فصل في غزوة الطائف
في شوال سنة ثمان قال ابن سعد قالوا ولما أراد رسول الله المسير إلى الطائف بعث الطفيل بن عمرو إلى ذي الكفين صنم عمرو بن حممة الدوسي يهدمه وأمره أن يستمد قومه ويوافيه بالطائف فخرج سريعا إلى قومه فهدم ذا الكفين وجعل يحش النار في وجهه ويحرقه ويقول
يا ذا الكفين لست من عبادكا ميلادنا أقدم من ميلادكا
إني حششت النار في فؤادكا
وانحدر معه في قومه أربعمائة سراعا فوافوا النبي بالطائف بعد مقدمه بأربعة أيام وقدم بدبابة ومنجنيق
قال ابن سعد ولما خرج رسول الله من حنين يريد الطائف قدم خالد بن الوليد على مقدمته وكانت ثقيف قد رموا حصنهم وأدخلوا فيه ما يصلح لهم لسنة فلما انهزموا من أوطاس دخلوا حصنهم وأغلقوه عليهم وتهيؤوا للقتال وسار رسول الله فنزل قريبا من حصن الطائف وعسكر هناك فرموا المسلمين بالنبل رميا شديدا كأنه رجل جراد حتى أصيب ناس من المسلمين بجراحة وقتل منهم اثنا عشر رجلا فارتفع رسول الله إلى موضع مسجد الطائف اليوم وكان معه من نسائه أم سلمة وزينب فضرب لهما قبتين وكان يصلي بين القبتين مدة حصار الطائف فحاصرهم ثمانية عشر يوما وقال ابن إسحاق بضعا وعشرين ليلة ونصب عليهم المنجنيق وهو أول ما رمي به في الإسلام وقال ابن سعد حدثنا قبيصة حدثنا سفيان عن ثور بن يزيد عن مكحول أن النبي نصب المنجنيق على أهل الطائف أربعين يوما قال ابن إسحاق حتى إذا كان يوم الشدخة عند جدار الطائف دخل نفر من أصحاب رسول الله تحت دبابة ثم دخلوا بها إلى جدار الطائف ليحرقوه فأرسلت عليهم ثقيف سكك الحديد محماه بالنار فخرجوا من تحتها فرمتهم ثقيف بالنبل فقتلوا منهم رجالا فأمر رسول الله بقطع أعناب ثقيف فوقع الناس فيها يقطعون
قال ابن سعد فسألوه أن يدعها لله وللرحم فقال رسول الله فإني أدعها لله وللرحم فنادى منادي رسول الله أيما عبد نزل من الحصن وخرج إلينا فهو حر فخرج منهم بضعة عشر رجلا منهم أبو بكرة فأعتقهم رسول الله ودفع كل رجل منهم إلى رجل من المسلمين يمونه فسق ذلك على أهل الطائف مشقة شديدة ولم يؤذن لرسول الله في فتح الطائف واستشار رسول الله نوفل بن معاوية الديلي فقال ما ترى فقال ثعلب في حجر إن أقمت عليه أخذته وإن تركته لم يضرك فأمر رسول الله عمر ابن الخطاب فأذن في الناس بالرحيل فضج الناس من ذلك وقالوا نرحل ولم يفتح علينا الطائف فقال رسول الله فاغدوا على القتال فغدوا فأصابت المسلمين جراحات فقال رسول الله إنا قافلون غدا إن شاء الله فسروا بذلك وأذعنوا وجعلوا يرحلون ورسول الله يضحك فلما ارتحلوا واستقلوا قال قولوا آيبون تائبون عابدون لربنا حامدون وقيل يا رسول الله ادع الله على ثقيف فقال اللهم اهد ثقيفا وائت بهم واستشهد مع رسول الله بالطائف جماعة ثم خرج رسول الله من الطائف إلى الجعرانة ثم دخل منها محرما بعمرة فقضى عمرته ثم رجع إلى المدينة
فصل
