خطاب الدعوة بالحال وضرورة أن يكون الشخص المتدين بأفعاله وتصرفاته، واجهةً تأخذ بقلوب الناس إلى الدين هو خطاب على حسنه وصحة كثيرٍ مما فيه سلاحٌ ذو حدين. أقر بأنها دعوة مهمة - دعوة الحال أعني - لكن من يسرف كثيراً في هذا الخطاب ينسى أمرين في غاية الأهمية الأمر الأول أن الشخص المتدين هو في النهاية بشرٌ عاديٌ لن يتحمل طويلاً هذا الشعور الثقيل بأنه مراقبٌ، نعم، للأسف هذا جزءٌ مهمٌ مما يبثه هذا الخطاب: الناس كلها باصة عليك، الخلق يراقبونك، أنت محط أنظار الجميع. هذه خلاصة جزء لا يستهان به من المشاعر النابعة عن هذا النوع من التوجيه، وبخلاف ما قد يعتري إخلاصه ونيته جراء ذلك الشعور وما قد يطرأ عليه من العجب والشعور بالعلو على الناس والانفصال عنهم وعن حياتهم لمجرد تسميته بالملتزم أو لحية توقف عن حلقها، فإنه لن يتحمل طويلاً أن يعيش في هذا التكلف وأن يحيا كممثل في مسرحيةٍ طويلةٍ جمهورها هم كل من لا يشبهونه، وكأن لسان حاله كلما فعل فعلاً أو قال قولاً أو تخلق بخلقٍ: إنظروا إليّ، تأملوا روعتي، تعلموا من أخلاقي، واخدين بالكو من الحركة الإيمانية أو الفعلة الأخلاقية دي، هيا اقتدوا وسيروا على خطاي تفلحوا....تمثيليةٌ طويلة ثق أنه لن يتحمل العيش في ظلالها طويلاً، ينبغي أن يكون حال المرء نابعاً من تغيير حقيقي في أخلاقه وسلوكياته وليس فقط من منطلق متكلفٍ يدور حول نظر الناس والشعور بأنه قدوة والجو ده، ببساطةٍ جامعةٍ مانعةٍ يتلخص هذا المعنى في قوله تعالى : {وَمَا أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ} [ص: 86]. الأمر الثاني يتعلق بالناس الذين يعتني بنظرتهم وبإعطائهم النموذج الطيب الذي يقتدون به، هؤلاء بحاجةٍ إلى رؤية نماذج بالفعل لكن ليست نماذجَ خارقةٍ، بل من أهم ما ينبغي بثه في أذهانهم ووعيهم الجمعي أن الأمر طبيعي، المتدين شخصٌ طبيعي مثلهم، الأمر ليس مستحيلاً، أحيانا تكون تلك الطبيعية بل وأزيدك، قائلاً أحياناً تكون أخطاؤك وزلاتك غير المقصودة سبباً في طمأنته وإشعاره أن المطلوب منه ليس أن يكون معصوماً، وأن تدينه وتسننه لن يجعل منه روبوت جامد المشاعر آلي الحركات مبرمج على عدم الخطأ. رسالة ضمنيةٌ تصل إليه من خلال عدم التكلف مفادها، الأمر ممكن ويسير والخطأ وارد ويمكن إصلاحه عاوز أقول إيه باختصار وتبسيط: أولا: إنت شخص عادي وتدينك ليس معناه إن حضرتك نجم النجوم وإن كل الخلق وقفوا جميعاً ينظرون كيف تبني قواعد المجد وحدك فبلاش تعيش في الدور أوي. ثانياً: خليك على طبيعتك وخلي الأخلاق الحسنة والسلوك الطيب جزء من هذه الطبيعة: ممكن تحتاج تتكلف في الأول الأخلاق الحسنة لكن يكون هدفك أن تتحول إلى سجية وطبيعة وليس أن تكون دوماً جزءً من فيلم أو تمثيليةٍ أنت تلعب دور البطولة فيها لأنه ببساطة، الأفلام والتمثيليات مسيرها تخلص والتتر ينزل والحقيقة تظهر ثالثاً بلاش تحس دايماً إنك مختلفٌ وغريبٌ وإنك حاجة تانية غير الناس اللي مش شبهك وإن أغلبهم مساكين ضُلال وإنت بحركاتك وسكناتك من ستهديهم لأن صدقني الشعور ده هيخلي جواك صنم بيتعاظم يوم بعد يوم اسمه صنم الإعجاب بالنفس وصدقني كمان، الشعور ده بيوصل للناس وبينفرهم منك مش بيهديهم ولا حاجة أخيراً خلي الجملة القرآنية الجامعة اللي قلتها لك من شوية، شعار في حياتك وحاول قلبك يتشربها جملة: {وَمَا أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ}