إن هذا الدين العظيم دين وسط بين الأديان السماوية، بين اليهودية والنصرانية، لقوله تعالى: ﴿وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً﴾[1].
ووسط بين الأفكارالتي صاغتها العقول البشرية، من الرأسمالية والشيوعية، وسارالناس في الشرق والغرب على هديها، فلم تفلح، بل أثبتت فشلها كما بينا آنفاً. أما الدين الإسلامي فهو دين لا يقبل التجزئة، عقيدة وشريعة ومنهاج حياة، دين يقاوم الجمود والتقليد، ويؤمن بمواكبة التطور، ومواصلة التقدم، وأن الشريعة لا تضيق بجديد، ولا تعجزعن إيجاد حل لأي مشكلة، وإنما العجز في عقول المسلمين، أو في إرادتهم لشؤون حياتهم، فهو يمثل التوازن الإيجابي في كل المجالات، إعتقادية وعملية، مادية ومعنوية – في حياة الفرد – على الموازنة بين الروح والمادة، بين العقل والقلب، وبين الدنيا والآخرة، وبين الحقوق والواجبات.
وهناك من تجاوز حدود الأدب مع الله تعالى، وظن أن الشريعة الإسلامية لا تلبي حاجات العصر! واليوم الحياة قد تطورت، فلا بد من قانون بديل والعكس هو الصواب، فإن الشريعة الإسلامية أنزلها من يعلم السرّوأخفى وعندما أنزلها كان يعلم ما يحدث في العالم من تقدم علمي، واكتشافات في المستقبل، قال تعالى: ﴿الا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الخَبِيرُ﴾[2].
يقول الأستاذ محمد قطب: إنها سياسة حكيمة رسمتها يد العناية الإلهية، لتربية البشرية تربية تدريجية لا طفرة فيها ولا ثغرة، ولا توقف فيها ولا رجعة، ولا تناقض ولا تعارض بل تضافر وتعانق، وثبات واستقرار، ثم نمو واكتمال وازدهار[3].
فلا يجوز وصف الشريعة الإسلامية بالجمود والتخلف، ويمكننا القول للنصوص أنَّنها ثايتة، والعقيدة لا يمكن تطويرها فهي كانت وستبقى، وقد بين علماؤنا ما هو ثابت وما هو متغير، يقول عبدالرحمن عبدالخالق: علوم الإسلام تنقسم إلى قسمين بوجه عام: قسم نستطيع أن نسميه القسم الثابت لا يقبل التطوير ولا الإجتهاد ولا إضافة، وهذا القسم هوالعقائد (مسائل الإيمان) والعبادات أركان الإسلام الأربعة والأخلاق مجموعة الفضائل الخلقية كالصدق والإحسان والشجاعة... الخ
هذه الأمورهي الثوابت في الدين، ولا يجوز أن نجري عليها قط أمور الإجتهاد والإضافة[4].
وأما المتغيرات، يقول: والنصوص القرآنية والحديثية التي نزلت في هذه المعاملات، كانت بمثابة الضوابط والأصول العامة، والإطار الذي يضيء للمسلمين الطرق، ويسمح لهم أن المتغيرات يشرعوا لأنفسهم على هديه كلما جد لهم جديد مع أنفسهم أو مع أعدائهم، ولهذا هو أعظم المتغيرات في هذا الدين، ولكن ليس متغيراً مطلقاً، ولكنه متغير وفق ثوابت من القواعد العامة، والحدود الفاصلة بين الحلال والحرام، والمطلوب والممنوع[5].
فهل يجوز أن نغير ركناً من أركان الإيمان أو الإسلام، أو نزيد ركعة لصلاة المغرب، أو يوماً لشهر رمضان أو نضيف شوطاً للطواف حول الكعبة، وهكذا الثوابت الأخرى.
وأما المتغيرات، فإن الشارع قد أعطى للمسلم فسحة في دينه، وخاصة في قضايا البيوع، ما لم يتعارض بنص صريح من القران والسنة، فلنا أن نختارنوع الأكل الذي نشتهيه، والملابس التي نرتديها، وكيف أُصمم خارطة داري، وكيف أُرتب أثاثها، وكيف أختار السيارة التي أركبها، فلا يقال لي إنك مبتدع، فإن رسول الله r لم يركب سيارة وهكذا، فإن في الأمر سعة، والله تعالى
[1] سورة البقرة الآية 143
[3] لا اله الا الله عقيدة وشريعة ومنهاج حياة ص 99
[4] الثوابت والمتغيرات في مسيرة العمل الإسلامي المعاصر، د. صلاح الصاوي – مطبعة وزارة التربية ط2 / 1418ه- 1998م ص36
المقال السابق
المقال التالى