عربي English עברית Deutsch Italiano 中文 Español Français Русский Indonesia Português Nederlands हिन्दी 日本の
  
  

تحت قسم لماذا اعتنقنا الإسلام دينا؟ _ سفر أحمد الحمداني
الكاتب سفر أحمد الحمداني
تاريخ الاضافة 2014-05-08 20:22:27
المشاهدات 3892
أرسل الى صديق اطبع حمل المقال بصيغة وورد ساهم فى دعم الموقع Bookmark and Share

   

وهذا سؤال مهم جداً، لأنَّ كثيراً من جهلةِ المسلمين يعتقدون أنَّ الإسلام هو سبب تأخر المسلمين! والجواب لهذا السؤال يأخذ منا وقتاً طويلاً، وبحاجة إلى كتابٍ مستقلٍ كما فعل الداعية الكبيرأنورالجندي رحمه الله تعالى في كتابه ((لماذا تأخر المسلمون وتقدم غيرهم؟)) فأجاب بكتاب كامل، جواباً شافياً، وأما أنا، فلديّ مشروع كتاب عن أُناس إعتنقوا الإسلام ديناً، لا أستطيع الإطالة في الجواب، ولكن أُحاول بقدر المستطاع أن أجيب لهذا السؤال بجواب مختصركافٍ، وعلى شكل نقاط:

أولاً: ليس الإسلام هو سبب تخلف المسلمين قطعاً، بل المسلمون هم سبب تأخرنا، إذ ليس الإسلام هو المسؤول عن تخلف المسلمين وضعفهم ولاعن فقرهم وإسرافهم، وإنما هم المسؤلون، لأنهم خالفوا شريعة الله التي وضعها للناس. يقول الأستاذ محمد قطب: لقد كانت الأمة الإسلامية – يوم كانت حقاً – أمة عالمة، بل كانت هي الأمة العالمة في الأرض، ومنه تعلمت أوربا كثيراً من العلوم، وتعلمت المنهج التجريبي في البحث العلمي ولكنها كانت دائماً تؤمن بالغيب.. وهذه مزيتها: الإيمان بعالم بالغيب وعالم الشهادة في آن واحد، بلا تناقض ولا صِدام[1].

يقول الدكتورعبدالرشيد الأنصاري: إن القران ليس أثراً من الآثار الساكنة الهادئة يشير إلى ماضٍ ميت، وإنما هو منبع حي للحق، ظهر في العصر العربي الذي أورثنا تراثاً عظيماً، لنا أن نفخر به، ذلك أن التراث الذي يجب الا نتركه بسهولة. إن كلمات القران مليئة بالمعاني في يومنا هذا، كما كانت كذلك بالنسب لأسلافنا، إنها كلمات مليئة بالحكمة بعثها الله إلى الناس كافة وبهذه الكيفية لإإنها تتصدى حدود الزمن،لأنها عندما أحكمت، أحكمت خارج حدود الزمن لتكون خالدة صالحة لكل زمان بل لجميع الأزمان[2].

لقد أقام المسلمون منذ نزول القران الكريم إلى أن سقطت الخلافة الإسلامية حضارة عظيمة فاقت كل الحضارات، والإمبراطوريات، كالإمبراطورية الفرسية والرومانية.

يقول الداعية الإسلامي الكبير أبو الحسن الندوي: وهي رسالة قوية واضحة مشرِّفة، لم يعرف العالم رسالة عدل منها، ولا أفضل ولا أيمن للبشرية منها، وهي نفس الرسالة التي حملها المسلمون في فتوحهم الأولى والتي لخصها أحد رسلهم في مجلس يزدجرد ملك إيران بقوله: ((الله إبتعثنا لنخرج من شاء من عبادة العباد إلى عبادة الله وحده، ومن ضيق الدنيا إلى سعتها، ومن جور الإديان إلى عدل الإسلام )) رسالة لا تحتاج إلى تغيير كلمة وزيادة حرف، فهي منطبقة تمام الإنطباق على القرن العشرين إنطباقها على القرن السادس المسيحي، كأن الزمان قد استدار كهيئته يوم خرج المسلمون من جزيرتهم لإنقاذ العالم من براثن الوثنية والجاهلية[3].

