فصل في قضائه في الرجل يزني بجارية امرأته
في المسند والسنن الأربعة من حديث قتادة عن حبيب بن سالم أن رجلا يقال له بن حنين وقع على جارية امرأته فرفع إلى النعمان بن بشير وهو أمير على فقال لأقضين فيك بقضية رسول الله إن كانت أحلتها لك جلدتك مائة جلدة وإن تكن أحلتها رجمتك بالحجارة فوجدوه أحلتها له فجلده مائة قال الترمذي في إسناد هذا الحديث اضطراب سمعت محمدا يعني البخاري يقول لم يسمع من حبيب بن سالم هذا الحديث إنما رواه خالد بن عرفطة وأبو بشر لم يسمعه أيضا من حبيب بن سالم إنما رواه عن خالد بن وسألت محمدا عنه فقال أنا أنفي هذا الحديث وقال النسائي هو مضطرب وقال أبو الرازي خالد ابن عرفطة مجهول .. وفي المسند والسنن عن قبيصة بن حريث عن سلمة بن المحبق أن رسول الله قضى في رجل على جارية امرأته إن كان استكرهها فهي حرة وعليه لسيدتها مثلها وإن كانت فهي له وعليه لسيدتها مثلها
فاختلف الناس في القول بهذا الحكم فأخذ به أحمد في ظاهر مذهبه فإن الحديث حسن بن عرفطة قد روى عنه ثقتان قتادة وأبو بشر ولم يعرف فيه قدح والجهالة ترتفع برواية ثقتين والقياس وقواعد الشريعة يقتضي القول بموجب هذه الحكومة فإن إحلال شبهة توجب سقوط الحد ولا تسقط التعزير فكانت المائة تعزيرا فإذا لم تكن كان زنى لا شبهة فيه ففيه الرجم فأي شيء في هذه مما يخالف القياس ..وأما حديث سلمة بن المحبق فإن صح تعين القول به ولم يعدل عنه ولكن قال النسائي لا هذا الحديث قال أبو داود سمعت أحمد بن حنبل يقول الذي رواه عن سلمة بن المحبق لا يعرف ولا يحدث عنه غير الحسن يعني قبيصة بن حريث وقال البخاري في التاريخ بن حريث سمع سلمة بن المحبق في حديثه نظر وقال ابن المنذر لا يثبت خبر سلمة المحبق وقال البيهقي وقبيصة ابن حريث غير معروف وقال الخطابي هذا حديث منكر غير معروف والحجة لا تقوم بمثله وكان الحسن لا يبالي أن يروي الحديث ممن
وطائفة أخرى قبلت الحديث ثم اختلفوا فيه فقالت طائفة هو منسوخ وكان هذا قبل نزول
وقالت طائفة بل وجهه أنه إذا استكرهها فقد أفسدها على سيدتها ولم تبق ممن تصلح ولحق بها العار وهذا مثلة معنوية فهي كالمثلة الحسية أو أبلغ منها وهو قد تضمن إتلافها على سيدتها والمثلة المعنوية بها فيلزمه غرامتها لسيدتها وتعتق عليه إن طاوعته فقد أفسدها على سيدتها فتلزمه قيمتها لها ويملكها لأن القيمة قد عليه وبمطاوعتها وإرادتها خرجت عن شبهة المثلة قالوا ولا بعد في تنزيل المعنوي منزلة الإتلاف الحسي إذ كلاهما يحول بين المالك وبين الإنتفاع ولا ريب أن جارية الزوجة إذا صارت موطوءة لزوجها فإنها لا تبقى لسيدتها كما قبل الوطء فهذا الحكم من أحسن الأحكام وهو موافق للقياس الأصولي وبالجملة فالقول به مبني على قبول الحديث ولا تضر كثرة المخالفين له ولو كانوا أضعافهم
فصل
