عربي English עברית Deutsch Italiano 中文 Español Français Русский Indonesia Português Nederlands हिन्दी 日本の
  
  

   

 

لقاء مع النبي محمد صلى الله عليه وسلم خلق الحلم
 
 
 
 
كان الرسول صلى الله عليه وسلم  المثل الأعلى فى الحلم ؛ لأن الله تعالى أدبه فأحسن تأديبه ؛ وأمره جل شأنه بقوله :
 
 
( خُذْ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنْ الْجَاهِلِينَ (199) وَإِمَّا يَنزَغَنَّكَ مِنْ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (200) إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنْ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ )
 
سورة الاعراف .
 
وقال سبحانه وتعالى :( الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنْ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ )
 
سورة آل عمران الاية 134
 
وقال الله :( فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ وَنَسُوا حَظّاً مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ وَلا تَزَالُ تَطَّلِعُ عَلَى خَائِنَةٍ مِنْهُمْ إِلاَّ قَلِيلاً مِنْهُمْ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاصْفَحْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ )
 
سورة المائدة الاية 13
 
 
فقد أمر الله تعالى نبيه بالحلم ؛ وبالاستعاذه بالله عند الغضب والنزوع الى الانتقام وهذا ما يفهم جيدا من الاية الأولى .
 
وفى الاية الثانية مساواة بين كظم الغيظ والبذل فى سبيل الله والعفو عن الناس ؛ فإذا علمنا أن كظم الغيظ أقل شأنا من الحلم ؛ تبينت فضيلة الحلم ؛ لأن كظم الغيظ تحلم وتكلف للحلم ..
 
وقد كان النبى صلى الله عليه وسلم  القدوة فى سعة الصدر ؛ وسماحة النفس التى تليق بمكانته ورسالته ؛ فهو صاحب دعوة جديدة يعاندها أكثر الناس ؛ وفيهم الضعفاء والأقوياء ؛ والحمقى والعقلاء ؛ والأقارب والبعداء ؛ ومن يعانون من الخفة والطيش ؛ والرزناء ؛ وفيهم من يسأل لمجرد الجدال ؛ ومن يسأل ليتبين الحق من الباطل ؛ والحلم هو القوة النفسية التى لا تغنى عنها قوة أخرى فى غناءها .
 
 
 
كان الحلم من شمائل النبى صلى الله عليه وسلم  ؛ وكان من الوسائل التى جذبت إليه النفوس ؛ و ألفت حوله القلوب ؛ وصدق الله العظيم : ( فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنْ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِين)
 
سورة ال عمران الاية 159
 
 
جاء أعرابى يطلب شيئاً ؛ فأعطاه النبى صلى الله عليه وسلم  ؛ ثم قال له النبى صلى الله عليه وسلم  : هل أحسنت إليك ..؟ فقال الاعرابى : لا .. ولا أجملت . فغضب المسلمون . وقامواْ الى الأعرابى يريدون أن ينالواْ منه ؛ فأشار النبى صلى الله عليه وسلم  إليهم أن كفواْ . ثم قام ودخل منزله ؛ و أرسل الى الأعرابى وزاده شيئاً ؛ ثم قال صلى الله عليه وسلم  له : هل أحسنت ..؟ فقال الأعرابى : نعم ؛ فجزالك الله من أهل وعشيرة خيراً . فقال له النبى صلى الله عليه وسلم  : إنك قلت ما قلت وفى نفس أصحابى شىء من ذلك ؛ فـإن أحببت فقــل بين أيديهم ما قلت بين يدى ؛ حتى يذهب من صدورهم ما فيهــا عليك . قال الأعرابى : نعم . فلما كان من الغداة أو العشى جاء الاعرابى ؛ فقال النبى صلى الله عليه وسلم  لاصحابه : إن هذا الأعرابى قال ما قال فزدناه ؛ فزعم أنه رضى ؛ أكذلك ..؟ فقال الأعرابى : نعم فجزاك الله من أهل ومن عشيرة خيراً .
 
 
فقال الرسول صلى الله عليه وسلم  إن مثلى ومثل هذا الأعرابى كمثل رجل كانت له ناقة فشردت عليه ؛ فاتبعها الناس فلم يزيدوها إلا نفوراً ؛ فنادهم صاحب الناقة خلو بينى وبين ناقتى ؛ فإنى أرفق بها وأعلم ؛ فتوجه لها من بين يديها ؛ فأخذ لها من قمام الأرض ؛ فردها هوناً هوناً ؛ حتى جاءت واستناخت ؛ وشد رحلها ؛ واستوى عليها (1) .
 
كشف الاستار عن زوائد البزار 3/159 رقم2476 – نقلاً عن : فى رحاب التفسير – عبد الحميد كشك – الجزء التاسع 
 
والعشرون صفحة 7380 .
 