والإنطلاقة الأولى إلى العلم كانت في غارحراء عندما نزل الوحي على رسول الله r بكلمة: ﴿إقرأ﴾ ثم أكد وأضاف: ﴿اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الذِي خَلَقَ* خَلَقَ الأِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ﴾ بين أصل الخلقة هو العلق وقد فصلت هذه المعجزة القرآنية في بداية الكتاب، وقال تعالى مخاطباً رسوله الكريم ص أن يدعو بهذا الدعاء : ﴿وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْماً﴾[4].

وبين القران منزلة طالب العلم عنده بقوله: ﴿يَرْفَعِ اللَّهُ الذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالذِينَ أُوتُوا العِلْمَ دَرَجَاتٍ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ﴾[5].

والرسول r دعا إلى العلم والتعلم وأعبرطلبه فرضاً على كل مسلم ومسلمة بقوله:((طلب العلم فريضة على كل مسلم))، وهنا بصيغة التذكير من باب التغليب، فالمرأة داخلة في الخطاب قطعاً، وامتدت الحركة العلمية في الدولة الإسلامية بعد وفاته r واهتم خلفاء الرسول r به اهتماماً كبيراً، وبرز منهم علماء وفقهاء، والآن في مكتبات أوربا وأمريكا نحو مائة الف مخطوط عربي على أقل تقدير،وجلّ المخطوطات العربية في أوربا محفوظة في مكتبات إنكلتراوفرنسا والمانيا وغيره نحو خمسة عشرالف مخطوط، وشهدت الأندلس حضارة رائعة إبان الخلافة الإسلامية، ضاهت حضارة المشرق الإسلامي في جميع نواحي الحياة، فكانت غرناطة وقرطبة والقاهرة وغيرها في نشاطها العلمي وتقدمها وازدهارها، وأن الآثارالإسلامية العظيمة التي لا تزال ماثلة في فردوسنا المفقود لنطق بما كان عليه المسلمون من تقدم وازدها، وبلغت المخطوطات العربية في مكتبة(الإسكوريال) بضعة الآف مجلد سَلمت من الحرق على أيدي الأعداء المدمرين المخربين، وفي7 حزيران 1671م سقطت صاعقة على الدير، أحرقت قسماً كبيراً من هذه المخطوطات[6] ، قال غينيو: ((لقد كانت الثقافة والعلوم الإسلامية منبع نوروهداية ولولا علماء الإسلام وفلاسفتهم لظل الغربيون يتخبطون في دياجيرالجهل والظلام)).

وقال دريبر: ((إن جامعات المسلمين كانت مفتوحة للطلبة الأوربيين الذين نزحوا اليها من بلادهم لطلب العلم، وكان ملوك أوربا وأمراؤها يفدون على بلاد المسلمين ليعالجوا فيها)) [7].

ينقل الدكتورمحسن عبدالحميد من روائع ما قيل عن الحضارة العربية الإسلامية الشيء الكثير في كتابه الرائع، مذهبية الحضارة الإسلامية، أقف عند بعضها، يقول المؤرخ الأمريكي (آرثر): ((إننا مدينون لكم معشر العرب، وأنتم الدائنون، يُرجِع الناس أُصول مدنيتنا إلى المدنيتين اليونانية والرومانية، مع أن آثارهما كانت في زوايا النسيان زمن العصور المظلمة، ولو لم يقدر لهما أن تتناولهما أيدي العرب لأصابهما الوهن والإضمحلال)).

