ذكر قول أبي هريرة رضي الله عنه
قال أبو خيثمة زهير بن حرب حدثنا سفيان بن عيينة عن زياد بن سعد عن هلال بن أبي قال شهدت أبا هريرة خير غلاما بين أبيه وأمه وقال إن رسول الله خير غلاما أبيه وأمه
فهذا ما ظفرت به عن الصحابة وأما الأئمة فقال حرب بن
سألت إسحاق بن راهويه إلى متى يكون الصبي والصبية مع الأم إذا طلقت قال إلي أن يكون مع الأم إلى سبع سنين ثم يخير قلت له أترى التخيير قال شديدا قلت من سبع سنين لا يخير قال قد قال بعضهم إلى خمس وأنا أحب إلي سبع وأما مذهب الإمام أحمد إما أن يكون الطفل ذكرا أو أنثى فإن كان ذكرا فإما أن يكون سبع أو دونها فإن كان له دون السبع فأمه أحق بحضانته من غير تخيير وإن كان له ففيه ثلاث روايات إحداها وهي الصحيحة المشهورة من مذهبه أنه يخير وهي اختيار أصحابه فإن لم يختر منهما أقرع بينهما وكان لمن قرع وإذا اختار أحدهما ثم عاد فاختار الآخر نقل وهكذا أبدا والثانية أن الأب أحق به من غير تخيير والثالثة أن الأم أحق به كما قبل السبع وأما إذا كان أنثى فإن كان لها دون سبع سنين فأمها أحق بها من غير تخيير وإن بلغت فالمشهور من مذهبه أن الأم أحق بها إلى تسع سنين فإذا بلغت تسعا فالأب أحق من غير تخيير وعنه رواية رابعة أن الأم أحق بها حتى تبلغ ولو تزوجت الأم وعنه رواية خامسة أنها تخير بعد السبع كالغلام نص عليها وأكثر أصحابه إنما حكوا وجها في المذهب هذا تلخيص مذهبه وتحريره وقال الشافعي الأم أحق بالطفل ذكرا كان أو أنثى إلى أن يبلغا سبع سنين فإذا بلغا وهما يعقلان عقل مثلهما خير كل منهما بين أبيه وأمه وكان مع من اختار
وقال مالك وأبو حنيفة لا تخيير بحال ثم اختلفا فقال أبو حنيفة الأم أحق بالجارية تبلغ وبالغلام حتى يأكل وحده ويشرب وحده ويلبس وحده ثم يكونان عند الأب ومن الأبوين أحق بهما حتى يستغنيا ولا يعتبر البلوغ وقال مالك الأم أحق بالولد كان أو أنثى حتى يثغر هذه رواية ابن وهب وروى ابن القاسم حتى يبلغ ولا يخير وقال الليث بن سعد الأم أحق بالإبن حتى يبلغ ثمان سنين وبالبنت حتى تبلغ ثم الأب بهما بعد ذلك وقال الحسن بن حي الأم أولى بالبنت حتى يكعب ثدياها وبالغلام حتى ييفع فيخيران ذلك بين أبويهما الذكر والأنثى سواء
قال المخيرون في الغلام دون الجارية قد ثبت التخيير عن النبي في الغلام من حديث هريرة وثبت عن الخلفاء الراشدين وأبي هريرة ولا يعرف لهم مخالف في الصحابة ولا أنكره منكر
قالوا وهذا غاية في العدل الممكن فإن الأم إنما قدمت في حال الصغر لحاجة الولد التربية والحمل والرضاع والمداراة التي لا تتهيأ لغير النساء وإلا فالأم أحد فكيف تقدم عليه فإذا بلغ الغلام حدا يعرب فيه عن نفسه ويستغني عن الحمل وما تعانيه النساء تساوى الأبوان وزال السبب الموجب لتقديم الأم والأبوان فيه فلا يقدم أحدهما إلا بمرجح والمرجح إما من خارج وهو القرعة وإما من الولد وهو اختياره وقد جاءت السنة بهذا وهذا وقد جمعهما حديث أبي هريرة جميعا ولم ندفع أحدهما بالآخر وقدمنا ما قدمه النبي وأخرنا ما أخره التخيير لأن القرعة يصار إليها إذا تساوت الحقوق من كل وجه ولم يبق مرجح سواها وهكذا فعلنا هاهنا أحدهما بالإختيار فإن لم يختر أو اختارهما جميعا عدلنا إلى القرعة فهذا لو يكن فيه موافقة السنة لكان من أحسن الأحكام وأعدلها وأقطعها للنزاع بتراضي وفيه وجه آخر في مذهب أحمد والشافعي أنه إذا لم يختر واحدا منهما كان عند الأم قرعة لأن الحضانة كانت لها وإنما ننقله عنها باختياره فإذا لم يختر بقي عندها ما كان فإن قيل فقد قدمتم التخيير على القرعة والحديث فيه تقديم القرعة أولا ثم التخيير أولى لأن القرعة طريق شرعي للتقديم عند تساوي المستحقين وقد تساوى الأبوان تقديم أحدهما بالقرعة فإن أبيا القرعة لم يبق إلا اختيار الصبي فيرجح به بال أصحاب أحمد والشافعي قدموا التخيير على القرعة قيل إنما قدم التخيير لاتفاق ألفاظ الحديث عليه وعمل الخلفاء الراشدين به