قال ابن إسحاق وقدم رسول الله المدينة من تبوك في رمضان وقدم عليه في ذلك الشهر وفد ثقيف وكان حديثهم أن رسول الله لما انصرف عنهم اتبع أثره عروة بن مسعود حتى أدركه قبل أن يدخل المدينة فأسلم وسأله أن يرجع إلى قومه بالإسلام فقال له رسول الله كما يتحدث قومك أنهم قاتلوك وعرف رسول الله أن فيهم نخوة الامتناع الذي كان منهم فقال عروة يا رسول الله أنا أحب إليهم من أبكارهم وكان فيهم كذلك محببا مطاعا فخرج يدعو قومه إلى الإسلام رجاء ألا يخالفوه لمنزلته فيهم فلما أشرف لهم على علية له وقد دعاهم إلى الإسلام وأظهر لهم دينه رموه بالنبل من كل وجه فأصابه سهم فقتله فقيل لعروة ما ترى في دمك قال كرامة أكرمني الله بها وشهادة ساقها الله إلي فليس في إلا ما في الشهداء الذين قتلوا مع رسول الله قبل أن يرتحل عنكم فادفنوني معهم فدفنوه معهم فزعموا أن رسول الله قال فيه إن مثله في قومه كمثل صاحب يس في قومه ثم أقامت ثقيف بعد قتل عروة أشهرا ثم إنهم ائتمروا بينهم ورأوا أنه لا طاقة لهم بحرب من حولهم من العرب وقد بايعوا وأسلموا فأجمعوا أن يرسلوا إلى رسول الله رجلا كما أرسلوا عروة
فكلموا عبد ياليل بن عمرو بن عمير وكان في سن عروة بن مسعود وعرضوا عليه ذلك فأبى أن يفعل وخشي أن يصنع به كما صنع بعروة فقال لست بفاعل حتى ترسلوا معي رجالا فأجمعوا أن يبعثوا معه رجلين من الأحلاف وثلاثة من بني مالك فيكونون ستة فبعثوا معه الحكم بن عمرو بن وهب وشرحبيل بن غيلان ومن بني مالك عثمان بن أبي العاص وأوس بن عوف ونمير بن خرشة فخرج بهم فلما دنوا من المدينة ونزلوا قناة لقوا بها المغيرة بن شعبة فاشتد ليبشر رسول الله بقدومهم عليه فلقيه أبو بكر فقال أقسمت عليك بالله لا تسبقني إلى رسول الله حتى اكون أنا أحدثه ففعل فدخل أبو بكر على رسول الله فأخبره بقدومهم عليه ثم خرج المغيرة إلى أصحابه فروح الظهر معهم وأعلمهم كيف يحيون رسول الله فلم يفعلوا إلا بتحية الجاهلية فلما قدموا على رسول الله ضرب عليهم قبة في ناحية مسجده كما يزعمون
وكان خالد بن سعيد بن العاص هو الذي يمشي بنيهم وبين رسول الله حتى اكتتبوا كتابهم وكان خالد هو الذي كتبه وكانوا لا يأكلون طعاما يأتيهم من عند رسول الله حتى يأكل منه خالد حتى أسلموا وقد كان فيما سألوا رسول الله ان يدع لهم الطاغية وهي اللات لا يهدمها ثلاث سنين فأبى رسول الله عليهم فما برحوا يسألونه سنة سنة ويأبى عليهم حتى سألوه شهرا واحدا بعد قدومهم فأبى عليهم أن يدعها شيئا مسمى وإنما يريدون بذلك فيما يظهرون أن يسلموا بتركها من سفهائهم ونسائهم وذراريهم ويكرهون أن يروعوا قومهم بهدمها حتى يدخلهم الإسلام فأبى رسول الله إلا أن يبعث أبا سفيان بن حرب والمغيرة بن شعبة يهدمانها وقد كانوا يسألونه مع ترك الطاغية أن يعفيهم من الصلاة وأن لا يكسروا أوثانهم بأيديهم فقال رسول الله أما كسر أوثانكم بأيديكم فسنعفيكم منه وأما الصلاة