عربي English עברית Deutsch Italiano 中文 Español Français Русский Indonesia Português Nederlands हिन्दी 日本の
  
  

   

لقاء مع محمد المثل الأعلى فى الشجاعة

(7/100)

ان الشجاعة خلق فاضل ؛ ووصف كريم ؛ لاسيما اذا كانت فى العقل كما هى فى القلب ؛ وكان صاحبها من الإيمان والعلم . والشجاعة اذا كانت فى القلب فهى عدم الخوف مما يخاف منه البشر عادة ؛ أما الشجاعة فى العقل فهى المضى فى الرأى والصواب ؛ والتمسك بالمبادىء والاعتصام بالحق دون خشية من العواقب .

لم يكن النبى  صلى الله عليه وسلم  شجاعاً فحسب ؛ بل كان المثل الأعلى فى الشجاعة ؛ اذ كان شجاعاً فى السلم ؛ وشجاعاً فى الحرب ؛ وشجاعاً فى وحدته ؛ وشجاعاً فى قلة من أنصاره ؛ وشجاعاً فى جماعته ؛ وفى كثرة من أعوانه ؛ وكان شجاعاً فى جهرة بالحق وفى دفاعاه عن العقيدة ؛ مهما تكن عاقبة الشجاعة .

واذا كان التاريخ القديم والحديث قد سجل فى صفحاته أسماء كثير من الشجعان الذين تضرب بشجاعتهم الأمثال ؛ فإنه لايستطيع أن يسجل لواحد منهم ما سجله لرسول اله  صلى الله عليه وسلم  من ضروب الشجاعة المثلى فى مصادرها وفى مظاهرها وفى غاياتها .

أما عن مصادر شجاعته فهى فى المقام الأول تربية الله له ؛ ويقينه بقضاء الله ؛ ثم وراثته الفطرية ؛ وحسبنا أن نذكر قول الله تعالى :

(انفِرُوا خِفَافاً وَثِقَالاً وَجَاهِدُوا بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ (41)) سورة التوبة الاية 41



وقد تجلت هذه الشجاعة للرسول  صلى الله عليه وسلم  فى مواقف عدة ؛ وألوان شتى ؛ وظروف متنوعة ؛ تجمعها شجاعة الرأى ؛ وشجاعة الحرب .



· شجاعة الرأي :



{*} فقد ضاقت قريش بدعوته إلى الإسلام ؛ وبتسفيه أحلامها وألهتها ؛ فمشواْ إلى عمه أبى طالب ؛ وقالوا ْ : إن لك سناً وشرفاً ومنزلة ؛ وإنا قد استنهيناك من ابن أخيك ؛ فلم تنهه عنا ؛ ؛ وانا والله لانصبر على هذا من شتم آبائنا ؛ وتسفيه أحلامنا ؛ وعيب آلهتنا حتى تكفه عنا ؛ أو ننازله واياك حتى يهلك احد الفريقين .

فعظم ذلك على أبى طالب فرق لقومه وعداوتهم ؛ وأيضاً لم يطب نفساً بخذلان ابن أخيه ؛ فقال لمحمد  صلى الله عليه وسلم  : يا ابن أخى ان قومك قد جاءونى ؛ فقالوا كذا وكذا ؛ فأبق على وعلى نفسك ؛ ولا تحملنى من الأمر ما لا أطيق .



فظن النبى  صلى الله عليه وسلم  أن عمه تخلى عنه ؛ وانه خاذله ؛ وانه قد ضعف عن نصرته ؛ فقال  صلى الله عليه وسلم  : ياعم ؛ والله لو وضعواْ الشمس فى يمينى ؛ والقمر فى يسارى ؛ على أن أترك هذا الأمر حتى يظهره الله أو أهلك فيه ما تركته . ثم استعبر رسول الله  صلى الله عليه وسلم  فبكى ثم قام فلما ولى مدبراً .. فناداه أبو طالب ؛ فقال : أقبل يا ابن أخى ؛ فلما أقبل عليه قال اذهب يا ابن أخى فقل ما أحببت ؛ فو الله لا أسلمك لشىء السيرة النبوية – لابن محمد عبد الملك بن هشام المعافرى – 1/285 طبعة دار التراث العربى .