وأما فبعض الرواة ذكرها في الحديث وبعضهم لم يذكرها وإنما كانت في بعض طرق أبي رضي الله عنه وحده فقدم التخيير عليها فإذا تعذر القضاء بالتخيير تعينت طريقا للترجيح إذا لم يبق سواها ثم قال المخيرون للغلام والجارية روى النسائي في سننه والإمام أحمد في مسنده من رافع بن سنان رضي الله عنه أنه تنازع هو وأم في ابنتهما وأن النبي أقعده وأقعد المرأة ناحية وأقعد الصبية بينهما وقال ادعواها فمالت إلى أمها فقال اهدها فمالت إلى أبيها فأخذها قالوا ولو لم يرد هذا الحديث لكان حديث أبي رضي الله عنه والآثار المتقدمة حجة في تخيير الأنثى لأن كون الطفل ذكرا لا له في الحكم بل هي كالذكر في قوله من وجد متاعه عند رجل قد أفلس وفي قوله أعتق شركا له في عبد بل حديث الحضانة أولى بعدم اشتراط الذكورية فيه لأن لفظ ليس من كلام الشارع إنما الصحابي حكى القصة وأنها كانت في صبي فإذا نقح تبين أنه لا تأثير لكونه ذكرا قالت الحنابلة الكلام معكم في مقامين أحدهما استدلالكم بحديث رافع والثاني وصف الذكورية في أحاديث التخيير فأما الأول فالحديث قد ضعفه ابن المنذر وغيره وضعف يحيى بن سعيد والثوري بن جعفر وأيضا فقد اختلف فيه على قولين أحدهما أن المخير كان بنتا وروي كان ابنا فقال عبدالرزاق أخبرنا سفيان عن عثمان البتي عن عبدالحميد بن سلمة عن عن جده أن أبويه اختصما إلى النبي أحدهما مسلم والآخر كافر فتوجه إلى فقال النبي اللهم اهده فتوجه إلى المسلم فقضى له به
قال أبو الفرج ابن الجوزي ورواية من روى أنه كان غلاما أصح قالوا ولو سلم لكم أنه أنثى فأنتم لا تقولون به فإن فيه أن أحدهما كان مسلما والآخر كافرا فكيف بما لا تقولون به
قالوا وأيضا فلو كانا مسلمين ففي الحديث أن الطفل كان فطيما وهذا قطعا دون السبع أنه دون الخمس وأنتم لا تخيرون من له دون السبع فظهر أنه لا يمكنكم بحديث رافع هذا على كل تقدير فبقي المقام الثاني وهو إلغاء وصف الذكورة في أحاديث التخيير وغيرها فنقول لا ريب من الأحكام ما يكفي فيها وصف الذكورة أو وصف الأنوثة قطعا ومنها ما لا يكفي فيه يعتبر فيه إما هذا وإما هذا فيلغى الوصف في كل حكم تعلق بالنوع الإنساني بين الأفراد ويعتبر وصف الذكورة في كل موضع كان له تأثير فيه كالشهادة والولاية في النكاح ويعتبر وصف الأنوثة في كل موضع يختص بالإناث أو يقدمن على الذكور كالحضانة إذا استوى في الدرجة الذكر والأنثى قدمت الأنثى بقي النظر فيما نحن فيه من شأن التخيير هل لوصف الذكورة تأثير في ذلك فيلحق الذي تعتبر فيه أو لا تأثير له فيلحق بالقسم الذي يلغى فيه ولا سبيل إلى من القسم الملغي فيه وصف الذكورة لأن التخيير هاهنا تخيير شهوة لا تخيير رأي ولهذا إذا اختار غير من اختاره أولا نقل إليه فلو خيرت البنت أفضى ذلك إلى تكون عند الأب تارة وعند الأم أخرى فإنها كلما شاءت الإنتقال أجيبت إليه وذلك عكس ما للإناث من لزوم البيوت وعدم البروز ولزوم الخدور وراء الأستار فلا يليق بها أن من خلاف ذلك
وإذا كان هذا الوصف معتبرا قد شهد له الشرع بالإعتبار لم يمكن إلغاؤه قالوا وأيضا فإن ذلك يفضي إلى ألا يبقى الأب موكلا بحفظها ولا الأم لتنقلها وقد عرف بالعادة أن ما يتناوب الناس على حفظه ويتواكلون فيه فهو آيل إلى ومن الأمثال السائرة لا يصلح القدر بين طباخين قالوا وأيضا فالعادة شاهدة بأن اختيار أحدهما يضعف رغبة الآخر فيه بالإحسان إليه فإذا اختار أحدهما ثم انتقل إلى الآخر لم يبق أحدهما تام الرغبة في حفظه إليه فإن قلتم فهذا بعينه موجود في الصبي ولم يمنع ذلك تخييره قلنا صدقتم لكن عارضه كون القلوب مجبولة على حب البنين واختيارهم على البنات فإذا نقص الرغبة ونقص الأنوثة وكراهة البنات في الغالب ضاعت الطفلة وصارت إلى يعسر تلافيه والواقع شاهد بهذا والفقه تنزيل المشروع على الواقع وسر الفرق أن تحتاج من الحفظ والصيانة فوق ما يحتاج إليه الصبي ولهذا شرع في حق الإناث من والخفر ما لم يشرع مثله للذكور في اللباس وإرخاء الذيل شبرا أو أكثر