 ويؤكد (جب) ما قاله (سيديو) فيقول: ((إستطاع العلماء المسلمون بتركيز أفكارهم على الحوادث الفردية، أن يطوروا المنهج العلمي إلى أبعد مما ذهب إليه أسلافهم في الإسكندرية أواليونان، واليهم يرجع الفضل في استخدام أو إعادة النهج العلمي إلى أوربا في العصور الوسطى)).

وإذا رجعنا إلى مجال تأثير دراسات الأطباء المسلمين في الطب الغربي نجده رحباً جداً، فلقد ظلت مؤلفات الرازي وابن سينا والزهراوي وابن زهر أساس الدراسات الطبية في الجامعات الأوربية عدة قرون.

وتعد مجموعة المعلومات الطبية التي نشرها الرازي في مؤلفه ((الحاوي)) وفي كتابه الآخر ((المنصوري)) والذي تُرجم إلى اللغة اللآتينية الطبية في أوربا كلها.

وأما ((القانون في الطب)) لابن سينا، فقد درس كتاباًأساسياً في الجامعات الفرنسية والإيطالية من القرن الثاني عشر، إلى القرن الثامن عشر.

وأما الطب الإسلامي الصقلي، فقد أثرتأثيراً كبيراً في مدرسة((سالرنو)) الطبية.

والحاصل أنَّ مؤلفات علماء المسلمين الطبية التاريخية تشكل جزءاً مهماً من التراث الطبي الضخم الذي خلفه المسلمون للغرب، وهو تراث لا زالت أهميته مستمرة، وتأثيره واضحاً إلى هذا اليوم[8].

وتأييداً لما تقدم، أنقل اليكم نصّ رسالة الملك جورج الثاني ملك إنكلترا إلى الخليفة هشام الثالث قدم بها بعثة من الطالبات الإنكليزيات، وجعل ابنة أخيه الأميرة ((دوبانت)) أميرة عليها، وهذا نص الرسالة: من جورج الثاني ملك إنكلترا إلى الخليفة ملك المسلمين في مملكة الأندلس صاحب العظمة هشام الثالث الجليل المقام: بعد التعظيم والتوقير: فقد سمعنا عن الرقي العظيم الذي تتمتع بفيضه الصافي معاهد العلم والصناعات في بلادكم العامرة، فأردنا لأبنائنا إقتباس نماذج من هذه الفضائل لتكون بداية حسنة في اقتناء أثر منه لنشر أنوار العلم في بلادنا التي يحيط بها الجهل من أركانها الأربعة، وقد وضعنا إبنة شقيقنا الأميرة ((دوبانت)) على رأس بعثة من بنات أشراف الإنكليز لتتشرف بلثم أهداب العرش والتماس العطف لتكون مع زميلاتها موضع عناية عظمتكم وحماية الحاشية الكريمة وهن من اللون اللواتي سيتوفرن على تعليمهن، وقد زودت الأميرة الصغيرة بهدية متواضعة لمقامك الكريم، أرجوا التفضل بقبولها مع التعظيم، والحب الخالص.

من خادمكم المطيع

جورج الثاني

 

وكان جواب الخليفة هشام كالآتي:

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف أنبيائه سيد المرسلين...وبعد: فالى ملك إنكلترا الأجل: لقد اطلعت على التماسكم بعد استشارة من يعنيهم الأمر على طلبكم. وعليه فإننا نعلمكم بأنه سينفق على هذه البعثة من بيت مال المسلمين دلالة على مودتنا لشخصكم الملكي

أما هديتكم فقد تلقيتها بسرور زائد، والمقابلة أبعث اليكم بغالي الطنافس والسجاد الأندلسية، وهي من صنع أبنائنا هدية لحضرتكم، وفيها المغزى الكافي لدليل على التفاتنا ومحبتنا والسلام.

 خليفة رسول الله على ديار الأندلس هشام[9].

