تقول (أ. ح) اسمي (أ. ح) [1] فرنسية المولد ومسلمة، وأقيم الآن بالقاهرة لقد استجبت لنداء الإسلام[2] لأول مرة عند زيارتي لمصر، عند سماعي للأذان في موعد صلاة الظهر، لقد شعرت حينئذٍ بأنه يناديني.
وبعد بضعة أيام التقيت في سماء مصر، ومن أعلى معبد أبو سمبل بالمصري المسلم الذي أصبح فيما بعد زوجاً عزيزاً لي.
لقد أعطاني الله هدية ثالثة، أنها الإبنة الصُّغرى التي أنجبها زوجي من زواجه الأول، والتي توفيت أُمها.
إنَّ ذكاءها وحساسيتها تعلوا على المستوى العادي، لقد اشتركت في تعليمها أولويات الإسلام، عندما كنا نعيش في فرنسا، وظللت أحدثها عن الإسلام بدلاً من الحديث عن القصص الأوربية العادية، حيث أنني أؤمن بأن حياة رسولنا محمد r هي قصة بالغة الروعة.
ونظرأً لأنني قد حصلت على الكثير، فإنني أشعر بأنه من واجبي أن أعطي أكثر في محاولاتي مع من وضعه الله في طريقي عندما أختلط بغير المسلمين، يخيل اليّ أن أحسن ما أقدمه لهم هو مقدرتي على الإجابة بدقة عن أسئلتهم التي لا نهاية لها، وكأني مسلمة المولد.
إن المسلمين في كثيرٍمن الأوقات يتطوعون لتعليمي تعاليم الإسلام، ومع ذلك فالبعض منهم يخلط بين العادات وبين الدين، أو يذكرون أشياء ليست – دائماً – صحيحة، لذلك فإنني في حاجة إلى تعميق معرفتي بالإسلام، لكي أتبين الطريق الصحيح، وأحاول اتباعه. في باريس كنت أدرس القران على يد البروفيسور محمد حميد الله الذي ترجم معاني القران الكريم إلى الفرنسية، والف عدة كتب عن الإسلام، والآن تراودني من وقت لآخر شكوك وأسئلة لا أرى لها عندي إجابة.. وهي شكوك وأسئلة يتعرض لها الكثير أمثالي ممن لم يعمقوا – بعد ثقافتهم الدينية...، وأرى واجباً على كلِّ عالمٍ مسلمٍ ومفكرٍ مسلمٍ أنْ ينهضَ بواجب الشَّرح والتوضيح لمثل هذه الأمورالتي تحول بين الكثيرين، وبين الفهم الصحيح لعقائد الإسلام[3]. وهذه الأخت المسلمة لاتشكُّ في إسلامها، وأكتفي بذكر سؤال واحد فقط من أسئلتها المهمة.
تتساءل الأخت (أ. ح) عن مصير غير المسلمين ممن لم تبلغهم الدعوة، وهل يدخلون النار، أم أن دخول النار خاصٌّ بمن بلغته الدعوة، ثم أصربعد ذلك على عناده وكفره؟
والجواب عن هذا السؤال واضح في القران جداً، حيث يقول الله عزوجل: ﴿وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً﴾[4] ، وقوله تعالى: ﴿رُسُلاً مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ﴾[5] ، وما من نبيٍّ أو رسولٍ الأ تمنى لقومه الهداية، وسلك في دعوته هذه كل الطرق الممكنة لإيصال هذه الهداية بأساليب واضحة، وفي ضوء هاتين الآيتين، يمكن أنْ نقول بصراحة، أن الذين لم تبلغهم الدعوة لا ينطبق عليهم ((الكفرة المعاندين))، باستثناء الذين قامت عليهم الحجة..
والإسلام في موقفه هذا أكثرسماحة ورحمة من غيره، فالمسيحية التي تنتحل قولاً – لا عملاً – صفتي الرحمة والمحبة، ترى العالم ((غير المسيحي)) مجوسياً ووثنياً يستحق العقاب واللعنة، ولا تستثنى من هذا الحكم أحداً – حتى المسلمين الذين كان لهم الفضل في الإعتراف بالمسيحية وتأكيد رسالة المسيح ونبوته، بعد أن أنكرها اليهود، وأهالوا على وجهه الكريم، ووجهوا لأمه البتول تراب الإفتراء والأكاذيب والتهم. فكل ما عدا المسيحيين مجوسي ووثني ولن تنج روحه من العذاب ما لم يدخل مختاراً في مملكة الصليب، وما لم يخضع ويذعن لكنيسة الرب يسوع المسيح...