وجمع في الركوع والسجود دون التجافي ولا ترفع صوتها بقراءة القرآن ولا ترمل في ولا تتجرد في الإحرام عن المخيط ولا تكشف رأسها ولا تسافر وحدها هذا كله مع ومعرفتها فكيف إذا كانت في سن الصغر وضعف العقل الذي فيه الإنخداع ولا ريب أن ترددها بين الأبوين مما يعود على المقصود بالإبطال يخل به أو ينقصه لأنها لا تستقر في مكان معين فكان الأصلح لها أن تجعل عند أحد من غير تخيير كما قاله الجمهور مالك وأبو حنيفة وأحمد وإسحاق فتخييرها ليس عليه ولا هو في معناه فيلحق به ثم هاهنا حصل الإجتهاد في تعيين أحد الأبوين لمقامها عنده وأيهما أصلح لها فمالك حنيفة وأحمد في إحدى الروايتين عنه عينوا الأم وهو الصحيح دليلا وأحمد رحمه في المشهور عنه واختيار عامة أصحابه عينوا الأب
قال من رجح الأم قد جرت العادة بأن الأب يتصرف في المعاش والخروج ولقاء الناس في خدرها مقصورة في بيتها فالبنت عندها أصون وأحفظ بلا شك وعينها عليها بخلاف الأب فإنه في غالب الأوقات غائب عن البنت أو في مظنة ذلك فجعلها عند أصون لها وأحفظ قالوا وكل مفسدة يعرض وجودها عند الأم فإنها تعرض أو أكثر منها عند الأب فإنه إذا في البيت وحدها لم يأمن عليها وإن ترك عندها امرأته أو غيرها فالأم أشفق وأصون لها من الأجنبية قالوا وأيضا فهي محتاجة إلى تعلم ما يصلح للنساء من الغزل والقيام بمصالح البيت إنما تقوم به النساء لا الرجال فهي أحوج إلى أمها لتعلمها ما يصلح للمرأة وفي إلى أبيها تعطيل هذه المصلحة وإسلامها إلى امرأة أجنبية تعلمها ذلك وترديدها الأم وبينه وفي ذلك تمرين لها على البروز والخروج فمصلحة البنت والأم والأب أن أمها وهذا القول هو الذي لا نختار سواه قال من رجح الأب الرجال أغير على البنات من النساء فلا تستوي غيرة الرجل على وغيرة الأم أبدا وكم من أم تساعد ابنتها على ما تهواه ويحملها على ذلك ضعف وسرعة انخداعها وضعف داعي الغيرة في طبعها بخلاف الأب ولهذا المعنى وغيره الشارع تزويجها إلى أبيها دون أمها ولم يجعل لأمها ولاية على بضعها ألبتة ولا مالها فكان من محاسن الشريعة أن تكون عند أمها ما دامت محتاجة إلى الحضانة فإذا بلغت حدا تشتهى فيه وتصلح للرجال فمن محاسن الشريعة أن تكون عند من أغير عليها وأحرص على مصلحتها وأصون لها من الأم قالوا ونحن نرى في طبيعة الأب وغيره من الرجال من الغيرة ولو مع فسقه وفجوره ما على قتل ابنته وأخته وموليته إذا رأى منها ما يريبه لشدة الغيرة ونرى في النساء من الإنحلال والإنخداع ضد ذلك قالوا فهذا هو الغالب على النوعين ولا بما خرج عن الغالب على أنا إذا قدمنا أحد الأبوين فلا بد أن نراعي صيانته للطفل ولهذا قال مالك والليث إذا لم تكن الأم في موضع حرز وتحصين أو كانت مرضية فللأب أخذ البنت منها وكذلك الإمام أحمد رحمه الله في الرواية المشهورة فإنه يعتبر قدرته على الحفظ والصيانة فإن كان مهملا لذلك أو عاجزا عنه أو غير أو ذا دياثة والأم بخلافه فهي أحق بالبنت بلا ريب فمن قدمناه بتخيير أو قرعة بنفسه فإنما إذا حصلت به مصلحة الولد ولو كانت الأم أصون من الأب وأغير منه قدمت عليه التفات إلى قرعة ولا اختيار الصبي في هذه الحالة فإنه ضعيف العقل يؤثر البطالة فإذا اختار يساعده على ذلك لم يلتفت إلى اختياره وكان عند من هو أنفع له وأخير ولا تحتمل غير هذا والنبي قد قال مروهم بالصلاة لسبع واضربوهم على تركها لعشر بينهم في المضاجع والله تعالى يقول ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ )(التحريم: من الآية6)التحريم 6