ثانياً: ولكن ما سبب تأخرهم؟

الجواب: يقول الأستاذ أبو الحسن الندوي: من الغريب الواقع، أن المسلمين قد أصبحوا في الزمن الأخير في كثير من نواحي الأرض، حتى في مراكز الإسلام وعواصمه، حلفاء للجاهلية الأوربية، وجنوداً متطوعين لها، بل صار بعض الشعوب والدول الإسلامية يرى في الشعوب الأوبية التي تزعَّمت حركة الجاهلية منذ قرون، ونفخت فيها روحاً جديدة، وركزت أعلامها على الشرق والغرب، ناصراً للمسلمين، حامياً لذمار الإسلام المستضعف، حاملاً لراية العدل في العالم قَوّاماً بالقسط. ورضي عامة المسلمين بأن يكونوا ساقة عسكر الجاهلية، بدل أن يكونوا قادة الجيش الإسلامي، وسرت فيهم الأخلاق الجاهلية ومبادىء الفلسفة الأوربية سريان الماء في عروق الشجر، فترى المادية الغربية في البلاد الإسلامية في كثير من مظاهرها وآثارها، ترى تهافتاً على الشهوات

ونهماً للحياة نهَمَ من لا يؤمن بالآخرة، ولا يوقن بحياة بعد هذه الحياة، ولا يدخر من طيباتها شيئاً. وترى تنافساً في أسباب الجاه والفخار، وتكالباً

عليها، فعل من يغلو في تقويم هذه الحياة وأسبابها، وترى إيثاراً للمصالح

والمنافع الشخصية على المبادىء والأخلاق، شأن من لا يؤمن بنبي ولا بكتاب، ولا يرجو معاداً، ولا يخشى حساباً[10].

ويتحسر الداعية الكبير محمد الغزالي لهذه الفاجعة الكبيرة ويقول: ياعجباً، كيف تبددت هذه القوة العظيمة، وأقفرت تلك المعالم النضرة؟

مَدارِسُ آياتٍ خَلَتْ من تِلاوةٍ          ومنزِلُ وحيٍ مُقفِرُ العرصاتِ

الواقع أن هذا الإنكسار لم يقع بغتة، ولم تلتق أسبابه فجأة.

إن الأمة الإسلامية صاحبة رسالة، وحاملة دعوة، ووريثة وحي يجب أن تبلغه بالعلم، وأن تظهر بالعمل. بيد أنها نسيت ذلك أو تناسته، وضعف أخذها به، ووفاؤها له على اختلاف الليل والنهار. واطرد هذا التفريط أولاً في شكل متواليات حسابية، وأخيراً في شكل متضاعفات هندسية[11].

وهذا هو الوصف العام لحال المسلمين بعد حياة العزوالرفعة طيلة قرون خلت، ثم حلّت بنا هذه المحن، وهناك أسباب كثيرة يمكنك أن تقرأها من خلال أقوال الجدد من المسلمين من أهل الفكر، فإني حاولت الوقوف عليها لأنني وجدتهم قد درسوها دراسة عميقة قبل إسلامهم، وأغلبهم، صرحوا قائلين، أننا أسلمنا لقناعتنا بالدين الإسلامي من خلال دراستنا للقران والسنة النبوية، ولو كان الأمر متعلقاً بالمسلمين اليوم ما أسلمنا.

ما هو الحل؟

ليس الإسلام هو المسؤول عن تخلف المسلمين وضعفهم، ولاعن فقرهم وإسرافهم، وإنما هم المسؤلون عنه، أي المسلمون، وذلك لأنهم خالفوا شريعة الله التي وضعها للناس.

يقول الأستاذ محمد قطب: بهذا المنهج الفكري يتكون لدينا المفكر المسلم والعالم المسلم والأديب المسلم، والباحث المسلم، وقد كان هؤلاء جميعاً موجودين في الأمة الإسلامية بكثافة ملحوظة حين كانت الأمة متمسكة بدينها، فلما غفلت من دينها قلت كثافتهم حتى كادت تذهب..

