فصل في حكمه في الزوجين يسلم أحدهما قبل الآخر
قال ابن عباس رضي الله عنهما رد رسول الله زينب ابنته على أبي العاص بن الربيع الأول ولم يحدث شيئا رواه أبو داود والترمذي وفي لفظ بعد ست سنين ولم يحدث نكاحا قال الترمذي ليس بأس وفي لفظ وكان إسلامها قبل إسلامه بست سنين ولم يحدث شهادة ولا صداقا ..وقال ابن عباس رضي الله عنهما أسلمت امرأة على عهد رسول الله فتزوجت فجاء زوجها النبي فقال يا رسول الله إني كنت أسلمت وعلمت بإسلامي فانتزعها رسول الله زوجها الآخر وردها على زوجها الأول رواه أبو داود
وقال أيضا إن رجلا جاء مسلما على عهد رسول الله ثم جاءت امرأته مسلمة بعده فقال رسول الله إنها أسلمت معي فردها عليه قال الترمذي حديث صحيح ، وقال مالك إن أم حكيم بنت الحارث بن هشام أسلمت يوم الفتح بمكة وهرب زوجها عكرمة أبي جهل من الإسلام حتى قدم اليمن أم حكيم حتى قدمت عليه باليمن فدعته إلى الإسلام فأسلم فقدم على رسول الله عام الفتح فلما قدم على رسول الله وثب إليه فرحا وما عليه رداء حتى بايعه على نكاحهما ذلك قال ولم يبلغنا أن امرأة هاجرت إلى الله ورسوله وزوجها مقيم بدار الكفر إلا فرقت هجرتها بينها وبينه إلا أن يقدم زوجها مهاجرا قبل تنقضي عدتها ذكره مالك رحمه الله في الموطأ فتضمن هذا الحكم أن الزوجين إذا معا فهما على نكاحهما ولا يسأل عن كيفية وقوعه قبل الإسلام هل وقع صحيحا أم ما لم يكن المبطل قائما كما إذا أسلما وقد نكحها وهي في عدة من غيره أو تحريما عليه أو مؤبدا كما إذا كانت محرما له بنسب أو رضاع أو كانت مما لا يجوز له بينها وبين من معه كالأختين والخمس وما فوقهن فهذه ثلاث صور أحكامها مختلفة
فإذا أسلما وبينها وبينه محرمية من نسب أو رضاع أو صهر أو كانت أخت الزوجة أو أو خالتها أو من يحرم الجمع بينها وبينها فرق بينهما بإجماع الأمة لكن إن التحريم لأجل الجمع خير بين إمساك أيتهما شاء وإن كانت بنته من بالزنى فرق أيضا عند الجمهور وإن كان يعتقد ثبوت النسب بالزنى فرق بينهما اتفاقا وإن أحدهما وهي في عدة من مسلم متقدمة على عقده فرق بينهما اتفاقا وإن كانت العدة كافر فإن اعتبرنا دوام المفسد أو الإجماع عليه لم يفرق بينهما لأن عدة الكافر تدوم ولا تمنع النكاح عند من يبطل الكفار ويجعل حكمها حكم الزنى وإن أسلم أحدهما وهي حبلى من زنى قبل العقد فقولان مبنيان على اعتبار قيام المفسد كونه مجمعا عليه وإن أسلما وقد عقداه بلا ولي أو بلا شهود أو في عدة وقد انقضت أو على أخت وقد أو على خامسة كذلك أقرا عليه وكذلك إن قهر حربي حربية واعتقداه نكاحا ثم أقرا عليه
وتضمن أن أحد الزوجين إذا أسلم قبل الآخر لم ينفسخ النكاح بإسلامه فرقت الهجرة أو لم تفرق فإنه لا يعرف أن رسول الله جدد نكاح زوجين سبق أحدهما الآخر قط ولم يزل الصحابة يسلم الرجل قبل امرأته وامرأته قبله ولم يعرف عن أحد البتة أنه تلفظ بإسلامه هو وامرأته وتساوقا فيه حرفا بحرف هذا مما يعلم أنه يقع البتة وقد رد النبي ابنته زينب على أبي العاص بن الربيع وهو إنما أسلم الحديبية وهي أسلمت من أول البعثة فبين إسلامهما أكثر من ثماني عشرة سنة وأما قوله في الحديث كان بين إسلامها وإسلامه ست سنين فوهم إنما أراد بين هجرتها فإن قيل وعلى ذلك فالعدة تنقضي في هذه المدة فكيف لم يجدد نكاحها قيل تحريم على المشركين إنما نزل بعد صلح الحديبية لا قبل ذلك فلم ينفسخ النكاح في المدة لعدم شرعية هذا الحكم فيها ولما نزل تحريمهن على المشركين أسلم أبو فردت عليه ، وأما مراعاة زمن العدة فلا دليل عليه من نص ولا إجماع وقد ذكر حماد بن سلمة عن عن سعيد بن المسيب أن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال في الزوجين الكافرين يسلم أحدهما هو أملك ببضعها ما دامت في دار وذكر سفيان بن عيينة عن مطرف بن طريف عن الشعبي عن علي هو أحق بها ما لم يخرج من ،