وقال الحسن علموهم وأدبوهم وفقهوهم كانت الأم تتركه في المكتب وتعلمه القرآن والصبي يؤثر اللعب ومعاشرة أقرانه يمكنه من ذلك فإنه أحق به بلا تخيير ولا قرعة وكذلك العكس ومتى أخل أحد بأمر الله ورسوله في الصبي وعطله والآخر مراع له فهو أحق وأولى به وسمعت شيخنا رحمه الله يقول تنازع أبوان صبيا عند بعض الحكام فخيره بينهما فاختار فقالت له أمه سله لأي شيء يختار أباه فسأله فقال أمي تبعثني كل يوم للكتاب يضربني وأبي يتركني للعب مع الصبيان فقضى به للأم قال أنت أحق به قال شيخنا وإذا ترك أحد الأبوين تعليم الصبي وأمره الذي أوجبه الله عليه فهو عاص ولاية له عليه بل كل من لم يقم بالواجب في ولايته فلا ولاية له بل إما أن ترفع يده عن الولاية ويقام من يفعل وإما أن يضم إليه من يقوم معه بالواجب إذ المقصود طاعة الله ورسوله بحسب قال شيخنا وليس هذا الحق من جنس الميراث الذي يحصل بالرحم والنكاح والولاء كان الوارث فاسقا أو صالحا بل هذا من جنس الولاية التي لا بد فيها من القدرة الواجب والعلم به وفعله بحسب الإمكان قال فلو قدر أن الأب تزوج لا تراعي مصلحة ابنته ولا تقوم بها وأمها أقوم بمصلحتها من تلك الضرة هنا للأم قطعا قال ومما ينبغي أن يعلم أن الشارع ليس عنه نص عام في تقديم الأبوين مطلقا ولا تخيير الولد بين الأبوين مطلقا والعلماء متفقون على أنه لا أحدهما مطلقا بل لا يقدم ذو العدوان والتفريط على البر العادل المحسن والله قالت الحنفية والمالكية الكلام معكم في مقامين أحدهما بيان الدليل الدال على التخيير
والثاني بيان عدم الدلالة في الأحاديث التي استدللتم بها على فأما الأول فيدل عليه قوله أنت أحق به ولم يخيره وأما المقام الثاني فما من أحاديث التخيير مطلقة لا تقييد فيها وأنتم لا تقولون بها على إطلاقها بل التخيير بالسبع فما فوقها وليس في شيء من الأحاديث ما يدل على ذلك ونحن نقول صار للغلام اختيار معتبر خير بين أبويه وإنما يعتبر اختياره إذا اعتبر قوله بعد البلوغ وليس تقييدكم وقت التخيير بالسبع أولى من تقييدنا بالبلوغ بل من جانبنا لأنه حينئذ يعتبر قوله ويدل عليه قولها وقد سقاني من بئر أبي وهي على أميال من المدينة وغير البالغ لا يتأتى منه عادة أن يحمل الماء من المسافة ويستقي من البئر سلمنا أنه ليس في الحديث ما يدل على البلوغ فليس فيه ينفيه والواقعة واقعة عين وليس عن الشارع نص عام في تخيير من هو دون البلوغ حتى المصير إليه سلمنا أن فيه ما ينفي البلوغ فمن أين فيه ما يقتضي التقييد بسبع قلتم قالت الشافعية والحنابلة ومن قال بالتخيير لا يتأتى لكم الإحتجاج بقوله أنت أحق ما لم تنكحي بوجه من الوجوه فإن منكم
يقول إذا استغنى بنفسه وأكل بنفسه وشرب بنفسه فالأب أحق به بغير تخيير ومنكم من إذا اثغر فالأب أحق به فنقول النبي قد حكم لها به ما لم تنكح ولم يفرق بين أن تنكح قبل بلوغ الصبي الذي يكون عنده أو بعده وحينئذ فالجواب يكون مشتركا بيننا وبينكم ونحن فيه على فما أجبتم به أجاب به منازعوكم سواء فإن أضمرتم أضمروا وإن قيدتم قيدوا وإن خصصوا وإذا تبين هذا فنقول الحديث اقتضى أمرين أحدهما أنها لا حق لها في الولد بعد النكاح
والثاني أنها أحق به ما لم تنكح وكونها أحق به له حالتان إحداهما أن يكون الولد لم يميز فهي أحق به مطلقا من غير تخيير الثاني أن يبلغ سن التمييز فهي أحق أيضا ولكن هذه الأولوية مشروطة بشرط والحكم إذا علق بشرط صدق إطلاقه اعتمادا تقدير الشرط وحينئذ فهي أحق به بشرط اختياره لها وغاية هذا أنه تقييد للمطلق الدالة على تخييره ولو حمل على إطلاقه وليس بممكن ألبتة لاستلزم ذلك إبطال التخيير وأيضا فإذا كنتم قيدتموه بأنها أحق به إذا كانت مقيمة وكانت حرة وغير ذلك من القيود التي لا ذكر لشيء منها في الأحاديث ألبتة فتقييده الذي دلت عليه السنة واتفق عليه الصحابة أولى وأما حملكم أحاديث التخيير على ما بعد البلوغ فلا يصح لخمسة أوجه أحدها أن لفظ الحديث أنه خير غلاما بين أبويه وحقيقة من لم يبلغ فحمله على البالغ إخراج له عن حقيقته إلى مجازه بغير موجب ولا صارفة الثاني أن البالغ لا حضانة عليه فكيف يصح أن يخير ابن أربعين سنة بين أبوين هذا الممتنع شرعا وعادة فلا يجوز حمل الحديث عليه الثالث أنه لم يفهم أحد من السامعين أنهم تنازعوا في رجل كبير بالغ عاقل وأنه خير أبويه ولا يسبق إلى هذا فهم أحد ألبتة ولو فرض تخييره لكان بين ثلاثة أشياء والإنفراد بنفسه الرابع أنه لا يعقل في العادة ولا العرف ولا الشرع أن تنازع الأبوان في رجل كبير عاقل كما لا يعقل في الشرع تخيير من هذه حاله بين أبويه الخامس أن في بعض ألفاظ الحديث أن الولد كان صغيرا لم يبلغ ذكره النسائي وهو حديث بن سنان وفيه فجاء ابن لها صغير لم يبلغ فأجلس النبي الأب هاهنا والأم ثم خيره