ولم يثبت عنه أنه قضى في اللواط بشيء لأن هذا لم تكن تعرفه العرب ولم يرفع إليه ولكن ثبت عنه أنه قال اقتلوا الفاعل والمفعول به رواه أهل السنن الأربعة وإسناده وقال الترمذي حديث حسن ..وحكم به أبو بكر الصديق وكتب به إلى خالد بعد مشاورة الصحابة وكان علي أشدهم في وقال ابن القصار وشيخنا أجمعت الصحابة على قتله وإنما اختلفوا في كيفية قتله فقال بكر الصديق يرمى من شاهق وقال علي رضي الله عنه يهدم عليه حائط وقال ابن عباس بالحجارة فهذا اتفاق منهم على قتله وإن اختلفوا في كيفيته وهذا موافق لحكمه فيمن وطيء محرم لأن الوطء في الموضعين لا يباح للواطيء بحال ولهذا جمع بينهما في حديث ابن رضي الله عنهما فإنه روى أنه قال من وجدتموه يعمل عمل قوم لوط فاقتلوه وروى أيضا عنه من وقع على ذات فاقتلوه وفي حديثه أيضا بالإسناد من أتى بهيمة فاقتلوه واقتلوها معه وهذا الحكم على وفق حكم الشارع فإن المحرمات كلما تغلظت تغلظت عقوباتها ووطء من لا بحال أعظم جرما من وطء من يباح في بعض الأحوال فيكون حده أغلظ وقد نص أحمد في الروايتين عنه أن حكم من أتى بهيمة حكم اللواط سواء فيقتل بكل حال أو يكون حد الزاني ، واختلف السلف في ذلك فقال الحسن حده حد الزاني وقال أبو سلمة عنه يقتل بكل حال الشعبي والنخعي يعزر وبه أخذ الشافعي ومالك وأبو حنيفة وأحمد في رواية فإن عباس رضي الله عنه أفتى بذلك وهو راوي الحديث
فصل
وحكم على من أقر بالزنى بامرأة معينة بحد الزنى دون حد القذف ففي السنن من حديث بن سعد أن رجلا أتى النبي عنده أنه زنى بامرأة سماها فبعث رسول الله إلى المرأة فسألها عن ذلك فأنكرت تكون زنت فجلده الحد وتركها فتضمنت هذه الحكومة أمرين : أحدهما وجوب الحد على الرجل وإن كذبته المرأة خلافا لأبي حنيفة وأبي يوسف أنه لا الثاني أنه لا يجب عليه حد القذف للمرأة وأما ما رواه أبو داود في سننه من حديث ابن عباس رضي الله عنه أن رجلا أتى النبي فأقر أنه زنى بامرأة أربع مرات فجلده مائة جلدة وكان بكرا ثم سأله البينة على فقالت كذب والله يا رسول الله فجلد حد الفرية ثمانين فقال النسائي هذا حديث انتهى وفي إسناده القاسم بن فياض الأنباري الصنعاني تكلم فيه غير واحد وقال حبان بطل الاحتجاج به
فصل
وحكم في الأمة إذا زنت ولم تحصن بالجلد وأما قوله تعالى في ( فإذا أحصن فإن أتين بفاحشة فعليهن نصف ما على المحصنات من العذاب ) النساء فهو نص في أن حدها بعد التزويج نصف حد الحرة من الجلد وأما قبل التزويج فأمر
وفي هذا الجلد قولان : أحدهما أنه الحد ولكن يختلف الحال قبل التزويج وبعده فإن للسيد إقامته قبله وأما فلا يقيمه إلا الإمام والقول الثاني : أن جلدها قبل الإحصان تعزير لا حد ولا يبطل هذا ما رواه مسلم في من حديث أبي هريرة رضي الله عنه يرفعه إذا زنت أمة أحدكم فليجلدها ولا ثلاث مرات فإن عادت في الرابعة فليجلدها وليبعها ولو بضفير وفي لفظ كتاب الله .. وفي صحيحه أيضا من حديث علي رضي الله عنه أنه قال أيها الناس أقيموا على أرقائكم من أحصن منهن ومن لم يحصن فإن أمة لرسول الله زنت فأمرني أن أجلدها فإذا هي عهد بنفاس فخشيت إن أنا جلدتها أن أقتلها فذكرت ذلك للنبي فقال أحسنت فإن التعزير يدخل تحته لفظ الحد في لسان الشارع كما في قوله يضرب فوق عشرة أسواط إلا في حد من حدود الله تعالى