فلا خير في دين لا صلاة فيه فلما أسلموا وكتب لهم رسول الله كتابا أمر عليهم عثمان بن أبي العاص وكان من أحدثهم سنا وذلك أنه كان من عليهم عثمان بن أبي العاص وكان من أحدثهم سنا وذلك أنه كان من أحرصهم على التفقه في الإسلام وتعلم القرآن فلما فرغوا من أمرهم وتوجهوا إلى بلادهم راجعين بعث رسول الله معهم أبا سفيان بن حرب والمغيرة بن شعبة في هدم الطاغية فخرجا مع القوم حتى إذا قدموا الطائف أراد المغيرة بن شعبة أن يقدم أبا سفيان فأبى ذلك عليه أبو سفيان فقال ادخل أنت على قومك وأقام أبو سفيان بماله بذي الهدم فلما دخل المغيرة بن شعبة علاها يضربها بالمعول وقام دونه بنو معتب خشية أن يرمى أو يصاب كما أصيب عروة وخرج نساء ثقيف حسرا يبكين عليها ويقول أبو سفيان والمغيرة يضربها بالفأس واها لك واها لك فلما هدمها المغيرة وأخذ مالها وحليها أرسل إلى أبي سفيان مجموع مالها من الذهب والفضة والجزع
وقد كان أبو مليح بن عروة وقارب بن الأسود قدما على رسول الله قبل وفد ثقيف حين قتل عروة يريدان فراق ثقيف وأن لا يجامعاهم على شيء أبدا فأسلما فقال لهما رسول الله توليا من شئتما قالا نتولى الله ورسوله فقال رسول الله وخالكما أبا سفيان ابن حرب فقالا وخالنا أبا سفيان فلما أسلم أهل الطائف سأل أبو مليح رسول الله أن يقضي عن أبيه عروة دينا كان عليه من مال الطاغية فقال له رسول الله نعم فقال له قارب بن الأسود وعن الأسود يا رسول الله فاقضه وعروة والأسود أخوان لأب وأم فقال رسول الله إن الأسود مات مشركا فقال قارب بن الأسود يا رسول الله لكن تصل مسلما ذا قرابة يعني نفسه وإنما الدين علي وأنا الذي أطلب به فأمر النبي أبا سفيان أن يقضي دين عروة والأسود من مال الطاغية ففعل وكان كتاب رسول الله الذي كتب لهم بسم الله الرحمن الرحيم من محمد النبي رسول الله إلى المؤمينن إن عضاه وج وصيده حرام لا يعضد من وجد يصنع شيئا من ذلك فإنه يجلد وتنزع ثيابه فإن تعدى ذلك فإنه يؤخذ فيبلغ به إلى النبي محمد وإن هذا أمر النبي محمد رسول الله فكتب خالد بن سعيد بأمر الرسول محمد بن عبدالله فلا يتعداه أحد فيظلم نفسه فيما أمر به محمد رسول الله فهذه قصة ثقيف من أولها إلى آخرها سقناها كما هي وإن تخلل بين غزوها وإسلامها غزاة تبوك وغيرها لكن آثرنا أن لا نقطع قصتهم وأن ينتظم أولها بآخرها ليقع الكلام على فقه هذه القصة وأحكامها في موضع واحد فنقول فيها من الفقه جواز القتال في الأشهر الحرم ونسخ تحريم ذلك فإن رسول الله خرج من المدينة إلى مكة في أواخر شهر رمضان بعد مضي ثمان عشرة ليلة منه والدليل عليه ما رواه أحمد في مسنده حدثنا إسماعيل عن خالد الحذاء عن أبي قلابة عن أبي الأشعث عن شداد بن أوس أنه مر مع رسول الله زمن الفتح على رجل يحتجم بالبقيع لثمان عشرة ليلة خلت من رمضان وهو آخذ بيدي فقال أفطر الحاجم والمحجوم وهذا أصح من قول من