وأما قولكم إن بئر أبي عنبة على أميال من المدينة فجوابه مطالبتكم أولا بصحة هذا ومن ذكره وثانيا بأن مسكن هذه المرأة كان بعيدا من هذه البئر وثالثا بأن من نحو العشر سنين لا يمكنه أن يستقي من البئر المذكورة عادة وكل هذا مما لا سبيل فإن العرب وأهل البوادي يستقي أولادهم الصغار من آبار هي أبعد من ذلك وأما تقييدنا له بالسبع فلا ريب أن الحديث لا يقتضي ذلك ولا هو أمر مجمع عليه فإن قولين أحدهما أنه يخير لخمس حكاه إسحاق بن راهويه ذكره عنه حرب في مسائله لهؤلاء الخمس هي السن التي يصح فيها سماع الصبي ويمكن أن يعقل فيها وقد قال محمود بن عقلت عن النبي مجة مجها في في وأنا ابن خمس سنين والقول الثاني أنه إنما لسبع وهو قول الشافعي وأحمد وإسحاق رحمهم الله واحتج لهذا القول بأن التخيير التمييز والفهم ولا ضابط له في الأطفال فضبط بمظنته وهي السبع فإنها أول سن ولهذا جعلها النبي حدا للوقت الذي يؤمر فيه الصبي بالصلاة
وقولكم إن الأحاديث وقائع أعيان فنعم هي كذلك ولكن يمتنع حملها على تخيير الرجال كما تقدم وفي بعضها لفظ غلام وفي بعضها لفظ صغير لم يبلغ وبالله التوفيق
فصل
وأما قصة بنت حمزة واختصام علي وزيد وجعفر رضي الله عنهم فيها وحكم رسول الله لجعفر فإن هذه الحكومة كانت عقيب فراغهم من عمرة القضاء فإنهم لما خرجوا من تبعتهم ابنة حمزة تنادي يا عم يا عم فأخذ علي بيدها ثم تنازع فيها هو وجعفر وذكر كل واحد من الثلاثة ترجيحا فذكر زيد أنها ابنة أخيه للمؤاخاة التي عقدها الله بينه وبين حمزة وذكر علي كونها ابنة عمه وذكر جعفر مرجحين القرابة خالتها عنده فتكون عند خالتها فاعتبر النبي مرجح جعفر دون مرجح الآخرين فحكم له وجبر كل واحد منهم قلبه بما هو أحب إليه من أخذ البنت فأما مرجح المؤاخاة فليس بمقتض للحضانة ولكن زيدا كان وصي حمزة وكان الإخاء حينئذ به التوارث فظن زيد أنه أحق بها لذلك وأما مرجح القرابة هاهنا وهي بنوة العم فهل يستحق بها الحضانة على قولين أحدهما بها وهو منصوص الشافعي وقول مالك وأحمد وغيرهم لأنه عصبة وله ولاية بالقرابة على الأجانب كما يقدم عليهم في الميراث وولاية النكاح وولاية الموت ورسول لم ينكر على جعفر وعلي ادعاءهما حضانتها ولو لم يكن لهما ذلك لأنكر عليهما الباطلة فإنها دعوى ما ليس لهما وهو لا يقر على باطل
والقول الثاني أنه لا حضانة لأحد من الرجال سوى الآباء والأجداد هذا قول بعض الشافعي وهو مخالف لنصه وللدليل
فعلى قول الجمهور وهو الصواب إذا كان الطفل وكان ابن العم محرما لها برضاع أو نحوه كان له حضانتها وإن جاوزت السبع وإن يكن محرما فله حضانتها صغيرة حتى تبلغ سبعا فلا يبقى له حضانتها بل تسلم إلى أو امرأة ثقة وقال أبو البركات في محرره لا حضانة له ما لم يكن محرما برضاع نحوه فإن قيل فالحكم بالحضانة من النبي في هذه القصة هل وقع للخالة أو لجعفر قيل هذا مما اختلف فيه على قولين منشؤهما اختلاف ألفاظ الحديث ذلك ففي صحيح البخاري من حديث البراء فقضى بها النبي لخالتها وعند أبي داود من حديث رافع بن عجير عن أبيه عن علي في هذه القصة وأما الجارية بها لجعفر تكون مع خالتها وإنما الخالة أم ثم ساقه من طريق عبدالرحمن بن أبي وقال قضى بها لجعفر لأن خالتها عنده ثم ساقه من طريق إسرائيل عن أبي إسحاق عن بن هانيء وهبيرة بن يريم وقال فقضى بها النبي لخالتها وقال الخالة بمنزلة واستشكل كثير من الفقهاء هذا وهذا فإن القضاء إن كان لجعفر فليس محرما لها وهو في القرابة منها سواء وإن كان للخالة فهي مزوجة والحاضنة إذا تزوجت سقطت ولما ضاق هذا على ابن حزم طعن في القصة