{*} وعرض عتبة بن ربيعة على قريش بعد اسلام حمزة بن عبد المطلب أن يعرض على محمد  صلى الله عليه وسلم  أمور لعله يقبل بعضها ؛ فوافقته قريش ؛ فقام وذهب اليه عتبه ؛ فقال : يا ابن أخى ؛ انك منا حيث تعلم من الشرف والعشيرة والعلاء والنسب ؛ وإنك قد أتيت قومك بأمر عظيم فرقت به جماعتهم ؛ وسفهت أحلامهم ؛ وعبت ألهتهم ودينهم ؛ وكفرت به من مضى من أبائهم ؛ فاسمع منى أعرض عليك أموراً تنظر فيها ؛ لعلك تقبل بعضها .

قال يا ابن أخى : ان كنت تريد بما جئت من هذا الامر مالاً جمعنا لك من أموالنا ؛ وان كنت تـريـد به شرفـاً سـودناك علينا ؛ حتى لا نقطـع أمراً دونك ؛ وان كنت تريد به ملكاً ملكناك علينا ؛ وان كان هذا الذى يأتيك رئياً تراه ولا تستطيع أن ترده عن نفسك ؛ طلبنا لك الطب ؛ وبلنا فيه أموالنا حتى نبرئك منه ؛ فانه ربما غلب التابع على الرجل حتى يداوى منه .

فلما فرغ عتبة . قال له النبى  صلى الله عليه وسلم  : أفرغت يا أبا الوليد ..؟

قال عتبى : نعم .

فقال له النبى  صلى الله عليه وسلم  : فاسمع منى .

 

حم (1) تَنزِيلٌ مِنْ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (2) كِتَابٌ فُصِّلَتْ آيَاتُهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (3) بَشِيراً وَنَذِيراً فَأَعْرَضَ أَكْثَرُهُمْ فَهُمْ لا يَسْمَعُونَ (4) وَقَالُوا قُلُوبُنَا فِي أَكِنَّةٍ مِمَّا تَدْعُونَا إِلَيْهِ وَفِي آذَانِنَا وَقْرٌ وَمِنْ بَيْنِنَا وَبَيْنِكَ حِجَابٌ فَاعْمَلْ إِنَّنَا عَامِلُونَ (5) قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَاسْتَقِيمُوا إِلَيْهِ وَاسْتَغْفِرُوهُ وَوَيْلٌ لِلْمُشْرِكِينَ (6) الَّذِينَ لا يُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ بِالآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ (7) (1)سورة فصلت

ومضى رسول الله  صلى الله عليه وسلم  يقرؤها عليه ؛ وعتبه منصت ؛ وقد ألقى عتبة يديه خلف ظهره معتمداً عليها فى مجلسه يسمع من النبى  صلى الله عليه وسلم  ؛ فلما انتهى رسول الله الى أية السجدة من السورة فسجد ؛ ثم قال : قد سمعت يا أبا الوليد ما سمعت وأنت وذاك .

فقام عتبة الى أصحابه ؛ فقال بعضهم لبعض : نحلف بالله لقد جاءكم أبا الوليد بغير الوجه الذى ذهب به .

فلما جلس اليهم ؛ قالوا : ما وراءك يا أبا الوليد ..؟

قال : سمعت قولا ؛ والله ما سمعت مثله قط ؛ والله ما هو بالشعر ؛ ولا هو بالسحر ؛ ولا هو بالكهانة .

يا معشر قريش أطيعونى وأجعلوها بى ؛ وخلواْ بين هذا الرجل وبين ما هو فيه ؛ فاعتزلوه ؛ فو الله ليكونن لقوله الذى سمعت من نبأ عظيم ؛ فان تصبه العرب فقد كفيتموه بغيركم ؛ وان يظهر على العرب فملكه ملككم ؛ وعزه عزكم ؛ وكنتم أسعد الناس به .

لكن الملاْ من قريش لم يرضواْ بهذا القول ؛ فقالواْ : والله يا أبا الوليد لقد سحرك محمد بلسانه .

فغضب وقال لهم : هذا رأيى ؛ فاصنعواْ ما بدا لك السيرة النبوية – لابن محمد عبد الملك بن هشام المعافرى – 1/285 طبعة دار التراث العربى .