قال إنه خرج لعشر خلون من رمضان وهذا الإسناد على شرط مسلم فقد روى به بعينه إن الله كتب الإحسان على كل شيء وأقام بمكة تسع عشرة ليلة بقصر الصلاة ثم خرج إلى هوازن فقاتلهم وفرغ منهم ثم قصد الطائف فحاصرهم بضعا وعشرين ليلة في قول ابن إسحاق وثمان عشرة ليلة في قول ابن سعد وأربعين ليلة في قول مكحول فإذا تأملت ذلك علمت أن بعض مدة الحصار في ذي القعدة ولا بد ولكن قد يقال لم يبتدىء القتال إلا في شوال فلما شرع فيه لم يقطعه للشهر الحرام ولكن من أين لكم أنه ابتدأ قتالا في شهر حرام وفرق بين الابتداء والاستدامة
فصل
ومنها جواز غزو الرجل وأهله معه فإن النبي كان معه في هذه الغزوة أم سلمة وزينب ومنها جواز نصب المنجنيق على الكفار ورميهم به وإن أفضى إلى قتل من لم يقاتل من النساء والذرية ومنها جواز قطع شجر الكفار إذا كان ذلك يضعفهم ويغيظهم وهو أنكى فيهم ومنها أن العبد إذا أبق من المشركين ولحق بالمسلمين صار حرا قال سعيد بن منصور حدثنا يزيد بن هارون عن الحجاج عن مقسم عن ابن عباس قال كان رسول الله يعتق العبيد إذا جاؤوا قبل مواليهم وروى سعيد بن منصور أيضا قال قضى رسول الله في العبد وسيده قضيتين قضى أن العبد إذا خرج من دار الحرب قبل سيده أنه حر فإن خرج سيده بعده لم يرد عليه وقضى أن السيد إذا خرج قبل العبد ثم خرج العبد رد على سيده ..وعن الشعبي عن رجل من ثقيف قال سألنا رسول الله أن يرد علينا أبا بكرة وكان عبدا لنا أتى رسول الله وهو محاصر ثقيفا فأسلم فأبى أن يرده علينا فقال هو طليق الله ثم طليق رسوله فلم يرده علينا
قال ابن المنذر وهذا قول كل من يحفظ عنه من أهل العلم
فصل
ومنها أن الإمام إذا حاصر حصنا ولم يفتح عليه ورأى مصلحة المسلمين في الرحيل عنه لم يلزمه مصابرته وجاز له ترك مصابرته وإنما تلزم المصابرة إذا كان فيها مصلحة راجحة على مفسدتها
فصل
ومنها أنه أحرم من الجعرانة بعمرة وكان داخلا إلى مكة وهذه هي السنة لمن دخلها من طريق الطائف وما يليه وأما ما يفعله كثير ممن لا علم عندهم من الخروج من مكة إلى الجعرانة ليحرم منها بعمرة ثم يرجع إليها فهذا لم يفعله رسول الله ولا أحد من أصحابه ألبتة ولا استحبه أحد من أهل العلم وإنما يفعله عوام الناس زعموا أنه اقتداء بالنبي وغلطوا فإنه إنما أحرم منها داخلا إلى مكة ولم يخرج منها إلى الجعرانة ليحرم منها فهذا لون وسنته لون وبالله التوفيق
فصل
ومنها استجابة الله لرسوله دعاءه لثقيف أن يهديهم ويأتي بهم وقد حاربوه وقاتلوه وقتلوا جماعة من أصحابه وقتلوا رسول رسوله الذي أرسله إليهم يدعوهم إلى الله ومع هذا كله فدعا لهم ولم يدع عليهم وهذا من كمال رأفته ورحمته ونصيحته صلوات الله وسلامه عليه
فصل
