أن يشكُرَ الإنسانُ مَن زرَع بذرتَه في رحم أمه، وسقى غرستَه، ونفخ رُوحه، فذلك مِن طيب المَعدِن وكرم الأصل.
ولكننا نجحدُ فضله سبحانه؛ فيصدُقُ فينا قولُه - وهو أصدق القائلين -: ﴿ يَا أَيُّهَا الْإِنْسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ * الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ * فِي أَيِّ صُورَةٍ مَا شَاءَ رَكَّبَكَ ﴾ [الانفطار: 6 - 8].
فمَن أحق بالشكر غير الذي نَدِينُ له بالروح التي بين جنبَيْنا؟! فكل خفقةِ فؤادٍ وطرفة عين تدعونا: أنِ اشكروا، ﴿ بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ ﴾ [سبأ: 15].
فيا ربَّنا ومالكَنا وإلهنا، لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك وعظيم سلطانك، فغفرانَك يا مَن أحسنتَ مطعمَنا وسقيانا، وأحسنت كل مثوانا.
فيا ربنا، جُدْتَ بالنِّعم فبخِلنا بالشكر، وتكرَّمت بالفضل فتمادَيْنا في الجحود، فما أعظمَ إحسانَك في قولك: ﴿ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ ﴾ [إبراهيم: 7].
فسبحانك جلَّ شأنُك، ليتنا نرتقي لكمالِ إحسانك في جزيلِ فضلك وعظيم بيانك، قد اعتلى سيدُنا نوحٌ عليه السلام مراتبَ العبودية عندك بالشكر، فاستحقَّ كريم ثنائِك بـ﴿ إِنَّهُ كَانَ عَبْدًا شَكُورًا ﴾ [الإسراء: 3].
وقلَّلنا شكرَك، لكن أكثرت علينا مِن رحمتك وعطفك بقولك: (عبادي)، فقلتَ: ﴿ وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ ﴾ [سبأ: 13]، فمعاني آياتِك كأنها يدٌ حانية تمسَحُ علينا برفقٍ، وتدعونا لشكر الودود واستحضار نِعَمه.
فإلى متى نهفو لعناقيدِ العطاء، ونغفُلُ عن غَرس الشكر، ونلهَجُ بالغوث في ساعة العسرة، ونُعرِض عن الحمد في ساعة اليسر، ونعظم لله المسألة، ولا نعظم له الثناء، ونمد له الأكفَّ نستجدي النِّعم، ولا نمد الأكف بالحمد نستديمها؟ ونبقى يا ربنا كما وصفتنا:
﴿ وَمَنْ يَشْكُرْ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ ﴾ [لقمان: 12].