وذكر ابن أبي شيبة عن معتمر بن سليمان عن معمر عن الزهري إن أسلمت ولم يسلم زوجها على نكاحهما إلا أن يفرق بينهما سلطان ولا يعرف اعتبار العدة في شيء من الأحاديث ولا كان النبي يسأل المرأة هل انقضت أم لا ولا ريب أن الإسلام لو كان بمجرده فرقة لم تكن فرقة رجعية بل بائنة أثر للعدة في بقاء النكاح وإنما أثرها في منع نكاحها للغير فلو كان الإسلام نجز الفرقة بينهما لم يكن أحق بها في العدة ولكن الذي دل عليه حكمه أن النكاح فإن أسلم قبل انقضاء عدتها فهي زوجته وإن انقضت عدتها فلها أن تنكح من شاءت أحبت انتظرته فإن أسلم كانت زوجته من غير حاجة إلى تجديد نكاح ولا نعلم أحدا جدد للإسلام نكاحه ألبتة بل كان الواقع أحد أمرين إما افتراقهما غيره وإما بقاؤه عليه وإن تأخر إسلامها أو إسلامه وإما تنجيز الفرقة أو العدة فلا نعلم أن رسول الله قضى بواحدة منهما مع كثرة من أسلم في عهده الرجال وأزواجهن وقرب إسلام أحد الزوجين من الآخر وبعده منه ولولا إقراره على نكاحهما وإن تأخر إسلام أحدهما عن الآخر بعد صلح الحديبية وزمن الفتح بتعجيل الفرقة بالإسلام من غير اعتبار عدة لقوله تعالى (لا هن حل لهم ولا هم يحلون لهن ) وقوله (ولا تمسكوا بعصم الكوافر ) الممتحنة وأن سبب الفرقة وكل ما كان سببا للفرقة تعقبه الفرقة كالرضاع والخلع والطلاق اختيار الخلال وأبي بكر صاحبه وابن المنذر وابن حزم وهو مذهب الحسن وطاووس وقتادة والحكم
قال ابن حزم وهو قول عمر بن الخطاب رضي الله عنه وجابر بن وابن عباس وبه قال حماد بن زيد والحكم بن عتيبة وسعيد بن جبير وعمر بن عبد وعدي بن عدي الكندي والشعبي وغيرهم قلت وهو أحد الروايتين عن أحمد ولكن أنزل عليه قوله تعالى (ولا تمسكوا بعصم الكوافر ) وقوله( لا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ ) (الممتحنة: من الآية10) لم يحكم بتعجيل الفرقة فروى مالك في موطئه عن ابن شهاب قال كان بين صفوان بن أمية وبين إسلام امرأته بنت الوليد بن المغيرة نحو من شهر أسلمت الفتح وبقي صفوان حتى شهد حنينا والطائف وهو كافر ثم أسلم ولم يفرق النبي واستقرت عنده امرأته بذلك النكاح وقال ابن عبد البر وشهرة هذا الحديث أقوى إسناده ، وقال ابن شهاب أسلمت أم حكيم يوم الفتح وهرب زوجها عكرمة حتى أتى اليمن فدعته إلى فأسلم وقدم فبايع النبي فبقيا على نكاحهما ، ومن المعلوم يقينا أن أبا سفيان بن حرب خرج فأسلم عام الفتح دخول النبي مكة ولم تسلم هند امرأته حتى فتح رسول الله مكة فبقيا على وأسلم حكيم بن حزام قبل امرأته وخرج أبو سفيان بن الحارث وعبدالله بن أبي عام الفتح فلقيا النبي بالأبواء فأسلما قبل منكوحتيهما فبقيا على نكاحهما يعلم أن رسول الله فرق بين أحد ممن أسلم وبين امرأته وجواب من أجاب بتجديد نكاح من أسلم في غاية البطلان ومن القول على رسول الله علم واتفاق الزوجين في التلفظ بكلمة الإسلام معا في لحظة واحدة معلوم الإنتفاء ويلي هذا القول مذهب من يقف الفرقة على انقضاء العدة مع ما فيه إذ فيه آثار وإن منقطعة ولو صحت لم يجز القول بغيرها
قال ابن شبرمة كان الناس على عهد رسول يسلم الرجل قبل المرأة والمرأة قبل الرجل فأيهما أسلم قبل انقضاء عدة فهي امرأته وإن أسلم بعد العدة فلا نكاح بينهما وقد تقدم قول الترمذي في الفصل وما حكاه ابن حزم عن عمر رضي الله عنه فما أدري من أين حكاه والمعروف خلافه فإنه ثبت عنه من طريق حماد بن سلمة عن أيوب وقتادة كلاهما عن ابن سيرين عبدالله بن يزيد الخطمي أن نصرانيا أسلمت امرأته فخيرها عمر بن الخطاب رضي الله إن شاءت فارقته وإن شاءت أقامت عليه ومعلوم بالضرورة أنه إنما خيرها بين إلى أن يسلم فتكون زوجته كما هي أو تفارقه وكذلك صح عنه أن نصرانيا أسلمت فقال عمر رضي الله عنه إن أسلم فهي امرأته وإن لم يسلم فرق بينهما فلم يسلم بينهما قال لعبادة بن النعمان التغلبي وقد أسلمت امرأته إما أن تسلم وإلا نزعتها فأبى فنزعها منه فهذه الآثار صريحة في خلاف ما حكاه أبو محمد ابن حزم عنه وهو حكاها وجعلها روايات وإنما تمسك أبو محمد بآثار فيها أن عمر وابن عباس وجابرا فرقوا بين الرجل وبين بالإسلام وهي آثار مجملة ليست بصريحة في تعجيل التفرقة ولو صحت فقد صح عن ما حكيناه وعن علي ما تقدم وبالله التوفيق
المقال السابق
المقال التالى