وأدعوك للإستماع معي إلى هذا الحوار الذي تم – قبل سنوات – في مكتب الإمام الأكبرالشيخ عبدالحليم محمود شيخ الأزهر... لقد اشترك في هذا الحوار حوالي أربعين أستاذاً جامعياً من مختلف جامعات الولايات المتحدة الأمريكية، كما اشترك فيه حوالي عشرة قسس يمثلون مختلف الكنائس الأمريكية... كان الغرض من هذا الحوار أصلاً، الإستشراف إلى آفاق جديدة للتعاون الصادق بين الإسلام والمسيحية... وفجأة... وبدون مقدمة، وقف أستاذ أمريكي يقول لشيخ الأزهر: نريد أن نعرف، إذا كنا نحن المسيحيين ممن يدخلون النار أم لا؟ الم أقل إنها مفاجآة... ولكنها مفاجآة من النوع الأمريكي النووي.!! وكما كان السؤال أو((التفجير)) مفاجئاً، كانت الإجابة أو الرد مفاجئاً أيضاً..
لقد كان الرد كما يأتي: ان الناس في نظرالإسلام، واحد من ثلاثة:
أ – إنسان لم تبلغه الدعوة أصلاً، وهذا من الطلقاء الذين لا يتعرضون لحساب ولا عقوبة
ب – إنسان بلغته الدعوة، ولكن في صورة مشوهة وغير واضحة، ولم يكن هناك من يساعده على معرفة الحقيقة، ومثل هذا الإنسان يفوض أمره
الى الله، ولا يمكن أن نحكم عليه إيماناً أوكفراً
ج – إنسان بلغته الدعوة واضحة، وتوفرت لديه أسباب الأقتناع والهداية، ولكنه أصر على كفره وعناده... ومثل هذا لا تختلفون معنا، أن مصيره جهنم...!!!
لقد ضجت القاعة من شدَّة الضحك... وصفَّق الجميع إعجاباً بما سمعوا، وإن بدت على وجه أحد القساوسة غيره.. ولا أدري أكانت غبرة الندم؟ أم الغبرة من خوف آخر لم يفصح عنه الأب المبجل...؟!
ترى هل ترضيكِ هذه الإجابة أيتها الأُخت...؟
لقد آن الأوان أن المْلِمَ القلم والأوراق، وأن تختم صفحات هذا الكتاب، وأن أعود – بمشيئة الله – إلى قضية أُخرى تنتظر المرافعة والحساب...؟!
هل أقول وداعاً...؟
ولكن وداعاً... لمن؟ انني لم أرك أيتها الأخت بعد.. لقد قضيتُ قرابة شهرين أتحدثُ اليكِ كظاهرة، وقضية فقط.. وسواء أتم هذا اللقاء أم لم يتم. وكان التعارف أو لم يكن، فلسوف تبقى الأخت ((أ – ح)) ماثلة أمام العين... كنموذج لمسلمةٍ مخلصةٍ وصادقةٍ، مسلمة فرنسية لمْ ترد أنْ يكون إيمانها تقليداً بغير عقل... أو عقلاً مجرداً من العاطفة والحب..
وانه لنداء توجهينه إلى كل إنسان ينشد الحقيقة والحق...
نداء لن يذهب صداه سُدى في أي عقل، وفي أي قلب، في الشرق أو في الغرب، والحمد لله من قبل، ومن بعد.
[1] يقول الدكتورعبدالودود الشلبي:ليس هذا هوالإسم بالضبط ولكنه باختصار للحروف الأولى منه
[2] وهذا الشعور الجميل من نداء الفطرة، فإن المؤذن ينادي كل إنسان، أن يكون مؤمناً بالإسلام، وملبياً لدعوة الحق..حيا على الصلاة... حيا على الفلاح
[3] إجابات حاسمة إلى الأخت الفرنسية المسلمة، مؤسسة الخليج العربي – القاهرة – ط1/ 1407ه- - 1987م – ص 9- 10
[4] سورة الاسراء الآية 15