وفي فترة الغزوالفكري والإنسحاق تحت الضغط عجّت الساحة بمسخ مشوه يقول بضرورة الإنفتاح على الحضارة العالمية(يقصدون الغربية)! وضرورة التبادل الثقافي (يقصدون الأخذ من الغرب، فليس عندهم شيء ذاتي يتبادلونه مع أحد)! وضرورة مساكنة أصحاب القرية الواحدة التي صنعتها ((ثورة التكنلوجيا)) (يقصدون تقليد أوربا في كل شيء)!.

إن الإنفتاح مطلوب، والتبادل الثقافي مطلوب، والمعايشة والمساكنة مطلوبة، ولكن بالعزة التي ينشئها الإيمان في نفس المؤمن والتميزالذي يصنعه المنهج في فكر المؤمن. إن العالم الملحد، والعلم الالحادي، موجود يملأ الأرض، والذي تحتاج إليه البشرية لتنجو من الدمار ليس مزيداً من ذلك العلم، لا أولئك العلماء، إنما تحتاج البشرية إلى العلم الإيماني، والى العالم المؤمن، وهذا هوالذي ينشئه المنهج الإسلامي، والذي سميناه هنا المقتضى الفكري ((لااله الا الله)).

لقد كانت الأمة الإسلامية – يوم كانت حقاً – أمة عالمة، بل كانت هي الأمة العالمة في الأرض، ومنه تعلمت أوربا كثيراً من العلوم، وتعلمت المنهج التجريبي في البحث العلمي.

ولكنها كانت دائماً تؤمن بالغيب... وهذه مزيتها: الإيمان بعالم بالغيب وعالم الشهادة في آن واحد، بلا تناقض ولا صِدام[12].

يقول الدكتورعبدالرشيد الأنصاري: إن القران ليس أثراً من الآثارالساكنة الهادئة يشير إلى ماضٍ ميت، وإنما هو منبع حي للحق، ظهر في العصر العربي الذي أورثنا تراثاً عظيماً، لنا أن ففخر به، ذلك أن التراث الذي يجب الا نتركه بسهولة.

إن كلمات القران مليئة بالمعاني في يومنا هذا، كما كانت كذلك بالنسبة لأسلافنا، إنها كلمات مليئة بالحكمة، بعثها الله إلى الناس كافة وبهذه الكيفية إنها تتصدى حدود الزمن، لأنها عندما أحكمت، أحكمت خارج حدود الزمن لتكون خالدة لكل زمان بل لجميع الأزمان[13].

فمتى ما ترجم كلام الله إلى عمل، إلى الإيمان الصحيح والإستقامة والتقوى فإننا نشعر بالسعادة والراحة والطمأنينة، وإذا خالفنا المنهج الرباني، فإن الله تعالى يجعل حياتهم حياةً قاسيةً، فالجزاء من جنس العمل.قال تعالى: ﴿وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ القُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ﴾[14].

هذه الآية تتحدث عن العطاء الرباني للإنسان السوي، فإنه يكفل لهم أرزاقهم. وبما أن الرزق مكفول لهم، فإنهم بحاجة ماسة إلى القوة العسكرية للدفاع عن النفس والوطن والدين فهم بحاجة إلى عدة القتال وكذلك ما يحتاجونه من الآت لتطوير الصناعة، فلبى لهم الله تعالى مايحتاجونه في حياتهم، وذلك قوله تعالى: ﴿لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الكِتَابَ وَالمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالقِسْطِ وَأَنْزَلْنَا الحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالغَيْبِ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ﴾[15].

 فقد هيأ الله تعالى للإنسان ما ينفعه في هذه الأرض، من كافة أنواع المعادن وفي مقدمتها الحديد.

 يقول ابن كثير، قوله: ﴿وَأَنْزَلْنَا الحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ﴾: يعني السلاح كالسيوف والحراب والسنان والنصال والدروع ونحوها: ﴿وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ﴾: أي في معايشهم كالسكة والفأس والقدوم والمنشاروالإزميل والمجرفة والالآت التي يستعان بها في الحراثة والحياكة والطبخ والخبز، وما لا قوام للناس بدونه[16].

