جرت سنة الله تعالى أن المعصية في غالبها تأتيك في حزمة، لو استجبت لها فإنها تجر أخواتها..
لم يكن قوم شعيب يطففون الكيل والميزان فقط، بل كانت مع هذه المعصية جملة من الانحرافات فقد رافقها أن كانوا يقطعون السبيل، ويهددون المارين، ويتوعّدون المؤمنين، وينشرون الفساد، ويصرون على انحراف الطريق ويبغونها عوجًا ويصدون الناس عن الإيمان.. لقد كان حزمةً متكاملةً وليست معصيةً منفردة.. هكذا فصّل القرآن أمرهم.
لم يكتف قوم لوط بإتيان الفاحشة الشاذة بل كان معها جملة من السفالات والهبوط فقد كان مع الشذوذ قطع السبيل للاستيلاء على أموال الناس أو لفعل الفاحشة بهم! وإتيان المنكرات جهارًا في النوادي العامة (الملتقيات) ومعها جملة من أحقر الأخلاق فكانوا يتضارطون في مجالسهم ويصفّرون بالناس تهديدًا وتخويفًا ونداء لبعضهم إذا لمحوا مارًّا غريبًا..
ومن يفعل الزنا اليوم فإنه يهبط إلى مستوى متدنٍ من المعاملات والمعارف، والنفوس الوقحة والشخصيات الهابطة ويخاف على غضبهم التافه ويحرص على فرحهم الهابط، ويترافق معها الكلام الساقط وإنفاق الأموال في الحرام والتفاهات بل واكتساب مالًا حرامًا ليسدّ متطلبات رفيقات الحرام، وقد يكون معها من شرب المحرمات خمرًا أو مخدرات مع السخرية من أهل العفة وكراهة رؤيتهم والضيق بحضورهم واستنكار موعظتهم.. وقد يتطور الأمر إلى أن يرفضوا شريعة الله ويكرهونها ويقفون مع أعدائها خوفًا من قطع طريق شهواتهم عليهم.
قال بعضهم يومًا معترفًا لا تظنوا أني أنال شهوتي ببساطة فقد أُهنت كثيرًا ولُطمت كثيرًا، وأصبت من شهوتي أقل من ذلك بكثير فقد كانت وسط وحْل من الذل والإهانة.
عندما تلبس بناتنا البناطيل الضيقة وتترك ما أمر الله من واسع الملبس وفضفاضه فهذه ليست معصيةً منفردةً بل ستجرّ معها رقةً في الدين وضعفًا فيه، وضعفًا في الدين عند أبويها، ومعها تأويل باطل للنصوص الشرعية الآمرة بالحجاب الشرعي، ومعها ضعف ديانة الأم، وسفاهة عقلها، وظهور حقيقة تدينها المرسوم المدّعَى، ومعها تبدو دياثة الأب، ومعها كراهة وتأفف لرؤية من تقوم بأمر الله وتمثله، وكراهة وتأفف ممن يذكّرها بأمره تعالى، ومعها ميل للباطل وأهله وتشرّب لما سيقول أهل الباطل الذين يوافقونها على ميولها ولو كانوا يلوون كلام الله تعالى ونصوص كتابه.
هنا يجب أن يعلم الدعاة والعلماء والمصلحون أن الدعوة وحدها لترك معصيةٍ بعينها لا تكفي، بل لا بد من حزمة من الطاعات، وبيان أصل هذا الدين، وطريقة أخذه، وبيان الأسوة فيه، وبيان كيفية سلوك الطريق الى الله تعالى؛ أخلاقًا وعقيدةً ومنهجًا وطريقة تلقٍّ للأحكام وتعامل مع القرآن وبيان قضية هذا الدين، ودور الملتزمين في المجتمع، وأخلاق أسرهم وحجاب نسائهم وبناتهم، وكونهم يؤثرون بالخير ولا يتأثرون بالشر.. وأهم هذا كله ضرورة وسرعة الخروج من أوضاع الاستضعاف الشاذة والعودة الى أن يمارس هذا الدين دوره نظامًا وتشريعًا وأخلاقًا وتنظيمًا اجتماعيًا ومشربًا ثقافيًا وقدوةً ونموذج.. والله الموفق وعليه التوكل سبحانه.