بجميع طرقها وقال أما حديث البخاري رواية إسرائيل وهو ضعيف وأما حديث هانيء وهبيرة فمجهولان وأما حديث ابن أبي فمرسل وأبو فروة الراوي عنه هو مسلم بن سالم الجهني ليس بالمعروف وأما حديث ابن عجير فهو وأبوه مجهولان ولا حجة في مجهول قال إلا أن هذا الخبر بكل وجه على الحنفية والمالكية والشافعية لأن خالتها كانت مزوجة بجعفر وهو أجمل شاب في وليس هو ذا رحم محرم من بنت حمزة قال ونحن لا ننكر قضاءه بها لجعفر من أجل لأن ذلك أحفظ لها قلت وهذا من تهوره رحمه الله وإقدامه على تضعيف ما اتفقت الناس على صحته فخالفهم فإن هذه القصة شهرتها في الصحاح والسنن والمسانيد والسير والتواريخ تغني عن فكيف
وقد اتفق عليها صاحب الصحيح ولم يحفظ عن أحد قبله الطعن فيها ألبتة وقوله إسرائيل ضعيف فالذي غره في ذلك تضعيف علي بن المديني له ولكن أبى ذلك سائر الحديث واحتجوا به ووثقوه وثبتوه قال أحمد ثقة وتعجب من حفظه وقال أبو حاتم هو أتقن أصحاب أبي إسحاق ولا سيما وقد روى هذا الحديث عن أبي إسحاق وكان يحفظ كما يحفظ السورة من القرآن وروى له الجماعة كلهم محتجين به وأما قوله إن هانئا وهبيرة مجهولان فنعم مجهولان عنده معروفان عند أهل السنن الحفاظ فقال النسائي هانيء بن هانيء ليس به بأس وهبيرة روى له أهل السنن وقد وثق وأما قوله حديث ابن أبي ليلى وأبو فروة الراوي عنه مسلم بن مسلم الجهني ليس فالتعليلان باطلان فإن عبدالرحمن بن أبي ليلى روى عن علي غير حديث وعن ومعاذ رضي الله عنهما والذي غر أبا محمد أن أبا داود قال حدثنا محمد بن عيسى سفيان عن أبي فروة عن عبدالرحمن بن أبي ليلى بهذا الخبر وظن أبو محمد أن لم يذكر عليا في الرواية فرماه بالإرسال وذلك من وهمه فإن ابن أبي ليلى القصة عن علي فاختصرها أبو داود وذكر مكان الإحتجاج وأحال على العلم المشهور عبدالرحمن بن أبي ليلى عن علي وهذه القصة قد رواها علي وسمعها من أصحابه بن هانيء وهبيرة بن يريم وعجير بن عبد يزيد وعبدالرحمن بن أبي ليلى فذكر أبو حديث الثلاثة الأولين لسياقهم لها بتمامها وأشار إلى ابن أبي ليلى لأنه لم يتمه
وذكر السند منه إليه فبطل الإرسال ثم رأيت أبا بكر قد روى هذا الحديث في مسند علي مصرحا فيه بالإتصال فقال أخبرنا الهيثم خلف حدثنا عثمان بن سعيد المقري حدثنا يوسف بن عدي حدثنا سفيان عن أبي فروة عن بن أبي ليلى عن علي أنه اختصم هو وجعفر وزيد وذكر الحديث وأما قوله إن أبا فروة ليس بالمعروف فقد عرفه سفيان بن عيينة وغيره وخرجا له في رميه نافع بن عجير وأباه بالجهالة فنعم ولا يعرف حالهما وليسا من المشهورين العلم وإن كان نافع أشهر من أبيه لرواية ثقتين عنه محمد بن إبراهيم التميمي بن علي فليس الإعتماد على روايتهما وبالله التوفيق فثبتت صحة الحديث وأما الجواب عن استشكال من استشكله فنقول وبالله التوفيق لا إشكال سواء كان لجعفر أو للخالة فإن ابنة العم إذا لم يكن لها قرابة سوى ابن عمها جاز أن مع امرأته في بيته بل يتعين ذلك وهو أولى من الأجنبي لا سيما إن كان ابن العم في الديانة والعفة والصيانة فإنه في هذه الحال أولى من الأجانب بلا ريب فإن قيل فالنبي كان ابن عمها وكان محرما لها لأن حمزة كان أخاه من الرضاعة فهلا هو قيل رسول الله كان في شغل شاغل بأعباء الرسالة وتبليغ الوحي والدعوة إلى الله أعداء الله عن فراغه للحضانة فلو أخذها لدفعها إلى بعض نسائه فخالتها أمس رحما وأقرب