وقد تطورت إستخدامات الحديد الآن، والحضارة الحقيقية هي أن تعمرالأرض بمقتضى المنهج الرباني: أي أن تجمع أمر الدنيا والآخرة أمر الجسد والروح، أمرالعمل والعبادة هي أن تأخذ الإنسان كله، بحسياته ومعنوياته، بنشاط جسمه ونشاط عقله ونشاط روحه بإبداعه في عالم المادة، وارتفاعه في عالم القيم، هي حضارة ((الإنسان)) في أفقه الأعلى، يدب على الأرض بقدميه، وقلبه معلق بالسماء...

وقد كانت الحضارة الإسلامية حين كانت الأمة في أوجها.

ما من مجال من مجالات النشاط الخيّرالا خاضه المسلمون، بناء المدن وتعبيد الطرق السياحة في الأرض لكشف مجاهيلها، إستغلال ما سخَّر الله للناس من طاقات السماء والأرض في البناء والتعميروالتقدم العلمي، التهذيب الخلقي الصدق، الأمانة، الجد والجلد والمثابرة، وكل الخصال التي تنشىء أمة عظيمة[17].

يقول الدكتورغوستاف لوبون Lebon من أشهرمفكري وفلاسفة علم الإجتماع الفرنسيين يقول في كتابه(جوامع الكلم)لا تقاس قوة الأمة بعدد أهلها، بل بقيمة الطبقة الممتازة فيها، ونخبة الأمة صُنّاع حضارته فلا ترقى الا بهم، وإذا فقدتهم حلّ بها الفقروتولتها الفوضى[18].

وهذا كلام صحيح موافق للحق الذي جاء في كتاب الله تعالى: ﴿كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ﴾[19].

فإن العبرة بالنوع لابالكمِّ، فإن إبرهيم عليه السلام كان يمثل جانب الحق وأمامه أمة كاملة تعبد التماثيل التي يصنعونها بأيديهم، فجاء الثناء الإلهي بوصفه أنه أمة، قال تعالى: ﴿إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً﴾[20] ، ثم بين الله تعالى حكم من يستغني عن منهج إبراهيم ع أنه سفيه لا عقل له، كيف يرغب وهو المختارمن قبل الله تعالى لقيادة الناس إلى الله تعالى قال تعالى: ﴿وَمَنْ يَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ إِبْرَاهِيمَ الا مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ وَلَقَدِ اصْطَفَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا وَإِنَّهُ فِي الآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالحِينَ﴾[21] ، وذلَّلَ له الأرض: ﴿هُوَ الذِي جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ ذَلُولاً فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَاليْهِ النُّشُور﴾[22] ، وبين أجرالمؤمن الساعي من أجل آخرته، أنه يبارك له في سعيه: ﴿وَمَنْ أَرَادَ الآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُوراً﴾[23].