 
 
أرأيت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم  كيف يحلم على من أعطاه فجحد عطاءه ..؟ أرأيت إليه كيف يعطيه ثانية فيسمع رضاه ودعاؤه . وطلب منه أصحابه فى موقعة أحد أن يدعو على المشركين الذين شجواْ وجهه ؛ وكسرواْ رباعيته ؛ حتى سال الدم على وجهه الشريف ؛ فقال " أنا لم أبعث لعاناً ؛ ولكنى بعثت داعياً ورحمة ؛ اللهم اغفر لقومى فإنهم لايعلمون " .
 
(2) اللؤلؤ والمرجان فيما أتفق عليه الشيخان حديث رقم 1170 
 
 
 
قال أنس : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم  يمشى وأنا معه ؛ فأدركه أعرابى فجذبه جذباً شديدة ؛ وكان على النبى صلى الله عليه وسلم  برداً غليظ الحاشية فنظرت إلى عنق رسول الله صلى الله عليه وسلم  قد أثرت فيه حاشية البردة من شدة الجذبه . وقال الأعرابى : يامحمد احمل على بعيرى هذين من مال الله الذى عندك ؛ فانك لاتحمل من مالك ولا من مال أبيك . فسكت النبى صلى الله عليه وسلم  ؛ ثم قال المال مال الله وأنا عبده ؛ ثم قال : ويقاد منك يا أعرابى ما فعلت . فقال الأعرابى : لا . قال الرسول صلى الله عليه وسلم  : ولم ..؟ قال الأعرابى : لانك لاتكافىء السيئة بالسيئة ؛ فضحك النبى صلى الله عليه وسلم  ؛ ثم أمر أن يحمل للأعرابى على بعير شعير ؛ وعلى الآخر تمر . 
 
 
 
غضب الحليم :
 
لكن من الأحداث مالا يسعه الصدر الرحب ؛ ولا يطيقه الحليم ؛ فلابد من غضب ؛ لكن هذا اغضب هو اللائق بالعظيم الحليم ؛ لقد كان الرسول صلى الله عليه وسلم  صاحب رسالة ؛ ومبلغ دين وحـامى حقيقـة ؛ فمـن حقـه أن يحلــم على مـا يصيبــه هـو فـى سبيل دعوته ؛ ولكنه لا يستطيع أن يحلم على ما يصيب الدعوة نفسها ؛ قال الله تعالى :
 
 
( يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدْ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِير )
 
سورة التوبة الاية 73 
 
 
هنا كان الرسول صلى الله عليه وسلم  يغضب لأن غضبه لم يكن للدنيا ؛ فاذا اغضبه الحق لم يعرفه أحد ولم يقم لغضبه شىء حتى ينتصر للحق ؛ وكما قالت السيدة عائشة : " ما انتقم رسول الله صلى الله عليه وسلم  لنفسه قط ؛ إلا أن تنتهك حرمة الله ؛ فينتقم بها " .
 
اللؤلؤ والمرجان فيما اتفق عليه الشيخان رقم 1502
 
 
 
وغضب النبى صلى الله عليه وسلم  للحق هو الغضب اللائق به وبرسالته وبعظمته ؛ فهو غضب لايتجاوز حد الاعتدال بحال من الاحوال . وكان النبى صلى الله عليه وسلم  يحض على الحلم فقال :" ما تجرع عبد جرعة أفضل من جرعة غيظ يكظمها ابتغاء وجه الله " (3) . 
 
(3) مسند الامام أحمد 
 
 
 
وقال رجل لرسول الله صلى الله عليه وسلم  مرنى بعمل وأقلل قال صلى الله عليه وسلم  : " لاتغضب ثم أعاد عليه ؛ فقال : لاتغضب .
 
اللؤلؤ والمرجان فيما اتفق عليه الشيخان رقم 1676
 
 
 
وقال صلى الله عليه وسلم  لإصحابه : ليس الشديد بالصرعة ولكن الشديد الذى يملك نفسه عند الغضب " وقال صلى الله عليه وسلم  : " من كظم غيظاً وهو يقدر على انفاذه ملأ الله قلبه أمناً وإيماناً " . 
 
الجامع الصغير للسيوطى 
 
 
 
وقال صلى الله عليه وسلم  : " ليس أحد أصبر على أذى سمعه من الله ؛ انهم ليدعون له الولد ؛ ويجعلون له أنداداً ؛ وهو مع ذلك يعافهم ويرزقهم " 
 
صحيح البخارى – كتاب الأدب 7 /31
 
 



                      المقال السابق                       المقال التالى




Bookmark and Share


أضف تعليق