وأيضا فإن المرأة من نسائه لم تكن تجيئها النوبة إلا بعد تسع ليال فإن دارت معه حيث دار كان مشقة عليها وكان فيه من بروزها وظهورها كل وقت ما لا يخفى جلست في بيت إحداهن كانت لها الحضانة وهي أجنبية هذا إن كان القضاء لجعفر وإن للخالة وهو الصحيح وعليه يدل الحديث الصحيح الصريح فلا إشكال لوجوه أحدها أن نكاح الحاضنة لا يسقط حضانة البنت كما هو إحدى الروايتين عن أحمد وأحد العلماء وحجة هذا القول الحديث وقد تقدم سر الفرق بين الذكر والأنثى الثاني أن نكاحها قريبا من الطفل لا يسقط حضانتها وجعفر ابن عمها الثالث أن الزوج إذا رضى بالحضانة وآثر كون الطفل عنده في حجره لم تسقط الحضانة هو الصحيح وهو مبني على أصل وهو أن سقوط الحضانة بالنكاح هو مراعاة لحق الزوج يتنغص عليه الإستمتاع المطلوب من المرأة لحضانتها لولد غيره ويتنكد عليه عيشه المرأة لا يؤمن أن يحصل بينهما خلاف المودة والرحمة ولهذا كان للزوج أن يمنعها هذا مع اشتغالها هي بحقوق الزوج فتضيع مصلحة الطفل فإذا آثر الزوج ذلك وطلبه عليه زالت المفسدة التي لأجلها سقطت الحضانة والمقتضي قائم فيترتب عليه أثره أن سقوط الحضانة بالنكاح ليست حقا لله وإنما هي حق للزوج وللطفل وأقاربه فإذا من له الحق جاز فزال الإشكال على كل تقدير وظهر أن هذا الحكم من رسول الله أحسن الأحكام وأوضحها وأشدها موافقة للمصلحة والحكمة والرحمة والعدل وبالله التوفيق
فهذه ثلاثة مدارك في الحديث للفقهاء أحدها أن نكاح الحاضنة لا يسقط حضانتها كما الحسن البصري وقضى به يحيى بن حمزة وهو مذهب أبي محمد بن حزم والثاني أن نكاحها لا يسقط حضانة البنت ويسقط حضانة الإبن كما قاله أحمد في إحدى والثالث أن نكاحها لقريب الطفل لا يسقط حضانتها ونكاحها للأجنبي يسقطها كما هو من مذهب أحمد وفيه مدرك رابع لمحمد بن جرير الطبري وهو أن الحاضنة إن كانت أما والمنازع لها سقطت حضانتها بالتزويج وإن كانت خالة أو غيرها من نساء الحضانة لم تسقط بالتزويج وكذلك إن كانت أما والمنازع لها غير الأب من أقارب الطفل لم تسقط ونحن نذكر كلامه وما له وعليه فيه قال في تهذيب الآثار بعد ذكر حديث ابنة حمزة الدلالة الواضحة على أن قيم الصبية الصغيرة والطفل الصغير من قرابتهما من قبل من النساء أحق بحضانتهما من عصباتهما من قبل الأب وإن كن ذوات أزواج غير الذي هما منه وذلك أن رسول الله قضى بابنة حمزة لخالتها في الحضانة وقد فيها ابنا عمها علي وجعفر ومولاها وأخو أبيها الذي كان رسول الله آخى بينه وخالتها يومئذ لها زوج غير أبيها وذلك بعد مقتل حمزة وكان معلوما بذلك صحة من قال لا حق لعصبة الصغير والصغيرة من قبل الأب في حضانته ما لم تبلغ حد بل قرابتهما من النساء من قبل أمهما أحق وإن كن ذوات أزواج فإن قال قائل
فإن كان الأمر في ذلك عندك على ما وصفت من أن الصغير والصغيرة وقرابتهما من النساء من قبل أمهاتهما أحق بحضانتهما وإن كن أزواج من قرابتهما من قبل الأب من الرجال الذين هم عصبتهما فهلا كانت الأم الزوج كذلك مع والدهما الأدنى والأبعد كما كانت الخالة أحق بهما وإن كان لها غير أبيهما وإلا فما الفرق قيل الفرق بينهما واضح وذلك لقيام الحجة بالنقل المستفيض روايته عن النبي أن أحق بحضانة الأطفال إذا كانت بانت من والدهم ما لم تنكح زوجا غيره ولم يخالف ذلك من يجوز الإعتراض به على الحجة فيما نعلمه وقد روي في ذلك خبر وإن كان في نظر فإن النقل الذي وصفت أمره دال على صحته وإن كان واهي السند ثم ساق حديث بن شعيب عن أبيه عن جده أنت أحق به ما لم تنكحي من طريق المثنى بن الصباح عنه ثم قال وأما إذا نازعها فيه عصبة أبيه فصحة الخبر عن النبي الذي ذكرناه أنه جعل ذات الزوج غير أبي الصبية أحق بها من بني عمها وهم عصبتها فكانت الأم أحق تكون أولى منهم وإن كان لها زوج غير أبيها لأن النبي إنما جعل الخالة أولى لقرابتها من الأم وإذا كان ذلك كالذي وصفنا تبين أن القول الذي قلناه في أصل إحداهما من جهة النقل المستفيض والأخرى من جهة نقل الآحاد العدول كان كذلك فغير جائز رد حكم إحداهما إلى حكم الأخرى إذ القياس إنما يجوز فيما لا نص فيه من الأحكام فأما ما فيه نص من كتاب الله أو خبر عن رسول فلا حظ فيه للقياس فإن قال قائل زعمت أنك إنما أبطلت حق الأم من الحضانة إذا نكحت زوجا غير أبي الطفل الأب أولى بحضانتها منها بالنقل المستفيض فكيف يكون ذلك كما قلت وقد علمت أن البصري كان يقول المرأة أحق بولدها وإن تزوجت وقضى بذلك يحيى بن حمزة قيل إن النقل المستفيض الذي تلزم به الحجة في الدين عندنا ليس صفته ألا يكون له ولكن صفته أن ينقله قولا وعملا من علماء الأمة من ينتفي عنه أسباب الكذب وقد نقل من صفته ذلك من علماء الأمة أن المرأة إذا نكحت بعد بينونتها من زوجا غيره أن الأب أولى بحضانة ابنتها منها فكان ذلك حجة لازمة غير جائز عليها بالرأي وهو قول من يجوز عليه الغلط في قوله انتهى كلامه
