فصل
وقنت رسول الله شهرا يدعو على الذين قتلوا القراء أصحاب بئر معونة بعد الركوع ثم تركه لما جاؤوا تائبين مسلمين
فصل
ثم غزا رسول الله بنفسه غزوة ذات الرقاع وهي غزوة نجد فخرج في جمادى الأولى من السنة الرابعة وقيل في المحرم يريد محارب وبني ثعلبة بن سعد بن غطفان واستعمل على المدينة أبا ذر الغفاري وقيل عثمان بن عفان وخرج في أربعمائة من أصحابه وقيل سبعمائة فلقي جمعا من غطفان فتواقفوا ولم يكن بينهم قتال إلا أنه صلى بهم يومئذ صلاة الخوف هكذا قال ابن إسحاق وجماعة من أهل السير والمغازي في تاريخ هذه الغزاة وضلاة الخوف بها وتلقاه الناس عنهم وهو مشكل جدا فإنه قد صح أن المشركين حبسوا رسول الله يوم الخندق عن صلاة العصر حتى غابت الشمس وفي السنن ومسند أحمد والشافعي رحمهما الله أنهم حبسوه عن صلاة الظهر والعصر والمغرب والعشاء فصلاهن جميعا وذلك قبل نزول صلاة الخوف والخندق بعد ذات الرقاع سنة خمس والظاهر أن النبي أول صلاة صلاها للخوف بعسفان كما قال أبو عياش الزرقي كنا مع النبي بعسفان فصلى بنا الظهر وعلى المشركين يومئذ خالد بن الوليد فقالوا لقد أصبنا منهم غفلة ثم قالوا إن لهم صلاة بعد هذه هي أحب إليهم من أموالهم وأنبائهم فنزلت صلاة الخوف بين الظهر والعصر فصلى بنا العصر ففرقنا فرقتين وذكر الحديث رواه أحمد وأهل السنن وقال أبو هريرة كان رسول الله نازلا ضجنان وعسفان محاصرا للمشركين فقال المشركون إن لهؤلاء صلاة هي أحب إليهم من أبنائهم وأموالهم أجمعوا أمركم ثم ميلوا عليهم ملية واحدة فجاء جبريل فأمره أن يقسم أصحابه نصفين وذكر الحديث قال الترمذي حديث حسن صحيح ولا خلاف بينهم أن غزوة عسفان كانت بعد الخندق وقد صح عنه أنه صلى صلاة الخوف بذات الرقاع فعلم أنها بعد الخندق وبعد عسفان ويؤيد هذا أن أبا هريرة وأبا موسى الأشعري شهدا ذات الرقاع كما في الصحيحين عن أبي موسى أنه شهد غزوة ذات الرقاع وأنهم كانوا يلفون على أرجلهم الخرق لما نقبت وأما أبو هريرة ففي المسند والسنن أن مروان بن الحكم سأله هل صليت مع رسول الله صلاة الخوف قال نعم متى قال عام غزوة نجد وهذا يدل على أن غزوة ذات الرقاع بعد خيبر وأن من جعلها قبل الخندق فقد وهم وهما ظاهرا ولما لم يفطن بعضهم لهذا ادعى أن غزوة ذات الرقاع كانت مرتين فمرة قبل الخندق ومرة بعدها على عادتهم في تعديد الوقائع إذا اختلفت ألفاظها أو تاريخها ولو صح لهذا القائل ما ذكره ولا يصح لم يمكن أن يكون قد صلى بهم صلاة الخوف في المرة الأولى لما تقدم من قصة عسفان وكونها بعد الخندق ولهم أن يجيبوا عن هذا بأن تأخير يوم الخندق جائز غير منسوخ وأن في حال المسايفة يجوز تأخير الصلاة إلى أن يتمكن من فعلها وهذا أحد القولين في مذهب أحمد رحمه الله وغيره لكن لا حيلة لهم في قصة عسفان أن أول صلاة صلاها للخوف بها وأنها بعد الخندق فالصواب تحويل غزوة ذات الرقاع من هذا الموضع إلى ما بعد الخندق بل بعد خيبر وإنما ذكرناها هاهنا تقليدا لأهل المغازي والسير ثم تبين لنا وهمهم وبالله التوفيق
ومما يدل على أن غزوة ذات الرقاع بعد الخندق ما رواه مسلم في صحيحه عن جابر قال أقبلنا مع رسول الله حتى إذا كنا بذات الرقاع قال كنا إذا أتينا على شجرة ظليلة تركناها لرسول الله فجاء رجل من المشركين وسيف رسول الله معلق بالشجرة فأخذ السيف فاخترطه فذكر القصة وقال فنودي بالصلاة فصلى بطائفة ركعتين ثم تأخروا وصلى بالطائفة الأخرى ركعتين فكانت لرسول الله أربع ركعات وللقوم ركعتان وصلاة الخوف إنما شرعت بعد الخندق بل هذا يدل على أنها بعد عسفان والله أعلم وقد ذكروا أن قصة بيع جابر جملة من النبي كانت في غزوة ذات الرقاع وقيل في مرجعه من تبوك ولكن في إخباره للنبي في تلك القضية أنه تزوج امرأة ثيبا تقوم على أخواته وتكلفهن إشعار بأنه بادر إلى ذلك بعد مقتل أبيه ولم يؤخر إلى عام تبوك والله أعلم
وفي مرجعهم من غزوة ذات الرقاع سبوا امرأة من المشركين فنذر زوجها ألا يرجع حتى يهريق دما في أصحاب محمد فجاء ليلا وقد أرصد رسول الله رجلين ربيئة للمسلمين من العدو فجاء ليلا وقد أرصد رسول الله رجلين ربيئة للمسلمين من العدو وهما عباد بن بشر وعمار بن ياسر فضرب عبادا وهو قائم يصلي بسهم فنزعه ولم يبطل صلاته حتى رشقه بثلاثة أسهم فلم ينصرف منها حتى سلم فأيقظ صاحبه فقال سبحان الله هلا أنبهتني فقال إني كنت في سورة فكرهت أن أقطعها وقال موسى بن عقبة في مغازية ولا يدرى متى كانت هذه الغزوة قبل بدر أو بعدها أو فيما بين بدر وأحد أو بعد أحد ولقد أبعد جدا إذ جوز أن تكون قبل بدر وهذا ظاهر الإحالة ولا قبل أحد ولا قبل الخندق كما تقدم بيانه
فصل
وقد تقدم أن أبا سفيان قال عند انصرافه من أحد موعدكم وإيانا العام القابل ببدر فلما كان شعبان وقيل ذو القعدة من العام القابل خرج رسول الله لموعده في ألف وخمسمائة وكان الخيل عشرة أفراس وحمل لواءه علي بن أبي طالب واستخلف على المدينة عبدالله ابن رواحة فانتهى إلى بدر فأقام بها ثمانية أيام ينتظر المشركين وخرج أبو سفيان بالمشركين من مكة وهم ألفان ومعهم وخمسون فرسا فلما انتهوا إلى مر الظهران على مرحلة من مكة قال لهم أبو سفيان إن العام عام جدب وقد رأيت أني أرجع بكم فانصرفوا راجعين وأخلفوا الموعد فسميت هذه بدر الموعد وتسمى بدر الثانية
المقال السابق
المقال التالى