عربي English עברית Deutsch Italiano 中文 Español Français Русский Indonesia Português Nederlands हिन्दी 日本の
  
  

   

 

 البيئة المعاصرة لرسول الله صلى الله عليه وسلم 
 
 
 
لقد خاض محمد معركة الحياة الصحيحة في وجه الجهل والهمجية
 
 
 
تقول الأديبة البريطانية الشهيرة كارين أرمسترونج:
 
"الواقع أن بلاد العرب كانت تعتبر منطقة ذات طبيعة بالغة القسوة، ولم ينجح أي من الأديان المتقدمة التي ارتبطت بالحداثة والتقدم، في النفاذ إلى تلك المنطقة، وكانت كل قبيلة تهجم على الأخرى وتحاربها للحصول على الأموال، وكانت الفتيات يقتلن في طفولتهن بدون شفقة أو رحمة، والنساء شأنهن شأن العبيد[1]"     هذا حالهم ولكن الإسلام شئ آخر!!
 
 
 
إذا كنا منبهرين بنظرة رسول الله  صلى الله عليه وسلم للرحمة، وشمول رؤيته لها، فإن هذا الانبهار سيتضاعف – لا شك – إذا اطَّلعنا على نظرة البيئة المعاصرة له لنفس الخُلُق (خريطة 1).
 
قال رسول الله  صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي أخرجه مسلم في صحيحه عن عياض ابن حمار >والذي يوضح حال الأرض قبل بعثته  صلى الله عليه وسلم : "إِنَّ اللَّهَ نَظَرَ إِلَى أَهْلِ الْأَرْضِ، فَمَقَتَهُمْ عَرَبَهُمْ وَعَجَمَهُمْ إِلَّا بَقَايَا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ"[2]. فقد وصل حال الناس إلى درجة من الانحطاط جلبت عليهم مقت الله سبحانه وتعالى، والمقت هو شدة الكراهية.
 
واستخدام الرسول  صلى الله عليه وسلم لكلمة (بقايا) يوحى بالأثرية، أي كأنهم آثار من عهود سحيقة لا قيمة لها في واقع الناس، ومن جانب آخر فإنَّ هذه البقايا لم تشكل مجتمعات كاملة، بل كانت أفرادًا معدودين.
 
وسيتم تناول هذا الموضوع – إن شاء الله – من خلال المباحث التالية:
 
 
 
المبحث الأول: الوضع في الدولة الرومانية
 
    مزقت الخلافات العقائدية بين طوائف النصارى أواصر هذه الدولة، فالخلاف بين المذهب الأرثوذكسي والكنيسة الشرقية من ناحية، والمذهب الكاثوليكي والكنيسة الغربية من ناحية أخرى كان خلافًا حادًا أسفر عن حروب مدمرة قتل فيها عشرات الألوف.
 
 
 
   بل في داخل الدولة الرومانية الأرثوذكسية الشرقية ذاتها اشتعلت الخلافات العقيمة بين طائفة الملكانية وتعتقد بازدواجية طبيعة المسيح، وطائفة المنوفيسية وهم أهل مصر والحبشة ويعتقدون بطبيعة إلهية واحدة للمسيح، وكانت طائفة الملكانية تقوم بتعذيب الطائفة الأخرى تعذيبًا بشعًا، فيحرقوهم أحيانًا، ويغرقوهم أحيانًا أخرى، مع أنهم جميعًا أبناء مذهب واحد هو الأرثوذكسية.  وقد ظلت هذه الخلافات العقائدية مستعرةً، حتى جاء الفتح الإسلامي لمصر، فشكل لأقباطها خلاصًا من اضطهاد وتعذيب الدولة الرومانية لهم.[3] كما لم تنج حياة الرومان في داخل دولتهم من القسوة، فقد فرضت الدولة الضرائب الباهظة على كل سكان البلاد، وكان أكثرها وأثقلها على الفقراء دون الأغنياء، وكان المجتمع الروماني ينقسم إلى أحرار وهم السادة، وعبيد وهم ثلاثة أضعاف الأحرار من حيث العدد، ولا يتمتعون بأية حقوق بل مصيرهم في أيدي سادتهم، كما أنهم ليس لهم أي احترام وسط المجتمع، لدرجة أن الفيلسوف أفلاطون نفسه صاحب فكرة المدينة الفاضلة كان يرى أنه يجب ألا يُعطَى العبيدُ حقَّ المواطنة!!.  ولم تكنالقسوة مع العبيد والفقراء فقط، بل وصلت – وبقوة -  إلى المرأة الرومانية ذاتها، ففي رومية اجتمع مجمع كبير بحث في شئون المرأة؛ فقرر بعد عدة اجتماعات أن المرأة كائن لا نفس له، وأنها لهذا لن ترث الحياة الأخروية، وأنها رجس، ويجب ألا تأكل اللحم وألا تضحك، ومنعوها من الكلام حتى وضعوا على فمها قُفلاً من الحديد؛ فكانت المرأة من أعلى الأُسر وأدناها تروح وتغدو في الطريق أو في دارها وعلى فمها قُفلٌ![4].
 
 
 
 
----------------------------
 
[1]كارين أرمسترونج، محمد، ترجمة د.فاطمة نصر، كتاب سطور  ص85-95.
 
[2]مسلم: كتاب الجنة وصفة نعيمها وأهلها، باب الصفات التي يعرف بها في الدنيا أهل الجنة وأهل النار (2865)، وابن حبان (654).
 
[3]ألفرد.ج. بتلر: فتح العرب لمصر ص37، 38.
 
[4]شلبي: مقارنة الأديان (2/ 188)، عفيف طيارة: روح الدين الإسلامي، ص271.
 
 



                      المقال السابق                       المقال التالى




Bookmark and Share


أضف تعليق