فصل في حكمه بالقسامة فيمن لم يعرف قاتله
ثبت في الصحيحين أنه حكم بها بين الأنصار واليهود لحويصة ومحيصة.. وعبدالرحمن أتحلفون وتستحقون دم صاحبكم وقال البخاري وتستحقون أو صاحبكم فقالوا أمر لم نشهده ولم نره فقال فتبرئكم يهود بأيمان خمسين كيف نقبل أيمان قوم كفار فواده رسول الله من عنده ..وفي لفظ ويقسم خمسون منكم على رجل منهم فيدفع برمته إليه ..واختلف لفظ الأحاديث الصحيحة في محل الدية ففي بعضها أنه وداه من عنده وفي وداه من إبل الصدقة ..
وفي سنن أبي داود أنه ألقى ديته على اليهود لأنه وجد بينهم ..وفي مصنف عبدالرزاق أنه بدأ بيهود فأبوا أن يحلفوا فرد القسامة على الأنصار أن يحلفوا فجعل عقله على يهود ..وفي سنن النسائي فجعل عقله على اليهود وأعانهم ببعضها وقد تضمنت هذه الحكومة منها الحكم بالقسامة وأنها من دين الله وشرعه ..ومنها القتل بها لقوله فيدفع برمته إليه وقوله في لفظ آخر وتستحقون دم صاحبكم القرآن والسنة القتل بأيمان الزوج الملاعن وأيمان الأولياء في القسامة وهو أهل المدينة وأما أهل العراق فلا يقتلون في واحد منهما وأحمد يقتل في القسامة اللعان والشافعي عكسه ..ومنها أنه يبدأ بأيمان المدعين في القسامة بخلاف غيرها من الدعاوي ..ومنها أن أهل الذمة إذا منعوا حقا عليهم انتقض عهدهم لقوله إما أن تدوه وإما أن بحرب ..ومنها أن المدعى عليه إذا بعد عن مجلس الحكم كتب إليه ولم يشخصه ..ومنها جواز العمل والحكم بكتاب القاضي وإن لم يشهد عليه ..ومنها القضاء على الغائب ..ومنها أنه لا يكتفي في القسامة بأقل من خمسين إذا وجدوا ..ومنها الحكم على أهل الذمة بحكم الإسلام وإن لم يتحاكموا إلينا إذا كان الحكم وبين المسلمين ..ومنها وهو الذي أشكل على كثير من الناس إعطاؤه الدية من إبل الصدقة وقد ظن بعض أن ذلك من سهم الغارمين وهذا لا يصح فإن غارم أهل الذمة لا يعطى من الزكاة بعضهم أن ذلك مما فضل من الصدقة عن أهلها فللإمام أن يصرفه في المصالح وهذا من الأول وأقرب منه أنه وداه من عنده واقترض الدية إبل الصدقة ويدل عليه فوداه من عنده وأقرب من هذا كله أن يقال لما تحملها النبي لإصلاح ذات البين بين الطائفتين كان حكمها حكم القضاء على الغارم لما غرمه ذات البين ولعل هذا مراد من قال إنه قضاها من سهم الغارمين وهو لم يأخذ لنفسه شيئا فإن الصدقة لا تحل له ولكن جرى إعطاء الدية منها مجرى إعطاء منها لإصلاح ذات البين والله أعلم ..فإن قيل فكيف تصنعون بقوله فجعل عقله على اليهود فيقال هذا مجمل لم يحفظ راويه جعله عليهم فإنه لما كتب إليهم أن يدوا القتيل أو يأذنوا بحرب كان هذا لهم بالدية ولكن الذي حفظوا أنهم أنكروا أن يكونوا قتلوا وحلفوا على ذلك رسول الله وداه من عنده حفظوا زيادة على ذلك فهم أولى بالتقديم
فإن قيل فكيف تصنعون برواية النسائي أنه قسمها على اليهود وأعانهم ببعضها قيل هذا بمحفوظ قطعا فإن الدية لا تلزم المدعى عليهم بمجرد دعوى أولياء القتيل بل لا من إقرار أو بينة أو أيمان المدعين ولم يوجد هنا شيء من ذلك وقد عرض النبي القسامة على المدعين فأبوا أن يحلفوا فكيف يلزم اليهود بالدية بمجرد الدعوى
المقال السابق
المقال التالى