ولو تأمل القوم لوجدوه رأياً راجحاً ؛ اذ ليس مطلوب من قريش ثمة بذل ؛ سوى أن تكف عن حرب محمد ؛ وتكف عن ايذائه ؛ ثم هو وشأنه مع العرب ؛ فان انتصرت عليه العرب فهو عين ما تبغيه قريش الان ؛ وان انتصر هو على العرب فانهم سيفوزون بما يصل اليه ؛ كاهله وعشيرته ؛ وهو رأى سديد ؛ حيث تصل قريش الى ذلك دونما خسائر فى أى مجال ؛ ان هى تركت محمد وشأنه .



· شجاعة الحرب :



{*} وقد تجلت شجاعته  صلى الله عليه وسلم  الحربية منذ مطلع شبابه ؛ فانه لما كان فى الرابعة عشر أو الخامسة عشر هـاجت " حـرب الفجـار " بين قريش ومعها كنانة من ناحيـة وبين قيس غيلان من ناحية أخـرى ؛ وقد شهد الرسـول  صلى الله عليه وسلم  وقائعهـا ؛ اذ أخرجه أعمامه معهم .

وقد حدث رسول الله بذلك فيما بعد ؛ حيث قال : كنت أنبل على أعمامى ؛ بمعنى انه كان يمنع ويرد النبل والسهام التى تطلق من العدو عن اعمامه .



{*} ثم بعد النبوة كان  صلى الله عليه وسلم  يشارك فى المواقع ؛ ويقدم إقدام الابطال ؛ ويمارس ما يمارسه القائد الشجاع ؛ ويتعرض لما يتعرض له اتباعه وجنوده ؛ على حين كان يستطيع أن يعفى نفسه من هذه المشاركة العملية اعتماداً على كونه النبى ؛ فيتوارى أو يتحصن ؛ أو يتخذ مكانه فى مؤخرة الجيش ؛ ولو أنه فعل ذلك لكان له مندوحة لا يرقى اليها تثريب أو ملام ؛ ولو أنه آثر هذا المسلك لرضى المسلمون بذلك مرضاة خالصة ؛ فقد كانواْ يؤثرون الرسول  صلى الله عليه وسلم  على أنفسهم ؛ ويشترون سلامته بأرواحهم ؛ لكنه كان مثلهم فى الميدان ؛ مثله مثلهم ؛ بل أقربهم الى العدو .



{*} وأما الغاية من شجاعته  صلى الله عليه وسلم  فانها كانت اعلاء كلمه الله ؛ والدفاع عن التوحيد الخالص ؛ وحماية الاسلام من عدوان المشركين ؛ وتحرير الناس من اغلال الوثنية ؛ والقضاء على الاستعباد ؛ ووئد الفساد ومخازى العقائد والنظم ومفاسد الأخلاق ؛ لتحل محلها أسمى عقيدة ؛ وأسلح نظام فى السياسة والادارة والمعاملات والاجتماع .



{*} جاء رجل الى النبى  صلى الله عليه وسلم  فقال : يارسول الله ما القتال فى سبيل الله ؛ فإن أحدنا يقاتل حمية ..؟ فقال  صلى الله عليه وسلم  : من قاتل لتكون كلمة الله هى العليا فهو فى سبيل الله . اللؤلؤ والمؤجان فيما اتفق عليه الشيخان رقم 1244 .

{*} فلـم تكن الشجاعـة التى اتصـف بها النبى  صلى الله عليه وسلم  والتى حـرض عليهـا ؛ وأقرها وامتدحها ؛ لم تكن شجاعـة القوى المقدام المـدل بقوته ؛ المفاخـر بهـا بين الناس ؛ ولا شجاعـة الثائر المهتاج الذى أشعله الغضب لغـير الحـق ؛ بل كـانت الشجاعـة المثلى التى لاتتوخى غير اعزاز دين الله ؛ واعلاء كلمته ؛ والذود عـن محـارمه ؛ والدفـاع عن الحقـوق التى صانتها الشريعة وحمتهـا ؛ ولهذا قـال  صلى الله عليه وسلم  : من قتل دون أهـله وماله فهو شهيد سنن أبى داود 5/128 برقم 4772 & وكذلك سنن الترمذى فى الديات حديث برقم 1321 & وأيضاً ابن ماجه فى الحدود برقم 2580 .