ومنها كمال محبة الصديق له وقصده التقرب إليه والتحبب بكل ما يمكنه ولهذا ناشد المغيرة أن يدعه هو يبشر النبي بقدوم وفد الطائف ليكون هو الذي بشره وفرحه بذلك وهذا يدل على أنه يجوز للرجل أن يسأل أخاه أن يؤثره بقربة من القرب وأنه يجوز للرجل أن يؤثر بها أخاه وقول من قال من الفقهاء لا يجوز الإيثار بالقرب لا يصح وقد آثرت عائشة عمر بن الخطاب بدفنه في بيتها جوار النبي وسألها عمر ذلك فلم تكره له السؤال ولا لها البذل وعلى هذا فإذا سأل الرجل غيره أن يؤثره بمقامه في الصف الأول لم يكره له السؤال ولا لذلك البذل ونظائره ومن تأمل سيرة الصحابة وجدهم غير كارهين لذلك ولا ممتنعين منه وهل هذا إلا كرم وسخاء وإيثار على النفس بما هو أعظن محبوباتها تفريحا لأخيه المسلم وتعظيما لقدره وإجابة له إلى ما سأله وترغيبا له في الخير وقد يكون ثواب كل واحد من هذه الخصال راجحا على ثواب تلك القربة فيكون المؤثر بها ممن تاجر فبذل قربة وأخذ أضعافها وعلى هذا فلا يمتنع أن يؤثر صاحب الماء بمائة أن يتوضأ به ويتيمم هو إذا كان لا بد من تيمم أحدهما فآثر أخاه وحاز فضيلة الإيثار وفضيلة الطهر بالتراب ولا يمنع هذا كتاب ولا سنة ولا مكارم أخلاق وعلى هذا فإذا اشتد العطش بجماعة وعاينوا التلف ومع بعضهم ماء فآثر على نفسه واستسلم للموت كان ذلك جائزا ولم يقل إنه قاتل لنفسه ولا أنه فعل محرما بل هذا غاية الجود والسخاء كما قال تعالى ( ويؤثرون علي أنفسهم ولو كان بهم خصاصة ) ( الحشر 9 ) وقد جرى هذا بعينه لجماعة من الصحابة في فتوح الشام وعد ذلك من مناقبهم وفضائلهم وهل إهداء القرب المجمع عليها والمتنازع فيها إلى الميت إلا إيثار بثوابها وهو عين الإيثار بالقرب فأي فرق بين أن يؤثره بفعلها ليحرز ثوابها وبين أن يعمل ثم يؤثره بثوابها وبالله التوفيق
فصل
ومنها أنه لا يجوز إبقاء مواضع الشرك والطواغيت بعد القدرة على هدمها وإبطالها يوما واحدا فإنها شعائر الكفر والشرك وهي أعظم المنكرات فلا يجوز الإقرار عليها مع القدرة البتة وهذا حكم المشاهد التي بنيت على القبور التي اتخذت أوثانا وطواغيت تعبد من دون الله والأحجار التي تقصد للتعظيم والتبرك والنذر والتقبيل لا يجوز إبقاء شيء منها على وجه الأرض مع القدرة على إزالته وكثير منها بمنزلة اللات والعزى ومناة الثالثة الأخرى أو أعظم شركا عندها وبها والله المستعان ولم يكن أحد من أرباب هذه الطواغيت يعتقد أنها تخلق وترزق وتميت وتحيي وإنما كانوا يفعلون عندها وبها ما يفعله إخوانهم من المشركين اليوم عند طواغيتهم فاتبع هؤلاء سنن من كان قبلهم وسلكوا سبيلهم حذو القذة بالقذة وأخذوا مأخذهم شبرا بشبر وذراعا بذراع وغلب الشرك على أكثر النفوس لظهور الجهل وخفاء العلم فصار المعروف منكرا والمنكر معروفا والسنة بدعة والبدعة سنة ونشأ في ذلك الصغير وهرم عليه الكبير وطمست الاعلام واشتدت غربة الإسلام وقل العلماء وغلب السفهاء وتفاقم الأمر واشتد البأس وظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس ولكن لا تزال طائفة من العصابة المحمدية بالحق قائمين ولأهل الشرك والبدع مجاهدين إلى أن يرث الله سبحانه الأرض ومن عليها وهو خير الوارثين