ذكر ما في هذا الكلام من مقبول ومردود
فأما قوله إن فيه الدلالة على أن قرابة الطفل من قبل أمهاته من النساء أحق من عصباته من قبل الأب وإن كن ذوات أزواج فلا دلالة فيه على ذلك ألبتة بل ألفاظ الحديث صريح في خلافه وهو قوله وأما الإبنة فإني أقضي بها لجعفر وأما الآخر فقضى بها لخالتها وقال هي أم وهو اللفظ الذي احتج به أبو جعفر فلا على أن قرابة الأم مطلقا أحق من قرابة الأب بل إقرار النبي عليا وجعفرا على الحضانة يدل على أن لقرابة الأب مدخلا فيها وإنما قدم الخالة لكونها أنثى من الحضانة فتقديمها على قرابة الأب كتقديم الأم على الأب والحديث ليس فيه لفظ يدل على ما ادعاه أن من كان من قرابة الأم أحق بالحضانة من العصبة من قبل الأب حتى تكون بنت للأم أحق من العم وبنت الخالة أحق من العم والعمة فأين في الحديث دلالة على فضلا عن أن تكون واضحة قوله وكان معلوما بذلك صحة قول من قال لا حق لعصبة الصغير والصغيرة من قبل الأب حضانته ما لم يبلغ حد الإختيار يعني فيخير بين قرابة أبيه وأمه فيقال ليس ذلك من الحديث ولا مظنونا وإنما دل الحديث على أن ابن العم المزوج بالخالة أولى ابن العم الذي ليس تحته خالة الطفل ويبقى تحقيق المناط هل كانت جهة التعصيب للحضانة فاستوت في شخصين فرجح أحدهما بكون خالة الطفل عنده وهي من أهل كما فهمه طائفة من أهل الحديث
أو أن قرابة الأم وهي الخالة أولى بحضانة من عصبة الأب ولم تسقط حضانتها بالتزويج إما لكون الزوج لا يسقط الحضانة كقول الحسن ومن وافقه وإما لكون المحضونة بنتا كما قاله أحمد في رواية وإما الزوج قرابة الطفل كالمشهور من مذهب أحمد وإما لكون الحاضنة غير أم نازعها كما قاله أبو جعفر فهذه أربعة مدارك ولكن المدرك الذي اختاره أبو جعفر ضعيف فإن المعنى الذي أسقط حضانة الأم بتزويجها هو بعينه موجود في سائر نساء والخالة غايتها أن تقوم مقام الأم وتشبه بها فلا تكون أقوى منها وكذلك قرابة الأم والنبي لم يحكم حكما عاما أن سائر أقارب الأم من كن لا تسقط بالتزويج وإنما حكم حكما معينا لخالة ابنة حمزة بالحضانة مع كونها مزوجة من الطفل والطفل ابنة وأما الفرق الذي فرق بين الأم وغيرها بالنقل المستفيض إلى آخره فيريد به الإجماع لا ينقضه عنده مخالفة الواحد والإثنين وهذا أصل تفرد به ونازعه فيه الناس
وأما حكمه على حديث عمرو بن شعيب بأنه واه فمبني على ما وصل إليه من طريقه فإن المثنى بن الصباح وهو ضعيف أو متروك ولكن الحديث قد رواه الأوزاعي عن عمرو بن عن أبيه عن جده رواه أبو داود في سننه
فصل
وفي الحديث مسلك خامس وهو أن النبي قضى بها لخالتها وإن كانت ذات زوج لأن البنت على الزوج تحريم الجمع بين المرأة وخالتها وقد نبه النبي على هذا بعينه في داود بن الحصين عن عكرمة عن ابن عباس فذكر الحديث بطوله وقال فيه وأنت يا أولى بها تحتك خالتها ولا تنكح المرأة على عمتها ولا على خالتها وليس عن نص يقتضي أن يكون الحاضن ذا رحم تحرم عليه البنت على التأبيد حتى يعترض به هذا المسلك بل هذا مما لا تأباه قواعد الفقه وأصول الشريعة فإن الخالة ما دامت عصمة الحاضن فبنت أختها محرمة عليه فإذا فارقها فهي مع خالتها فلا محذور في ذلك ولا ريب أن القول بهذا أخير وأصلح للبنت من رفعها إلى الحاكم يدفعها إلى تكون عنده إذ الحاكم غير متصد للحضانة بنفسه فهل يشك أحد أن ما حكم به النبي في هذه الواقعة هو عين المصلحة والحكمة والعدل وغاية الإحتياط للبنت والنظر لها في كل حكم خالفه لا ينفك عن جور أو فساد لا تأتي به الشريعة فلا إشكال في حكمه كل الإشكال فيما خالفه والله المستعان وعليه التكلان