عربي English עברית Deutsch Italiano 中文 Español Français Русский Indonesia Português Nederlands हिन्दी 日本の
  
  

   

 

لما بلغ محمد ~ صلى الله عليه و سلم ~ من عمره الخامسة والثلاثين – أي قبل بعثتة بخمس سنين -، تعرضت الكعبة للهدم ، بسبب سيل عرم انحدر إلى البيت الحرام، فأوشكت الكعبة منه على الانهيار، فاضطرت قريش إلى تجديد بنائها حرصًا على مكانتها، فعمدت قريش إلى بنائها،  فلما تنازع القرشيون فيما بينهم من الذي يضع الحجر الأسود في مكانه ، واختلفوا فيمن يمتاز بشرف وضعه في مكانه، واستمر النزاع أربع ليال أو خمسًا، واشتد حتى كاد يتحول إلى حرب ضروس في أرض الحرم، إلا أن أبا أمية بن المغيرة المخزومى عرض عليهم أن يحكَّموا فيما شجر بينهم أول داخل عليهم من باب المسجد [1] ، فارتضوه، وشاء الله أن يكون ذلك محمد ~ صلى الله عليه و سلم ~   ، فلما رأوه قالوا‏:‏ هذا الأمين [2] ، قد رضينا به هذا محمد [3] ، فلما انتهى إليهم، وأخبروه الخبر طلب رداء فوضع الحجر وسطه وطلب من رؤساء القبائل المتنازعين أن يمسكوا جميعًا بأطراف الرداء، وأمرهم أن يرفعوه، حتى إذا أوصلوه إلى موضعه أخذه بيده فوضعه في مكانه [4] ..

 وهذا حل حكيم من رجل حكيم تراضت قريش بحكمه.

 

ولقد راح المفكرون والعلماء، يعلقون على هذا الحادث بتعليقات مليئة بالتقدير والإعجاب لهذه الشعلة العبقرية التي تحاول في حرص شديد دائم على تحقيق الأمن والسلم بين الناس ، وعن نجاح محمد ~ صلى الله عليه و سلم ~ من تفهم الموقف بسرعة عظيمة، والتوسل بهذه الحيلة البريئة وإرضاء زعماء قريش جميعاً..

فقد استرعت هذه الحادثة انتباه الباحث الألماني أغسطينوس موللر ( 1148- 1894)،  فتوقف عندها ملياً ، في كتابه "الإسلام "، وتعرض لسياسة النبي ~ صلى الله عليه و سلم ~ في هذا المقام وأنه "أدهش قريشاً بسياسته الرشيدة " [5] .

كما توقف الأب هنري لامنس عند هذه الحادثة فقال :

" لما اختلفت قريش في قضية بناء الكعبة ، وأي فخذ منها يجب أن يعهد إليه بوضع الحجر الأسود في مكانه ، وكادوا يقتتلون ، فاتفقوا على أن يعهدوا بذلك إلى محمد بن عبد الله الهاشمي ~ صلى الله عليه و سلم ~ ، قائلين : هذا هو الأمين ! " [6] .

ولقد ربط المستشرق "أرثر جيلمان" بين هذه الحادثة التي منعت اقتتال القبائل العربية، وبين المرحلة التالية لبدء البعثة والوحي ، والتي تشكل مقدمة الدعوة الإسلامية، بقوله :

" لا بد أن يكون محمد ~ صلى الله عليه و سلم ~ قد تأثر بإعجاب القوم وتقديرهم العظيم بهذه الفكرة التي بسطت السلام بين مختلف القبائل ، ولايستبعد أن يكون محمد ~ صلى الله عليه و سلم ~  قد أخذ يحس بنفسه أنه من طينة أرقى من معاصريه ، وأنه يفوقهم جميعاً ذكاءً وعبقرية ، وأن الله قد اختاره لأمر عظيم  .. !" [7] .

 

 

 

-------------------------------------------------------------------------------------------------------------

 

[1]  ابن سيد الناس: عيون الأثر 1\ 75

[2]  الحاكم :  المستدرك، 1 \ 628 من حديث عبد الله بن السائب، برقم 1683

 [3] الطبري: تاريخ الأمم والملوك1\526،  وابن كثير: البداية والنهاية، 2\303

 [4] انظر في هذه الحادثة أيضاً: محمد بن يوسف الصالحي : سبل الهدى والرشاد، 2\ 171، وابن الجوزي : صفة الصفوة،1\ 77

[5] انظر: محمد شريف الشيباني: الرسول في الدراسات الإستشراقية المنصفة، ص 22، 23.

[6] هنري لامنس : عهد الإسلام ، ص65

 [7] ارثر جيلمان : الشرق ، ص 117




                      المقال السابق                       المقال التالى




Bookmark and Share


أضف تعليق