فصل
ومنها جواز صرف الإمام الأموال التي تصير إلى هذه المشاهد والطواغيت في الجهاد ومصالح المسلمين فيجوز للإمام بل يجب عليه أن يأخذ أموال هذه الطواغيت التي تساق إليها كلها ويصرفها على الجند والمقاتلة ومصالح الإسلام كما أخذ النبي أموال اللات وأعطاها لأبي سفيان يتألفه بها وقضى منها دين عروة والأسود وكذلك يجب عليه أن يهدم هذه المشاهد التي بنيت على القبور التي اتخذت أوثانا وله أن يقطعها للمقاتلة أو يبيعها ويستعين بأثمانها على مصالح المسلمين وكذلك الحكم في أوقافها فإن وقفها فالوقف عليها باطل وهو مال ضائع فيصرف في مصالح المسلمين فإن الوقف لا يصح إلا في قرية وطاعة لله ورسوله فلا يصح الوقف على مشهد ولا قبر يسرج عليه ويعظم وينذر له ويحج إليه ويعبد من دون الله ويتخذ وثنا من دونه وهذا مما لا يخالف فيه أحد من أئمة الإسلام ومن اتبع سبيلهم
فصل
ومنها أن وادي وج وهو واد بالطائف حرم يحرم صيده وقطع شجره وقد اختلف الفقهاء في ذلك والجمهور قالوا ليس في البقاع حرم إلا مكة والمدينة وأبو حنيفة خالفهم في حرم المدينة وقال الشافعي رحمه الله في أحد قوليه وج حرم يحرم صيده وشجره واحتج لهذا القول بحديثين أحدهما هذا الذي تقدم والثاني حديث عروة ابن الزبير عن أبيه الزبير أن النبي قال إن صيد وج وعضاهه حرم محرم لله رواه الإمام أحمد وأبو داود وهذا الحديث يعرف بمحمد بن عبدالله بن إنسان عن أبيه عن عروة قال البخاري في تاريخه لا يتابع عليه قلت وفي سماع عروة من أبيه نظر وإن كان قد رآه والله أعلم
فصل
ولما قدم رسول الله المدينة ودخلت سنة تسع بعث المصدقين يأخذون الصدقات من الأعراب قال ابن سعد ثم بعث رسول الله المصدقين قالوا لما رأى رسول الله هلال المحرم سنة تسع بعث المصدقين يصدقون العرب فبعث عيينة بن حصن إلى بني تميم وبعث يزيد بن الحصين إلى أسلم وغفار وبعث عباد بن بشر الأشهلي إلى سليم ومزينة وبعث رافع بن مكيث إلى جهينة وبعث عمرو بن العاص إلى بني فزارة وبعث الضحاك بن سفيان إلى بني كلاب وبعث بشر بن سفيان إلى بني كعب وبعث ابن اللتبية الأزدي إلى بني ذبيان وأمر رسول الله المصدقين أن يأخذوا العفو منهم ويتوقوا كرائم أموالهم قيل ولما قدم ابن اللتبية حاسبه وكان في هذا حجة على محاسبة العمال والأمناء فإن ظهرت خيانتهم عزلهم وولى أمينا
قال ابن إسحاق وبعث المهاجر بن أبي أمية إلى صنعاء فخرج عليه العنسي وهو بها وبعث زياد بن لبيد إلى حضرموت وبعث عدي بن حاتم إلى وطيء وبني أسد وبعث مالك بن نويرة على صدقات بني حنظلة وفرق صدقات بني سعد على رجلين فبعث الزبرقان بن بدر على ناحية وقيس بن عاصم على ناحية وبعث العلاء بن الحضرمي على البحرين وبعث عليا رضوان الله عليه إلى نجران ليجمع صدقاتهم ويقدم عليه بجزيتهم