ظلموا أنفسهم وظلموا خلق الله.
تكاسلوا عن اتباع الحق ولم يكتفوا بتكاسلهم بل ناصبوا أهله العداء وصدوا الناس عن سبيل الله ظانين أن أعمارهم لن تنتهي وأن لقاء الله بعيد بعيد وهو أقرب إليهم من حبل الوريد.
تقلدوا مناصب ومساكن من ظلموا من قبلهم وفعلوا نفس فعالهم رغم رؤيتهم لهلاكهم وكأن الدرس لم ينفعهم وكأن أعينهم لم ترى هلاك الظالمين وآذانهم لم تسمع.
لم يكتفوا بتقليد الظلمين ممن كانوا قبلهم بل ازدادوا مكراً بالحق وأهله فضلوا وأضلوا واخترعوا من أنواع المكر ما يزيل الجبال الراسيات فقلبوا الحق باطلًا وقلبوا الباطل حقاً.
وبعد كل هذا .... تُرى إلى أين المصير؟.
{وَأَنْذِرِ النَّاسَ يَوْمَ يَأْتِيهِمُ الْعَذَابُ فَيَقُولُ الَّذِينَ ظَلَمُوا رَبَّنَا أَخِّرْنَا إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ نُجِبْ دَعْوَتَكَ وَنَتَّبِعِ الرُّسُلَ أَوَلَمْ تَكُونُوا أَقْسَمْتُمْ مِنْ قَبْلُ مَا لَكُمْ مِنْ زَوَالٍ * وَسَكَنْتُمْ فِي مَسَاكِنِ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ وَتَبَيَّنَ لَكُمْ كَيْفَ فَعَلْنَا بِهِمْ وَضَرَبْنَا لَكُمُ الأمْثَالَ * وَقَدْ مَكَرُوا مَكْرَهُمْ وَعِنْدَ اللَّهِ مَكْرُهُمْ وَإِنْ كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ} [إبراهيم: 44 - 46].
قال السعدي في تفسيره:
يقول تعالى لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: {وَأَنْذِرِ النَّاسَ يَوْمَ يَأْتِيهِمُ الْعَذَابُ} أي: صف لهم صفة تلك الحال وحذرهم من الأعمال الموجبة للعذاب الذي حين يأتي في شدائده وقلاقله، {فَيَقُولُ الَّذِينَ ظَلَمُوا} بالكفر والتكذيب وأنواع المعاصي نادمين على ما فعلوا سائلين للرجعة في غير وقتها، {رَبَّنَا أَخِّرْنَا إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ} أي: ردَّنا إلى الدنيا فإنا قد أبصرنا، {نُجِبْ دَعْوَتَكَ} والله يدعو إلى دار السلام {وَنَتَّبِعِ الرُّسُلَ} وهذا كله لأجل التخلص من العذاب وإلا فهم كذبة في هذا الوعد {وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ} [الأنعام جزء من الآية: 29].
ولهذا يوبخون ويقال لهم: {أَوَلَمْ تَكُونُوا أَقْسَمْتُمْ مِنْ قَبْلُ مَا لَكُمْ مِنْ زَوَالٍ} عن الدنيا وانتقال إلى الآخرة، فها قد تبين حنثكم في إقسامكم، وكذبكم فيما تدعون، {وَ} ليس عملكم قاصر في الدنيا من أجل الآيات البينات، بل {سَكَنْتُمْ فِي مَسَاكِنِ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ وَتَبَيَّنَ لَكُمْ كَيْفَ فَعَلْنَا بِهِمْ} من أنواع العقوبات؟ وكيف أحل الله بهم العقوبات، حين كذبوا بالآيات البينات، وضربنا لكم الأمثال الواضحة التي لا تدع أدنى شك في القلب إلا أزالته، فلم تنفع فيكم تلك الآيات بل أعرضتم ودمتم على باطلكم حتى صار ما صار، ووصلتم إلى هذا اليوم الذي لا ينفع فيه اعتذار من اعتذر بباطل.
{ وَقَدْ مَكَرُوا } أي: المكذبون للرسل { مَكْرَهُمْ } الذي وصلت إرادتهم وقدر لهم عليه، { وَعِنْدَ اللَّهِ مَكْرُهُمْ } أي: هو محيط به علما وقدرة فإنه عاد مكرهم عليهم {وَلَا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ} [فاطر جزء من الآية: 43].
{وَإِنْ كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ} أي: ولقد كان مكر الكفار المكذبين للرسل بالحق وبمن جاء به -من عظمه- لتزول الجبال الراسيات بسببه عن أماكنها، أي: { وَمَكَرُوا مَكْرًا كُبَّارًا} [نوح: 22] لا يقادر قدره ولكن الله رد كيدهم في نحورهم.
ويدخل في هذا كل من مكر من المخالفين للرسل لينصر باطلًا أو يبطل حقاً، والقصد أن مكرهم لم يغن عنهم شيئًا، ولم يضروا الله شيئًا وإنما ضروا أنفسهم.
المقال السابق
المقال التالى