يقول أبو الحسن الندوي: لا ينهض العالم الإسلامي الا برسالته التي وكلها إليه مؤسِّسه r، والإيمان بها والإستماتة في سبيلها، وهي رسالة قوية واضحة مشرِّفة، لم يعرف العالم رسالة عدل منها، ولا أفضل ولا أيمن للبشرية منها، وهي نفس الرسالة التي حملها المسلمون في فتوحهم الأولى والتي لخصها أحد رسلهم في مجلس يزدجرد ملك إيران بقوله: ((الله إبتعثنا لنخرج من شاء من عبادة العباد، إلى عبادة الله وحده، ومن ضيق الدنيا إلى سعتها، ومن جور الإديان إلى عدل الإسلام)) رسالة لا تحتاج إلى تغيير كلمة وزيادة حرف، فهي منطبقة تمام الإنطباق على القرن العشرين إنطباقها على القرن السادس المسيحي، كأن الزمان قد استدار كهيئته يوم خرج المسلمون من جزيرتهم لإنقاذ العالم من براثن الوثنية والجاهلية[24]. وأضاف: ولكن مهمة العالم الإسلامي لا تنتهي هنا، فإذا أراد أن يضطلع برسالة الإسلام ويملك قيادة العالم، فعليه بالمقدرة الفائقة، والإستعداد التام في العلوم والصناعة والتجارة وفن الحرب، وأن يستغني عن الغرب في كل مرفق من مرافق الحياة، وفي كل حاجة من الحاجات، يقوت ويكسو نفسه، ويصنع سلاحه، وينظم شؤون حياته، ويستخرج كنوز أرضه وينتفع بها، ويدير حكوماته برجاله وماله، ويمخر بحاره المحيطة به بسفنه وأساطيله ويحارب العدو ببوارجه ودباباته وأسلحة بلاده، وتزيد صادراته على وارداته، ولا يحتاج إلى الإستدانة من الغرب، ولا يضطر إلى أن يلجأ إلى راية من راياته وينضم إلى معسكر من معسكراته[25].

وبما أن رسالة الإسلام ليست رسالة لقوم أو أمة معينة، ولم يبعث رسول الله r رحمة للعرب وحدهم، بل هوالرحمة المهداة للعالمين كما قال تعالى: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَاكَ الا رَحْمَةً لِلْعَالمِينَ﴾[26].

فلابد من إيصال صوته إلى كل بقعة من بقاع العالم، فإننا نعتقد أن أزمات العالم بيد هذه الأمة المرحومة والحل الوحيد هو تحول القيادة العالمية، وانتقال دفة الحياة من اليد الأثيمة الخرقاء التي أساءت إستعمالها إلى يد أُخرى بريئة حاذقة. هذا التحول الذي يغير وجه التاريخ، ويحول مجرى الأمور، وينقذ العالم من الساعة الرهيبة التي ترقبه، إن حقاً على كل بلد إسلامي وشعب إسلامي أن يشد حيزمه لذلك[27].

وهذا هو الحق الذي لا ريب فيه، والله أعلم..



[1] لا اله الا الله عقيدة وشريعة ومهاج حياة ص 99

[2] راقص الباليه ص 80

[3] ماذا خسر العالم بانحطاط المسلمين / تاليف السيد أبي الحسن علي الحسني الندوي – مكتبة دار العروبة – مصر ط3/ ص 253

[4] سورة طه الآية 114

[5] سورة المجادلة الآية 11

[6] روائع وطرائف، لفضيلة الشيخ إبراهيم النعمة، مطبعة دار الخلود بغداد 1990م ص 32مختصراً

[7] روائع وطرائف ص 38

[8] مذهبية الحضارة الإسلامية وخصائصها، الدكتور محسن عبدالحميد – دار عمار – عمان – الأردن ط1 / 1420ه- - 2000م ص 143

[9] إجابات حاسمة إلى الأخت الفرنسية المسلمة صص 84 - 85

[10] ماذا خسر العالم بانحطاط المسلمين 249

[11] مع الله ص 36

[12] لا اله الا الله عقيدة وشريعة ومهاج حياة ص 99

[13] راقص الباليه ص 80

[14] سورة الأعراف الآية 96

[15] سورة الحديد الآية 25

[16] تفسير القران العظيم 4/403

[17] لا اله الا الله عقيدة وشريعة ومهاج حياة ص104

[18] إنسان الحضارة ص27

[19] سورة البقرة الآية 249

[20] سورة النحل الآية 120

[21] سورة البقرة الآية 130

[22] سورة الملك الآية 15

[23] سورة الإسراء الآية 19

[24] ماذا خسر العالم بانحطاط المسلمين ص 253

[25] المصدر نفسه 253

[26] سورة الأنبياء الآية 107

[27] ماذا خسر العالم بانحطاط المسلمين ص 248




                      المقال السابق                       المقال التالى




Bookmark and Share


أضف تعليق