{*} وكانت الغاية النبيلة تقضى بأن تكـون الوسائل التى يتوصل بها الى الغاية أيضـاً نبيلة ؛ فقـد عـرض عليه الانتصـار بالمشـركين على المشـركين ؛ وهو فى قلة من الاعـوان ؛ وفى أمـس الحاجـة لفـرد واحـد يزيـد به عــدد قــواته ؛ فأبى وقال : لن أستعين بمشرك سنن الترمذى – كتاب السير – 4/128 رقم الحديث 1558 .



{*} لقد كان المسلمون يعجبون بشجاعة رسول الله  صلى الله عليه وسلم  إعجاباً يصغر فى عيونهم شجاعتهم ؛ حتى ان الامام على بن أبى طالب الذى عرفت عنه شجاعته وإقدامه حيث كان الصحابة أنفسهم يضربون به المثل فى هذا الشأن ؛ كان يقول : كنا اذا حمى البأس اتقينا برسول الله  صلى الله عليه وسلم  ؛ فما يكون أحد اقرب منه للعدو ؛ ولقد رأيتنى يوم بدر ونحن نلوذ بالنبى  صلى الله عليه وسلم  ؛ وهو أقربنا الى العدو ؛ فكان يومئذ أشدنا بأساً .



{*} ويقول أنس بن مالك : كان لنبى  صلى الله عليه وسلم  أشجع الناس ؛ فزع أهل المدينة ذات ليلة فانطلق بعضهم نحو الصوت ؛ يريدون أن يتعرفواً الخبر . فاذا بالنبى  صلى الله عليه وسلم  عائداً على فرس ليس عليه سرج ؛ وفى عنقه سيفه . وكان قد سبقهم الى الخروج فعرف الصوت ؛ فلما قابلهم قال لهم : لأن تراعواً ؛ لن تراعواً اللؤلؤ والمرجان فيما اتفق عليه الشيخان حديث رقم 1489 ( لن تراعوا أى لا تخافواْ)

فقد كان أسبق القوم فى التوجه لهذا الصوت المفزع ؛ حتى انه من سرعته ركب جواد بلا سرج متوجهاً نحو هذا الصوت ؛ وقد حمل فى عنقه سيف . قال عمران بن حصين ما لقى النبى  صلى الله عليه وسلم  كتيبة الا كان أول من يضرب .

{*} وكان النبى  صلى الله عليه وسلم  قدوة المسلمين فى شجاعته الحربية ؛ وغير الحربية ؛ وكان يحضهم على الشجاعة ؛ ويحببها اليهم باقوال توضح لهم الغاية النبيلة التى يجب أن يتوخاها فى جهادهم ؛ وله فى هذا المجال أحاديث كثيرة منها :

- من قتل دون ماله فهو شهيد ؛ ومن قتل دون دمه فهو شهيد ؛ ومن قتل دون دينه فهو شهيد ؛ ومن قتل دون اهله فهو شهيد سنن أبى داود 5/128 رقم 4772 & سنن الترمذى فى الديات 1412& سنن ابن ماجه حديث 2580

- من أفضل الجهاد كلمة حق عند سلطان جائر

سنن ابى داود فى الملاحم 4/514 & والترمذى فى الديات رقم 2175 & وابن ماجه فى الفتن حديث رقم

4011

- قيل يارسول الله : أى الناس أفضل : فقال رسول الله  صلى الله عليه وسلم  : مؤمن يجاهد فى سبيل الله بنفسه وماله

صحيح البخارى – كتاب فضل الجهاد والسير 4/18

- وقوله  صلى الله عليه وسلم  : ان فى الجنة مائة درجة أعدها الله تعالى للمجاهدين فى سبيل الله ؛ مابين الدرجتين كما بين السماء والارض

صحيح البخارى – كتاب فضل الجهاد والسير 4 /19



- وقوله  صلى الله عليه وسلم  : لغدوة فى سبيل الله أو روحه خير من الدنيا وما فيها

(5) اللؤلؤ والمرجان فيما اتفق عليه الشيخان حديث برقم 1234

وقوله  صلى الله عليه وسلم  : لولا أن أشق على أمتى ما قعدت خلف سرية ؛ ولوددت أن اقتل فى سبيل الله ثم أحيا ثم أقتل

(6) صحيح البخارى – كتاب دعاء النبى الى الاسلام 4/64




                      المقال السابق                       المقال التالى




Bookmark and Share


أضف تعليق