الحمد لله الذي أعزنا بالإسلام، وهذبنا بالصلاة والصيام، والزكاة والقيام، وسائر الأوامر والشرائع، ليسلك بنا برحمته إلى دار السلام، والصلاة والسلام على خير الأنام، وعلى آله وصحبه العظام.
وأشهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، أما بعد:
فإن الصيام لا مثيل له عند الله، فهو عبادة السر الخفية، التي تكون بين العبد وبين ربِّ البرية، ولذلك كان جزاؤه على الله «إلَّا الصَّومَ، فإنَّهُ لي وأَنا أجزي بِه» (صحيح البخاري؛ برقم: [5927]).
ومن تتبَّع الآثار عن النبي المختار في فضل الصيام رغب أن يكون عامه من أوله إلى آخره صيام بالنهار وقيام بالليل، ولكنه عاجز عن ذلك، فهو يصوم ويفطر، ويقوم وينام، وبهذا جاءت الشريعة الغراء، لتشبع رغبات الجسد ومطالب الروح.
ومن رحمة الله بعباده الصادقين في التقرب إليه والمخلصين في التزلف إليه فتح لهم أبواب من الخير ما كانت لهم على بال، بالرغم من يسرها وسهولة القيام بها، فمن رغب صيام العام على الدوام، فإليه هذه الطرق المفضية برحمة الله إلى إدراك أجر صيام العام، ومنها:
صيام ست من شوال:
عن أبي أيوب رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مَنْ صامَ رمضانَ ثُمَّ أَتْبَعَهُ ستًّا مِنْ شوَّالٍ؛ كانَ كصيامِ الدَّهْرِ» (صحيح مسلم؛ برقم: [1164]).
صيام الأيام البيض من كل شهر (13 - 14 - 15):
عن جرير رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «صيامُ ثلاثةِ أيَّامٍ من كلِّ شَهرٍ صيامُ الدَّهرِ» (صحيح النسائي؛ برقم: [2419]).
وعن أبي ذر الغفاري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مَن صامَ من كلِّ شهرٍ ثلاثةَ أيَّامٍ فذلِكَ صيامُ الدَّهرِ، فأنزلَ اللَّهُ عزَّ وجلَّ تصديقَ ذلِكَ في كتابِهِ: {مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أمْثَالِهَا} [الأنعام من الآية:160] اليومُ بعشرةِ أيَّامٍ» (صحيح الترمذي؛ برقم: [762]).
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعبد الله بن عمرو رضي الله عنهما: «صَمْ مِنْ كُلِّ شهرٍ ثلاثةَ أيَّامٍ، فذلِكَ صومُ الدهرِ» (صحيح مسلم؛ برقم: [1159]).
صيام يوم عرفة:
عن أبي قتادة رضي الله عنه قال: سُئِلَ رسول الله صلى الله عليه وسلم عن صوم يوم عرفة؟ فقال: «يُكفِّرُ السنةَ الماضيةَ والباقيةَ» (صحيح مسلم؛ برقم: [1162]).
صيام عاشوراء:
فعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «وصيامُ يومِ عاشوراءَ أَحتسبُ على اللهِ أن يُكفِّرَ السنةَ التي قبلَه» (صحيح مسلم؛ برقم: [1162]).
تفطير الصائمين:
فعن زيد بن خالد الجهني رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مَن فطَّرَ صائمًا كانَ لَهُ مثلُ أجرِهِ، غيرَ أنَّهُ لا ينقُصُ من أجرِ الصَّائمِ شيئًا» (صحيح الترمذي؛ برقم: [807]، صحيح ابن ماجة؛ برقم: [1428]).
فمن فطَّر عشرة صائمين لا يشترط غناهم ولو بشربة ماء أو مذقة لبن كتب الله له أجر صيام عشرة أيام، ومن أكثر فأجر الله أكبر، والله الهادي إلى سواء السبيل!