وقد ثبت التعزير بالزيادة على العشرة جنسا وقدرا في مواضع عديدة لم يثبت نسخها تجمع الأمة على خلافها وعلى كل حال فلا بد أن يخالف حالها بعد الإحصان حالها قبله وإلا لم يكن للتقييد فإما أن يقال قبل الإحصان لا حد عليها والسنة الصحيحة تبطل ذلك وإما أن يقال قبل الإحصان حد الحرة وبعده نصفه وهذا باطل قطعا مخالف لقواعد الشرع وأصوله أن يقال جلدها قبل الإحصان تعزير وبعده حد وهذا أقوى وإما أن يقال الإفتراق الحالتين في إقامة الحد لا في قدره وأنه في إحدى الحالتين للسيد وفي الأخرى وهذا أقرب ما يقال وقد يقال إن تنصيصه على التنصيف بعد الإحصان لئلا يتوهم متوهم أن بالإحصان يزول ويصير حدها حد الحرة كما أن الجلد زال عن البكر بالإحصان وانتقل إلى الرجم على التنصيف في أكمل حالتيها وهي الإحصان تنبيها على أنه إذا اكتفى به فيها قبل الإحصان أولى وأحرى والله أعلم وقضى رسول الله في مريض زنى ولم يحتمل إقامة الحد بأن يؤخذ له عثكال فيه مائة فيضرب بها ضربة واحدة
فصل
وحكم رسول الله بحد القذف لما أنزل الله سبحانه براءة زوجته من السماء فجلد وامرأة وهما حسان بن ثابت ومسطح بن أثاثة قال أبو جعفر النفيلي ويقولون حمنة بنت جحش .. وحكم فيمن بدل دينه بالقتل ولم يخص رجلا من امرأة وقتل الصديق امرأة ارتدت بعد يقال لها أم قرفة .. وحكم في شارب الخمر بضربه بالجريد والنعال وضربه أربعين
وتبعه أبو بكر رضي الله عنه على الأربعين .. وفي مصنف عبدالرزاق أنه جلد في الخمر ثمانين .. وقال ابن عباس رضي الله عنه لم يوقت فيها رسول الله شيئا
وقال علي رضي الله عنه جلد رسول الله في الخمر أربعين وأبو بكر أربعين وكملها ثمانين وكل سنة .. وصح عنه أنه أمر بقتله في الرابعة أو الخامسة واختلف الناس في ذلك فقيل هو وناسخه لا يحل دم امريء مسلم إلا بإحدى ثلاث وقيل هو محكم ولا تعارض بين والعام ولا سيما إذا لم يعلم تأخر العام وقيل ناسخه حديث عبدالله حمار فإنه به مرارا إلى رسول الله فجلده ولم يقتله
وقيل قتله تعزير بحسب المصلحة فإذا كثر منه ولم ينهه الحد واستهان به فللإمام تعزيرا لا حدا وقد صح عن عبدالله بن عمر رضي الله عنهما أنه قال ائتوني به في فعلي أن أقتله لكم وهو أحد رواة الأمر بالقتل عن النبي وهم معاوية وأبو وعبدالله بن عمر وعبدالله بن عمرو وقبيصة بن ذؤيب رضي الله عنهم .. وحديث قبيصة فيه دلالة على أن القتل ليس بحد أو أنه منسوخ فإنه قال فيه فأتي رسول برجل قد شرب فجلده ثم أتي به فجلده ثم أتي به فجلده ورفع القتل وكانت رخصة أبو داود
فإن قيل فما تصنعون بالحديث المتفق عليه عن علي رضي الله عنه أنه قال ما كنت لأدي أقمت عليه الحد إلا شارب الخمر فإن رسول الله لم يسن فيه شيئا إنما هو شيء نحن لفظ أبي داود ولفظهما رسول الله مات ولم يسنه ..قيل المراد بذلك أن رسول الله لم يقدر فيه بقوله تقديرا لا يزاد عليه ولا ينقص الحدود وإلا فعلي رضي الله عنه قد شهد أن رسول الله قد ضرب فيها أربعين وقوله إنما هو شيء قلناه نحن يعني التقدير بثمانين فإن عمر رضي الله عنه جمع رضي الله عنهم واستشارهم فأشاروا بثمانين فأمضاها ثم جلد علي في خلافته وقال هذا أحب إلي .. ومن تأمل الأحاديث رآها تدل على أن الأربعين حد والأربعون الزائدة