عربي English עברית Deutsch Italiano 中文 Español Français Русский Indonesia Português Nederlands हिन्दी 日本の
  
  

   


المطلب الثاني: أسرى بدر:

 
كانت معركة بدر هي المعركة الأولى بين المسلمين والمشركين، وقد تَمّ النصر فيها للمسلمين مع قِلّة عددهم وعُدَّتهم؛ بل إنهم مع هذا النصر أَسَرُوا من المشركين سبعين، واستشار الرسول  صلى الله عليه و سلم  أصحابه رضي الله عنهم في شأن هؤلاء الأسرى، وماذا يفعل معهم؟
يروي عمر بن الخطاب  رضي الله عنه  فيقول: قال أبو بكر  رضي الله عنه : يا رسول الله، هؤلاء بنو العم والعشيرة والإخوان، وإني أرى أن تأخذ منهم الفدية، فيكون ما أخذناه قوّةً لنا على الكفار، وعسى أن يهديهم الله فيكونوا لنا عَضُدًا، فقال رسول الله : "ما ترى يا ابن الخطاب؟" قال: قلت: والله ما أرى ما رأى أبو بكر، ولكن أرى أن تُمكِّنني من فلان - قريب لعمر - فأضرب عنقه، وتُمكِّن عليًا من عقيل فيضرب عنقه، وتُمكِّن حمزة من فلان أخيه فيضرب عنقه، حتى يعلم الله أنه ليست في قلوبنا هوداة للمشركين، وهؤلاء صناديدهم وأئمتهم وقادتهم.
فهوى الرسول  صلى الله عليه و سلم  ما قال أبو بكر، ولم يَهْوَ ما قلتُ – أي عمر  رضي الله عنه  - وأخذ منهم الفداء.[1]

 


وعلى الرغم من نزول الآيات بعد هذا الموقف تُعاتب النبيّ  صلى الله عليه و سلم  أنه أخذ بالرفق واللين مع هؤلاء الأسرى في هذا الموقف "لَوْلَا كِتَابٌ مِنَ اللَّهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيمَا أَخَذْتُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ[2]" رغم ذلك؛ لم يكن هذا دافعًا لأن يُسِيءَ الرسول  صلى الله عليه و سلم  معاملةَ هؤلاء الأسرى، أو يُغَيِّر من تعامله معهم بعد أن أخذ قرارًا بإعفائهم من القتل، وقبول الفدية ممن يستطيع منهم.
وقد تفاوت مقدار هذه الفدية بحسب حالة كل أسير..
 

 

 

فقد أطلق الرسول  صلى الله عليه و سلم  بعض الأسرى كعمرو بن أبي سفيان مقابل أن يطلق المشركون سراح سعد بن النعمان بن أكال، الذي أسره أبو سفيان وهو يعتمر.
ومن الأسرى من كان يفدي نفسه بالمال، وكان  صلى الله عليه و سلم  يُراعي الحالة الماديّة لكلّ أسير، فمنهم من دفع أربعة آلاف درهم كأبي وداعة، وأبي عزيز واسمه زرارة بن عمير – وهو أَخٌ لمصعب بن عمير  رضي الله عنه  - دفعتها أمّه،وكانت صاحبة مالٍ وفير، ومنهم من دفع مائة أوقيّة كالعباس بن عبد المطلب، ومنهم من دفع ثمانين أوقيّة كعقيل بن أبي طالب، وقد دفعها له العباس، ودفع بعض الأسرى أربعين أوقيّة فقط[3].
 

 

 

أمّا من لم يكن معه مال، وكان يَعرفُ القراءة والكتابة فكان فِداؤه أن يُعَلِّم بعض المسلمين القراءة والكتابة؛ فقد روى الإمام أحمد في مسنده عن ابن عباس قال: ‏كَانَ نَاسٌ مِنْ الْأَسْرَى يَوْمَ ‏ ‏بَدْرٍ ‏ ‏لَمْ يَكُنْ لَهُمْ فِدَاءٌ ‏ ‏فَجَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ ‏‏ صلى الله عليه و سلم  ‏فِدَاءَهُمْ أَنْ يُعَلِّمُوا أَوْلَادَ ‏ ‏الْأَنْصَارِ[4].
ومن هؤلاء الأسرى مَن مَنَّ الرسولُ  صلى الله عليه و سلم  عليه بغير فداء مثل: المطلب بن حنطب، وأبي عزة الشاعر، وصيفي بن أبي رفاعة[5].
 

 

 

ومن الواضح أنه تم إطلاق سراح من بقي من أسرى بدر خلال أقل من عامٍ من غزوة بدر، ومما يؤكِّد هذا الأمر أن المشركين في أُحُد لم يتفاوضوا على أيِّ أسرى.
 

 ------------------
[1] ابن كثير: السيرة النبوية  2/457.
[2] (الأنفال: 68).
[3] ابن سعد: الطبقات الكبرى 4/ 14.
[4] أحمد عن ابن عباس (2216)، وقال شعيب الأرنؤوط: حسن، وقال الهيثمي: رواه أحمد عن علي بن عاصم وهو كثير الغلط والخطأ ووثَّقه أحمد، مجمع الزوائد 4/172.
[5] ابن سيد الناس: عيون الأثر 1/352.




                      المقال السابق                       المقال التالى




Bookmark and Share


أضف تعليق