِ اللّهِ - مَا بَلّ بَحْرٌ صُوفَةً [1] وَإِنّ النّبِيّ إذَا دَعَاهُمْ لِنَصْرِهِ أَجَابُوهُ، عَلَيْهِمْ بِذَلِكَ ذِمّةُ اللّهِ وَذِمّةُ رَسُولِهِ، وَلَهُمْ النّصْرُ عَلَى مَنْ بَرّ مِنْهُمْ وَاتّقَى ." [2] . وكانت هذه المعاهدة عقب أول غزوة للنبي وهي الأبواء أو ودان (في صفر 2هـ - أغسطس 623 هـ )
كما عقد النبي معاهدة مع بَنِي مُدْلِجٍ [3] في ( جمادي الأولى 2هـ- نوفمبر 623 م) ، وكانت على نفس النحو من وثيقة بني ضمرة .
ثانيًا : مُوَادَعَةُ جهينة
وهذه القبيلة تسكن منطقة العيص على ساحل البحر الأحمر، وكان نص هذه المعاهدة :
"إنهم آمنون على أنفسهم وأموالهم، وإن لهم النصر على من ظلمهم أو حاربهم إلا في الدين والأهل، ولأهل باديتهم من بر منهم واتقى ما لحاضرتهم" [4] .
وقد دلت هذه الوثائق على مقتضيات أخلاقية سامية، فنرى فيها الرسول القائد السمح – صلى الله عليه وسلم - يوادع هذه القبائل على النصرة المتبادلة في المعروف، ويضمن لهم النبي الأمن والأمان على الأموال والأنفس، ويظهر لهم النبي أخلاق الإحسان والصلة ..
-------------------------------------------------------------------------------------------------------------
[1] دلالة على تأبيد هذا العقد، وفيه جواز تأبيد المعاهدات بين المسلمين وغير المسلمين مالم يكن في هذه المعاهدات ما يخالف الشرع .
[2] السهيلي : الروض الأنف 3/ 38
[3] ابن سيد الناس : عيون الأثر 1 / 300
[4] انظر: محمد حميد الله: مجموعة الوثائق السياسية، ص62. وانظر إلى المزيد والمزيد من هذه المعاهدات في هذا الكتاب الفريد.